Friday 10 February 2017

الفيلم العراقى " بيوت فى ذلك الزقاق " مقال من أرشيفى القديم

بيوت في ذلك الزقاق

النسخة العراقية من الفيلم العربي المشترك

" احنا المنتجين الحقيقيين وهم المرفهين "، " هذا رابع بيت يقع في المنطقة " ، " شعبنا العظيم والحياة القاسية اللي بنعيشها علمتنا أشياء وايا " . باستثناء كلمة " وايا " في الجملة الثالثة التي تنتمي للعامية العراقية يمكن أن تسمع هذه الجمل الحوارية في فيلم مصري أو سوري لأنها جمل في فيلم يتحدث عن قلة من الفقراء " في ذلك الزقاق " تعيش تحت خط الفقر يستغلهم صاحب " 300 بيت ورثها أبا عن جد " وآخر يعيش في بيت بدورين يدير مجموعة مصانع صغيرة يسخر في العمل أسرا فقيرة يعملون في البيوت القديمة التي يملكها الأول ، يمكن أن يكون هذا في أحد الأحياء العشوائية في القاهرة أو عمان أو دمشق . إنه الوضع المشترك الذي يمكن رصده في العالم العربي من المحيط إلى الخليج .

قاسم حول مثقف عراقي يعيش في هولندا مثل غيره من مثقفي بلاده يكتب كتبا، وينظم عروضا سينمائية، يخرج أفلاما وثائقية وروائية في العراق أو اليونان أو ليبيا، أفلاما عراقية الهوى، إنسانية عامة، فنان ملتزم بقضايا فقراء الوطن. تميزت أفلامه الوثائقية وخاصة فيلمه " الأهوار " و " بيوتنا الصغيرة " وغيرها، أمدته بالجو العام وحكايات " بيوت في ذلك الزقاق " الفيلم الروائي الأول للمخرج " قاسم حول " الذي عرض عام 1977 ، ويحكي عن صحفي – بديلا عن المخرج – يخرج باحثا عن حقيقة الأوضاع المتردية داخل الأزقة الضيقة وتحت أنقاض البيوت المنهارة التي يملكها " أبو فهد " الذي تختلف مصالحه مع صاحب رأس المال " مجدي " الذي يستغل ساكني هذه البيوت للعمل منها والتوريد لمصانعه ، وعندما يرغب " أبو فهد في هدم البيوت تتعرض مصالح " مجدي " للخطر ، عندما يضطر الفقراء إلى الرحيل . وبين الاثنين رجال في السلطة لا يهمهم سوى تصالح المستغلين حتى لا تستفيد المعارضة من تردي الوضع  .

والفيلم في طرحه للمشاكل الاجتماعية ورصده للفساد وإرجاعه لنظام عام فاسد ليس ببعيد عن الفيلم المصري " العوامة 70 " للمخرج خيري بشارة الذي بدأ أعماله بمجموعة أفلام وثائقية تميزت جميعها وخاصة " عبد العاطي صائد الدبابات " و" طبيب في الأرياف "  .

وبديلا عن صحفي قاسم حول في " بيوت في ذلك الزقاق " قام أحمد زكي بدور مخرج أفلام تسجيلية  يكتشف أثناء عمله في فيلم عن محالج القطن قضية سرقة كبرى . الروابط المشتركة بين " قاسم حول " المولود عام 1940 وبين خيري بشارة الذي يصغره بسبع سنوات تظهر بوضوح في أفلامهم الروائية والتسجيلية . قاسم يكتب أفلامه التي نسمع فيها حوارا مباشرا وخطبا سياسية بينما يخلط خيري بشارة الفن بالسياسة وتفاصيل الحياة الصغيرة فينجح في العبير عن أزمة الوطن وأزمة المثقف بسرده المتوازي للقضية العامة والخاصة مستعينا بسيناريو كتبه " فايز غالي " عن قصته التي كتبها من خبرته في الأفلام الوثائقية كما قاسم حول الذي يجيد عمل الأفلام والتحدث عنها أيضا ، قال عن فيلمه " بيوت في ذلك الزقاق " :

" إنه يحلل البنية الطبقية والاجتماعية للمجتمع العراقي، ويدور حول العمل الرأسمالي في المنازل، عن الناس الذين يعملون في البيوت للمصانع، والذين ليس لهم وضع قانوني هذه المصانع تنشأ عادة في الأحياء الفقيرة والتجمعات السكانية الصغيرة، ولأنها لا تعمل بشكل قانوني لا تهتم بمصلحة السكان الفقراء وإنما تريد حماية نفسها فتحتمي بالأمن ورجاله من خلال علاقات ومجاملات على حساب هؤلاء الفقراء ، وبذلك يتفسخ المجتمع وتتفشى الدعارة والأطفال المشردين . ومن خلال هذا الفيلم أحلل المجتمع ، وفي النهاية أدين رجال الأمن الذين يغتصبون البنات العاملات الفقيرات بعد إغوائهن بالحياة المترفة .

الفيلم يحلل هذه البنية الاجتماعية الخطيرة وغير القانونية، وعندما عرض الفيلم وبعدما شعرت السلطة بأن الفيلم خطر عليهم طلبوا مني إجراء بعض التعديلات فرفضت .. وكنت سأدفع حياتي ثمنا لهذا الرفض لأنك في العراق لا تستطيع أن تقول لا بسهولة ." الحديث أدلاه قاسم حول للناقد أيمن يوسف عندما التقاه في مهرجان فريبورج منذ عدة أعوام وعندما شاهدنا نسخة فيديو من مقتنيات المونتير" أحمد متولي " الذي قام بعمل المونتاج في العراق  1976، لاحظنا وجود مقدمة لا تمت إلى نسيج الفيلم بمشهد تحقيق تسجيلي يقوم به الممثل الذي قام بدور الصحفي مع إحدى العاملات تعمل على ماكينة في أحد المصانع وتتحدث عن تغير الأوضاع بعد الثورة – 1968- وبعدها مشهد للزقاق تنزل عليه عناوين الفيلم وفي النهاية عودة لمشهد المقدمة مع موسيقى حماسية تعكس حدوث تغيرات ثورية في الأوضاع المنهارة، وذكرني هذا بالتعديل الذي أجرى على فيلم المخرج الكبير توفيق صالح " القلة " عن طريق إضافة تعليق يتحدث عن التقدم الصناعي الذي تشهده الدولة المصرية أيام الوحدة مع سورية " الجمهورية العربية المتحدة " قبل السماح بتناول الفيلم الذي يحكي عن إناء شرب المياه المصنوع من الطمي بينما مصر تصنع الثلاجات الكهربائية كما رأى النظام لنتأكد من كوننا نعاني مع اختلاف طفيف في التفاصيل من أوضاع مشتركة يعاني فيها شعبنا من كثير من مشاكل تمس حياته كما يعاني فيها المثقف الفنان من قيود على حرية تعبيره تدفعه للهجرة كما فعل " قاسم حول " أو التوقف عن العمل كما فعل " توفيق صالح " .

كتبت المقال بعد عرض الفيلم فى إطار نشاط جمعية نقاد السينما المصريين

 تحت عنوان قراءة جديدة (لا أذكر السنة ) .


صفاء الليثى
القاهرة 



No comments:

Post a Comment