من أفلام العمل الأول فى بانوراما الفيلم الأوربى
" فيلا 69 "
موت الطبقة وانتصار للحداثة
حين تشاهد فيلما أو تقرأ كتابا لا يعمل عقلك فى استقباله على
لوح أبيض، فكل منا يحمل طبقات من المعرفة ومن مجسات الشعور تبدأ على الفور فى وضع ما تشاهده فى علاقة ما
مع بداخل عقلك وتقرر ما تراه على مزاجها الخاص. استقبلت فيلم أيتن أمين "
فيلا 69" كمرثية لزمن مضى، ليس نهاية للعالم ولكنه فقط نهاية لحسين ابن طبقة
برجوازية كبيرة، وقبل موته الفعلى يتواصل مع سيف حفيد أخته ناقلا إليه خبرته بداية
من علاقته بالمرأة والفن حتى الحشيش ويكون نسخة معدلة من البرجوازية الجديدة يختلط
فيها قيم شعبوية مع قيم أرستقراطية أصيلة.
يُكتب العمل ويتم إخراجه وفى ذهن صانعيه هدف ما، ورسالة ما، فى
ذهن أيتن أمين وهى تقدم عملها الطوبل الأول رغبة ما فى نقل تجربة شعورية لنا نحن
جموع المشاهدين، يتفاعل معها كل واحد منا حسب مرجعايته وحسب تكوينه. قرأت الفيلم
وفى ذهنى الفيلا القديمة المطلة على
النيل، تعبيرا عن جمال فى طريقه إلى زوال، وانتهاء عصر حسين المبدع الحقيقى فى
عمله على خلاف مع الغباء الذى يمثله شريكيه فى الشركة الهندسية التى يقدم
تصميماتها لها، حسين مريض ولا يريد أن يزعج أحدا بمرضه، يحيط نفسه بأصدقاء من
الطبقة الشعبية الأفقر منه، يتعامل معهم بحب ويستريح إليهم، بينما يشعر بالضجر مع
عائلته ويعامل أفرادها بتحفز وضيق. قرأت الفيلم كنقد للطبقة المتوسطة العليا من داخلها وإعلان موتها الوشيك، ليس لأن حسين
مريض وسوف يموت، ولكن لأن السائد والذى يُنظر إليه على أنه طبيعى "
ومفروض" هو الباقى فقط مع الأخت لبلبة وحاشيتها من الخدم، ومع شركاء العمل
الغبيين. بينما يبدو سبف الحفيد قلقا ومستعد للتغير.
يقاوم حسين سيادة الغباء والذوق الرديء بشكل رومانسى محاولا
وحده حل مشاكل من حوله، وتتركنا المخرجة دون يقين بنجاح هذه الحلول. فهل سينجح
زواج الممرضة من خطيبها بعدما يشترى له الأرض التى يريد بيعها ليتزوج؟ هل سينجح
باند الشباب فى عزف مقطوعات لفن جميل وحديث؟ هل سينجج سيف فى علاقته مع فتاته؟ هل
ستتخطى سارة حزنها على قرب موته؟ هل سينجح حيرم مساعده فى أن يكون ندا قويا
لشريكيه فى العمل؟ سيرحل حسين - آخر الرجال المتأصلين- تاركا مشاكل من يحبهم
معلقة، فهل سينجحون فى تجاوز مشاكلهم ليتمكن هو من الرحيل فى هدوء؟ هل كان رحيل
والد المخرجة أيتن أمين تاركا أسرته دون خبرة كافية لإدارة أصول ما يمتلكونه
وإدارة شئون حياتهم دافعا لها للتفكير فى فيلمها " فيلا 69" ؟ سمح إيقاع
الفيلم بطرح مثل هذه التساؤلات التى
فكرت فيها أثناء مشاهدة الفيلم فى عرضه الأول بمصر فى إطار بانوراما السينما
الأوربية بقسم أسمته ماريان خورى الأعمال الأولى. بمناطق من الفيلم تصاعدت ضحكات
المشاهدين، فهل كانت المخرجة تقصد الإضحاك؟ بالنسبة لى لم أضحك إلا على شخصية
سيادة اللواء التى أداها خيرى بشارة، شخصية طريفة زادها أداء خيرى الجاد جدا
للدور.
أهدت أيتن أمين فيلمها "إلى أبى" وهو نفس الإهداء
لعملها القصير الثانى " ربيع 89 " مما يعكس إحساسا بأنها مازالت أسيرة
للأب الذى قد تكون عبرت عنه جزئيا وهى تتناول شخصية المهندس المعمارى حسبن / خالد
أبو النجا فى " فيلا 69" فى مشهد النهاية يقود الحفيد سيف السيارة
العتيقة الأنيقة فى شوارع القاهرة الخديوية ويختفيان فى العمق.
أجد أن المفاضلة التى يجريها عدد من النقاد بين فيلم أيتن أمين
الأول وفيلم أحمد عبد الله الثالث فى غير محلها، فمن قال إن كل الأفلام لابد لها
من تناول السياسة؟ ومن قال إننا مللنا من تناول الشخصيات المهمشة -كما فى فرش
وغطا- ونحن إلى أبطال الطبقة الوسطى كما فى " فيلا 69" .أتصور أن
المقارنة- وليس المفاضلة أقرب بين " الخروج للنهار" وبين " فيلا
69" فالعملين لمخرجتين فى عملهما الطويل الأول، يجمعهما تناول جانب من علاقة
النساء بمريض، قريب للأولى ووالد للثانية. موت الأب وتلاشيه فى العمق لدى أيتن
وخروجه للنهار لدى هالة . تناول لموضوع مقارب، الخلاف فيه على شكل الطبقة وعلى
المفهوم، رثاء لا يخلو من حنين لعالم يمضى
لدى أيتن، ورغبة فى توديعه لدى هالة. العملين حصلا على دعم جزئى من دولة الإمارات
العربية المتحدة، وحصلا على جوائز من مهرجان أبو ظبى على التوالى لعامى 2012 و
2013استعانت أيتن أمين بعدد من فريق عمل هالة لطفى، والمخرجتان تنضمان للمخرجات
الواعدات فى مصر المحروسة ليصبح لدينا فى عامين متتالين المخرجات نادين خان وماجى
مرجان وهالة لطفى وأيتن أمين، تواصلن مشوار هالة خليل وكاملة أبو ذكرى مع اختلاف
ظروف الصناعة ومناخ التلقى وظهور نوع آخر من المشاهدين تساهم بانوراما الفيلم
الأوربى فى تفريخهم كل عام.
* نشر بموقع جريدة الوادى السبت 6 ديسمبر 2013 رئيس التحرير خالد البلشى
No comments:
Post a Comment