Wednesday, 24 September 2014

العصفور فى زاوية



العصفور

والفساد الذى مازال مانعا للنصر

تواصل ماريان خورى عروضها المختلفة فى زاوية والتى تعوض عدم وجود أرشيف قومى للسينما " سينماتك" ومكتبة سينمائية تعرض كلاسيكيات الأفلام كما هو متاح فى كل بلدان العالم. كنا ننتظر بدأ العرض وحكى لى الناقد الشاب فتحى أمين عن سينماتيك السويد –بلده الثانى بعد زواجه من سيدة سويدية – لم يكن هناك وجه للمقارنة مع حالتنا المصرية التى تخلت فيها الحكومات المتعاقبة عن دورها فى أغلب المجالات ، وعزاؤنا هذه المبادرات الفردية هنا وهناك للتعويض.

فيلم " العصفور" الذى مضى على عرضه أربعون عاما بالتقريب ، اذ عرض 26 أغسطس 1974 بعد عامين من إنتاجه وبعد انتصار أكتوبر فى 1973 . فهل أدركت السلطة وقتها أن الفيلم لم يكن ضد ثورة يوليو ورجالها ولا ضد عبد الناصر، بل يلقى أسباب الهزيمة على مافيا الفساد التى تتخذ من شقى الصعيد " أبو خطوة" ستارا لتغطية جريمتها الكبرى بسرقة المال العام وتحويله لصالح القطاع الخاص المستغل. لطفى الخولى اليسارى الذى نجح عبد الناصر فى ضمه إلى التنظيم الطليعى –حظيرة عبد الناصر لليسار المصرى- كتب السيناريو ومعه يوسف شاهين مدافعين عن عبد الناصر وشارحين لأسباب الهزيمة نتيجة الفساد. فى الجزء النهائى من الفيلم تصرخ بهية رافضة تنحى عبد الناصر، بهية محسنة توفيق التى جعلاها لطفى الخولى ويوسف شاهين رمزا لمصر . تصرخ لا وهنحارب ويصرخ الشعب بكل طوائفه لا .. وفى الشارع تكون سيارات أبو خطوة فى موكب يزاحم الرافضين للهزيمة ومجبرهم على التنحى جانبا ليخترق الفساد صفوف الجماهير.  مشهد مازال معروضا فى مصر المحروسة حتى بعد مرور سنوات على ثورته الجديدة فى 25 يناير 2011 .

شاهدت الفيلم وقد أوشكت على التخرج من معهد السينما ونسيت كل ما به من سياسة مباشرة، وبقيت معى مشاهد حميمة بين سيف ضابط البوليس الشاب وفاطمة ابنة بهية، بقيت معى دمعة رجاء حسين ترجو الشيخ على أن يحيا لها ويترك تاره مع أبو خطوة، بقيت معى نظرة بهية، محسنة توفيق تلك الرائعة الأرملة المحبة فى الأربعين تعشق يوسف الصحفى المناضل عشقا موصولا بعشق الوطن والرغبة فى الانتصار، عشقا موصولا برفض الهزيمة والتعلق بحلم لا ينهزم. بقيت معى نظرة مريم فخر الدين تستعطف رؤوف الابن ليسامح خيانتها لوالده. العصفور بعد 40 سنة ما زال محتفظا برونق السينما الجميلة التى تربط الخاص بالعام والتى تقدم سردا مختلفا يتداخل فيه الذاكرة مع الواقع، وتتشابك فيه شخصيات معبرة عن طوائف الشعب بنماذجه الطيبة والفاسدة . الحالمة والشريرة غير العابئة بانكسار الحلم. 

صالة زاوية ممتلئة بشباب وفتيات لم يعشن المرحلة، غالبا وجدوا الفيلم متواضع المستوى الفنى مقارنة بما حدث للسينما من تقدم، لم أشعر بتعاطفهم مع الحدث العام ، ولكنهم أحبوا وتفهموا مشاعر الشخصيات التى عبر عنها ممثلين بارعين، ليسوا نجوما للشباك ولكنهم امتلكوا روح الشخصية وعبروا عنها بجمال آسر. للمثل على الشريف مشاهد فائقة شديدة الجمال مرة مع بهية محسنة توفيق الحبيبة والرمز، ومرة مع رؤوف والطفل،
ومرة ثالثة مع كل شخصيات العمل الذين اجتمعوا فى مقهى محملين بالرغبة فى الحتفال بالنصر. محمود المليجى ، محسنة توفيق، على الشريف، صلاح قابيل ، سيف عبد الرحمن وجلاديس اللبنانية فى دور فاطمة – حبيبة كاسم فنى اختاره لها يوسف شاهين. الأبطال فى كادر مزدحم متوسط ملتحمين ومنتظرين أن يتحقق النصر.

فى المقعد المجاور فى دار العرض كان قاضى شاب محب للسينما ، تجاذبنا أطراف الحديث حول السينما قديما وحديثا قبل عرض " العصفور" وازداد احترامى لأفلام مصر العالمية ورثة شاهين لتقديمهم خدمة ثقافية يحتاجها مثل هذا المصرى الذى أكد لى أنه حضر أسبوع أفلام يوسف شاهين رغم توفرها بجودة عالية على اليوتيوب ، رغبة فى التمتع بنسخة عرض على شريط سينمائى، وتمنى لو كان ما يعرض من أفلام من النوادر غير المتوفرة على الشبكة الدولية. بعد انتهاء العرض كانت دموعى الحبيسة مانعة لى لمواصلة الحديث معه. وتأملت الصالة والشباب المتواجدين، ولاحظت للأسف أنهم نفس " الجيتو" من شباب وسط البلد المتابعين للعروض الخاصة وليسوا من الجمهور العادى الذى تجذبه السينما الشعبية المصرية. أقول للأسف لا يذهب دعم ماريان خورى للسينما المختلفة لمستحقيه، وتبقى السينما وجمهورها منقسمة بين الصفوة وذوقهم الخاص، وبين العامة برغبتهم فى التسلية.

مع أول فيلم أحضره فى زاوية وهو الفيلم السعودى للمخرجة هيفاء المنصور وبين العصفور يبقى حلمى باندماج نوعى السينما التى أتراوح بينها ، وما زلت أحلم بأن نحقق سينما جميلة قادرة على الوصول للجميع. 
نشر بصفحة السينما اشراف حسام حافظ  
بجريدة الجمهورية الأربعاء 24 سبتمبر 2014 


No comments:

Post a Comment