Sunday, 11 July 2010

أبناء بينوشيه: الجيل الذى أزاح الديكتاتور

الفيلم التسجيلى
وسيط معرفى
ومحفزعلى النضال

فى نهاية الثمانينيات تدعو الحكومة لاستفتاء -لا أو نعم- للجنرال ليبقى ثمانى سنوات أخرى فى الحكم، اتحدت المعارضة وقالت لا .
ليس هذا حلم يقظة بل هو ما ترصده المخرجة باولا رودريجيث فى الفيلم التسجيلى "أبناء بينوشيه " 80 ق والذى عرض بمصر فى إطار مهرجان "بين سينمائيات " لقاء المرأة العربية اللاتينية فى دورته الثالثة لهذا العام. أسسته المخرجة المصرية الشابة أمل رمسيس ونجحت فى أن تعرض أفلامه مصحوبة بترجمة عربية –قامت بها بنفسها- فبلغت الاستفادة من مشاهدة الأفلام مداها، وأعيد عرض الفيلم ضمن نشاط النقاد كونه نموذج لما يجب أن يكون عليه الفيلم التسجيلى الذى لا يكتفى بعرض شهادات لمن عاصروا أحداثا ما، بل بمزجه الفنى بين الوثيقة الحية واللقاء مع من شاركوا فى الأحداث فى بناء درامى كفيلم روائى يبدأ بمقدمة ويصل إلى ذروة ثم نهاية منطقية لما حدث لثلاث رفاق جمعتهم المخرجة بعد ثلاثين عاما من الأحداث التى أطاحت بسيطرة الدكتاتور بينوشيه . 
                                                                   المخرجة باولا رودريجو
استعرضت المخرجة وهى واحدة من هذا الجيل نفسه حقبة هامة فى تاريخ تشيلى بادئة بيوم الانقلاب على سلفادور الليندى أول رئيس يسارى منتخب فى حكومات العالم. 
فى البداية نسمع صوت كارلا على لقطات للبحر، جيل كامل هو جيلنا، أرانا كما كنا كارلا بولى وجويك. إنهم جيل الثمانينيات فى تشيلى نما وعيهم فى سنوات الدكتاتور. كل يحكى عما عاصره وكان جزءا منه، ستخرج بعد مشاهدة الفيلم وقد امتلأت بالمشاعر، وازددت معرفة، هل حقا انتحر سلفادور الليندى، يصحح الفيلم ما قد تكون تعتقده إذا كانت لديك بعض المعلومات. وستحصل على المعلومات كلها مرتبة ومحققة بالوثائق الحية إذا كنت صفحة خالية لا تعرف أى شيء مسبق عن نضال المعارضة التى قادها اليسار فى تشيلى. تحت عنوان تمرد الثمانينيات تسمع غناء ثورى ممتزجا بهتافات من مشاهد حقيقة. صور التمرد وقنابل تفريق المظاهرات. وثيقة حية تبدو كلقطة من فيلم جبار لثائر يقرأ بيان الثوار، استخدم الشعب حقه الشرعى فى الاحتجاج على النظام، وتمتد يد لتخبئه خلف باب قبل وصول البوليس، يخرج من باب آخر ليكمل البيان، حميمية الثورة تنتقل إليك، انضموا إلى حلبة الرقص مقطع من أغنية شبابية للثوار. بعد وقفة موسيقية فى إيقاع مثالى، قطع فنى ويدخل صوت كارلا الجوع وعدم الرضا بسبب القمع يتحدان فينفجر البلد ، إنها سنوات الثمانينيات حيث بدأ الثلاثة كارلا ابنة وزير داخلية حكومة سلفادور الليندى، وبولى ابن القائد الشيوعى وطبيب الليندى الخاص، وفوجيك بمظهر يشبه جيفارا، ابن 16 عاما عند حدوث الانقلاب العسكرى على حكومة الليندى المنتخبة. 
وبداية عملهم الطلابى ونضالهم السياسى، كيف تحررت الجامعات من الديكتاتورية بانتخاب العمداء وليس تعيينهم قبل أن تتحرر البلد. مشاهد حية لنضال الثمانينيات فى جامعة تشيلى الحرة هكذا يهتفون فى الوثيقة. لا تتعجب من أين حصلت المخرجة على هذه الوثائق، فهى التى خرجت من تشيلى إلى ألمانيا وعملت فى التلفزيون واكتسبت خبرة جعلتها لا تُقدم على عمل فيلم وثائقى بدون جمعها لوثائق حقيقية. كوجيك يحكى كيف كان كره الديكتاتورية يمنح الثوار القوة. مرة أخرى غناء ثورى بمزج عبقرى مع لقطات للثوار الثلاثة الآن بعد 30 سنة من الأحداث. فن المونتاج فى أروع صوره مازجا الصوت والصورة . تستعين المخرجة بمحلل سياسى اسمه مانويللا من جريدة معارضة لبينوشيه، يعلق ويزيد الشرح شرحا. إنه الجيل الذى تشكل أيديولوجيا من خبرة الدكتاتورية، بمعنى أن مصدر وعيه السياسى نشأ من المعايشة الشخصية للظلم. ويكمل جويك شبيه جيفارا كيف أن ثلاثتهم تخلصوا من الصيغ الجامدة لليسار الماركسى فتجاوزوا كونهم قيادة للشيوعية ليصبحوا قيادة للمعارضة كلها. يؤكد المحلل السياسى أن كارلا ووبولى كانا رمزين لحكوة الليندى، وأن كوجيك بمثابة الروح الحرة التى توقظ داخلك عاطفة كبيرة. نكتشف من التحليل أمورا مشتركة بين الناس فى تشيلى ومصر، كحبهم لمن يأمر، واستخدام بينوشيه لخبثه الفلاحى يذكرك بالسادات، وخاصة عند جزء تورده المخرجة من خطاب لبينوشيه يتحدث فيه عن دولة القانون التى ستختل إذا مسه أحد. تكمل كارلا أن هدفه هو البقاء فى الحكم فقط بينما يشاركه اليمين ووزراء الاقتصاد والمال الحكم الفعلى للبلاد. وعن استراتيجيتهم التى توجت بالخصخصة. لا تغفل باولا رودريجيث مخرجة الفيلم عرض مؤيدى بينوشيه من البرجوازيين أصحاب المصالح، تعرض مظاهرت تأييدهم رافعين الأعلام. كمدخل لذروة الفيلم وذروة الأحداث فى الفصل المعنون بصيحة الرفض لا ، عندما تدعو الحكومة للاستفتاء كمخرج ديمقراطى لأزمة الدكتاتورية وتكون النتيجة لصالح المعارضة. كما تُظهر إحدى المؤيدات تكاد حنجرتها تنفجر وهى تصرخ نحن أبناءك المخلصين لا نريد شيوعيين فى هذه البلاد. إيقاع الفيلم يتوازن بين مشاهد اللقاءات مع الأبطال الثلاثة وخاصة وهم يسيرون على البحر، وبين الوثائق والتعليق عليها. يحكون عن القبض عليه فى انجلترا وتوجيه تهم الإبادة الجماعية له، كيف عاد على كرسى متحرك ليثير الشفقة ويدعى أنه ضعيف وغلبان،كوجيك يقول إنه عار على القوات المسلحة التشيلية كيف اختاروه قائدا، يفلت من العقاب فى بلده فقد نجح فى أن يمنح نفسه حصانة مدى الحياة قبل أن يترك الحكم .
كل المعلومات السابقة نسمع شرحا لها ونشاهد الوثائق الدالة عليها، وتنهى المخرجة الفيلم بشرح الدور الحالى الذى يقوم به كل منهم، كارلا تعود للسياسة بعد أن فهمت روح الاشتراكية فى احترام الإنسان، بولى يترك تجارته الناجحة ويعود للسياسة، كوجيك ممثلا ومخرجا مسرحيا لأعمال من تأليفه، الثلاثة سائرين على البحر متطلعين إلى المستقبل. تهدى المخرجة فيلمها لابنتها تأكيدا لتوجهها نحو المستقبل. أبناء بينوشيه إنتاج عام 2002 مشترك بين تشيلى وألمانيا العمل الرابع لمخرجته، يثير غيرتنا على المستوى الفنى والنضالى ويعيد للفيلم التسجيلى دوره المعرفى والتحريضى.


1 comment:

  1. Sadek Neaimi
    شكرا صفاء على هذا المقال الذي أمتعني وأنا في الخارج
    Sunday 11 july at 4:07pm · LikeUnlike ·

    Ahmed Gharib
    حماسك لفكرة الفيلم "محفز" بدوره، مقال ممتع يا صفاء.
    ثمة أوجه شبه عديدة بيننا وبين دول أمريكا اللاتينية، التي تعيش معنا فترة "ما بعد الكولونيالية" لكن عدة دول منها، البرازيل -والأرجنتين مثلاً، استطاعت حجز عضوية بين دول العشرين، رغم أن بها فقر وتخلف تعليمي، وخرافات، وتعصب عرقي لا يقل في ضرره عن التعصب الديني في الشرق الأوسط، لكنها عملت على تطوير نفسه... See Moreا واستطاعت شريحة فاعلة في الطبقة الوسطى فيها أن تضع المجتمع أمام مسؤلياته، وتحفزه على اختيارات ناضجة نحو التطوير.
    لا أدري لماذا تبدو الأمور مستعصية في مصر، مع أن تركيا القريبة أيضا منا خطت نفس الخطوات واجتازت العتبات الأولى للديموقراطية، بسلسلة انقلابات مع وضد تداول السلطة، ما الذي نفتقده في مصر، ويجعلنا أسيري الفرص الضائعة؟
    Sunday 11 july at 6:26pm ·

    Safaa Elaisy Haggag
    أعتقد أننا نفتقد المثابرة، على المستوى النضالى وعلى مستوى توثيق التاريخ فى فيلم كهذا، لدينا أفلام تفتقد تماما للوثائق وأخرى وثائق خام دون الجهد الذى يرتقى بالعاملين معا كهذا الفيلم.
    july 12-2010 at 12:27am ·
    نقلا عن فيس بوك صفحة safaa elaisy Haggag

    ReplyDelete