Sunday 2 April 2017

المرأة المصرية مخرجة مبدعة



المرأة المصرية مخرجة  مبدعة

وكيف حققت الندية مع الرجال
 منذ ما يزيد عن العشر سنوات أجاب مخرج كبير من جيل الثمانينيات عن سؤال لماذا لاتوجد مخرجة امرأة رغم أن السينما المصرية قامت على أكتاف ثلاث سيدات هن عزيزة أمير وبهيج حافظ وماري كوينى؟ فرد ساخرا لديكن إيناس الدغيدي. ظلت إيناس لفترة المخرجة السينمائية الوحيدة المطروحة فى الإعلام المصري والعربي، الغالبية تهاجمها وتهاجم (جرأتها) بين قوسين وقلة فقط متحمسة لها وتجدها مخرجة مهمة، أعترف أننى لأسباب شخصية تجاهلت الانضمام لأي من المعسكرين المهاجم والمدافع، فقد تخرجنا معا من المعهد العالي للسينما دفعة 1975 أنا من قسم المونتاج وهي بالإخراج، ولم نكن صديقتين وإن لم نكن على خلاف واضح إلا فى طريقة طرح كل منا لنفسه، فبينما كنت وقليل من الزملاء ننتمي إلى اليسار ونشارك تظاهرات جامعات مصر(71-72) كانت إيناس تعمق علاقتها بصناعة السينما المصرية بدأب حتى أصبحت مساعدة مع بركات، ومع صلاح أبو سيف، بعد عملها مساعد ثان مع المساعد الأول وقتها سمير سيف فى أفلام حسن الإمام. كنت كما كثير ممن يشبهون توجهاتي لا نفضل السينما التجارية التي يمثلها الإمام ومعه إيناس التى فرضت نفسها بالجهد وبالعناية بشكلها ساعدها فى ذلك طولها الفارع واهتمامها بأناقتها، وقد جربت التمثيل ولكنها لم توفق ، إذ قامت بدور ثان مع فاتن حمامة فى فيلم بركات " أفواه وأرانب" ويبدو أن عدم نجاحها كممثلة دفعها للتركيز فى الإخراج حتى وجدت منتجا لفكرة وجدتها جديرة بالمناقشة فقدمت عملها الأول " عفوا أيها القانون" ، تأليف ابراهيم الموجي. 
طرحت الدغيدى فيه فكرة اختلاف الحكم بين من يقتل زوجته إذا فاجأها مع عشيق على فراش الزوجية، وبين الحكم على زوجة تقوم بفعل القتل إذا فاجأت زوجها مع عشيقة. حظي الفيلم باهتمام كبير ورد الرجال عليها ( عفوا أيتها الآنسة) وبفيلمها الأول حققت لنفسها مكانة فى صناعة السينما المصرية وحتى الصحافة الأجنبية كتبوا عنها " مخرجة لها طلة هوليودية) ولم تحظ أفلامها بالنقد المستحق سلبا أو إيجابا نتيجة للصورة التي صدرتها عن نفسها وتحركها بين النجمات صديقة لهن وليس بين زملائها من المخرجين .
كرمت إيناس بالمهرجان القومى للسينما المصرية الأخير، ولم يتحمس أي من النقاد الشباب للكتابة عنها فى إطار تكريمها بسلسلة الكتب التي ينتجها صندوق التنمية الثقافية مع الحدث السنوي، فتصدى للأمر علي أبو شادي الذى أجرى معها حوارا دون أن يقوم بدراسة وتحليل أفلامها، وأجد أن إيناس الدغيدي ظلمت مرتين، مرة بالتعامل معها كامرأة جريئة تهاجم المسلمات و(الثوابت) ومرة حين كرمت – وأجدها تستحق – ولم يكتب عنها بشكل علمي. مع التسليم بأنها المسئولة عن تصدير صورة النجمة الجريئة وآخرها ما قامت به فى ندوة بمعرض الكتاب (2017)
صرحت فيه أن ممارسة الجنس قبل الزواج حلال. حتى أن لها برنامجا تلفزيونيا بعنوان الجريئة. تستضيف فيه نجمات ونجوم ويتناول ما يعتقد أنها قضايا حرة . أخرجت أول أفلامها "عفوا أيها القانون" فى أوائل الثلاثينيات ( 32 سنة ) وهو أمر نادر حتى بين الرجال، بينما المخرجة هالة خليل كانت فى عمر (37 سنة) حين أخرجت أول أفلامها " أحلى الأوقات " فتاة ناضجة على أعتاب الأربعين.  
مضى زمن كان هوية المرء فيه مطروحة للنقاش، والمجتمع المصري – والعربي معه- مجتمع ذكوري يؤمن ابتداء بتفوق الرجل على المرأة ويشكك دائما فيما تحققه، وتثار النميمة – والرجال ينمون أكثر مما تفعل النساء- حول من الذى كتب لفلانة كتاب شعرها، ومن الذى أخرج سرا فيلمها، وحتى النساء شاركن الرجال فى هذا الهجوم، تحملت المبدعات المصريات هذه النظرة طويلا ولكنهن بدأب وثقة كبيرة فى النفس طرحن عن كاهلهن فكرة منافسة الرجال، وجهرن بتميز إبداعاتهن ولم تخش الواحدة منهن أن تصنف كمخرجة، ككاتبة، كشاعرة، لم تعد تاء التأنيث تعني (الأقل) بل أصبحت تعني الخصوصية والتميز أحيانا.
هذا العام في عام المرأة لم يجد منظموا التظاهرات الفنية المختلفة مشكلة فى تمثيل المرأة في مختلف التخصصات، لم تعد لدينا إيناس الدغيدي فقط فى السينما، بل هناك هالة جلال ،هالة خليل، كاملة أبو ذكري، هالة لطفي، ماجي مورجان، أيتن أمين، سناء سيف، إيناس بكر، مخرجات ومنتجات، وكاتبات سيناريو وسام سليمان، نشوى زايد..خلافا لمصورات ومهندسات ديكور، فنانات مونتاج ورسوم متحركة، أستاذات بمعهد السينما وصاحبات مشاريع كبيرة. وحين اجتمعت لجنة تحكيم مهرجان جمعية الفيلم وأثناء المناقشة لم يكن مطروحا بأي شكل من الأشكال نوع المخرج ذكرا أم أنثى، ونوقش عمل هالة خليل وسط أعمال المخرجين من الرجال بنفس الدرجة من الندية ولم يترفق أحد بها، فقط تعاملنا مع العمل الأول لصاحبه بقدر من الاعتبار، كما هو معمول فى كل المهرجانات الدولية والمحلية الكبرى. 
بدأت دورة أسوان لسينما المرأة ترأس دورته الأولى امرأة هي الممثلة إلهام شاهين، ترأس لجنة التحكيم مخرجة هى هالة خليل الحاصلة على جائزة أفضل إخراج بمهرجان جمعية الفيلم 43 كما حظي فيلمها بالعدد الأكبر من الجوائز فى نفس المهرجان بالإضافة إلى جوائز عديدة بمهرجانات بالخارج. لم تعد النساء مشغولات بإثبات أنهن مبدعات ( والله العظيم أنا مخرجة، والله بأعرف أكتب، أيوة أنا اللى أدرت التصوير هنا، دى المدرسة اللى أنا أسستها ..) النساء طرحن خلفهن مقولات تقلل منهن، أسقطن المقولة ( ناقصات عقل ودين) ، وأصبحن ترفضن تشبيهن بالوردات أو القارورات. هن نساء، إنسان كامل، ند للرجال إن لم يتفوقن عليهم فى كثير من الأحيان.
قائمة النساء اللواتي تعملن فى صناعة السينما وفى النقد السينمائي تتزايد يوما بعد يوم ، سيدات قديرات وشابات لامعات يشغلهن ما يشغل المجتمع من قضايا العدل والحرية والكرامة الإنسانية. تحصلن على الجوائز وتمثلن بلدها فى المحافل الدولية، تحققن مكانة دون الحاجة إلى ادعاء الجرأة ولا بالخروج عن المألوف. قطعت المرأة فى السينما المصرية شوطا كبيرا بين نموذج إيناس الدغيدي وبين نموذج هالة خليل، أثبتت فيه النساء جدارة كإنسان كامل قادر على مشاركة مجتمعه قضاياه وهمومه. أعادت نماذج مبدعات اليوم صورة جداتهن بهيجة حافظ وعزيزة أمير، إنجي أفلاطون وعطيات الأبنودي.  
تناولت الدغيدى فى أفلامها قضايا هامة مثل قضية المتاجرة فى النساء فى فيلم " لحم رخيص" ولكنها بأسلوبها كانت تنجرف دائما إلى قضايا فرعية ويبدو أن رغبتها فى تحقيق نجاح تجاري هو ما تضعه فى المقام الأول ، بينما نجحت هالة خليل منذ بداية أفلامها فى مناقشة خصوصية وضع المرأة ، عبرت عنه خلال تفاصيل العمل وخاصة فى فيلمها الأول الذى كتبت له السيناريو وسام سليمان" أحلى الأوقات "، وقد ظهر أسلوب هالة خليل فى الفيلم القصير " طيري يا طيارة " الذى أنتجه لها المركز القومي للسينما وفيه تركيز على تنشئة المجتمع والأسرة للفتاة بداية دخولها إلى مرحلة النضج الجنسي حين تأتيها الدورة الشهرية فيتم الضغط عليها بعدم الخروج، وتنتبه الأم إلى تحضيرها لمهام المرأة فتعلمها الطبخ وأسرار البيت، تتطاير الطماطم وهى تستعمل الخلاط لأول مرة، والفتاة متكدرة، يأمرها والدها بالبقاء فى البيت ثم ينحني ليقيم صلاته، تدوخ الخالة للحصول على حقها بعد الطلاق، تلعبان بطائرة ورقية حالمات بالحرية. بينما الدغيدى في فيلمها " الباحثات عن الحرية " تستغرق فى مشاهد مضغتها أفلام سابقة كثيرة بنفس الأسلوب الذي يسطح المفاهيم ويركز على لحظات الضعف لتأتي فقط الحكمة عبر جملة أو موقف نهائي. تسير بطلات " أحلى الأوقات " فى الطريق ويكون الأولاد فى الشارع يلعبون كرة القدم تصل إلى قدم البطلة الكرة فتلعب مع صاحبتيها لدقائق لعبة الرجال كرة القدم ويختفى ضجيج الشارع وتعلو موسيقى حالمة لتنهي المشهد. بشكل تعبيري نعم نستطيع وما المانع؟. القضايا وحدها لا تكفي ولكن المهم أسلوب عرضها وما تنتهي إليه، الفكرة عبر تناولها بأسلوب فنى دون أن تهتز رؤية المخرجة بل تستمر كما بدأت في طرح أفكارها عبر سرد مترابط نجحت فيه هالة خليل وجمعت فيه بين تقدير النقاد وإعجاب الجماهير.
تخيرت نموذجين فارقين فقط للتدليل على أن المرأة يمكنها تحقيق مشروعها السينمائي دون أن تلجأ بالضرورة لأمور من خارج العمل الفنى عبر تصريحات ساخنة أو صدام استعراضي ، بل عبر مواقف متسقة في الإيمان بضرورة التغيير وبالثورة الواجبة لتحسين شروط معيشة " نوارة" ومثيلاتها.    
صفاء الليثي
نشر المقال بالعدد الثاني من مجلة " بنت النيل " 
غير دورية يصدرها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي  
  

No comments:

Post a Comment