Saturday 29 May 2010

المقالات الأولى

طوق السينما المفقود بين التوليف والتأليف
المونتير ليس حاويا، والمونتاج يبدأ من السيناريو

إيقاع الفيلم بطئ (واقع)، الدخول سريع فى الموضوع، أين البداية؟ المشاهد غير مشبعة ، المونتير لم يعطها حقها. المشاهد غير مترابطة والتتابع غير منطقى، أين كان المونتير؟، لماذا لم يصلح كل هذه العيوب، النهاية غير مبررة، مشاهد ما بعد الذروة –Anti-Climax- لا ضرورة لها، كان يجب حذفها، لماذا لم يحذفها المونتير، (الإيقاع واع شدوا الفيلم شوية).ويتم الشد لآخر نفس ( وبرضه الإيقاع واقع) لأن الخطأ أساسا فى بناء مترهل للسيناريو، وفى رسم الشخصيات. الخطأ فى حركة كاميرا شديدة البطء- لا النعومة-. الخطأ فى أداء نمطى للممثلين، فى أداء ممل، وفى استعراض للديكور لا يفيد شكلا ولا موضوعا، فى موسيقى زاعقة تسمعها وتشدك بعيدا عن الفيلم حتى لو كانت جميلة فى حد ذاتها.
مع كل الأخطاء ابحث عن المونتير، ومع النجاحات، فيا لروعة الإخراج، ويالدقة السيناريو، وما أجمل الموسيقى، ما أغنى شريط الصوت، والديكور ما أحلاه، التصوير رائع...، هل ذكر أحد المونتاج فى كل ما سبق. ليس فى الأمر أية مبالغة على الإطلاق، فالفيلم الناقص – وهو صنف منتشر كثيرا منذ عدة سنوات- يطلبون إعادة مونتاجه -لعل وعسى- والفيلم الكامل يتم الإشادة بكل عناصره ويتم إغفال ذكر المونتاج إلا فى حالات نادرة يكون فيها من قام بالمونتاج أحد نجوم هذا الفن، أو صديق للناقد، أو شخص شديد السطوة يخشون بأسه.
عندما تفجرت مشاكل فيلم "هيستريا" نظرا لعدم النجاح –التجارى- الذى صادفه الفيلم، أفتت الغالبية بأن الفيلم يحتاج إعادة مونتاج-فيما عدا الناقد أحمد يوسف الذى ركز فى نقده على مشاكل السيناريو والإخراج- وتحملت المونتيرة الشابة منى ربيع مسئولية ظهور الفيلم بالشكل الذى ظهر عليه، وكان أول فيلم روائى طويل تقوم بعمل المونتاج له، بعدما قامت بعمل المونتاج لمجموعة ناجحة من الأفلام القصيرة. ولو سلمنا جدلا بأن الفيلم قد أعيد مونتاجه وبدا بشكل أفضل، فهل معنى ذلك أن العيب كان بالمونتاج؟ إن إعادة مونتاج الفيلم ستتطلب إعادة بناء البناء- بتقديم بعضها وتأخير البعض الآخر- وهو دور كان مفروضا أن يتم فى مرحلة التأليف-كتابة السيناريو- بين الكاتب والمخرج. وفى حالة حذف بعض المشاهد التى تعوق السياق، فأين كان المخرج الذى أضاع الجهد والمال لتصوير هذه المشاهد.
وللأسف فإن أغلب من يكتبون النقد لا يعرفون حدود دور المونتاج- الذى يقوم به المونتير دون أن يفارقه المخرج غالبا- وبين أدوار السيناريو والتصوير والإخراج وباقى عناصر الفيلم.
ليست وظيفة المونتاج إلقاء مشاهد صورت فى سلة المهملات، ولا يمتلك المونتير هذا الحق. المونتير هو المتلقى الأول للفيلم وغالبا ما يمتلك حسا نقديا عاليا، وواجبه أن ينقل إحساسه بصدق للمخرج، ولو أبدى رغبة فى حذف مشهد ما -على سبيل المثال- فسوف تساق له الحجج من نوع كيف نلغى مشهدا تكلف ثلاثين ألفا من الجنيات، أو كيف نضحى بالتمثيل الرائع الذى قام به النجم فلان، أو النجمة فلانة.
مخرجين قلائل جدا يمتلكون شجاعة الاعتراف بسخف بعض ما صوروه، أو عدم اتساقه مع البناء العام للفيلم فيوافقون على الحذف، وهو ذكاء يحسب لهم، ويعكس وعيهم بدور المونتاج الذى هو أداة فنية فى صالحهم أولا وأخيرا.
المونتاج- يا سادة- لا يبدأ على الموفيولا-جهاز المونتاج- بل يبدأ من السيناريو الذى هو وصف دقيق لما سيتم تصويره، مرورا بحركة الكاميرا، وأداء الممثل للحركة وإيقاع إلقائه لجمل الحوار. المونتاج تتم مرحلته الأخيرة فقط على الموفيولا- والآن الكومبيوتر- بعد أن يمر بمراحل الكتابة والتصوير والإخراج، ويكتمل دوره بالميكساج والتصحيح الجيد للإضاءة فى المعمل. المونتير ليس ذلك الحاوى الذى يصلح ما أفسده الدهر، دهر من كتابة مفتعلى للشخصيات، ومن بناء ضعيف، ونهاية غير منطقية وإخراج متعجل من مخرج لم يعتن باختيار ممثليه، ولا بأحجام لقطاته ولا بزوايا تصويره. إخراج متردد يصور المشاهد بأكثر من طريقة ويخلط بين الأساليب، وبؤجل قراراته لكى يتم حسمها على طاولة المونتاج. عندما تجرى مفاوضات قد تتم بمحبة ومودة، أو تكون مناقشات عاصفة، لا تكون فى صالح العمل ككل غالبا، والأهم أنها ليست فى صالح استمرار فن السينما كصناعة مؤثرة.
وبعيدا عن الكوميديا السوداء السابقة، فأدق ترجمة لكلمة مونتاج بالعربية هى "توليف" ، وهى كلمة تعنى أن هناك عناصر متنوعة يتم التوليف بينها، بمعنى التركيب والمزج والاختيار وعمل الترابط، لكى يكون لدينا فى النهاية عملا فنيا مكملا من ناحية الشكل والمضمون. ويعتمد نجاح المونتاج على نجاح هذه العناصر ومدى إمكانية توفيقها معا.
ساند أستاذ المونتاج الكبير سعيد الشيخ كثيرا من المخرجين فى بداياتهم، وكان يطلب منهم- أيام رخاء السينما المصرية- تصوير بعض اللقطات بزوايا معينة لكى يستطيع أن يصلح بناء مشهد به بعض العيوب، ومع ذلك كان يردد" أنا لا أعمل من الفسيخ شربات" ، وللحق فقد قام بالكثير لتدارك أخطاء كثيرة على قدر ما سمحت به المادة الخام التى وصلته، وآخرين غيره كانوا يكتفون بقلب الفيلم" مثل الشراب " على حد قول مونتير كبير آخر- أحمد متولى – لكى يصلح لا منطقية التتابع وعيوب السيناريو والإخراج.
كان سعيد الشيخ يعرف فن المونتاج بأنه " هم بالليل ومذلة بالنهار"، كنت وقتها طالبة تدرس هذا الهم، وتثق فى أن ما يقوله أستاذها هو نوع من الخجل فى التعبير عن العواطف الذى يشتهر به المصريون. وبعد ممارستى لفن المونتاج لأكثر من عشرين عاما تأكد لى أنه فن مهضوم الحق، وأن المونتير شمعة تذوى كى تضئ للآخرين _المخرج غالبا- وتكون هى قد ذابت وانتهى أمرها.
ورغم ما ألمسه من غبن لفن المونتاج وممارسيه من الرواد والشباب على السواء، فإننى أعلن وأنا بكامل قواى العقلية أننى لن أكف عن ممارسة فن المونتاج الذى هو " هم بالليل ومذلة بالنهار " .

بيروسترويكا الفيلم التسجيلى
بناء وإعادة بناء للفيلم التسجيلى فى المونتاج

مخرج أفلام تسجيلية ترك المادة المصورة بين يدى المونتير، وبعد أن غاب أسبوعا أو اثنين، أو نام دهرا أو دهرين، عاد ليشاهد البناء الذى أقامه المونتير الموهوب فى غياب المخرج المشغول.
انتهى عرض الفيلم، وأعقبه صمت طويل... أوقف المونتير الموفيولا، أضاء النور والتفت إلى المخرج –صديق عمره- فوجده يبكى بدمع غزير، وتصور المونتير أن صديقه يبك من الفرح، ولكن يالسذاجة الأسطى المونتير، فالسيد المخرج بكى لأنه أحس أن هذا ليس فيلمه، وأنه لم يكن يريده بهذا الشكل. يضحك الأسطى – وشر البلية ما يضحك- ويطلب من الواد بلية- مركب الفيلم- وهو غالبا فتاة صبورة أن تعيد تركيب الفيلم كما يريده السيد. يأخذ الواد بلية مقعد الأسطى، مكرها أو شامتا، حسب علاقته المركبة مع الأسطى- ولهذا حديث آخر- ويأخذ وضع الاستعداد لتنفيذ تعليمات المخرج الذى يمسح دموعه ويعمل على إعادة بناء الفيلم. وما بين البناء وإعادته يتشكل الفيلم التسجيلى حاملا أكثر من تصور لنفس المادة المصورة وخاصة عندما تكون مادة غنية.
يعتمد الفيلم التسجيلى أساسا على المصور الذى لابد أن تتوافر لديه موهبة ملاحقة الحدث الذى يجرى بطبيعية، ويسجله المخرج طبقا لتصور مسبق كونه فى مرحلة المعاينة، وهى مرحلة هامة جدا تشبه عملية كتابة السيناريو للفيلم الروائى. عادة يصحب المخرج معه أثناء المعاينة مساعده والمصور، لدراسة الموضوع والشخصية التى سيتم عمل الفيلم التسجيلى عنها. وبقدر التوافق فى التصور العام، يكون مستوى المادة المصورة، ويسهل تشكيلها فى مرحلة المونتاج التى لا تقل أهمية عن الإخراج والتصوير فى الفيلم التسجيلى أو الوثائقى، إن لم تفوقهما معا.
يدرك المخرج اقتراب دوره من دور كل من المصور والمونتير، وقد يشعر بالقلق فيضع على العناوين كلمة رؤية بجوار إخراج، وكأنه يؤكد بديهية يعرفها الجميع، فمهما بلغت جودات فريق العمل فى الفيلم، فإنه فى النهاية يحمل تصور المخرج ومسئوليته الكاملة عن كل عنصره بما فيها التصوير والمونتاج.

عاشت التجربة: صفاء الليثى
أسطى مونتير حاليا ،وسابقا الواد بلية 7 /8/1998

No comments:

Post a Comment