Monday 30 December 2013

عن فيلم " اسمى مصطفى خميس"



خميس والبقرى
بين إخوان يوليو وشيوعييها
يواصل المخرج محمد كامل القليوبى بحثه الدؤوب في ماض ليس ببعيد ليكشف ويضئ حاضرنا ومستقبلنا فى عمله الأخير " اسمى مصطفى خميس" .
قلب الفيلم هو الفصل المعنون : " خميس  والبقرى، بين إخوان يوليو وشيوعييها" وفيه تعميق لتناول حادثة إعدام اثنين من العمال فى بداية ثورة يوليو وبعد قيامها بأسابيع. سبق هذا الفصل ما لا يقل عن نصف الساعة فيها " هذا ماكان" حتى يعرف الجميع حقيقة ما حدث سواء من لديه معرفة مسبقة بالأمر أو من يجهله تماما. مثل وجود رفعت السعيد بانتمائه إلى تنظيم حديتو والحركة الشيوعية المصرية ميلا إلى النقد الذاتى للحركة وعلاقتها بتنظيم الضباط الأحرار. واتجاه لإدانة جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها المحرض على قرار الإعدام مستندا إلى وثيقة مقال لسيد قطب ، بالإضافة إلى دفعهم لإصدار قانون الغدر الذى أعدم بسببه خميس والبقرى. وهو القانون الذى أصدره سليمان حافظ الإخوانى وهو ذات القانون الذى حوكم به الإخوان بعد ذلك.
بنى القليوبى فيلمه فى فصول يحمل كل منها عنوان يجمع شهادات المؤرخين صلاح عيسى ورفعت السعيد، وعدد من مناضلى ونقابى الحركة العمالية المصرية ممن عاصروا الحدث، بالإضافة إلى فقرات من مذكرات وكتب شهود غابوا بالموت أو المرض عن الظهور أمام الكاميرا منهم الرئيس محمد نجيب وخالد محى الدين، يوسف صديق، ونجيب محفوظ، وعبد المنعم عبد الرؤوف العضو الإخوانى بمجلس قيادة الثورة فى أجزاء معنونة " استدعاء شهود غائبين". بكتابة تظهر صامتة على الشاشة. كعادته فى كل أفلامه لايترك القليوبى ثغرة فى بحثه بل يتتبع كل الخيوط والتفاصيل لتكتمل صورة معبرة عن العديد من وجهات النظر دون أن يغفل انحيازه لأحدها فى النهاية. والفيلم يجيب من داخله لماذا " خميس والبقرى الآن " عبر تحليل موقف كل من اليسار واليمين من ضباط يوليو يضيء الفكرة مقولات عدة لرفعت السعيد ومنها قوله : " عندما وصل الجيش إلى السلطة، لم يتخيل إمكانية معارضته،  فهم ليسوا مدربين على التعامل مع الجماهير، يروقهم فقط أن تؤيدهم من غير ما تقول لهم لأ ".
سمعنا كثيرا عن " خميس والبقرى" وعن إعدامهما، لماذا احتفظ القليوبى باسم الأول فقط ؟ أثناء المعاينة والتصوير تكشف للمخرج أن البطل الحقيقى منهما هو خميس، إضافة لوجود شهود من عائلة خميس يمكن الاعتماد على شهادتهم وأهمهم أخاه الأصغر محمد خميس الذى مثلت شهادته جانبا مهما من سرد الحدث. يدخل القليوبى مباشرة فى الموضوع مع صلاح عيسى الذى يذكر أنه فى 12 و13أغسطس 1952 تمت محاكمة عسكرية فى أقل من أسبوع فى حادث غامض يشبه فى غموضه حريق القاهرة. ثم فى لوحة مكتوبة يكشف المخرج عن جانب من أسباب إقدامه على عمل الفيلم " لفتح ملف غامض والغوص فيه لمعرفة هل كان حدثا عابرا بغير قيمة، أم أخذ حجما أكبر من حجمه،  ويخلص أنهما شهيدا الحركة الوطنية العمالية أطلق اسماهما على كثير من المواليد فى منطقة كفر الدوار وما حولها. يمثل حضور " سيد ندا، شحاته عبد الحليم، عبد المنعم ابراهيم وفتح الله محروس " دفئا خاصا فهم شاركوا فى النضال الإعلامى وأفلتوا من العقاب الذى ناله " خميس والبقرى" .
وننتقل من شهادة حميمة للأخ إلى شهادة حماسية للمناضل فتح الله محروس يروى أن التظاهرة التى اتهم خميس بقيادتها كانت للمطالبة بالحقوق المشروعة، ولكن بسبب عفريت الشيوعية المسيطر على مجلس قيادة الثورة تم ضرب احتجاجات العمال " كله يكش لأن العسكر قادمون"، ويؤكد هذه الرؤية الفنان أحمد متولى بشهادته أن الحكم بالإعدام على أى اثنين كان مطلوبا لتحذير الجميع من الاعتراض، فكان قرار الإعدام الذى جاء جماعيا فى أغلب الروايات، وبالأغلبية فى روايات أخرى تذكر أن يوسف صديق وخالد محى الدين وعبد الناصر عارضوا قرار الإعدام. وتأتى شهادة مكتوبة لخالد محى الدين تسجل اعترافا بجهل الجميع سواء من أيدوا الإعدام أو من عارضوه بحقوق العمال وحقهم فى الإضراب والاعتصام، بينما كان السنهورى وسليمان حافظ والبراوى يتسمون بروح برجوازية محافظة معادية لحقوق العمال، أما جماعة الإخوان فبدأت فى شن حملة عاتية ضد عمال كفر الدوار المضربين واتهمتهم بالخيانة. ثم جاء قانون الإصلاح الزراعى لاسترضاء القوى اليسارية والجماهير الشعبية بعد يومين فقط من تنفيذ حكم الإعدام.
الختام مع أحمد متولى الذى ظل لسنوات يحلم بإخراج فيلم عن خميس والبقرى، وقصتهما الموازية لساكو وفانزتى الإيطاليين، يقول متولى : " كنت أود أن أنجز فيلما دراميا عن خميس والبقرى، وكيف تم التضحية باثنين أبرياء ليكونوا عينة تهدد الجميع بأن من يفعل هكذا سيكون مصيره الإعدام" . وتكتمل خاتمة الفيلم بالفنان التشكيلى عادل السيوى وكيف دخل العاملين الفتيان ذاكرته مع حكايات والده عنهما، ويشرح بينما نشاهد اسكتشات كيف جاءته فكرة إدخال خميس والبقرى فى عمل تشكيلى ليعوضهما عن حياة لم يعشها كل منهما. ويقول أنه لابد من إعادة الاعتبار لهما لأنهما حرما من الحياة رغم أنهما كان لديهما شيء إيجابى جدا لإنجاح الحياة. شحاتة عبد الحليم يؤكد براءتهما ويطالب بإعادة محاكمتهما، فتح الله محروس يطالب بأسلوبه الحماسى برد الاعتبار لمصطفى خميس ومحمد حسن البقرى، محمد خميس الأخ الطيب يطالب بإعادة التحقيق لإثبات براءة أخيه.  
الفيلم إنتاج خاص لشركة نون وبدعم من إنجاز بمهرجان دبى زمن عرضه 110 ق ومن إنتاج العام 2013 الذى شهد مجموعة هامة وجديدة من السينما المصرية بنوعيها الروائى والتسجيلى.أضاء الفيلم أمامى حقيقة تكاد تكون ثابتة لم تتغير منذ ثورة يوليو 1952 حتى الآن عن الاتجاهات السياسية فى مصر حتى الآن، عن شرائح اليسار، والإخوان المسلمين، والبرجوازية الوطنية . فى فصل معنون " خميس لم يمت " يروى رفعت السعيد كيف أن أغسطس 1953 كان ضربة قاصمة لنتظيم حديتو الشيوعى " الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى" الذى تحالف مع الضباط الأحرار وكان يراهم قوى ثورية ولكنها غير متمرسة، وكان يتزعم هذا الاتجاه المناضل كمال عبد الحليم، بينما كان هناك الراية والحزب الشيوعى المصرى ينظران للتنظيم باعتباره فاشية عسكرية. وكيف غدر ناصر بحلفائه من اليسار وأبادهم بإجراءات نفذها زكريا محى الدين. أما عن الإخوان المسلمون فهم من تحالفوا مع الضباط الأحرار وكانوا دائما معارضين لحقوق العمال والفلاحين عبر اعتراضهم على قانون الإصلاح الزراعى وعنفهم مع احتجاجات العمال ومعهم عدد من مجلس قيادة الثورة أنور السادات الذى صرح بأنه سيضع مشنقة على بوابة كل مصنع. 
محمد كامل القليوبى مخرج وباحث فى السينما المصرية وتاريخها، أعاد فيلمه " محمد بيومى وقائع الزمن الضائع" تأريخ السينما المصرية باثبات أن محمد بيومى هو الرائد لها وليس محمد كريم، وهنا فى عمله "اسمى مصطفى خميس" يعيد تحليل العلاقة بين ضباط يوليو والمعارضة السياسية، بينهم وبين اليسار المصرى وقوى الإسلام السياسى ويوجه نقدا قويا لشرائح اليسار التى تم خداعها واستخدمت ااقصاء على الديمقراطية وحق العمال فى التظاهر والاعتصام. 
* نشر المقال بموقع جريدة البديل رئيس التحرير على رزق الاحد 29 ديسمبر 2013 .


No comments:

Post a Comment