Wednesday 30 January 2013

حول تكريم نيللى الذى لم يكتمل بمهرجان القاهرة 35



نيللى فى عيشة راضية

اعتزم القائمون على الدورة 35 من مهرجان القاهرة تكريم أنسى أبو سيف، فنان المناظر الكبير الذى ارتبط اسمه بالراحل العظيم شادى عبد السلام، وتكريم كلا من لبلبة ونيللى. الثلاثة تم تكريمهم بالمهرجان القومى للسينما المصرية، ويأتى تكريمهم فى القاهرة الدولى رغبة فى التعبيرعن تقدير لمسيحى مصر من قبل الغالبية المسلمة، ويضاف فى حالة نيللى ولبلبة الإشارة إلى كونهما من أصول ارمينية للتدليل على أن مصر تحتضن الأعراق. وعندما تم تكليفى بإجراء حوار مع نيللى ابتعدت تماما عن التحاور معها باعتبارها من أصول أرمينية أو باعتبارها مسيحية، فقط فنانة مصرية أسعدتنا جميعا بأفلامها السينمائية وأعمالها التلفزيونية.
كانت المرة الأولى التى أجرى فيها حوارا مع نجمة سينمائية، حاورت سابقا نقاد، صناع أفلام ومهنيين فى مهن السينما المختلفة ولكن نجمة، وأى نجمة، نجمة فى حجم نيللى الممثلة متعددة الأدوار، نجمة السينما والمسرح والتلفزيون، هل تقرأونها معى وفى الذاكرة صوت الإعلان الشهير، وبعده موسيقى البروجى كتحية كبيرة .

ضربت لى موعدا ثم عادت وأجلته ساعة، ذهبت إليها ومعى ابنتى، ككثير من الفتيات المعجبات بنيللى وفوازيرها، درة التاج فى عقد أعمالها، وفى ذاكرتى نيللى هى " نورا" التلميذة الشقية الموهوبة، أتذكر اللحن والكلمات ( يا نورا يا حلوة يا أمورة، كل حتة فيكى بتغنى فزورة) ومعها كمال الشناوى. أتذكر دورها فى قمة النضج مع العذاب امرأة. أتذكرها طفلة صغيرة جدا فى فيلم عصافير الجنة مع أختيها فيروز ومرفت،. حين استقبلتنا فى شقتها بحى الدقى بالقاهرة، شقة نجمة بسيطة وتمتلئ بالذوق، نتأمل ركن الجوائز فى مواجهة المدخل ، تشرح لنا نيللى عن لمساتها فى البيت، الصورة المجسمة فى مواجهة ركن الجوائز للباليرنا الشابة نيللى، الصورة من فوتوغرافيا مكبرة، ومضاف إليها اكسسوار من ريش النعام والخرز، تخبرنا أنها صنعته بيديها. الصورة وكأنها قرين نيللى المعبرة عن الجانب الأبرز من موهبتها، كان من الواضح أن نيللى اكتفت بما حققته، لم تعلن رسميا الاعتزال ولكنها توقفت عن العمل، ومقلة جدا فى الظهور الإعلامى . تبدو فى سلام كبير مع النفس، راضية عما منحه لها الله، لا تبكى سوء الحظ الذى يبقيها وحيدة الآن ، تحمد ربها بإيمان حقيقى وتسليم بالنصيب. نيللى لا تحب ان تعامل كأقلية مسيحية، ولا كمهاجرة من أرمينيا، تحب كونها مصرية ولدت وعاشت فى مصر، رغم وجود كتاب فى مكتبتها عن تاريخ الأرمن تؤكد أنها لا تعرف عن هذا شيئا وتفضل ذاكرتها المصرية وثقافتها فى مجتمع مسلم. وجدتها رشيقة، بسيطة، حبوبة، كريمة ومضيافة، وهنا مقتطفات من فضفضتها الصادقة معى.  
أشعر بالرضا فى داخلى، رضا يكفى عشرة أشخاص، الرضا جميل ، طوال النهار أشكر ربنا أنه أعطانى شئ يجعلنى راضية، ليس عندى متطلبات فى الحياة سوى رضا الرب عنى، والآن أنتظر لحظة لقائى بربنا، أعتقد أنه أحلى لقاء، شيء رائع أن أنتظر لقاء ربى . أشكر ربنا على الموهبة التى أعطاها لى، هذا الفن تاج على رأسى ومنحة من الله، عرفت من خلاله محبة الناس ، جائزتى الكبرى حصلت عليها بالفعل، حب الناس لى هو جائزتى الكبرى . 
العذاب نيللى
أجد نفسى صالحة لأداء كل الأعمار وكل الشخصيات، سواء طفلة، أومراهقة، أو ست كبيرة، أسألها عن دورها فى فيلم  " العذاب امرأة - تقول نيللى أنه أكثر دور تسأل عنه، وتحكى: كان فى واحد بيحبنى وأنا لم أكن أحبه، كان يقول لى " العذاب نيللى" . قمت بهذا الدور بناء على رغبتى وسط دهشة المخرج أحمد يحى ، وكان أول فيلم له ، ودهشة محمود يس أيضا. كنت مقتنعة أننى سأقوم بدور كهذا دون أن أرفع صوتى أو أرفع حاجبى مثل نمط الشرير المعروفة . استخدمت قدرتى على التحليل رغم عدم دراستى لعلم النفس،  الإلهام جائنى بعفوية أن أؤدى الدور بطريقة مختلفة، فكرت أنه كلما كان داخل الشخص شر ما، يكون تحكمه فى انفعالاته أكبر. لكن من يجعجع ويرفع صوته يكون عادة إنسان طيب، فقط سريع الغضب. ما أتذكره جيدا أن المخرج أوقف التصوير وأخذنى على جانب : " هل تراجعت عن قرارك ؟ ألن تؤدى دور شريرة؟ مالك تتحدثين بهذا الهدوء ؟" أخبرته عن فكرتى فى الأداء واقتنع بها .
الإبداع نيللى
تجربة الفوازير مختلفة تماما عن أفلام السينما، كنت أقترح على المخرج ومصمم الرقصات وينفذون اقتراحاتى، هذا مستحيل فى أفلام السينما، الممثل يؤدى فقط ما يطلب منه، مع مرور السنوات كنت أضيف أفكارا جديدة، لم يكن هناك بالتلفزيون المصرى قسم للماكيت، وتم إنشائه بعدما طلبت من نجار الاستديو تقليعة بشعرى نفذها من خشب الأبلكاش الرقيق، صممت شكل مبنى التلفزيون كقبعة على رأسى، حسن عفيفى مصمم الرقصات كان  يشاطرنى طريقة تفكيرى، كان توأمى واستمر معى بعد فهمى عبد الحميد مع المخرج جمال عبد الحميد.
أجرى هذا الحوار فقط من أجل مهرجان القاهرة، الحديث عن تكريمى الآن من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أشعر بالرغبة أن يكون حديثى أمام الناس كلها. الآن فقط أقول ،إن كل الجوائز التى حصلت عليها فى حياتى فى جانب، وهذا التكريم  فى جانب آخر. جسمى يقشعر، جائزة مهرجان بلدى لا تقارن بأى تكريم آخر مع احترامى لكل الدول التى كرمتنى وكل الجهات التى كرمتنى.
كانت الأحداث السياسية قد اشتدت وقررت إدارة مهرجان القاهرة عدم الاحتفال وبالتالى لم يعلن عن التكريم، لم تقف نيللى على المسرح فى حفل ختام ولم تزرف دموعها لطاقة الحب التى تشعر بها ، فقط صدر كتاب التكريم ليبقى وثيقة على إحساسها بالرضا .
نشر  بجريدة القاهرة الثلاثاء 29 يناير 2013