Sunday 24 April 2011

فيلم تسجيلى عن رائد النهضة المصرية


إرهاصات الثورة وسحب التغيير
يكثر الحديث عن أن ثورة 25 يناير فاجأت العالم، والمفاجأة هنا تجاوز الحقيقة، فمصر منذ عدة سنوات حبلى بالثورة وخاصة مع تزامن حركة كفاية مع مشروع بالتوريث، فكان الشعار لا للتمديد لا للتوريث، أُخذ على حركة كفاية أنها نخبوية، تخرج مظاهراتها فى وسط المدينة ، سماها البعض مظاهرات طلعت حرب، وهو الميدان الأصغر الذى يلى ميدان التحرير، ولم تكن حركة كفاية هى وجه المعارضة الوحيد بل ظهرت عدة حركات أخرى، منها حركة 6 أبريل، ومجموعة كلنا خالد سعيد بالطبع مع عدد من الأحزاب المعارضة بعضها يلقب بالجماعة المحظورة – جماعة الإخوان المسلمين- وأخرى تسمى بالكرتونية لضعفها ولعملها فى كنف السلطة، ولكن رقعة الاحتجاجات اتسعت لتشمل عمال المحلة الكبرى المعارضين لسوء الأحوال الناتج عن الخصخصة، كما ظهرت أيضا حركات فلاحية معارضة، بل أن موظفى الدولة رفعوا أصواتهم وطالبوا بتحسين ظروف المعيشة، ترك النظام هامشا للحرية عبر صحف معارضة وقنوات تلفزيونية خاصة لإسكات أمريكا والغرب التى تطلب من النظام تحقيق الديمقراطية، ظلت المعارضة تؤذن فى مالطة على ما يبدو، ولكن ما حدث من الانفجار العارم لقطاعات الشعب المصرى فى كل مدن القطر يؤكد أن النار كانت تحت الرماد. وأن الثورة كامنة رغم ما تبدو الأمور عليه من السكينة.
" تعظيم سلام "

 من سيد سعيد إلى طلعت حرب

قبل اندلاع الثورة بعام تقريبا عكف المخرج والناقد سيد سعيد على فيلم كُلف به لحساب شركة مصر للصوت والضوء التابعة لوزارة الاستثمار، وكانت الفكرة إنتاج أفلام عن رواد الاستثمار. اختار سيد سعيد "طلعت حرب " رائد النهضة الصناعية المصرية" مؤسس بنك مصر أول بنك وطنى أُسس من أموال المصريين وكون مجموعة شركات تتكامل لتكون قلعة صناعية تروج لها السينما فأنشأ أيضا " ستوديو مصر" أحد قلاع صناعة السينما المصرية وأكبرها على الإطلاق. برؤية المبدع والسياسى ظهر فيلم " تعظيم سلام " عملا نقديا سياسيا فى المقام الأول يقدم مرثية عما آلت إليه الأوضاع بعد إفلاس بنك مصر  وانهيار الصناعة التى أصبحت خرابات ونفايات.
سار الفيلم التسجيلى الأول لمخرج "القبطان" جامعا عدة مناهج للفيلم التسجيلى، إذ يبدأ بأسلوب التحقيق المصور سائلا المارة لمن هذا التمثال، الإجابات تعكس مأساة أخرى عن انهيار التعليم والثقافة فى السنوات الأخيرة، الوحيد الذى أجاب إجابة صحيحة  فلاحُ مصرى، سرد بفخر سيرة طلعت حرب مؤسس بنك مصر ورائد الصناعة المصرية، التوفيق وضع هذا الفلاح الفصيح  فى طريق الفنان المنحاز للعمال والفلاحين؟ ثم يعرج  الفيلم على أسلوب الريبورتاج الذى يقترب بعض الشيء من البرامج الحوارية، ثم فقرة فنية معتمدة على شريط صوت غنائى نادر، الثقافة الرفيعة للفنان تتبدى فى اختياراته الموسيقية التى تشكل مع الصورة وحدة مشهدية تحبس أنفاسنا، وعندما تنتهى تسلمنا إلى قطعات حادة لننتبه أننا أمام حالة اغتيال لهذا الإنجاز العظيم، اغتاله الاستعمار الإنجليزى ثم الأنظمة المصرية عبر مراحل انتهت بالخصصة التى أخذت معها كل المنجزات العظيمة لطلعت حرب الذى مات بحسرته بعد ضياع البنك الذى أسسه كما يخبرنا حفيده فى لقاء بالفيلم. يشترط الشكل الإنتاجى الذى يسمى بالفيلم الممول على المنتج المنفذ – وقد كان المركز القومى للسينما- عدة شروط منها الالتزام بعناصر الدعاية وبطول محدد للفيلم 28ق . قدم المخرج للممول النسخة التى يطلبها، ولكنه أعد نسخة تُرضى طموحه الفنى ، عرضت نسخة المخرج 75ق بندوة جمعية النقاد وأجمع الحاضرون أنه لو وضع صورة واحدة من ثورة 25 يناير لكانت نهاية مناسبة للفيلم الذى يرصد أوضاعا قامت من أجل تغييرها الثورة الشعبية فى مصر. يعكس تناول الفيلم الحالة المعاصرة لمصر الآن، وهذه وظيفة الفيلم التسجيلى الذى يعود للماضى ليشير إلى الحاضر وينير المستقبل. يرفض سيد سعيد أن يوجه له أى نقد، وهو الناقد المتفهم لعلم الجمال وشروطه، يدافع عن هنات بالفيلم أنه أرادها كذلك رفضا للبيرفكشن- للإجادة- يقول إنها مثل الختم على طابع البوستة ،أو الخدش على سطح صورة قديمة. وأعتقد أنه لايريد أن يشاركه أحد فى التحكم فى قطعته الفنيه ويريده حاملا لتوقيع منفرد ليكون فيلم ل.. سيد سعيد. "تعظيم سلام" تسجيلى طويل يعبر عن فكر المعارضة للنظام الذى أسقطه الشعب المصرى بثورته الشعبية 25 يناير 2011.
كان هذا هو الجزء الأخير من الورقة التى شاركت بها فى ندوة عن السينما الوثائقية بمهرجان تطوان المتوسطى بالمغرب، وكانت الورقة بعنوان الفيلم التسجيلى من الثورة إلى الثورة.

1 comment:

  1. هذا المقال ينشر للمرة الأولى فى المدونة قبل نشره فى مطبوعة ورقية . كتجربة للاكتفاء بالنشر من خلال المدونة وربطها بصفحتى على الفيس بوك .

    ReplyDelete