Friday, 27 June 2014

الأفلام العربية التسجيلية بالإسماعيلية 17



أرق Guardians of the lost 
  وحبيبى بيستنانى عند البحر
شارك بالدورة 17 من مهرجان الإسماعيلية  فيلمين عربيين أولهما أرق للمخرجة اللبنانية ديالا قشمر و"حبيبى بيستنانى عند البحر" للأردنية ميس دروزة. " أرق" عن شباب يعرفون بالزعران يسكنون حى اللجا الفقير ببيروت. 

يدينون بالولاء للسيد (حسن نصر الله) ويعشقون أغنيات أبو وديع( جورج وسوف) ، الفيلم محاولة جيدة للاقتراب منهم وسبر أغوارهم، لولا الإطالة وافتقاد البناء فى الفيلم الذى قارب الساعتين، وحالة من الانبهار بالذكورية الفجة لهؤلاء الزعران الذين ظهروا كنجوم السينما بشعور مدهونة بالفازلين وبملابس تصلح عرضا للأزياء. ونسمعهم يتفاخرون :" في لبنان على الشاب أن يمتلك إمّا المال أو القوّة. نحن نمتلك القوة" يثير تفاخرهم إعجاب البعض منا وشفقة البعض الآخر، كل حسب رؤيته، اختارت قشمر لهم مقهى على رصيف مبلط أمامه محل لبيع الورود، رتبت كل شيء، فلم يظهر فقر الحى ولا ساكنيه، حاورتهم بالساعات وخلفهم يظهر ملصق شيعى، وحين وصلنا إلى ما يشبه النهاية مع سؤالها عما يتوقعون أن يكونوا عليه بعد عشر سنوات كانت إجابتهم ستجديننا هنا على نفس الكرسى. انتقلت بعد ذلك لمشاهد أخرى ولكنها عادت لتجلسهم فى نفس المكان بعد أن برد الحوار ولم يضف جديدا. 
شهوة الكلام أفسدت الفيلم الذى يعكس طموح مخرجته ووضوح قلة خبرتها فى استخلاص ما يمكن أن يصاغ منه فيلم عن شباب عربى عاش جل حياته فى مناخ الحرب الأهلية. حين ابتعدت بهم فى الطريق إلى مناسبة للشيعة سمعنا أغنية من مسجل السيارة تصاعد معه غناؤهم بصبيانية وحماس طفولى وكان أكثر نجاحا فى التعبير عن شخصيتهم من مشاهد الحوارات المطولة التى تباهوا فيها بفحولتهم ، وحين ابتعدت عن المقهى لتصحب أحدهم فى ضوء نهار ساطع ظهر على حقيقته شابا ضخما أسنانه مهشمة- قد تكون من معركة ما- يحكى عن معاناته كشيعى وحيد فى حى سنى. نعم لمحات جيدة متناثرة هنا وهناك، ولكن ماذا بعد؟ الفيلم حصل على منحة إنتاج وفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة "المهر العربي للأفلام الوثائقية" في "مهرجان دبي السينمائي الدولي"2013، وخرج من جوائز الإسماعيلية 2014، منتديات الإنتاج صارت ملازمة للمهرجانات، هذا العام بالإسماعيلية فاز فى منتدى الإنتاج العربى المشترك فى دورته الثانية فاز فيلم " الاسماك تقتل مرتين " للمخرج المصرى أحمد فوزى صالح  صاحب فيلم "جلد حى" الذى فاز بجوائز عديدة  و فيلم " حروب ميغيل " للمخرجة اللبنانية اليان الراهب وهى أيضا حاصدة للعديد من الجوائز ، وحصل فيلم " الرقص مع الرصاصة " على المركز الثالت وهو من اخراج  العراقى ضياء خالد جودة. وهذا المنتدى من الإضافات الهامة للمنتج محمد حفظى لمهرجان الإسماعيلية  ويعقد ضمن فعالياته تكونت لجنة التحكيم  للدورة الثانية له من جاد أبى خليل رئيسا، وعضوية كل من ايريت نيدهارت و تهانى راشد. يحمل أرق عنوانا بالإنجليزية ترجمته " حراس الزمن الضائع" لا أفهم لماذا وأى زمن ضائع يحرسه هؤلاء الزعران. شاهدنا فيلما عن الجنوب وشيعته للمخرج الفلسطينى نزار حسن اقترب فيه بدرجة أعمق من شيعة لبنان وحصل عنه على جائزة كبرى بدورة سابقة من المهرجان. 

حبيبى بيستنانى عند البحر" فيلم عربى أخر حاز جائزة لجنة التحكيم من اللجنة الرسمية التى ضمت المخرجة المصرية الشابة هالة لطفى، وكان من المقرر أن يرأسها المخرج السورى محمد ملص ولكن السلطات المصرية لم تمنحه تأشيرة الدخول رغم تواجده السابق فى زاوية ماريان خورى التى كرمته وعرضت أفلامه.

قدمت ميس دروزة فى فيلمها بناء دائريا بدأته بسؤال أمها عن البحر، ثم تتبعت كتاب الفنان الفلسطينى الراحل حسن حورانى حسن فى كل مكان، ورسمت هى بالفحم وأدخلتنا عالمها الملئ بالأمنيات والتساؤلات. وعادت لتقدم لقاءات اعتدناها فى كل الأفلام عن قضية فلسطين وعن شعبها، عدة لقاءات موفقة ولكنها - كما مخرجة أرق-  لم تقتنص لحظة القطع المناسبة لتنهى مشاهدها وتنتقل بالفيلم إلى آخر. فها هم الشبان الثلاثة يحكون عن معاناتهم، اثنان منهما حديثهما شيق والثالث يبتسم فقط، المشهد كان مصورا فى لقطة واحدة متصلة ولكنها قطعته لتجعل المبتسم يحكى ، فلا يقدر. توقعت أن تنهى مشهدها عند جملة قوية لمن يجيد الحكى وتنهى بابتسامة الثالث فتكون خير تعليق فقد كانت ابتسامة مريرة تؤمن على كلام صديقيه وتعكس معنى أنه لا فائدة. ولكنها أصرت على استجوابه علها تخرج منه بحديث، تغرى المادة المصورة بغزارة مع تقنيات المونتاج فلا يكتفى المخرج أثناء التصوير، ويكون عليه أن ينتقى بمعيارمن  ذهب، وظهر بوضوح عدم القدرة على الانتقاء فى مشهد بدأته بحميمية مع الفلسطينى الذى يداعب طفلته ثم حوارها مع الزوجة نصف الكندية التى كانت تبحث عن كلماتها بالعربية وحين وصلت إلى ذروة واستنتاج فى حديثها، أكملت المشهد وكأنها تبدأ حديثها من جديد. وجدتنى أعيد بناء المشهد أثناء المشاهدة وأقترح تقديما وتأخيرا داخل عقلى أثناء المشاهدة،وهو دور المخرج الذى عليه أن يقوم به فى المونتاج أهم مراحل الفيلم التسجيلى  قاطبة، وفيها يمكن إعادة بناء ما تم تصويره فلا نشهد عدة نهايات فى الفيلم بل تأتى النهاية فى لحظة نكون كمشاهدين قد اكتفينا ووصلتنا الرسالة التى يريدها صانع الفيلم. 
بالطبع عادت دروزة إلى البحر مع لقاءات لشخصيات جديدة غير التى صحبتنا طوال الفيلم ووصلت لما تريده من التعبير عن ضياع فلسطين التى لم يعد لها منفذ على البحر حيث ينتظرها كل الأحبة الراحلين دون أن يتحقق حلمهم بالعودة إلى فلسطين وبحرها . تظهر المخرجة بجوار سور التقسيم العنصرى تروح وتجئ محاولة أن تفتح فرجة فى الجدار الأسمنتى الذى سيسقط حتما مهما طالت السنين.  

نافس فيلم دروزة على جائزة المهر العربي للأفلام الوثائقية ضمن الدورة العاشرة من مهرجان دبي السينمائي الدولي في ديسمبر ٢٠١٣، ولم يحصل عليها بل حصل عليها فيلم قشمر الذى خرج من جوائز الإسماعيلية وهكذا تتغير وجهات نظر اللجان ويختلف التلقى من مكان إلى آخر ولهذا تقام المهرجانات وتختلف جوائزها وتتنوع ردود الأفعال بخصوصها. 
نشر بجريدة الجمهورية الأربعاء 24 يونيو 2014 بصفحة السينما إشراف حسام حافظ

No comments:

Post a Comment