جسارة وقدرة على التكيف مع تحولات فن السينما
رصد فيلمه الأول "سرقات صيفية" العلاقة المتوترة بين ياسر/ يسري ابن
ملاك الأراضي في ريف مصر وبين ليل ابن الفلاحين، بين منى خالته الإقطاعية وبين
شوقي من رجال ثورة 23 يوليو، عمله الأول من سيرته الذاتية ناقش فيه إمكانية
التعايش إذا حدث التعارف، حكايات من طفولة يسري الواقعية ضمنها في الفيلم مثل فكرة
سرقة الأغنياء التي فكر فيها ياسر -روبن هود- وورط فيها ليل الذي سجن بمفرده.
انتقد يسري طبقته صغارا وكبارا، ولم يهادن الطبقات الأخرى وكان فيلمه شهادة على
مرحلة التأميم ثم استرداد الأرض. يشرح يسري أن أحد المصاعب التي واجهته مشهد وصول
الأب، المشهد مكتوب في السيناريو في سطلر واحد، كيف سأصوره؟ أين أضع الكاميرا؟
ممكن أن توضع بشكل محيد، لقطة عامة يصل فيها الأب ومن معه ينزلون من السيارة،
بالنسبة لي ليس هذا هو الإخراج. ففكرت أن يسبق ظهوره رجل المنحل الذي يشبه رجل
الفضاء، ويثير الغبار مما يسبب غيمة في المشهد، من الذي يشاهد الطفل ياسر، مالذي
أحكيه من وجهة نظر ياسر؟ الإحساس الذي ركزت عليه كيف تاه الولد و"انفعص"
مع القادمين بغبارهم. هنا أستطيع أن أقول أنني خلقت مشهدا، أثناء الكتابة أكتب
دراما، لكن هذه التفاصيل لا يمكن التفكير فيها إلا عند التنفيذ. رائحة التراب،
وزاوية الكاميرا، وحركة الأجساد، بهذه العناصر يتم إخراج المشهد.
سرقات صيفية
التترات على موسيقى بيانو من تأليف عمر خيرت،
مونتاج صوت أحمد داوود، مونتاج رحمة منتصر تأليف وإخراج يسري نصر الله، وتاريخ
مكتوب على الشاشة يوليو 1966، ومشهد البداية لغريق في الترعة ، الموسيقى طبول
موزعة جنائزيا، أطفال يلعبون وحديث عن الجنية التي تصطاد الشباب تتجوزهم وتاخدهم
على البحر الأزرق، ياسر مع الشغالات في المطبخ، عبلة كامل تطارد فرخة محاولة
الإمساك بها، تبعد الطفل، تيتا تيجي تعمل لنا مشكلة. ومشهد تستخدم فيه المرآة بشكل
فني، سيدة بقناع تجميل على وجهها والثانية تقرأ عليها خطاب طلاق، منحة بطراوي
بالقناع ومنى زكريا تقرأ الخطاب ولعب بالمرآة يخلق كادر مركب للمشهد دون الحاجة
إلى القطع بين المرأتين. ونسمع بيان التأميم، سيارة الأثرياء تتعطل وهي تكاد تصدم
حمارا، نسمع موسيقى راقصة ترقص عليها المرأتين، الصبي يبدو كمعلق على الأحداث. وفي
الغيط لطع دودة القطن، ونداء على ست ريم/ منى زكريا، وطريقة أداء للكلام به خطف
غريب لمن لا يتحدثون العربية كعامة الشعب. والأجواء كلها غير معتادة في فيلم مصري،
يؤكده الممثلتين اللتين لم يسبق لهما الظهور في فيلم سينمائي، ومشهد فلاش باك يحكي
عن الجد الذي ( ضربة الفاس بتاعته بتطلع دهب) الطفل يقاطع، لقوا كنوز الفراعنة؟.
ويظهر صديق الأسرة الذي أصبح مع الحكومة، شوقي شامخ. الأداء الحركي في الكادر يتبع
مدرسة يوسف شاهين، ومعلومة، ريم هتتطلق، وحوار كأنه مبارزة، في ميزانسين متصل،
وتمهل على وجه ياسر الطفل يسمع الحكاية. وعودة لمشهد فلاش لفحت الأرض بحثا عن
الكنز، ومركب عليه موسيقى بيانو كالتي تصاحب الأفلام الصامتة. منى وريم تتحاوران،
تقول عن (شوقي زي حكومته عروسة وغولة). عزف منفرد على البيانو لأم ريم والطفل
يراقب هو وأخته، في مشهد بميزانسين رائع الأم تعزف البيانو والطفلين على الباب
يراقبان يقتربان منها تحتضنهما وتتوقف عن العزف تتحرك بهما والكاميرا تصبحها حتى
صالة البيت . الثلاثة ضائعون في فراغ البيت أم وطفليها في غياب الأب. نشاهد في
البيت نساء بلا رجال حتى الخدم نساء فقط، الرجال فقط هم ممثلي الحكومة وعامل
زراعي- محمد هنيدي في بداياته الأولى-. مشهد لحمام جماعي للأطفال الخادمة عبلة
كامل تحممهم وتضع بودرة ثلج على طابور الأطفال. يحفر الأطفال يلعبون بالطين، ليل
يعيد تشكيل تماثيل الطين ويظهر عضو ذكورة ليفرقه عن الإناث، تثور الأم وتوبخه،
فلاح قليل الأدب. وتمنع ابنها من اللعب مع ليل، انت ابن ناس لكن أمه مش راضية تسيب
أرضنا، ويأتي مشهد هام لعيد ميلاد يسري مع خلفية خطاب عبد الناصر( الريس بتاعهم
بيوزع كلام) وتظهر ابنة منى الكبيرة تقول (عقبال دايما) مشهد مكثف فيه شخصيات
العمل في ايقاع متواصل دون إحساس بالقطع، ويحكي ياسر عن فكرة روبن هود ( ياخدوا من
الأغنياء ويوا الفقراء) الى ليل. نهار وليلة واحدة متصلين، عاوزة أبني مجتمع جديد
معاكم، الى سعيد/شوقي شامخ من رجال الحكم الجديد. وتتم عملية إخلاء الأرض بدون
مشاكل، منى زعلانة على انتزاع الأرض منهم لصالح الفلاحين، وريما تتطلق، وسعيد
يساعد الأسرة. هل قصد يسري نصر الله أن تفسخ الأسر الثرية جاء نتيجة الإجراءات
الاشتراكية، الحوار لا يتوقف بالفيلم،
يسري نفسه شخصة متكلمة، ويبدو لي أنه يتحدث على لسان الجميع.
يشرح يسري مشهده الذي يبدأ بعائلة مجتمعة على
أكلهة ملوخية وفراخ، كطعام حميم ومصري، وتنقلب الجلسة إلى خناقات، يتحدث فيها
الجميع في وقت واحد، وبكلمات مبتورة، كيف أحكي بصريا دوافع الشخصيات؟ هذا يوجه
حديثه إلى شخص بينما يقصد شخص آخر، ما الذي يحدث فعليا خلافا للطعام والشراب؟
علاقات تتفسخ وأخرى تتكون، أفكر في التكنيك ، التكوينات وتعبيرها عن المشاعر، أين
سأجري القطع؟ أكتب في السيناريو بشكل مقتضب حتى لا أفقد الحماس .. أؤجل التفاصيل
وحركة الكاميرا إلى وجودي في الموقع. هذا هو الإخراج.
ليل يعوم في الترعة ويكاد يغرق وياسر ينقذه،
وهنيدي – مقاول أنفار الدودة وما يستجد- يجمع الفلاحين للهتاف لعبد الناصر بربع
جنيه. ياسر مريض وهناك شك في إصابته بالبلهارسيا ويتبن أنها تيفويد من الرمرمة.
صوت عبد الناصر يعلن تأميم الشركات، وتختفي الراديوهات وتتهم زكية الطباخة النوبية
بسرقتها. تغضب بشدة وتعتصم في حجرتها صامتة ، قضية فيلم رد قلبي بأسلوب سينمائي
مختلف داليا ابنة ريما تحب عبد الله ابن الفلاحين الذي تطوع بالجيش. ويأتي عيد
ميلاد ياسر وخلفية خطاب عبد الناصر، الفلاحين يحتفلون بالأمر( البنات عاوزة تتجوز
والولاد نفسها مسدودة ) وأغنية ناصر كلنا بنحبك والخطاب، 400 مؤسسة داخل القطاع
العام، تحويل الرأسمالية المستغلة إلى ملكية عامة للشعب، ماستر سين الفيلم مبني
على صوت خطاب عبد الناصر يعلن قرارات التأميم، عبد الله/ مجدي كامل يرتدي جلابية
وداليا تعاكسه ، مين القمر ده، ثم خلاف عائلي للعائلة مجتمعة والميزانسين يتم
بحركة داخل الكادر لمشهد واحد متصل دون اللجوء إلى القطع. مدير التصوير الفيلم
القدير رمسيس مرزوق، وكاميرا مان سمير بهزان ينفذان الميزانسين الطموح للمخرج في
عمله الأول، هل رسم يسري الكادرات كأستاذه شادي عبد السلام، أم حفظها في رأسه
كأستاذه يوسف شاهين، يسري نصر الله له طريقته الخاصة حتى أنه لا يكتب السينارية
مفصلا حركة الكاميرا وميزانسين اللقطات، أعرف هذا الأسلوب لدى صلاح أبو سيف الذي
كان يضع الديكوباج في جيبه الخاص ولا يخرجه إلا في الموقع، وخيري بشارة يستلهم في
الموقع ويقرر كيف سقوم بتصوير مشهده، سيشرح يسري شيئا قريبا من هذا بعيد عن أسلوب
شادي عبد السلام المرسوم بدقة. وبالنسبة لدلالت الراديو والتلفزيون يقول يسري الراديو في
الفيلم ليس رمزا للنظام، بل هو واقع ملموس، التلفزيون من ضهره، موقفي واضح منه (مش
عاوز أشوفه) عبد الناصر صوت، رد قلبي صوت، وآراء الخالة صوت، في كل مرة مع
الأيدلوجيات نسمع فقط الصوت ولا نشاهد الصورة.
ونتابع الفيلم الطفل ياسر يسأل أمه هنروح
لبابا امتى، ثم لقطة مكبرة له باكيا في العلية.- مكان معروف في بيوت أجنبية وغير
شائع في عمارة المنازل المصرية- الطفلين عاوزين ماما، استعراض الجدة لصور عائلية
على أغنية لعبد الوهاب. يستخدم فيه المرآة بشكل خلاق، يشرح يسري، استخدمت المرآة
في مشهد الجدة وهي تتفرج على الصور القديمة لعائلتها، وصورها وهي شابة، كنت أحتاج
إلى لون الدم، فكرت مع أنسي أبو سيف في اللوحة الحمراء المنعكسة في المرلآة
وتملأها، فظهر تأثير غريب جدا ، خلفية حمراء وراءها وهي في وضع جانبي دون أن نشعر
باصطناع التكوين ودون أن يخرج المشاهد عن التواصل مع المشهد . ( صورة مشهد تقليب
الصور والجدة في المرآة) .
ويبدأ مشهد مصالحة الجدة لزكية الطباخة التي
أهينت باتهامها بالسرقة، أغنية عبد الوهاب خايف أقول اللي في قلبي بهمهات يدخل
ياسر مع الجدة حجرة زكية الجالسة على سريرها خزينة، ياسر على حجر جدته لقطة مقربة
للجدة ومنها إلى ياسر. مشهد ناعم خالي من أي حوار حقق التصوير رؤية المخرج وأظهر
التعاطف بين الجدة وزكية والطفل. ومنه إلى داليا ابنة الذوات وابنة الفلاحين معا
كصديقتين، ثم منى وسعيد ولإضاءة ليلية ناعمة، وحدة مشهدية توضح علاقات الحب بين
أطراف الفيلم كلها على لحن معزوف بالفم لأغنية خايف أقول اللي في قلبي الذي يختفي
مع نهاية المشهد ويسود صرصار ليل. ثم بان على نهار والفلاحين حزاني ، عيوشة/ عبلة
كامل حزينة ، الجدة تموت ولا يدوم الحزن، ليل بمساعدة ياسر يسرقان شمعدانات فضة
كما جان فالجان، ويتم القبض على ليل دون معاقبة ياسر. على الشاشة نقلة زمنية
سبتمبر 1982،ياسر شاب/ وحرب 1967 وعبد
الله يموت فيها ، ريما ترفض اجراء عملية إزالة الثدي، وليل كشباب الفلاحين مسافر
بكرة على العراق. وعيوشة كما هي لا يظهر عليها مرور الزمن ، تفكر منى في بيع الأرض
( ما عدش في فلاحين بيزرعوا، صور حرب من وكالات الأنباء، تلفزيون صغير يعرض جزء من
فيلم رد قلبي ( انت من الأحرار يا علي) مشهد سيلويت ليل ومعه ياسر يودعه قبل سفره،
يطلب منه ياسر المن والسلوى، ليل يسأل يعني ايه، هناك هتعرف. الموسيقى شرقية لعمر
خيرت وعزف بيانو لياسر مختار وينتهي الفيلم. الأرض التي أممت عادت لملاكها
والفلاحين يهاجرون للعمل في العراق والملاك استردوا أرضهم وإن لم يستردوا حياتهم .
يبقى| سرقات صيفية " فيلمي المفضل من بين أفلام يسري نصر الله، موضوعه المؤثر
الخاص المنطلق إلى العام، ميزانسين المشاهد، وعفوية الأداء التمثيلي، شريط الصوت
الغني وموسيقى الفيلم الموظفة مع المشاهد أو البيانو الذي تعزفه الأم الشخصية
الحزينة كما يراها الصبي الذي نشاهد صور الفيلم منه معبرا عن المخرج في صباه بينما
التفسير والشرح يأتي منه في شبابه.
الجزء الثاني من السيرة الذاتية به عنف المراهقة وعنفوانها، علاقة الأخ غير
الشقيق المشرد مع الصعاليك باختياره، وكان يعد لفيلمه التسجيلي الهام " صبيان
وبنات" والإنتاج للسينما الروائية لا يرحب بأفكاره وإن كانوا معجبين بتكنيكه
كمخرج. عرض عليه فيلم بطولة أحمد زكي وكان عليه أن يعده في 15 يوم، لم يقبل وصور
فيلمه صبيان وبنات واقترب من عالم باسم سمرة واستمد منه قصة " المدينة"
وفيه شجاعة قراره بالتصوير بالديجيتال وكان أول من استجاب للثورة الرقمية من
المخرجين المصريين، قلقه من التعامل مع الديجيتال جعله مع مدير تصويره اللامع سمير
بهزان يفكران في اللون، باليتة الألوان في خام السينما وكيف ستختلف عند التصوير
بالديجيتال، فبالغا في سخونة اللون الذي ناسب بطله الكائن في حي روض الفرج تلك
المنطقة الشعبية بألوان جدرانها وديكوراتها الفاقعة. حوار فيلمه مما يسمعه من
الناس ويستهويه ويجيد استخدامه، باسم سمرة ينفعل على والده الحشاش خفيف الظل /
أحمد فؤاد سلسم ويصرخ عليه، انت مين أساسا، أسمعها فأنهار من الضحك وأكررها في
المونتاج، يسمع حوار من ياسر عبد الرحمن السيناريست، ومن باسم سمرة الممثل ومن سيد
حجاب الشاعر، هم يوجهونني ، يا ابني دي ما تتقالش كده، انت خواجة!!، يصححون لي
فأعدل الجمل الحوارية ويبهجني سماعها. وكذا فعلت في "باب الشمس" هيام
عباس راقبت اللهجة وكان الحوار مسئولية إلياس خوري ومحمد سويد. المرأة الفلسطينية
التي ظلت تحبل من زوجها الهارب مما أذهل جنود الاحتلال فمن أين تحبل المرأة ومتى
يظهر زوجها ليعاشرها، في باب الشمس هذا المزيج الساحر من الواقع والخيال، مغارة
باب الشمس وما أبعد الفكرة عن فيلم أميرة الذي يعارض حقيقة تهريب نطف رجال
المقاومة المحبوسين بذكر استبدالها بنطفة حارس اسرائيلي ، شتان الفارق بين خيال
يعكس روح المقاومة ويحتفي بها وبين نفي وتسخيف فكرة المقاومة عن طريق إنجاب أطفال
فلسطينيين.
وعن الفيلم كتب الناقد إيه. أو سكوت مقالا يذهب في نهايته إلى أن تعقيدات
الفيلم ذاته تسفر عن نفسها وتشي على نحو متشابك بشعور من عدم الاستقرار والانقسام
على النفس، بينما يصور ذلك الصراع المؤلم بين التاريخ والحكاية الخيالية. ( نص
المقال مترجما في ملف عن يسري نصر الله بالعدد الثاني من مجلة جمعية نقاد السينما
المصريين الفصلية، العدد الثاني صيف 2006 ).
" داخلي خارجي " مساهمة يسري نصر الله كأحد أجزاء العمل المكون من
أفلام قصيرة لعدد من المخرجين يجمعها حادث ثورة 25 يتاير وال18 يوم في 2011 ما يمكن اعتباره جزءا ثالثا من أفلام السيرة
الذاتية، أشعر بأن يسري يتحدث عن نفسه وعن أخته ناهد رغم تتر تأليف تامر حبيب على
الفيلم القصيرتمثيل آسر يس وبطولة مني ذكي، تدور الحكاية حول رغبة منى في رؤية مظاهرات التحرير
والمشاركة فيها، في حين يرفض زوجها ذلك، وتنتهى تلك الحكاية بعد يومين حينما تذهب
منى إلى التحرير فيتبعها آسر ويسيران سويا وسط هتافات إسقاط النظام. يحدث التغير
بزيارة من يسرا التي تحكي لهمنى وآسر بعض مشاهد الثورة ملوحة بعلم صغير لمصر، الزوجان في شقة
لأسرة برجوازية عليا يظهر في عدد من التفاصيل منها حضور عامل كواء ليكوي لهما
الملابس في البيت، ووجود الكلب وحرصهما على إغلاق الباب جيدا في ظل ظروف
الأحداث. تظهر بالفيلم النجمة يسرا وكأنها
ضيفة شرف وهي من تقنع منى بالنزول والمشاركة في أحداث الثورة، منى زكي تبدو لي
بطلة مفضلة لدى يسري عملت معه فيلمه
"احكي يا شهرزاد" 2009 وفيلم منصة شاهد " ما تقولش لحد " 2021
.
الهم الذاتي والخلفية السياسية الاجتماعية
يعكسها الفيلم الأول للمخرج يسري نصر الله، وبشكل مختلف في " مرسيدس " بينما
يأتي فيلمه الأخير من إنتاجات منصة شاهد العربية يحكي حكاية عابرة ليس لها أي
علاقة معه ولا تعكس سوى مظاهر من تحولات الطبقة البرجوازية المصرية، الفتاة تعمل
طبيبة في الجونة، وجارها حب الطفولة مهندس في الجونة وغيرها متزوج وله طفلين،
مصادفة لقائهما في الطريق بعد نفاذ البنزين من سيارتها الفاخرة التي تليق بملكة،
واضطرار لقضاء الأمسية والليلة على الطريق وسط حظر تجول بسبب الكورونا، خلفية
سياحية لإنشاد صوفي مع رقص من احتجزوا بسبب الحظر. مشهد ممتع فنيا يذكرني بشريط
الصوت الغني لفيلمه الأول، هذا المزيج من غناء مصري خفيف " ما تقولش لحد
المسموعة من رادية سيارة شهد/ منى زكي، والغناء الصوفي وأدعية فجر شهر الصيام في
موقع احتجازهم على الطريق، وتحدث مواجهة بين حسن وشهد لنعرف حكايتهما التي لا تهمني
شخصيا وإن كانت تهم قطاع ممن يشتركون في المنصات ويقبلون على مشاهدة من يشبهونهم،
عمل تنساه بعد مشاهدته ولا تحن إلى إعادة مشاهدته، مثل الطعام السريع، أون ذا رن،
تبلعه ولا يبقى طعمه في فمك.
يسري الجسور الذي بدأ بداية قوية وقدم عملين
كبيرين من سيرته الذاتية، ثم فيلما تسجيليا اقترب فيه من طبقة مختلفة عن منشأه
وتعلم منه كيف يحكي قصة أحدهم في فيلمه " المدينة" بجسارة التعامل مع
الديجيتال كأول فيلم مصري يصور بهذا الخام، مما شجع خان لينتج لنفسه " كليفتي
" وخيري " ليلة في القمر " لكسر حصار المنتجين واستجابة للثورة
الرقمية. رحل خان قبل أن يشارك بعمل في المنصات وتمكن يسري نصر الله من مشاركة
أجيال لاحقة له في تقدين عمل ينتج مباشرة للمنصات، وكذا فعل خيري بشارة، وهما يسري
وخيري امتلكا رغبة في الاستجابة للتعيير وفي السباحة مع التيار دون التخلي تماما
عن أفكار تعج في رؤوسهم عن حرية الاختيار وعن استمرار الحياة برغم كل
المتغيرات.
يسري نصر الله بثقافته الفرنسية يقول في حوار أجري معه عام 2006 بمجلة
النقاد " عالم السينما " أن مخرجه المفضل الفرنسي بريسون تعجبه حسية
المشاهد لديه وكيف يوصل للمشاهد نشوة بطله " النشال" يجده يسري بسيط
وحسي عكس ما يشاع عنه أنه ذهني وصعب. وفي عمله "محكوم عليه بالإعدام يهرب
" يوصل معنى كبير بأبسط الأشياء الممكنة، كيف يحفر بملعقة صغيرة وكيف يصنع
الحبال ، ومشهد السجين وهو يحاول الصعود للنظر من النافذة الضيقة للسجن. روسيليني"
شقلب كيانه" في فيلمه رحلة إلى إيطاليا،
فيلليني أيضا يشقلب كياني، ولكن بريسون وروسوليني وفاسبندر، اشتغلوا على
الروح وأعتبرهم الأساتذة.
عمل يسري نصر الله مراسلا حربيا في بيروت، مارس الصحافة ليكتسب خبرة عملية
وخبر القضية الفلسطينية عن قرب معبرا عنها في " باب الشمس "، وقبله ومن
عمله التسجيلي " صبيان وبنات" تعرف على طبقة شعبية عبر عنها في "
المدينة" وانطلق في أفلامه " احكي يا شهرزاد " و" جنينة
الأسماك " وتجاسر وتعامل مع السبكي في فيلمه " الماء والخضرة والوجه
الحسن" مفضلا الانخراط في مجال صناعة السينما على البقاء في برجه العاجي بعد
تغيرات ظروف الإنتاج. ولم يكن غريبا أن يشارك أيضا في عمل من إنتاج المنصات فيلما
من نوعية سلاسل الأجزاء تلاه بمسلسل بعيد
تماما عن عالمه. تعجبني جسارته رغم تفضيلي لأعماله الأولى التي تشبهه والتي حصل عنها
على الجوائز وحفرت له اسما كمخرج مصري لم يصنف مع مخرجي الواقعية الجديدة ولا مع
من تلاهم، وبقي عصيا على المنع وعلى التصنيف.
يسرى نصرالله بيوفيلموجرافيا
مخرج سينما مصري متميز اتولد فى القاهرة
سنة 1952 لعائلة قبطية. درس الاقتصاد في جامعة القاهرة، ثم التحق بالمعهد العالي
للسينما في القاهرة سنة 1971 ولم يكمل دراسته . عمل كناقد سينمائي فى صحيفة السفيـر
اللبنانية، كمان عمل مساعد مخرج في بيروت، وأيضاً مساعد مخرج مع يوسف شاهين
في فيلمي "وداعا يا بونابرت" و"حدوتة مصرية" 1981، ومع فولكر
شلوندرف في فيلم "المزيف"، ومع السوري عمر أميرالاي في الفيلم التسجيلي "مصائب
قوم". وشارك أيضاً يوسف شاهين في كتابة سيناريو "إسكندرية كمان وكمان"
1990 ثم خاض التجربة الإخراجية في نفس العام حيث أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول "سرقات
صيفية" والتانى "مرسيدس" سنة 1993، وبعدها "صبيان و بنات"
1995، "المدينــة" 1999 ثم فيلم "باب الشمس" 2004 و"جنينة الأسماك" 2008.
احكي يا شهرزاد 2009، ثم " الماء والخضرة والوجه الحسن " 2016 . وحلقة
من مسلسل فيلمي لمنصة شاهد "نمرة اثنين / ما تقولش لحد " 2021 . أقرب
إلى الدراما التلفزيونية.
صفاء الليثي
نشر بمجلة نقد 21 العدد السابع ( مجلة الكترونية خاصة بنقد الفنون والآداب)
رئيس التحرير محمود الغيطاني مدير التحرير والمخرج الفني ياسر عبد القوي