التكيف مع القالب الإعلامى للفيلم التسجيلى
حنان راضى من فاطمة إلى أهل الرضا
عرفت حنان راضى شابة بالكاد غادرت أعتاب الطفولة، وقد أتى بها والدها المخرج الكبير محمد راضى وطلب منها نسخ كراسة الموسيقى حيث نكتب قياسات موسيقى الفيلم، وأماكن تواجدها، وذلك نظرا لسوء خطى وكنت أعمل معه للمرة الأولى فى مونتاج فيلمه " الحجر الداير". كان الوالد قد قصد من اصطحاب طفلته أن يجعلها تقف على حجم المعاناة التى تسبق خروج العمل الفنى قبل جنى ثماره الأدبية والمادية. سنوات والتقيتها صدفة وتواصلنا على صفحات الفيس بوك، وفوجئت ليس فقط أنها أصبحت مخرجة تسجيلية ولكن أن لها رصيدا من خمسة أفلام وعددا من الجوائز الهامة.
فى عملها الأخير "أهل الرضا" تقدم حنان راضى أربعة نماذج من بسطاء المصريين، وإن كان الفيلم فى القالب السائد لأفلام ينتجها التلفزيون فى إطار منظوره الإعلامى، إلا أن حنان أضفت قدرا من روحها المحبة وحنانها الطفولى وتركت شخوص فيلمها يقدمون أنفسهم دون تداخلات متعالية منها- كحال كثير من أفلام التلفزيون- ورغم تكرارأبطال فيلمها لفظ "الرضا" إلا أنهم يمثلون نماذج تجمع بين الرضا بالمقسوم والتمرد عليه، أو على الأقل محاولة تغييره. وخاصة مع "فاطمة" طفلة فيلمها الأول التى لم تستسلم لرغبة أبيها فى عدم تعليم البنات، ولم يمنعها رضاها بالمقسوم بالعمل فى الزراعة الشاقة مع والدها وأعمال البيت مع والدتها لم يمنعها من الانضمام لفصول محو الأمية بقريتها رغبة فى التعلم والترقى, وهاهى بالبنطلون الجينز والتى شيرت سائرة فى طريق طويل لتحضر دروسها مع زميلات لها فاتهن اللحاق بالمدرسة الابتدائية. ولأن تجربة العمل أنضجتها قررت وهى فى العاشرة محاولة اللحاق بقطار التعلم الذى فاتها، حالمة بأن تكون محامية تدافع عن المظلومين. لم تزيف حنان راضى شخصية الطفلة بل قدمتها وهى تفشل جزئيا نتيجة تعبها الذى تبذله فى عملها المبكر. ونسمعها تصر على التوفيق بين رغبتها أن تكون محامية وبين مساعدة الوالدين فى شئون العمل.
حصل فيلمها "فاطمة على جائزة أوسكار أفلام الأطفال International Prixjeunesse بريجينيس انترناسيونال بميونيخ بألمانيا 2006، وجائزة اليونيسيف 2006، والجائزة الأولي لمؤتمر حقوق الإنسان 2007. كما يعرض الفيلم فى 17 دولة أوروبية ضمن برنامج تبادل الأفلام مع الاتحاد الأوروبي EBU- UER والذي عقد فى البرتغال 2005. 17 دولة أوربية ليس من بينها مصر ولولا صدفة التقائى بالمخرجة لظل عملها مجهولا لنا . وكذلك أفلامها "المنسيون " و"الساحر " عن طفل يتدرب فى لعبة كرة القدم ويطلب ممنا انتظاره عام 2014. قدمت أيضا فيلم "فيلم الكوميديا الانسانية" المعتمد بدرجة كبيرة على وثائق عن الصراع العربى الإسرائيلى ومشكلة ناس فلسطين، تم تناوله بشكل إنسانى يميز أعمال حنان راضى، حاصل على جائزه افضل فيلم يحكي قصص انسانية من مهرجان غزه الدولي للافلام التسجيليه2009، كما اختير للاشتراك في المسابقه النهائيه لمهرجان الجزيره الدولي للافلام التسجيليه 2009. ونتمنى لها التوفيق فى عملها الأخير " أهل الرضا" الذى تقدمت به للحصول على جائزة الدولة التشجيعية. وفيه تعبر عن سمة تخص المصريين بالرضا بالحال دون فقدان السعى لتغييره.
تقدم حنان فى الحكاية الأولى صياد يعيش وأسرته فى مركب صغير، يمثل مكان العمل والبيت والدفء، فى منطقة مصر القديمة أتى نازحا من المنوفية، يسرد حكايته ويتطرق بعفوية لجهد حكومى أحضر زريعة من نوع من أسماك (بقت خراب للبحر بتاكل كل السمك اللى بناكله)، وينتهى (أنا راضى باللى ربنا يقسمه) يذكر مصاعب حياته ثم يعود (حياتى صعبة،بس أنا حامد ربنا).كما تذكر بائعة الخضر التى تحمل بضاعتها من الخضر سابقة التجهيز من قريتها منيا القمح إلى القاهرة، حتى تعاون زوجها كى لا يشعر أولادها بفارق اقتصادى مع الغير. تعرض حنان لنا طيورها تربيها فوق سطح المنزل غير متكمل البناء بالطوب الأحمر كأغلب بيوت فقراء مصر. تسألها حنان ألم تسمع عن انفلونزا الطيور فترد السيدة القروية أنها تسمعه ولكنها لا تفهم حديثهم. وتعود لتقول "ما عندناش هنا الكلام ده، احنا زى الفل". بشكل غير مباشر تقف حنان عند مشكلة انعدام التواصل بين مثقفى العاصمة وحوار الطرشان بين الإعلام الحكومى وبسطاء الناس. حكاية ثالثة ورابعة تلخص كثيرا من مشاكل الناس فى بلادنا "أهل الرضا" كما ترصدهم المخرجة الشابة مركزة على همهم الأكبر(طول الواحد منا ما عياله مبسوطين،هوه مبسوط). وتأتى حكايتها الرابعة مع ماسح الأحذية واسمه على مسمى"مرضى تمام" اختار حى مصر الجديدة الراقى ليجمع قروشا قليلة يعود بها كل عدة أشهر لزوجته وأولاده فى سوهاج من صعيد مصر. اعتمدت حنان فى فيلمها على بحث وإعداد محمد على الدين غطت فيه نماذج تعبر عن النازحين من مناطق فى بحرى والصعيد حيث يمكنهم العيش برضا فى القاهرة .
تحتاج حنان جهدا أكبر للتخلص من قيود العمل الإعلامى، تاركة الاعتماد على الموسيقى واستخدامها بكثرة لملئ ما تعتقد أنه فراغ يؤرقها صمته. تحتاج أن تستخدم صوتيات الأماكن الطبيعية لتكتمل رسالة سينما الحقيقة الصادقة التى تقدمها، والتى تميزت بتوحدها مع شخصياتها وتبنى أحلامهم المشروعة كمحبة لبلدها ولناسة من البسطاء. بأعمالها القصيرة فى حدود ثلث الساعة تنضم حنان راضى إلى عقد المخرجات الملتزمات بقضايا بلادهن وناسها الطيبين. عطيات الأبنودى وتغريد العصفورى صاحبات الأعمال الهامة فى السينما التسجيلية. وهن ومعهن حنان اختارت سينما الحقيقة بسلاح الكاميرا وفن الصورة مع سبق الإصرار والترصد بنية المساهمة فى خدمة مجتمعهن وناسه الطيبين.
صفاء الليثى القاهرة يونيو 2010
أجد من الضرورىإلقاء الضوء على التجارب الجديدة لأفلام لا نشاهدها إلا فى المهرجانات المتخصصة، وتناول أساليب صناعها ، والوقوف على هموم الشاب وخاصة من ينشغل منهم بالهم العام. الأعمال التسجيلية يمكن أن تكون وسيلة للتقارب بين فئات الشعب وتجعل المخرج يقترب من شرائح من شعبه قد لا يتسنى له فى الحياة الالتقاء بهاوالتعرف عليها. وخاصة مع عدم وجود أحزاب سياسية تغرى بالانضمام إليها.
ReplyDelete