Tuesday, 21 March 2017

بين علي معزة وابراهيم المصري و زولوجي الروسي



الواقع الذي تجاوز الخيال

في إطار مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوربية استمتعت بمجموعة أفلام المسابقة الطويلة المشاركة كلها إذ تمكن المخرج والناقد أحمد حسونة المدير الفني للمهرجان من اختيار أفلام جيدة جدا فى مجملها ساعده على ذلك عدم التقيد بشروط تكبل اختيارات الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله لمهرجان القاهرة حيث تشترط لائحته ألا يكون الفيلم المشارك بالمسابقة قد شارك أحد المهرجانات الكبرى الخمسة عشر في الاتحاد الدولي للمهرجانات، وباعتبار القاهرة مهرجانا دوليا كبيرا فلا يمكن أن يقبل ضمن مسابقته فيلما عرض بمنطقة الشرق الأوسط أو بأي من مهرجاناتها كدبي ومراكش، كما يشترط ألا يكون قد عرض تجاريا بمصر . وكلها شروط تحرر منها المهرجان الوليد بشرم الشيخ فكانت أفلام مسابقته قوية ومتنوعة. 
علي معزة وابراهيم فيلم عصي على التصنيف 
منها الفيلم المصري " علي معزة وابراهيم " وهو فيلم عصي على التصنيف تزامن عرضه تجاريا مع عرضه بالمهرجان. يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي لضابط بوليس يقبض على سائقي ميكروباس متهالك مما تعج بهم القاهرة للاشتباه في استخدام دبدوب الفلانتين في تهريب المخدرات ،لا يلتفت الضابط وقوة أمنه إلى حادث اختطاف أنثى في سيارة متهالكة أيضا ولا إلى صراخها ويصر على تمزيق الدبدوب الذي يتبين في النهاية براءته من التهريب. الدبدوب هدية من علي إلى خطيبته ندى ،المعزة ، وسنعرف قرب نهاية الفيلم سبب تعلقه بها بديلا عن خطيبته التي سقطت في النيل بينما يبثها غرامه على الكوبري الذي فتح فجأة، وبعد رحلة طريق في أنحاء المحروسة مع ابراهيم الذي يسمع أصواتا، واختفاء ندى المتكررر ثم عودتها، تظهر ندى في منام أهل الحي. يقدم لنا السيناريست أحمد عامر والمخرج شريف البنداري مشهدا يذكرني بروح ثورة 25 يناير حيث يقام تمثال للمعزة ندى ويكتب على الحو ائط نداءات ..عودي يا ندى.
بين المشهد الواقعي اليومي والعبثي أيضا، وبين مشهد رومانسي ثوري يقع الفيلم الطويل الأول للمخرج شريف البنداري، يستسهل الواحد منا فيسميه فانتازيا وهو توصيف متعسف أجده عجزا منا نحن نقاد السينما عن تصنيف عمل لا يقدم الواقعية التقليدية ولا الرومانسية الغنائية ولا أفلام الأكشن الجادة أوالكوميدية فنقول فانتزيا، من الفانتزاي بمعنى الخيال. وهل العمل الفني أمر آخر سوى خيال لصناعه ؟ بعض مشاهد الفيلم مستمدة من الواقع ومتقيدة بتفاصيله، وبعضها ينطلق في حلم يقظة كبير فيصارع الأشرار بروح صبي تربى على مغامرات جرانديزر في المشهد الذي ظهر فيه ابراهيم مع معدات اخترعها لإثارة أصوات تؤدي إلى شل البلطجية وإحداث ما يشبه الجنون الحركي لهم ، ابتسمت سعيدة بظهور أحمد مجدي في دور ابراهيم وقد تفتق ذهنه عن هذا الاختراع الصبياني لينقذ صديق الطريق علي معزة من مجموعة الأشرار، طفولة المخرج التي بدت في الفيلم عبر مجموعة من الحلول أكدها بكاؤه وهو يعتذر لجمهور مهرجان شرم الشيخ عن سوء النسخة التي بدأت في التوقف والتعثر فى الثلث الأخير من الفيلم ، باستثناء المقدمة والنهاية سار الفيلم ببطليه عبر رحلة لثلاثة مسطحات مائية البحر المتوسط في الاسكندرية، البحر الأحمر في سيناء ثم نهر النيل بالقاهرة في نهاية الرحلة، ومع ذلك لا يمكن تصنيف الفيلم أيضا بأنه فيلم من نوعية أفلام الطريق، إذ لاينطبق عليه حرفيا ملامح هذا النوع ، فالرحلة لم تحتل زمن الفيلم كله ولم يعد البطلان من الرحلة وقد تغير بهما أمر هام بل حدث التغير في نفس مكان انطلاقهما من عشوائيات القاهرة وعلاقات شعبها. وكما القصص الشعبي وجدا الحل ليس في المكان الذي سافرا إليه بل فى موقعه الذى انطلقا منه. 
كتب قصة الفيلم المخرج الذي دشن حركة السينما المستقلة في مصر وفعل كما فعل محمد خان حين ترك قصة سواق الأتوبيس إلى عاطف الطيب وقد وجد أنها مناسبة له أكثر. وإن كنت أعتقد أن البطوط اهتم أكثر بأن تخرج الفكرة إلى النور فتركها لمخرج آخر قد يرضى به المنتجون، تحمس حسام علوان للفكرة فأنتجها مع محمد حفظي الذى عوض غياب حسين القلا عن الإنتاج وأصبح المساند الأول لتجارب مخرجين جدد، وبمساندته لشريف البنداري اكتسبت السينما المصرية مخرجا جديدا يضخ فى صناعته دماء جديدة. 
أثناء عملي في مونتاج فيلم " ثلاثة على الطريق" مع المخرج محمد كامل القليوبي عام 1993، كانت أزمة فيلم " الأفوكاتو" لرأفت الميهي ما زالت حاضرة في الأذهان، القليوبي شرح لي أنهم استدعوا إلى الشهادة بالمحكمة أستاذ مادة السيناريو د. يحى عزمي حيث أن دفاع المخرج المؤلف – المتهم – رأفت الميهي قد نفى صلة فيلم موكله بالواقع وعليه تسقط القضية التي رفعها المحامي مرتضى منصور ، وقد بنى شهرته على رفع القضايا على الفنانين، شهد د. يحى عزمى بأن الفيلم من نوع الفانتزيا الذي لا يمت للواقع بصلة. ومن يومها انتشر هذا التعريف الذي يمكن تطبيقه على أي عمل به ابتكار ولا يطابق الواقعية الكلاسيكية، يضحك القليوبي ويؤكد – مفيش حاجة اسمها فانتازيا- وأنا معه تطبيقا على فيلم "علي معزة " فالواقع كما يقول الشباب في بلادنا هذه الأيام- الواقع فشح الخيال- مستشهدين بأمثلة غير متناهية عن حوادث وأشخاص وحكايات واقعية ، حدثت بالفعل تتجاوز كل خيال فني قدمه إنسان في الماضي أو الحاضر. كما أن كل عمل فني به من الخيال ، الفانتزاي ، ما يجعله جديرا بأن يصنف كعمل فني. 
 زولوجي ورفض التنوع والاختلاف
تعبير الفانتزيا أطلق أيضا على الفيلم الروسى، الفرنسي الألماني المشترك " زولوجي" عن فتاة مرفوضة من مجتمعها، ناتاشا وهي سيدة في منتصف العمر تعمل في حديقة الحيوان، وتعيش مع أمها في بلدة ساحلية صغيرة. تشعر أنها عالقة في الحياة التي ﻻ تحمل لها آي مفاجآت، حتى ينمو لها ذيل في يوم من الأيام، ذيلا غليظا يشبه زلومة الفيل. لجأ المخرج بفكرة زولوجي إلى تجسيد الاختلاف بشكل عضوي محدد لمناقشة التعصب، المخرج يركز تماما على بطلته وعلى حكايتها ومأساتها دون الدخول في موضوعات فرعية ودون أن يشاركها البطولة أحد غيرها، حقيقة وجود بعض الأشخاص يولدون ولهم بقايا ذيل يعانون منه، حقيقة علمية معروفة، ولكنها ليست بالحجم الذي جسده  المخرج ايفان تفردوسكي، وهو هنا يقصد تجسيد الاختلاف في أوضح صوره لينتقد عنصرية البشر وعدم قبولهم من يختلف عنهم. تجسيد الذيل مكنه من طرح أفكار عادت إلى الناس مع التوجه اليميني الذي يجتاح العالم فنجد الناس يتصورون أن هناك شيطانا يتجسد في صورة إنسان ولكن له ذيل ووجوده يمثل نوعا من اللعنة حلت على البلدة . يعرض المخرج أيضا لدجل معاصر يسمى العلاج بالطاقة أو التنمية البشرية، ويجعل بطلته والممرض الذى صادقها يسخران من هذا الدجل المعاصر، كوميديا ثقيلة أفضل عدم تسميتها بالسوداء لابتذال المصطلح، بل هي نوع من الكوميديا الغليظة، يضعنا المخرج بها أمام أنفسنا ويفضح بذور التعصب داخل كل منا. ويأتي الحل قاسيا أيضا حين تقرر الفتاة ناتاشا أن تضع سكينا حادا بين عوراض كرسي خشبي لتقطع بنفسها الذيل، الذي ينفر منها الآخرين، وينتهي الفيلم. الفتاة كانت طبيعية وتعيش وحيدة مع والدتها ، ومع مرور الأيام ينمو لها ذيل. فتقوقع أكثر وتصبح مصدرا للسخرية. تصورت بما يغلبني من رغبة ساذجة فى انتصار الخير أن ظهور الرجل المحب في حياتها سيذيب الذيل وكأنه لم يكن، مثل حكاية الأطفال – والت ديزني – الجميلة والوحش حيث يتحول المسخ إلى شاب جميل عندما تحبه فتاة جميلة، ولكن المخرج وهو نفسه المؤلف ومن قام بالمونتاج أيضا لا يسلينا بحكاية خرافية بل يصدمنا بقسوة.
مشاعر متضاربة تلقينا بها الفيلم بين الإعجاب بوحدته العضوية وعناصره الفنية المصاغة ببراعة وبساطة وبين  شعور بقشعريرة من قبح ذيل ضخم كهذا على فتاة لم تتزوج .
 فيلم " زولوجي " كما " علي معزة وابراهيم" مرجعيتهما من القصص الشعبي والحكايات المتواترة، ولكن الفيلم الروسي أوصل رسالته عبر سينما مباشرة واضحة لا تحتاج شرحا أو تفسيرا كالذي لجأ إليه أحمد عامر كاتب " على معزة وابراهيم" ليبرر لنا سبب تعلق الشاب بمعزته واتخاذها خطيبة كما بنات جنسه.
يتشابه مخرجنا المصري مع المخرج الروسي فى مسيرته المهنية والخلاف فقط أن الروسي أصغر بعشر سنوات حيث نعاني في مصر من صعوبة حصول الشباب على فرصة إلا بعد مرور سنوات. ايفان تفردوسكي قدم عددا من الأفلام القصيرة الناجحة بعد تخرجه من معهد السينما تماما كما البنداري وكلاهما حصل على العديد من الجوائز قبل أن يخرج الروسي عمله الأول والثاني هذا ، وقبل أن يخرج البنداري عمله الطويل الأول، هدف كل مخرج فى مصر مهما قدم من أعمال قصيرة من قبل.
                                                                                                        صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 21 مارس 2017 رئيس التحرير سيد محمود

1 comment:

  1. الفيلمان المصري " علي معزة وابراهيم" والروسي " زولوجي " لم يحصلا علي أي جوائز من لجنة تحكيم مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوربية رغم تميزهما. الجوائز ليست دائما معيارا وحيدا لتقييم الأفلام.

    ReplyDelete