الكوميديا للبعد عن وصمة الشيوعية
كانت التجربة الثانية للقطاع العام فى السينما لتشغيل خريجى المعهد فى أفلام ثلاثية الأجزاء ، فى فيلم "صور ممنوعة" وأسند إلى محمد عبد العزيز خريج الدفعة الثانية عام 1964 إخراج الجزء الأول بعنوان "ممنوع" الذي يحمل فكرا ثوريا ويدعو الطبقة المطحونة لمشاركة الطبقات الأعلى امتيازاتها، في فيلم من تأليف رأفت الميهي في 33 ق فقط يقدم عملا كبيرا وجدته يسبق طفيلي الكوري بنصف قرن، وخاصة مشهد أسرة السائق حين احتلت بيت الأغنياء وحلمت بالتمتع بنعم الحياة .
يبدأ ممنوع
بجرسون شاب منبهر بالأضواء في مكان يسهر فيه الأغنياء، نور الشريف في بداياته، ثم
قراره بأن يصحب خطيبته وأخته وزوجها صاحب الكارو في سهرة أثناء نوبة حراسته للمكان
يشجعه توفيق الدقن، ما حدش أحسن من حد وكلنا ولاد تسعة ليه ممنوع يدخلوا الحتت دي،
هعدي بيها كوبري السلطان أبو العلا وندخل، نظرة اشتراكية ونقد لفروق الطبقات وقضاء
سهرة في الميرلاند وعبور حاجز الطبقات الذي سبق وعبر عنه صلاح أبو سيف، وهو
والمخرج الشاب من سكان بولاق أبو العلا. ليلة واحدة يحلمون فيها ويعيشون كما أصحاب
الحظوة تنتهي بمساعدة العسكري الذي ناله من الحظ جانب. ماجدة الخطيب في دور زينات
تؤكد أنها هانم لا تقل عن أي واحدة ، مش أنا أحسن من ستاتهم ، تغير أوضاع كأنها في
جلسة تصوير واثقة من استحقاقها لحياة الرفاهية. المونتاج يحقق الجدل بين اللقطات
لأحمد متولي ، والإيقاع حي بالانتقال بين لقطات متنوعة الأحجام في ميزانسين بارع
سيتحقق على مدار أفلام محمد عبد العزيز وسينجح في تدريسه لطلبته بعدما أصبح معيدا
ثم مدرسا بمعهد السينما.
يختتم "
ممنوع" 1972 بجملة من المعلم عوض، الصح ان
امبابة كلتها رجالتها ونسوانها وعيالها ييجوا هنا، يقعدوا
فيها، ياكلوا ويشربوا زي ما همه عاوزين، يا بلاش . أداء الدقن المميز تعبيرا عن
رفضه للحل الفردي، وإعلان انحياز صناع الفيلم لحق البسطاء في نصيب من النعيم.
شن الكاتب الصحفى محمد الحيوان هجوما عنيفا على المخرج فى مقالاته بالجمهورية، واتهمه بالترويج للفكر الشيوعى، وحذر من الأفكار الخطرة والهدامة التى قام بتسريبها فى ممنوع، ويبدو أن هذا الهجوم دفع محمد عبد العزيز لاختيار الكوميديا في أفلامه التي بعد في أغلبها عن أي فكرة تعيد إليه تهمة الشيوعية أو تقترب منها.
فكان أن أنتجت له ماجدة الخطيب عمله الطويل الأول " في الصيف لازم نحب" الذي يبدأ من مستشفى للصحة النفسية، أربعة شبان عانوا من أزمات نفسية مختلفة ، طبيبهم يفكر في طريقة لعلاجهم بالقيام برحلة صيف على شاطيء البحر، حيث يقابلون ثلاث جميلات يحبسهم والدهم ، ويفرض عليهم عباءات سوداء، يتحايلون ليخرجوا ونفاجأ بمشهد فائق، ينزعون فيه عباءاتهم ويجرون على البحر بالبكيني، في شاطيء العجمي الذي كان ، الأب المتزمت لديه عقدة نفسية ويسرق المايوهات، يشرح الطبيب العقدة بأن سرقة المايوهات نوع من الانحراف النفسي الخفيف، نتيجة الانعزال عن الجنس الأخر. الفيلم صالح للعرض هذه الأيام يشرح فيه صناعه أن التزمت نتيجة لخلل نفسي وليس ناتجا عن تدين أو حسن أخلاق. النوع الكوميدي للفيلم لا يتعارض مع مناقشة القيم الاجتماعية، بل يقدمها في أسلوب رومانسي غنائي ، ومع الكوميديا يمكن للعقد أن تحل ، حيث الحياة والانطلاق في صيف ينتهي بأغنية مرحة خفيفة ، شيء طبيعي لو نحب، شيء طبيعي. كما أنه من الطبيعي أن يختار المخرج الدارس أسلوبا لعمله ليس واقعيا بالضرورة، ومع ذلك ففيه التزام بقضايا المجتمع مقدم في قالب محبب للناس وللجماهير الواسعة. شاهدت " في الصيف لازم نحب" للمرة الأولى في دار سينما مترو وأعجبني، وتوقفت عند مونتاج لمشهد مجموعة الشباب بالموتوسيكلات على الكورنيش وكنت في بداية دراستي للمونتاج، الإيقاع سريع والإنتقال رائع بين اللقطات للمونتيرة رشيدة عبد السلام، لم يعمل محمد عبد العزيز مع غيرها في كل أفلامه، وسيقدم 18 فيلما كوميديا مع عادل إمام، وأعمال كثيرة بها نقد ساخر لظواهر في المجتمع، مبتعدا عن الفكر الشيوعي الذي هرب منه في بداياته.
صفاء الليثي
نشر بمجلة روز اليوسف السبت 19 نوفمبر 2020 العدد 4814
باب للفن فقط اشراف شيماء سليم
No comments:
Post a Comment