Tuesday, 19 April 2011

الدورة 17 لمهرجان تطوان المتوسطى


              تنوع التسجيلى
وغلبة النوع الاجتماعى 
على الروائى الطويل  
سألنى صحفى مغربى ونحن فى الطريق لدار العرض لو سألتك عن المهرجان فى جملة فماذا تقولين، قلت مجموعة من الأفلام شديدة التميز. وندوة هامة غطت محاور عدة عن الفيلم التسجيلى،الوثائقى. ترافقنا مجموعة السينى فيل كما أسمانا السينمائى الجزائرى محمد بن صالح فى العروض المتنوعة لمسابقات المهرجان فى الأقسام الطويلة والقصيرة والقسم التسجيلى. غلبنا الهوس بالسينما الجميلة فلم نلاحظ ما سمعناه عن خلافات بين منظمى المهرجان ورعاته. كانت المرة الأولى لى فى مهرجان بالمغرب فم ألتفت إلا لجمال الطبيعة البكر، والنظافة الطاغية، وحب الناس الهادئ بمجرد سماعهم لحديثنا وتأكدهم أننا مصريون. متعة أن تتواجد فى بلدة لها شخصية مميزة، محاطا بحب مغاربة وجزائريين وزملاء نقاد عرب من المشرق فى سوريا والأردن ولبنان. لا يغلبها سوى متعة مشاهدة أفلام جيدة تدار حولها ندوات جادة تأخذ حقها فى صباح اليوم التالى للعروض. ضمت مسابقة الأفلام التسجيلية مجموعة هامة منها فيلم فى انتظار أبو زيد عن أستاذ الفلسفة نصر حامد أبو زيد لمريده اللبنانى على الأتاسى وهو أقرب لمحاضرة طويلة ولقاء مع زوجته المحبة د. امتثال، يرغب الأتاسى فى عرض فيلمه بميدان التحرير بالقاهرة. استمتعت بالعمل التسجيلى الذى أنهاه صاحبة قبل وفاة أبو زيد بشهرين وحصل على موافقته على ما جاء به، وهو وثيقة هامة جدا تغطى جانبا من نضال المفكر للدفاع عن أفكاره ،كما يظهر خلافه  مع المريد على  رفضه لوضع بقائه فى بلده تحت حراسة مشددة. وتفضيله البقاء فى الخارج. الغربة كانت موضوعا للفيلم المغربى زماننا الذى يتناول فيه الممثل المغترب خليل داوود رحلته مع ابنه الذى ولد بفرنسا لتعريفه بجذوره، غلب على الفيلم مخاطبة الغرب مع لمسة فولكلورية فى تناول عناصر المغرب. هذه النظرة السياحية لم يخلو منها أيضا فيلم "السلاحف لاتموت بسبب الشيخوخة" الذى فاز بجائزة أفضل فيلم تسجيلى وهو يتتبع ثلاثة من المسنين المغاربة مصرون على الحياة رغم تقدمهم فى العمر. شارك فى إخراجه المغربية  الشابة هند بنشترون والتركى سامى مرمر وهو مخرج شاب أيضا أنتج الفيلم لحساب التلفزيون الكندى ،صورة الفيلم بديعة والشخصيات جذابة الفيلم به خفة ظل وروح تحتفى بالحياة، الفيلم يشبه الأفلام التى تنتجها الجزيرة الوثائقية التى تقدم نظرة سياحية عن الأشياء والناس دون أن تتعمق فى المشاكل كما فعل فيلم "جلد حى" الذى حاز جائزة العمل الأول، وهى بالتأكيد تخالف فيلم " زهرة " لمحمد بكرى الحائز على جائزة لجنة التحكيم وهو يتناول المرأة الفلسطينية زهرة كنموذج لصمود وقوة الأم الفلسطينية. كانت لجنة التحكيم موفقة فى اختيارها لثلاث نوعيات مختلفة لتعطيها جوائزها ساعدها على ذلك الاختيار الموفق لنوعية الأفلام والتى قام بها مدير المهرجان أحمد الحسنى رئيس جمعية أصدقاء السينما المنظمة لمهرجان تطوان، يذكرنى الحسنى بالمخرج والناقد المصرى الزميل أحمد رشوان فى بشاشته وتحمله للنقد بروح قوية، شهد المهرجان مظاهرة احتجاج ضد الحسنى لم يقمعها أحد.  
الناس الطيبون فيلم إيطالى شارك فى المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، عنوانه يذكرنى بالفيلم الكلاسيكى فقراء ولكن سعداء أو سحر البرجوازية الخفى، إنه عودة للفيلم الاجتماعى الذى يحكى قصة إنسانية بسيطة ولكنه يهدف لفكرة كبيرة، فى نقد البرجوازية وفضح زيفها فالطبيبة النفسية التى تتمتع بحب زوجها المهندس المعمارى تنشغل وهى فى طريقها لمنزلها الريفى برؤية فتاة ليل من أوكرانيا تساء معاملتها من قبل راعيها، تتعلق بفكرة إنقاذ الفتاة عن طريق خطفها ورعايتها فى منزلها، بالطبع ينفذ لها عملية الخطف الزوج المحب. تمارس معها ما يقد يظن فى البداية أنها مشاعر أمومة لتعويض نقص ما، ولكن ابنها يحضر مع خطيبته فندرك أن الأمر أعمق من هذا، ولكن عندما يحدث تقارب بين الابن والفتاة،ويعاملها برقة حبيب حتى أن الفتاة المعتادة على بيع المتعة تمارس معه الحب بشكل مختلف مما يجعلها فى قمة السعادة، وهنا تتحول مشاعر الأم وتبدأ فى تحذير الفتاة من الاقتراب من مملكتها ،يصل الأمر لذروته عندما تتوهم بوجود شبح علاقة مع زوجها وتخبر ابنها الذى يتعارك مع أبيه ويسقطه أرضا دون إحساس بالذنب. القيم البرجوازية دخلت فى امتحان صعب لاختبار تلك المشاعر غير المتجذرة فيها حول حقوق الإنسان وحق الجميع فى حياة كريمة،  تنقلب السيدة الطبيبة  لوحش كاسر وتطرد الفتاة شر طرده. ومرة أخرى ينفذ الزوج ويهرب الابن من مسئوليته. الاب يودع الفتاة محطة قطار موحشة –كأغلب محطات المدن الأوربية الصغيرة – تمزق بعنف مظروف النقود ، تضعها فى حقيبتها وتخرج أحمر الشفاة ويعود مظهر العاهرة وكأنه قدر لا فكاك منه.  بعد أن طردت من المجتمع ومثقفيه. الاسم به سخرية مبطنة، فهل هم أناس طيبون حقا؟. توقعت لهذا الفيلم جائزة أفضل فيلم ولكن لجنة التحكيم كان لها رأى آخر فمنحت جائزتها لفيلم  أسبانى يُشرح الأسرة البرجوازية أيضا ولكن بدرجة أقسى وبمشاهد عنيفة جدا. الناموسية فيلم جيد هو الثانى لمخرجه حاز على الجائزة الذهبية فى مهرجان محلى وها هو يحصد ذهبية تطوان. نهايته تدين الأسرة البرجوازية أيضا كما الإيطالى. ويلاحظ أن أغلب أفلام المسابقات حفلت بنقد اجتماعى يشرح الأسر كل حسب المجتمع الذى تعبر عنه. فالفيلم المغربى جناح الهوى يوجه فيه مخرجه نقدا عنيفا للتزمت الدينى وقهر الآخرين فى المجتمع المغربى. ففى حارة تشبه الحارة المصرية فى كلاسيكيات الخمسينيات ، حيث سطح المنزل وعشة الفراخ التى تتخفى فيها الحبيبة ، نشاهد واقعا مغربيا يشبه واقعا مصريا قد يكون اختلف الآن، وتبقى السينما مرجعية للواقع مع اختلاف السنوات. يحتفى المخرج بالشباب وعنفوانه وتفجر الحيوية والرغبة فى الحياة فى مقابل سلطة دينية أو بوليسية تجاوب معه الحضور من الشباب بينما انسحبت العائلات والكبار من قاعة عرض أفينيدا بقلب تطوان . خارج القاعة كانت هناك مظاهرة تأييد للمخرج عبد الحى العراقى قد يقرأها البعض كمظاهرة تطالب بالتغيير والإصلاح . توحد المخرج مع حق الشباب فى الحياة والاستمتاع بها من خلال حرية اختيار المهنة التى يريدها البطل واختيار الزوجة التى يشعر معها بالمتعة. فيلم " جناح الهوى" موجه للجماهير يعتمد طريقة تقليدية فى رسم الشخصيات بشكل فيه مبالغة الميلودراما وبشخصياته الكوميدية كصديق البطل والجارة الحشرية. استمتعت بالفيلم عندما خلعت نظارة الناقد والمثقف، ورغم أن المخرج هو مؤلف الفيلم إلا أنه لا ينتمى لتيار سينما المؤلف التى تبتعد عن التنميط والترميز ولا السرد والبناء التقيلدى. فيلم يعيد للأذهان الواقعية المصرية التى ترجع للواقعية الإيطالية وهى تضع المشاهد نصب أعينها. 
حصل بطل الفيلم عمر لطفى على جائزة أفضل أداء رجالى من مهرجان طنجة القومى الذى سبق مهرجان تطوان. ولكن لجنة تحكيم تطوان انحازت لفيلم الجامع لداوود أولاد السيد المنتمى لسينما المؤلف ومنحته جائزة المهرجان الكبرى. كان فيلم "جناح الهوى" آخر فيلم يعرض فى البرنامج وحرصت على مشاهدته بعد ملاحظة الناقد الجزائرى نبيل حاجى حول عدم اهتمام المصريين بأى تفاعل مع الفن أو الفنانين العرب، احترمت صراحته وحاولت الاستفادة من رأيه، فكيف تكون مدعوا لمهرجان فى بلد ما ولا تحرص على حضور عروض أفلام هذا البلد. كنت حضرت عرضين لأفلام  وثائقية تعوقنى أحيانا الترجمة الفرنسية أو اللهجة الصحراوية. ولكنى كنت أجد شرحا فوريا من متطوعة شابة تعمل فى دار الثقافة فتوضح لى ليس فقط الكلمات ولكنها تشرح أيضا بعض ما تعتقد أنه سيفوتنى فهمه. لم تمض أيام إلا ووجدتنى أفهم العربية بلهجة مغربية شاعرة بالحرج وهم يتوقفون فى منتصف الحديث ليسألوننى هل أفهم، فأقول أننى أفهم جيدا.
الاتجاه بالفيلم للجمهور العريض يبدو توجها جديدا للسينمائيين المغاربة وهو ما لاحظته مع فيلم الساحة الجزائرى، أكد لى صاحبه أنه فيلم جزائرى خالص بلا أى دعم غربى كما يحدث مع أفلام أخرى, وعند تناول أمر صعوبة التفاهم بيننا قال لى مخرج الساحة دحمان أوزيد نحن فى المنزل نتحدث الأمازيرية وفى المدارس كان الاستعمار الفرنسى يمنعنا من ترديد أى كلمة عربية. قلت له لو طلبنا منكم كتابة نص عربى على الفيلم هل توافقون فقال بانزعاج لماذا؟ الممثلون يتحدثون العربية. شعرت بالخجل وهو ما تكرر معى حين سألنى شاب فى المطار عن أمر يخص تذكرة سفره، فقلت له لست مغربية ولن أفهم حديثك فقال لى أنا أتحدث العربية، أخجلنى فاستمعت إليه واستطعت أن أشير له على لوحة تُكتب فيها مواعيد الطائرات وكان لديه الحق فى الارتباك فقد كانت لديه طائرتين أحدها لأمريكا. عدم بذلنا الجهد للتقارب مع أشقائنا العرب أمر لابد من التخلص منه، ذكر لى نبيل حاجى أيضا أن مخرجا جزائريا قام بدبلجة نسخة من فيلمه للهجة المصرية وفشل أيضا فى توزيعه. مسألة توزيع الفيلم العربى فى مصر تحتاج مناقشة وخاصة أن الفن يقرب اللهجات وهو ما حدث مع فهمنا للهجة اللبنانية بسبب أغانى فيروز، واللهجة الخليجية عبر كاظم الساهر وبعض الكلمات المغربية مثل برشة التونسية، وبزاف الجزائرية المغربية من الأغانى والتعامل اليومى. أما الندوة الدولية عن الفيلم الوثائقى  فهى تحتاج مقالا مفصلا يوفيها حقها.
صفاء الليثى

1 comment:

  1. صفاء الليثى يقول...

    من المرات النادرة التى يقوم فيها ماهر زهدى مشرف الصفحة الفنية بعمل اختصار لمقال لى، أحيانا تكون الكتابة بها تداعى أفكار يخل الاختصار بها، لابد أنه اضطر لضيق المساحة ولهذا أفضل إعادة نشر الأصل فى المدونة لتكون الصورة أوضح.
    18 أبريل, 2011 11:51 م

    ReplyDelete