Tuesday, 8 June 2010

من فيلم امرأة عصرية إخراج نادية سالم
فيلم " باحبك " للمخرج محمد مصطفى واحد من الأفلام المعبرة عن هذا الرأى فقد اختار التعبير عن موقف حب بين رجل وامرأة بعد مشهد لم نشاهده لممارسة الحب وإن كنا شعرنا به، حيث يبدأ فيلمه برجل وامرأة على سرير، المرأة نائمة والرجل يتأملها، ينهض ويحضر كاميرا، يصور جانبها العارى ونصفها المغطى بملاءة، يعد لنفسه قهوة ويكتب لها على زجاج النافذة كلمة بحبك ويمضى على أطراف أصابعه متحاشيا إزعاج نومها। تنهض وتنظر له من النافذة، هو فى الخارج، تكتب له أيضا بحبك، مرة لا يمكنه قراءتها، فتكتبها من ناحيتها بالمقلوب فتظهر له واضحة. كل هذا من خلال النافذة المغبشة ببخار الماء فى صورة رائعة لمدير التصور الفنان محسن أحمد والديكور لأنسى أبو سيف والموسيقى الأوركسترالية البديعة لراجح داوود . الفيلم كتبه محمد مصطفى بنفسه عن قصة لمصطفى ذكرى عنوانها "أنا وأنت " وأدت الدور غادة (غادة ابراهيم). وهو مشروع دبلوم دراسات عليا قدمه عام 1994.محمد مصطفى سيختار أن يعمل طويلا كمساعد مخرج مع مخرجين مميزين منهم داوود عبد السيد ومحمد خان وخيرى بشارة، يحبه كل العاملين بالمجال ويلقبونه طرزان لضخامة حجمه، سيتحمس له المنتج حسين القللا وسينتج له فيلمه الأول الهام " أوقات فراغ" ، وفيلمه الثانى " الماجيك". وإذا كان مشروع تخرجه "بحبك" جاء معبرا عن رؤيته فى تقديم عمل على درجة عالية من الإجادة الفنية بفكرة بسيطة ، ولكنه فى سوق الفيلم سيغلبه طموحه ويقدم عمليه جامعا بين قوة الأفكار والمستوى الفنى الجيد. تخرج محمد مصطفى بفيلم آخر عام 1979 " الأيدى القذرة" وكانت المشروعات تُحكم نسخة عمل فقط ولا يطبع منها استاندارد. لم يشارك فيلم "بحبك" أى مهرجانات، أغلب الظن أن اللجان التى تختار الأفلام التى تشارك فى المهرجانات لم تلتفت لجماله الفنى مع بساطة فكرته، ولكن بقيت نسخته شاهدا على أهمية المحافظة على كل عمل كوثيقة قد يعاد الكشف عنها بعد مرور الزمن. مصطفى ذكرى عرفناه كاتبا للسيناريو فى عملين كبيرين من إخراج هانى فوزى، وهما "عفاريت الأسفلت " و"جنة الشياطين" الذى أنتجه ومثله محمود حميدة اقتناعا منه بموهبة كل من الكاتب والمخرج رغم مخالفتهما لقواعد السوق وشروط الصناعة فى مصر.


عام 1991 سنشهد فيلم "ميلاد أمس" وهو عمل شديد التميز لفت الأنظار لمبدعه أحمد ماهر الذى كتبه وأخرجه حول الكاتب يوسف الذى توكل له مهمة استضافة "3 أولاد يقفون فى طريق التغيير " كما يقول شخص يمثل السلطة الرسمية فى الفيلم. مطلوب من الكاتب أن يقنعهم بالعودة إلى المدينة التى هجرها، السلطات لا تريد معاقبتهم ، ولكن تعليمهم ضرورة التكيف مع المجتمع. يوافق الكاتب على المهمة لاحتياجه إليهم ليقترب من نادرة التى يخاطبها فى خطابات سنعرف أنها لا تصلها. والشبان الثلاثة هم الشاعر عمر الذى يرفض الخروج من السجن اعتراضا على الأوضاع، والمجند نهر الذى يسكنه طفل ولا يستطيع أن ينسى الكتكوت الذى مات ويقوم بالدور المخرج بنفسه، والثالث شيخ الكتاب الشيخ الوكيل يقوم بدوره علاء مرسى، ويشاركهم بطولة الفيلم طفل نابه، وساندرا نشأت زميلة الدفعة والمخرجة لأفلام سائدة الآن.
قام الممثل عمرو عبد الجليل بدور الشاعر، وهو الذى لم تظهر موهبته إلا فى فيلم " حين ميسرة" حيث أدى بطولة دور ثانى رجال وحصل على جوائز عديدة عنه وعلى تقدير النقاد. ويقوم الممثل القدير صلاح قابيل بدور الكاتب يوسف. المشاهد كلها فى إضاءة ساطعة، الداخلى منها والخارجى، أسلوب يبدو متعمدا من شخص يريد أن يضع الحقيقة أمام أعيننا. يشرح أحمد ماهر كل شيء فى مشاهد ما قبل العناوين، ثم يتركنا مع البيت على الشاطيء مع أبطاله الذين يلقون مونولوج فكل شخصية تتحدث إلى نفسها ما عدا الطفل الذى يتحاور مع الجميع، ويتخذ مواقف واضحة منها تكسيره لصندوق الخطابات الذى لا يمر عليه البوسطجى ويلقيه فى البحر.يناقش الشيخ فى درس الكتاب، وينحت تماثيل أحدها يكتمل فى شكل امرأة تتبدى فى شكل امرأة حقيقية جميلة تسحر الجميع وتنبش أسرارهم، بعدها يرحلون ويبقى الكاتب على الشاطيء يكمل بناء قلعته فى الرمال. كان أحمد ماهر قد صدر فيلمه بكتابة على الشاشة ( مدينتى البعيدة .. تهجرين أحلامهم .. بينما تسكنين أمسى) الذى لا يفهم مغزاه إلا بعد انتهاء الفيلم الذى ساعده فى إخراجه أحمد رشوان الذى سيتخرج بعده بقليل ويكافح كل منهما فى طريقه للتواجد على الساحة مخرجا أو منتجا. أحمد ماهر الذى لم يكتب فى العناوين سيناريو وإخراج بل وقعه باسمه فقط هو صاحب "المسافر" الذى تنتجه وزارة الثقافة بإمكانيات ضخمة، والذى قارب على الانتهاء.
فى "وادى الملح" 1993 يطالعنا صوت لمعلق نميزه للمثل خالد الصاوى ومع عناصر متداخلة يمزج الفيلم بينها، لمشاهد تصور القصة الفرعونية المعروفة " الفلاح الفصيح" يخبرنا الراوى أنها جرت سنة 2000 قبل الميلاد، ومشاهد تعبيرية راقصة معاصرة يخبرنا الراوى أنها فى دهشور 2000 بعد الميلاد تقريبا. تسيطر على المشاهد موسيقى مستوحاة من تيمات شعبية (طلعت يا محلا نورها- ياعزيز عينى- يا طالع الشجرة بصوت على الحجار المميز) وهى رؤية موسيقية لخالد الصاوى نفسه. المشروع مصور سينمائيا بعناصر تستخدم فى المسرح المصرى وسيبرع خالد الصاوى ويقدم مسرحيات مع فرقتة الحركة التى كتب اسمها على عناوين مشروع تخرجه " وادى الملح" ونلمح لقطة عابرة له مؤديا لرقصة مع زميلته نورا أمين التى ستسلك طريق الرقص التعبيرى فى المسرح المصرى الحديث، بينما يسلك خالد الصاوى سلك التمثيل تلفزيونيا وسينمائيا ويبرع فى أدائه ويستحق جوائز عديدة أهمها عن دوره فى فيلم "عمارة يعقوبيان".
وتتواصل الأجيال وتتسع دائرة خريجى السينما فلم يعد معهد السينما فقط هو المكان الوحيد الذى يدرس به الطلاب فنون السينما، بل ظهرت أقسام فى جامعة فنون الإعلام الخاصة، التى بدأت بالاهتمام بفنون التلفزيون، ثم ازدهر بها قسم السينما وانتقل للتدريس به أساتذة من السينمائيين، منهم المخرج المبدع–غير الدارس – سعيد مرزوق، وعلى بدرخان، وماهر راضى فى التصوير، ويوسف الملاخ فى المونتاج . وتحت إشرافهم شاهدنا فى المهرجان القومى الرابع عشر أبريل 2008 ، أعمالا مميزة منها "المايسترو" لمى الحديدى، و" بتبصوا على إيه!" لسمر الهنداوى، وهما مخرجتين واعدتين نتمنى أن يجدا المجال للمشاركة مع زملائهم من الورود التى تتفتح كل عام فى جناين مصر التى يمتلك أهلها طاقة إبداعية تحتاج جهود كل مؤسسات الدولة وجهود أفرادها لكى تخرج إلى النور وتضيف لآثارنا آثارا حية من الشرائط السينمائية التى يعتبرها البعض تأريخا حيا لذاكرة الأوطان والبشر.
صفاء الليثى القاهرة مايو
2008

No comments:

Post a Comment