Tuesday, 19 October 2010

اتجاه جديد للفيلم التسجيلى يشارك فى حركات تغيير المجتمع



المخرجة منى عراقى
ومدرسة التحقيق الاستقصائى


كشف مهرجان الإسماعيلية فى دورته الأخيرة  2-9 أكتوبر 2010عن ظهور اتجاه جديد فى السينما التسجيلية المصرية وهى  مدرسة التحقيق الاستقصائى الذى تتبعه المخرجة منى عراقى فى أفلامها. فى دورات سابقة للمهرجان شاهدنا نماذج فرنسية لهذا الاتجاه وتمنينا أن نشاهد عملا مصريا أو عربيا على شاكلته.  فى اليوم قبل الأخير لعروض المهرجان شاهدنا "طبق الديابة " الذى يكشف عمليات الاتجار فى مخلفات المستشفيات وإعادة تدويرها بدلا من حرقها كما ينص القانون. خاضت منى عراقى مغامرة خطرة للتظاهر بأنها جاءت لشراء هذه المخلفات، تقول فى الفيلم وللأسف نجحت. تشرك المخرجة المشاهد فى عملية البحث وتطلعه على نيتها قبل التحرك، تقدم شخصيات الفيلم بصوتها، تتحرك فى أماكن الأحداث، تصورها كاميرا محمولة يدويا ،أحيانا تميل الصورة أو تنقلب، بحماس المغامرين لا يهمها ثبات الصورة ولا جماليات التكوين، بل التقاط اللحظة ساعة وقوعها متبعة أسلوب السينما المباشرة. ولأن رئيسة لجنة التحكيم الدولية المخرجة الألمانية جيزيلا توختنهاجن من رواد هذه المدرسة يحصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم فى فرع الفيلم التسجيلى القصير-أقل من ساعة- منافسا أفلاما أجنبية أخرى بعضها يتبع نفس مدرسة التحقيق الاستقصائى كفيلم " رجل الفياجرا" الذى أثار اهتماما لجرأة موضوعه وكشفه عن استغلال شركات الدواء الكبرى بالترويج للقرص الأزرق دون اعتبار للآثار الجانبية ومدى تأثيرها على المتعاطين. طوال مشاهدة فيلم منى عراقى" طبق الديابة" غلبنى هاجس أن يكون بيضة الديك لمخرجته المجهولة لنا –قبل الإسماعيلية- ولكن بعد مشاهدة فيلمها " الصومال... أرض الأرواح الشريرة " ابتعد هذا الهاجس وتأكدت أن منى عراقى اختارت أسلوب الفيلم التسجيلى بالتحقيق الاستقصائى عن وعى وإصرار للكشف عن فساد الرأسمالية الجديدة واستغلالها للفقراء لتنفيذ مخططاتها الشريرة. وجدت فيلم "الصومال .." مغامرة أخرى لمنى عراقى قدمت فيه خلال 21 دقيقة فقط تحليلا وافيا عن القرصنة فى الصومال، تبدأ فيلمها بتساؤل "حد سأل ليه الناس دى بتعمل كده؟". قرأنا وشاهدنا تغطيات إخبارية دون الكشف عن دوافعها ودون تحليل يكشف تعقيدات موضوع أعمال القرصنة فى الصومال والتى تتعرض لها بعض السفن المصرية ويتم احتجاز أفرادها حتى يدفعون الفدية، فى فيلم منى عراقى تعلن عائشة وهى من قبيلة القراصنة "دول مش قراصنة، هذا عمل تديره العائلة لكى يحافظوا على أرضهم من أى معتد خارجى" ، عائشة تتحدث لمنى وهى بزى شعبى ثم تلتقيها وهى فى ملابس أفريقية بزيها الوطنى تذكر لنا أنها تعلمت فى أمريكا وهى المرأة الوحيدة التى رشحت نفسها لرئاسة الصومال ، تقول عائشة أن لاسكوراى- وهى مدينة القراصنة- مدينة غنية ولكن مواردنا تسرق، لا يريدون منا أن نستخرج بترولنا إلا بعد أن يجف بترول العرب. تكشف أيضا عن قدوم سفن إيطالية بنفايات ذرية تدفنها فى أرض الصومال، ثم تعود بصيد من مناطق غير محددة لذلك، فيهاجم من يسمونهم القراصنة هذه السفن. تلتقى منى عراقى بزعيمهم وبمسئول آخر كلهم يؤكدون أنهم أصحاب حق وأن القراصنة الحقيقيون هم الأجانب وأن الصوماليون مجرد رد فعل. بعض هؤلاء يتحدث لغة عربية سليمة. تنقلنا المخرجة من مصرى احتجز القراصنة ابنه وهو يناشد الرئيس حسنى مبارك للتدخل، إلى لقاء بين الرئيس المصرى والصومالى اتفقا فيه على أن الاستجابة لطلبات القراصنة بدفع الفدية يشجع القراصنة فى الاستمرار فى أعمالهم التى أسماها بالإجرامية. تكشف منى عن أن القراصنة هم صناعة حكومية ليبقى التدخل الأجنبى بقواعده، وبدفن النفايات الذرية لقاء مبالغ مالية كبيرة. تختم منى عراقى فيلمها ذاكرة أن الصومال أرض البترول والذهب، ولهذا حضر الغرب والأرواح الشريرة وعندما تؤذيهم يسمونهم بالقراصنة.
أنتج الفيلم قناة أو تى فى المصرية بإشراف ياسمين عبد الله وكانت منى عراقى مخرجة العمل ومصورته، انطلقت من بحثها عن إجابة السؤال حول القرصنة وخلافا لأى تقارير إخبارية، حللت ودعمت وجهة نظر تؤكد أسلوبها فى عدم الوقوف عند ظواهر الأشياء بل الحفر بعمق لجلب الحقائق التى تبقى مرهونة بوجهة نظر من قابلتهم وخاصة السيدة عائشة التى ساعدتها فى الخروج من منطقة القراصنة وفى الخروج بحقيبة بها الكاميرا وشرائطها المصورة بوضعها فى حقيبة تراثية يعتقد الصوماليون بأن فتحها يخرج الأرواح الشريرة. اختارت لجنة المشاهدة فيلم " طبق الديابة " الذى يفضح عمليات الاتجار بمخلفات المستشفيات، وفضلته على فيلم " الصومال " وكان من الممكن للجنة أخرى أن تفضل فيلم الصومال. وهكذا الوضع دائما تختلف النتائج باختلاف أعضاء لجان التحكيم والاختيار. وهى حقيقة لا يدركها بعض المشاركين فيغضبون بشدة لعدم حصول فيلم لهم على جائزة، أو لعدم اختياره للمشاركة فى المسابقة، يشعر النقاد أيضا بالغضب إذا جاءت نتائج التحكيم مخالفة لتوقعاتهم كما حدث هذا العام مع نتائج تحكيم اللجنة الدولية، بينما شعروا بالارتياح لنتائج تحكيم جماعة السينمائيين التسجيليين التى منحت جائزة صلاح التهامى لأفضل فيلم تسجيلى عربى لفيلم منى عراقى "طبق الديابة " بينما منحت جائزة حسام على لفيلم " صمود " للمخرج المصرى الألمانى فيليب رزق. وخرج فيلم متى المسكين من سباق الجوائز رغم تميزه ودخوله منطقة شائكة حول علاقة السلطة بالدين.
نجح مهرجان الإسماعيلية فى الكشف عن عدد من الأفلام المصرية تقوم بدور فى حركات تغيير المجتمع وفى الكشف عن مواهب واعدة مثل المخرج إياد صالح صاحب متى المسكين، والمخرج شكرى ذكرى شكرى بمشروع تخرجه قطر الحياة الحاصل على تقدير خاص من لجنة تحكيم جمعية نقاد السينما المصريين وقبلها من مسابقة الديجيتال بمهرجان الإسكندرية.
الدورة الرابعة عشر لمهرجان الإسماعيلية كانت الدورة العاشرة لرئاسة الناقد على أبو شادى للمهرجان بعد أن أعاده المخرج محمد كامل القليوبى بعد توقف لعدة سنوات، ككل مهرجان لايخلو من ملاحظات وإن ظل الأفضل تنظيما على مستوى المهرجانات المصرية. وهو مهرجان المركز القومى للسينما تتعاون إداراته المختلفة والعاملين فيها على إقامته وإنجاحه، تتعاون إدارات المهرجانات والمشتروات والمشروعات والإدارة المالية بادئة عملها بعد انتهاء كل دورة دون راحة، وإن كانت له ميزانية مخصصة فإنها تبقى فى حدود الميزانية العامة للمركز القومى للسبينما، يتغير الأفراد لسبب أو لآخر، وتبقى الكيانات، ومهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة كيان راسخ يتحدى البقاء مهما تعاقبت عليه القيادات.  
    



No comments:

Post a Comment