" تحرير بنغازى"
معايشة للثورة الليبية
مع لقطات سريعة من ميدان التحرير بقلب القاهرة نسمع تعليقا :" بعد 18 يوم فى التحرير وسقوط مبارك، شعرت أنه من واجبى أن أذهب إلى ليبيا، أخذت أجازة من عملى وحملت الكاميرا – ليس بغرض التصوي- ولكن بغرض المشاركة فى ثورة ليبيا. يكتب على الشاشة اسم الفيلم " تحرير بنغازى" الذى يعنى من ميدان التحرير إلى بنغازى ويعنى أيضا عملية تحرير ليبيا بدءا من بنغازى.راوى التعليق هو مخرج الفيلم ومصوره أسامة الوردانى، ولن يكون موفقا فقط فى اسم الفيلم بل فى رحلته التى تبدأ بكتابة على الحائط ، مرحبا بكم فى ليبيا ، جرافيتى- كتابة الحائط- ترحب بثوار 25 يناير. لم يسألوا عن جواز سفر أو حتى بطاقة هوية، يسألهم المصرى، هل أنتم من الجيش؟ فيرد شاب بلباس عسكرى لأ أهالى. يخبرنا التعليق أن الشاب نصف مصرى نصف ليبى، " هنجيب حسنى مبارك ونخليه يحكم هنا" يرد بدعابة على سؤال المخرج عن نيتهم بعد الانتصار. يظل الشاب مع المخرج من الحدود حتى طبرق ويواصل مع آخرين حتى بنغازى، يندهش من أن المشهد الأول الذى طالع كان مشهد ترحيب كلب أليف بصاحبه فى جلبابه المغاربى، جو سلام لا يشى بوجود معارك. يتابع الراوى " فوجئت بما رأيته فى ليبيا فلم أكن أعرف عنها سوى القذافى المجنون الذى يتحرك بخيمته، الصحراء وأنطونى كوين فى دور عمر المختار. يعرض لنا مشاهد جميلة من بنغازى الخالية من الأهالى الذين تجمعوا بميدان المحكمة حيث مقر الاعتصام ورأس الثورة للانضمام لمسيرة التدريب العسكرى. تجرى مقابلة مع ثائر يحكى سبب قيام أول مظاهرة ويؤكد أنها سلمية. يحكى عن استعمال القذافى للسلاح مع العزل أيام 17،18،19 فبراير. يقطع المخرج على صور لشهداء على الحائط أثناء حديثه، يقول" شارون القذافى هو الذى اضطرنا لحمل السلاح،" ويواصل بأنه باق حتى رحيله. تتواصل الرحلة وعلى الحوائط كثير من الجرافيتى التى تسخر من القذافى . يقابل مهندس اتصالات اسمه منير الزغبى يصحبه لتصوير الأنفاق التى كانت سجنا للمعارضة، يخبرنا الراوى أنه بعيد عن السياسة ولكنه عارف جيد لتاريخ بلاده.
الراوى لا يتركنا لحظة بل يشرح بصوته ما يعرضه علينا من صور، فتنتقل إلى المشاهد الصورة كاملة دون أن يترك مساحة لتأويلنا ولا يؤوجل تعليقه حتى نستوعب ما نشاهده، ولم يكن فى حاجة لهذا الشرح المطول فالصورة تشرح نفسها تماما. ويواصل فيلتقى مع أرملة وبناتها تشكو قلة المعاش وتصف القذافى باللص.يحكى المهنس منير كيف سيطر الثوار على بنغازى فى أربعة أيام وشكلوا مجلس لإدارة شئونهم. نشاهد التدريب العسكرى بموقع على شاطيء البحر، البعض يلتف بعلم ليبيا الجديد، علم الثوار. أشبه بعرض عسكرى لجيش منتصر. الراوى يذكر أن شرق ليبيا كانت معقل مقاومة الاستعمار الإيطالى، لقب الثوار أنفسهم " أحفاد عمرالمختار" وفى الليل يلتقى ثوارا آخرين يحكون عن حدوث خيانات بينهم سببت فى إشعال حريق بمخزن ذخيرة، صيحة الله أكبر تقوى قلوبهم وتملؤهم إيمانا بالنصر القادم رغم الهزائم المتلاحقة على أرض الواقع. ثم نشهد تجمع وصلاة على عدد من الشهداء ولقاءات تشرح ظروف الاستشهاد. فى الطريق يلوح الثوار بعلامة النصر. كل مشاهد فيلم " تحرير بنغازى " فى إضاءة ساطعة والسيارات نظيفة وكأننا فى رحلة ، لم يعرض علينا المخرج معركة حقيقية ولمم نشاهد دخانا كثيفا ، بل شاهدنا بشرا بملابس مهندمة، بعضهم يحكى وهم بزى جيش كيف درسوا السلاح نظريا بالثانوى، وكيف أنهم اكتسبوا الخبرة العملية أثناء الممارسة. وينتهى اللقاء بقول شاب أنهم انشاء الله سيحررون ليبيا كلها كما تحررت بنغازى . ويؤكد آخر متوسط العمر " قوتنا فى الإيمان بالله" ثم وبسخرية مقلدين القذافى " إلى الأمام ثورة،ثورة". تمر عشر دقائق من الفيلم ونشاهد عملية إطلاق نار يعلق عليها الوردانى "شعرت أننى لو مت فسأكون شهيدا وسط أناس أشعرونى أنهم أهلى وأن ليبيا أيضا وطنه". يؤكد ثائر أنها ليست ثورة جوع بل ثورة حرية، آخر بزى مدنى يحكى عن تحرير رأس لاتوف.
التآلف مع الكاميرا أصبح سمة من سمات عصر المعلومات ومن يقالهم المخرج يتحدثون بطلاقة ويبدعون فى الشرح والتعبير. مشهد آخر فى شركة رأسلاتوف للنفط التى تحولت إلى مستشفى، وتتواصل الرحلة حيث منطقة سكنية وأطفال يلعبون بمرح ، يغنى أحدهم أغنية لشباب بنغازى، طفلة مع طفل يرفعان علامة النصر. هل الثورة لعبة العصر؟ أتساءل وكل ما يعرضه المخهرج يبعث على التفاؤل والفرحة بالثورة مع بعد تام عن مشاهد للدماء أو جرحى ، ينهى المخرج فيلمه بالتعليق: أن لا أعرف أين ستأخذنى قدماى ولكنى سأكمل" ونقرأ العناوين تصوير أسامة الوردانى، مونتاج هاجر حمدى، منتج فنى هاة جلال، سيناريو وإخراج أسامة الوردانى. ولوحة شكر ليميدان التحرير وليبيا . ولافتة رافقتكم السلامة يا أبناء ثورة 25 يناير.
الفيلم 24 ق من إنتاج شركة سمات للسينما المستقلة ، والوردانى مغنى للراب، درس اللغة الإنجليزية والأدب الأمريكى بجامعة عين شمس بالقاهرة ، يعمل مترجما وشاعرا. " تحرير بنغازى " هو عمله الأول وله فيلم " على الحائط" إنتاج أتيليه فن. إذا نجح فى التخلص من النزعة الأدبية سيكون له شأن مع الفيلم الوثائقى الذى يحتاج دائما دماء جديدة تنعشه.
No comments:
Post a Comment