Friday, 1 March 2019

مونتير النيجاتيف ليلى فهمي بمناسبة تكريمها بمهرجان أسوان 3


ليلى فهمي العازفة على السليولويد
 
تعرفت على ليلى فهمي أثناء تدربي في استديو الأهرام مع ورشة أحمد متولي ومساعدته القديرة نفيسة نصر، كنا نصعد من حجرة مونتاج البوزيتيف إلى الممر بالدور العلوي حيث حجرات مونتاج النيجاتيف، نمر على حجرة مارسيل صالح شديدة الاتساع التي تشبه صالونا للجمال، قبل أن نصل إلى حجرة ليلى فهمي. مقارنة بحجرات مونتاج البوزيتف حيث سلال شرائط الأفلام وعلب نسخ العمل والصوت الماجنتيك كانت حجرة مونتاج النيجاتيف شديدة النظافة لا يمكن أن تلمح ذرة تراب بها ولا شرائط ملقاة على الجانب.
ليلى فهمي في تسريحة شعر أنيقة ، وطلاء أظافر لامع في يديها الصغيرتين، تنهض وتفتح لنا زجاجتي مياه غازية من ثلاجة بحجرة داخلية، بغشومية وقلة خبرة أضع الزجاجة على منضدة التقطيع فتنبهني منزعجة لهذا الخطأ الشنيع. إلا النيجاتيف. المادة المصورة وقد خرجت من المعمل تقوم بتقطيعها وترتيبها في دواليب مرقمة، أتعلم وأنا مازلت أدرس المونتاج بمعهد السينما، هنا الدرس عملي وأستوعبه بالملاحظة. أرقام الحافة تبدو في شريط البوزيتيف يقابله شريط النيجاتيف تحت عدسة مكبرة في يد لولا، تقول لازم أدقق أحيانا ممكن رقم 6 يتقري 8 ويحدث ديسنكرون – عدم تزامن- أشعر بسعادة من اقترب من حقيقة خبرها بعينيه ولم يحفظها دون فهم أو معرفة. الدقة وليدة التجربة، والخطأ وارد وقد حدث مع ليلى فهمي كما تعترف هي لنادر عدلي مؤلف كتاب تكريمها بالمهرجان القومي للسينما المصرية 2017 بشجاعة واحترام للنفس تعترف بالخطأ وتحرص على عدم حدوثه أبدا مرة ثانية. يدور حديث بين نفيسة وليلى بينما أنا كالقط المتنمر مفتوحة العينين لأراقب ما تفعله ليلى، أبتسم إعجابا بتعاملها الرقيق مع لفات الفيلم ، يدها اليمنى بدون جوانتي تدير جهاز التزامن، واليسرى التي تمسك بالفيلم بالجوانتي القطني الأبيض. لا نتعامل في البوزيتيف مع الجوانتي، ولا نحرص على عدم اتساخ الشريط الا بشكل عابر ، هنا قدس أقداس السينما حيث تصب العملية السينمائية كلها بين يدي مونتير النيجاتيف الماهرة ليلى فهمي.
لم تتعلم ليلى أكاديميا بل اكتسبت الخبرة من الوالد كمال فهمي من الرعيل الثاني لمونتيري النيجاتيف بعد انجا وميلا, شربت ليلى فهمي المهنة حتى أصبحت أستاذة في مهنتها قامت بمونتاج مشروعات التخرج لطلاب سيتخرجون ويعملون في السوق ويأتون إليها فرحين، ها قد كبرنا واندمجنا في صناعة السينما ، تبتسم فرحة لمرآهم وتشعر بالرضا فلم تضيع سنين العمر هباء. تقول عنها رحمة منتصر أستاذة المونتاج بالمعهد العالي للسينما :" كان عند هذا الجيل احترام وتمسك بتقاليد المهنة، وكثيرا ما كانت ليلى تسهر على الفيلم لعمل مونتاج النيجاتيف بعد المكساج حتى يتم طبع نسخة العرض في الوقت المناسب، لسنوات عديدة قامت ليلى بعمل مونتاج النيجاتيف لأفلام طلبة المعهد العالي للسينما، وخصوصا الأفلام 16 مللي التي كانت تحتاج دقة ، وهي الوحيدة التي كانت تقوم بهذا العمل لسنوات دون أي مقابل مادي، مع تحمل أخطاء الطلبة وكانت تتبناهم كأنهم أبناء لها"

تتعامل مونتير النيجاتيف مع الخام المصور مرتين، الأولى فور خروجه من المعمل حيث تقوم بمراجعة النيجاتيف وتنبه المصور على الفور في حال حدوث خطأ لكي يعاد التصوير قبل هدم الديكور. الخطأ وارد في صناعة كبرى كصناعة الفيلم السينمائي، وتجاوز الخطأ وتصحيحه يبدأ بها العين اليقظة التي تنبه فيتم التصحيح على الفور. يقول عنها مدير التصوير الفنان سعيد شيمي :" ليلى فهمي من المونتيرين القلائل في بلادنا الذي كان لهم اليد الحريرية الحانية في هذا المضمار، .. ليلى فهمي كانت بالنسبة لي واغيري من الزملاء مديروا التصوير ترمومتر الطمأنينة .. كنت في أحيان كثيرة أذهب إليها في حجرتها البيضاء النظيفة في الدور الثاني باستديو الأهرام، وتكون منهمكة ومشغوله بعملها، وحين تراني تبادرني بجملتها المشهورة ( الشغل فل) هنا أجد ابتسامتها تملأ قلبي بالثقة في عملي" .
 تعد فصولا للطبع الى نسخة موجبة يتعامل معها مونتير البوزيتيف، كانت تعد في لفات حوالي 300 متر، وهي نسخة العمل التي سيعمل عليها مونتير البوزيتيف بالحذف والترتيب. يدخل الفيلم مراحل مونتاج أولية ثم مرحلة لتدقيق الإيقاع ومراجعة نهائية، تعاد فصول الى ليلى فهمي وتبدأ مرحلة العمل الثانية التي تتعامل فيها مع المونتير، تطابق رقم اللقطة، أرقام الحافة، تحزم أمرها وتقوم بالقطع. نادرا ما يحدث خطأ من ليلى فقد استوعبت الدرس الأول وحرصت على عدم تكراره.
تقول عنها المونتيرة مها رشدي: " كانت ليلى فهمي تقلق على عملها ، فتبقى بالاستديو حتى وقت متأخر لتطمئن على المراجعة النهائية للفيلم، وتحرص مع بداية تصوير أي فيلم أن تطمئن مدير التصوير على تحميض الفيلم من خلال متابعة يومية للنيجاتيف.. لن أنسى موقف ليلى فهمي عندما رحلت مونتيرة النيجاتيف الأقدم مارسيل صالح فقامت باستكمال عملها في الأفلام، ورفضت تقاضي أي مبالغ مالية ، وأصرت أن تذهب هذه المبالغ إلى ورثتها ، ووضع اسم مارسيل صالح منفردة على هذه الأفلام."   
تصادف أن أغلب الأفلام التي قام المونتير أحمد متولي بعمل المونتاج لها أن تكون معه مونتير النيجاتيف ليلى فهمي، فقد كان المخرج الكبير محمد راضي لا يرتاح إلا إليها، وكانت أفلامه دائما مع أحمد متولي، وأفلام أخرى لعلي عبد الخالق وأفلام تسجيلية كانت في أيدي أمينة مع ليلى فهمي. صاحبة اليد الساحرة، الدقة والمهارة وحساسية التعامل مع ثروة الفيلم السينمائي المتمثلة في شريط النيجاتيف.
ستعمل سنوات طوال وتستوعب تطورات المهنة فتقوم بمونتاج النيجاتيف مع الكومبيوتر دون أن يكون أمامها نسخة بوزيتيف موجبة تطابقها مع السالب، بذكاء وموهبة فطرية تنجح فيما فشل فيه آخرون رفضوا التعامل مع مونتاج الكومبيوتر بشقية السالب والموجب ، تعمل مع أجيال جديدة مونتيرات صغيرات تخرجن من المعهد العالي للسينما ، تضاهينهن ليلى وتتفوق عليهن. يشعر المنتج بأن فيلمه ، رأس ماله في أمان معها يقول عنها المخرج محمد عبد العزيز:" ظلت ليلى فهمي تجمع بين الإتقان المتفاني الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بمهنة مونتاج النيجاتيف وبين علاقات الود والصداقة والمحبة بكل من عمل معها ، كتعبير صادق حقيقي للزمن الجميل الذي عشناه في أحضان السينما المصرية وصناعها الذين جمعت بينهم كل مشاعر الحب والتعاون والاحترام ".
 ليلى فهمي التي بدأت طفلة بالعمل مع والدها مونتير النيجاتيف كمال فهمي،  وتعاونت مع زوجها المونتير والمنتج عادل شكري  استمرت حتى توقف التصوير بخام السينما ، السليولويد 35 مللي، اعتزلت مرغمة عام 2011 مع آخر فيلم صور بخام السينما، اعتزلت مرغمة منحازة إلى الطريقة التقليدية في تصوير الفيلم على خام سينما . تكرم في المهرجان القومي للسينما المصرية عام 2017، ينتبه عشاق السينما فنها ومبدعيها فيعاد تكريمها في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، تكريما مستحقا لفنانة، امرأة مبدعة ومخلصة لفن السينما الذي عشقته ، محبوبة من كل من تعامل معها من زملاء صناعة السينما المصرية.  
هامش: الشهادات الواردة في المقال منقولة من كتاب تكريمها بالمهرجان القومي للسينما المصرية عام 2017 تأليف الناقد الكبير نادر عدلي. 

                   كتبته صفاء الليثي ونشر بكتالوج الدورة الثالثة لمهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة 

     مع بناتها شيرين وحنان عادل شكري وصديق من العاملين بالمهرجان على السجادة الحمراء في الختام
 

No comments:

Post a Comment