Thursday 9 September 2021

أ. د وليد سيف يكتب عن كتاب "القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا"

 كيف عبرت السينما المصرية عن قيمنا الاجتماعية؟

بقلم:د. وليد سيف

يعد كتاب (القيم الاجتماعية كما تعكسها أفلامنا) للناقدة صفاء الليثى حلقة فى سلسلة من الدراسات تزمع الكاتبة استكمالها فى اصدارات قادمة، وهى تذكر فى صدارة الكتاب أنها جمعت عينة عشوائية لدراسة انعكاس القيم الاجتماعية المصرية على أفلام الخمسينيات والستينيات ومدى نجاحها فى التعبير عن هذه القيم، كبذور لدراسة شاملة مع توافيق وتباديل من زوايا مخرجين او مؤلفين او منتجين ومن خلال اعمال نجمات ونجوم.

لا يتجاوز حجم الكتاب الثمانين صفحة لكنه يعكس رؤية نقدية عميقة ورصينة، وبتكثيف وتركيز شديدين على موضوعه، وهو بالتأكيد انعكاس لمهاراة الكاتبة كمونتيرة فى الأصل تتمكن من الإمساك بدفة موضوعها ولا تحيد عنه، رغم إغراء الأفلام المختارة بالخروج عن النص بما تزخر به من جماليات وتفاصيل وجوانب مثيرة للنقد والجدل.

يتكون الكتاب من عشرة فصول فى كل فصل تتناول الكاتبة جانبا من قضايانا الاجتماعية يعبر عنها الفيلم المختار بصورة أساسية، وتتغلب القضايا التى تتعلق بحرية المرأة ونظرة المجتمع لها وتعامله معها، ليس فقط كقضية تتبناها الكاتبة ضمن مشروعها النقدى، لكن أيضا لأنها القضية المجتمعية الأهم والأبرز والأخطر منذ منتصف القرن الماضى.

وإذا كانت الليثى تكتب عن أفلام مر عليها أكثر من ستين سنة إلا أنها أيضا تطل عليها بعين اليوم فى مقارنة بين الحاضر والماضى ، فهى فى تناولها لفيلم أقوى من الحب 1953 لعز الدين ذو الفقار تذكر أنه يخلص إلى ضرورة اعتماد الاسرة على عمل الرجل، ثم تعود فى نهاية المقال لتقرر واقعا جديدا: "مضت سنوات على هذا الوضع ووصلنا إلى نسبة تتخطى 40 بالمائة من الأسر تعيلها النساء، وأصبح عمل المرأة ومشاركتها الزوج أعباء المعيشة ضرورة لتحسين أوضاع الأسرة ولصالح الأبناء، فتحقيق المرأة لذاتها أصبح أقوى من الحب والستر ومن إرضاء الزوج فهى أيضا تحتاج لما هو أقوى من الحب."

على جانب آخر هى ترى فى مقالها عن فيلم أنا وبناتى أن: "هناك نسبة كبيرة تحتاج إحصاء دقيقا لأفلامنا تفقد فيه فتاة عذريتها لسبب أو لآخر ويعاقب المجتمع الفتاة فقط، وأغلب المخرجين يتبنون وجهة نظر المجتمع فتعاقب بالموت بعد أن تعيش ذليلة، ويتم التغاضى عن مسئولية الرجل الشريك الاقدر، مطلوب منه فقط أن يصلح غلطته.

فى إطار تناولها لفيلم الأسطى حسن تتناول مسألة جديرة بالالتفات عن عمل الأم والطفل أثناء فترة غياب الأب وانشغاله بزوجة أخرى وحياة مختلفة" تغيرت القيم الاجتماعية ولم يعد عمل الطفل جدعنة بل استغلالا تحاربه  منظمات حقوقية، ولم يعد عمل المرأة مهينا لها بل حقا مكتسبا بغض النظر عن احتياج الأسرة لعائد عملها وبقيت قيمة الرجل الذى لا يترك زوجته ويبيع روحه لمن تدفع، ويظل الرجل محترما بعمله الشريف، صابرا عاملا بجد لتحسين ظروفه"

عن فيلم رسالة من امرأة مجهولة ترى أن البطلة امتلكت شجاعة الاعتراف بمسئوليتها عن فقدها لعذريتها مع رجل أحبته، لم تنهار ولم تطلب من الرجل أن يصلح خطأه بل اختارت أن تعمل جاهدة لتوفر لابنها سامح حياة كريمة تليق بكونه إبنا للنجم احمد سامح.

لا تكتفى الناقدة بقراءة الافلام بل أنها ايضا تعرض قراءتها للأصل الأدبى الماخوذ عنها كما فعلت مع فيلم عاشت للحب من إخراج السيد بدير عن قصة شجرة اللبلاب لمحمد عبد الحليم عبد الله، حيث تشير إلى أنها قرأت العمل الأدبى الذى طبع عام 1949 قبل عشر سنوات من إنتاج الفيلم لتخلص إلى أنه لولا شجرة اللبلاب التى حرص المخرج على استخدامها من شرفة حجرة الفتاة إلى شباك الشاب لما وجدنا أى ارتباط بين القصة والفيلم

كما أنها فى معرض حديثها عن ذات الفيلم تعبر بجرأة عن أمر شخصى فى نظرتها لبطله كمال الشناوى ولكنها تسوق لذلك مبررات موضوعية، فهو لم يكن من أبطالها المفضلين فى الطفولة والصبا، وغالبا لسبب دوره فى هذا الفيلم الذى يصوره قاسيا ومعقدا فى مقابل رومانسية عماد حمدى وشكرى سرحان، فهذا المنطق الذكورى الذى يمثله تراه مازال مستمرا فى مجتمعنا وبدرجة اكبر وهو عدم التعاطف مع الفتاة المبادرة باظهار الحب والنظرة السيئة لها وانعدام الثقة بها.

على الرغم مما صدره حسين صدقى مخرجا من صورة ذكورية وأفكار رجعية محافظة على التقاليد المجتمعية البائدة إلا أنها ترى فيلمه آدم وحواء لا يختلف عن أفلام مصرية سبقته وتلته فى المفاهيم عن علاقة الرجل بالمرأة، وهى ترى أن تدينه لم يكن أكثر من قشور لتاجر يريد الحصول على دعم لينتج فيلما هو خليط من التركيبة التقليدية للفيلم المصرى، وهو ينتهى بموعظة أخلاقية من البطل إلى حماه "لازم تفهم فاطمة إن طاعة الزوج والأب من طاعة الرب".. كما أن فاطمة كزوجة صالحة تعتذر وتعترف بغلطتها وتقول ببلاهة تجيد ليلى مراد التعبير عنها "أنا جايالك عشان أرجع آدم الجنة تانى"

تقرأ الليثى أيضا بوسترات الافلام بعناية وتعلق عليها: "قصة آدم وحواء فى الماضى والحاضر جملة دعاية على أفيش فيلم بنات حواء للثنائى الناجح محمد فوزى ومديحة يسرى فى توجه لا يختلف عن حسين صدقى".. وهى ترى أن تفاصيل الفيلم كلها عاكسة للجمال لكنها غير معنية بما يروج له نظام ثورة يوليه من مساواة المرأة بالرجل، بل أن محمد فوزى يعلنها صراحة فى حواره بأحد مشاهد الفيلم "الإنسان مش ممكن يحارب الطبيعة الراجل راجل والست ست"

تنهى صفاء الليثى كتابها بتلخيص لرؤيتها للافلام المختارة فى جانب القيم الاجتماعية فى سطور محدودة وكانها تضع النقاط على الحروف.. ويتضمن الكتاب أيضا مجموعة من الصور الجيدة من الأفلام والمناسبة لسياق حديث الكاتبة، مما يضيف للعمل مزيدا من الجاذبية، فضلا عن تعريف بمخرجى الأفلام وبمسيرتهم الفنية.

يحقق كتاب صفاء الليثى متعة حقيقية فهو يتضمن زاوية جديدة للرؤيا وقراءة جديدة ومختلفة لأفلام الأبيض والأسود التى نحبها مهما اختلفنا معها دون أن نتعمق فى تفاصيلها، مما يدفعنا إلى دعوة الكاتبة لمواصلة عملها فى هذا المجال واستكمال دراستها فى إصدارات قادمة.

د. وليد سيف

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 7 سبتمبر 2021 



No comments:

Post a Comment