Thursday 30 April 2015

فيلم وثائقى عن عمال المحاجر


بسام مرتضى  ومحمود لطفى
فى انتظار العائد من الجبل
 فى صياغة درامية قدم المخرج بسام مرتضى فيلمه عن عمال المحاجر بإحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر، مكنته المعاينة والبحث من التقاط الفكرة التى بدأ بها الفيلم عن مخاطر العمل فى المحاجر حيث تأكل ماكينة تقطيع الحجر أذرع وأقدام العمال الذين يعملون فى ظروف غير مسموح بها عالميا، يتحركون وسط غبار الأحجار الذى يتصاعد ليحجب الرؤية عن مشغل الماكينة وعن زملاءه من العمال أثناء عملهم. يركز بسام على أسرة بعينها يلتقى مع الأم التى تنتظر يوميا عودة أبناءها بعد أن أكلت الماكينة قدم وذراع ابنها الأوسط. تحكى كيف أن الابن رغب أن يكون معه مصروف وأن يجد نقودا فى جيبه كما أقرانه ممن يعملون فى المحجر ويكسبون رزقهم. وعندما يعود من الحادث المحتمل يكتب بسام على الشاشة عامل سابق ، حيث يصعب على من فقد جزءا من جسده العمل مرة أخرى وخاصة فى المحاجر.
لم يغال بسام مرتضى ومعه مدير التصوير محمود لطفى فى جماليات الصورة التى لو حدثت لأفقدت المعنى من وراء الفكرة عن صعوبة المناخ الذى يعمل فيه أهل القرية ، الجمال يظهر فى الحميمية التى صور بها العمال وفى إظهار وجوههم فى إضاءة المكان كلوحة شخصية لصبية ورجال يرغبون فى تحسين معيشتهم وأسرهم مهما كانت المخاطر المتوقعة.
بسام مرتضى ليس مخرجا يقدم الأفلام التسجيلية كطريقة لكسب عيشه بل تشعر أنه يناضل من خلال عرضه لمشاكل ناسه فيهتم بالبحث ويضمن أفلامه وثاثق ومعلومات لا يصيغها بشكل مباشر مصادرا على حرية المتلقى، بل يعرضها بأسلوب فنى يسمح للمتلقى بالمشاركة عبر أسئلة يثيرها شخصوص الفيلم وحوادثه. لا يذكر مثلا أن هذه قرية كذا وتعداد سكانها كذا يعيشون هكذا بالتعليق، بل يترك لنا مساحة للتفاعل واستنتاج بعض المعلومات عن سكان هذه القرية من مسيحي مصر، وعما يمكن أن يحدث من اتفاق أو خلاف مع سكان آخرين من المسلمين. يركز بسام على فكرته الأولى " العائدون من الجبل وانتظارهم " ويترك باقى الأفكار مفتوحا لفهم كل مشاهد طبقا لمرجعيته.
الفن وظيفة مجتمعية هكذا ترى عطيات الأبنودى وهكذا يسير بسام مرتضى ومحمود لطفى على الطريق، يخدمان المجتمع ويحققان أيضا طموحهما الفنى من خلال صورة جمالية مؤثرة، وصياغة درامية مستمدة من الواقع ليحققا نموذجا جيد امن نماذج سينما الحقيقة . لماذا بسام ومحمود ، لأن تعاونهما معا كمخرج صاحب رؤية فنية وسياسية ، وكمدير تصوير صاحب رؤية جمالية وإنسانية أثمر عملا أشد تشويقا من كثير من الأعمال الروائية المعتمدة على التأليف والخيال حتى لو كان خيالا مستندا إلى الواقع.
يدفع الفيلم بالمتلقى إلى محاولة التزود بالمعرفة حول عمال مصر وعلاقتهم بأصحاب رأس المال، عن القوانين المنظمة للعمل وحقوق العمال، عن حجم الظلم الذى يعانيه فقراء مصر . كما يدفعنا إلى التفكير فى الأساليب الفنية الأمثل للتعبير عن كل هذا، وكلها أفكار وضحت فى النقاش الذى دار مع المخرج عقب عرض فيلمه ببرنامج رؤى بالجامعة الأمريكية، دفع الخط الدرامى البعض إلى التعامل مع الفيلم كعمل روائى، ولم يتدخل المخرج لتصحيح الأمر بل تجاوب مع السائل وكأنه أيضا يعتمد تصنيف عمله كدراما مؤلفة، والأقرب أنها دراما تسجيلية تعتمد بالكامل على أشخاص طبيعيين يؤدون دورهم فى الفيلم كما فى الحياة حتى لو لجأ المخرج إلى توجيههم لتصوير لقطة وجدها مناسبة ليربط بين ما صوره بنفسه وبين وثائق وجدها عند أهل البلد ووقد وثقوا ثورتهم قبل ثورة 25 يناير للمطالبة بضم نسبة من الأرباح لصالح نقابتهم المستقلة. الإيمان بالاستقلال عقيدة عن المخرج الذى يكتب أيضا فى مدونات مستقلة معبرا عن أفكاره ومواقفه، متضامنا مع زملاء له يشاركون فى العمل العام أملا بالتغيير.
ينجح الفيلم التسجيلى حين يقدم صناعه شخصياته بحب وحين يقتربون من أحلامهم ويؤمنون بعدالة قضيتهم، وهو ما وضح مع المخرج المستوعب لمشاكل شعبه والحالم معهم بالتغيير. وبهذا ينضم بسام إلى مخرجى الواقعية الجديدة فى مصر، ينضم إلى خيرى بشارة الذى بدأ مشواره بالعمل البديع صائد الدبابات وطبيب فى الأرياف ومع داوود عبد السيد الذى بدأ بوصية رجل حكيم فى القرية والتعليم وبالعمل فى الحقل، جامعا مثلهما بين الرؤية الناضجة وتفهم مشاكل أهل مصر، وبين التناول الفنى الذى يدفع المتلقى إلى عدم الاكتفاء بالمشاهدة، بل بالمشاركة فى طريق المعرفة التى تخدم المجتمع وتسلط الضوء على مشاكله بنظرة نقدية ثورية تعزز دور الفنان مثقفا ثوريا مهتم بقضايا وطنه وشعبه.
درس صناعة الأفلام بمعهد الجيزويت بالقاهرة أخرج أول أفلامه " بيت حلوان " عام 2007 ، وفى عام 2012 شارك فيلمه الثورة خبر بمهرجان برلين ومهرجان سيول ، وفيلمه هذا فى انتظار العائد من الجبل تسجيلى قصير 2015 . يعمل حاليا مدير تحرير لوحدة المالتي ميديا بالمصري اليوم. كما أنه شريك مؤسس لشركة سي ميديا للإنتاج الفنى والوثائقى.

 نشر بجريدة البوابة الأربعاء 29 ابريل 2015


Thursday 23 April 2015

فيلم أثر الفراشة لأمل رمسيس

أثر الفراشة  والتحليق فى سماء الحلم
 
قلبت أمل رمسيس علينا المواجع وهى تستعرض محطات مرت على الثورة المصرية التى بدأت فى 25 يناير 2011 من خلال تناولها لشخصية ماري دانيال الأخت الكبرى للشهيد مينا دانيال . فى البداية احترت فى الطريقة التى تروى بها الفيلم هل تحكى عن مينا دانيال الملقب بجيفارا الثورة المصرية أم عن مارى دانيال الصعيدية المسيحية التى انفصلت بعد زواج تم دون رغبتها استمر 15 عاما ثم عادت لبيت الأب حيث الأخ والثورة والاندماج فى العمل الوطنى. وانتهيت إلى قناعة أن المخرجة اختارت أن تروى عن الثورة والأحداث التى تلت استشهاد مينا من خلال مارى التى تغيرت حياتها بانحيازها إلى الطريق الذى اختاره الأخ الذى تقول عنه أنه ملاكها . ابنها وحبيبها. بين مشاهد للقاءات مدبرة بين المخرجة وبين مارى ومشاهد لمحطات فى أحداث الثورة، يربطها داخل الفيلم  تعليقات أمل من خارج الصورة، أحيانا كنت أفضل اختفاءها والاكتفاء بحكى الشخصية الرئيس، حكيها الحميم والتلقائى والأكثر دفئا من تعبيرات أدبية صاغتها أمل على الأرجح أثناء المونتاج لتنتهى بالحديث عن أثر الفراشة الذى اتخذته عنوانا لفيلمها فى محاولة لإضفاء صبغة شعرية على وثائق مرت على المهتمين وأصبحت جزءا من ذاكرتنا عن أحداث ماسبيرو ، ومحمد محمود ولوحات الجرافيتى وأشهرها لوحة لمينا دانيال والشهيد عماد عفت التى تعبر عن وحدة نسيج المصريين مسيحيين ومسلمين. ينتهى الفيلم بمشهد الشموع فى البالونات ترتفع فى سماء التحرير تتابعها كاميرا نجاتى سومنيز الذى شارك أمل رمسيس فى تصوير الفيلم، المشهد جمالى  بديع يحدث أثرا قويا فى نفوس المشاهدين ويسمح لهم بالتحليق فى معانى مركبة حول فكرة الثورة والعيش على حلم التغيير والاستشهاد من أجل قيم الحرية والعدالة والحلم بحياة أفضل.
الصياغة الجمالية التى انتهى إليها الفيلم دعمه غناء عفوى فى مشهد للاحتفال بعيد ميلاد مينا دانيال على شكل افطار جماعى فى رمضان ظهر فيه الحسينى أبو ضيف الذى سيلحق مينا شهيدا فى الاتحادية برصاص الإخوان. ودعمه أغنيه فى الختام مع مشهد الشموع مؤكدا على رومانسية الثورة والثوار.
شاهدت الفيلم ضمن برنامج رؤى الذى نظمه قسم الفنون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تحت عنوان تجارب مصرية فى اللغة السينمائية ضم أفلاما من كل الأنواع قصيرة وطويلة، روائية وتسجيلية اختارها بعناية فريق القسم مالك خورى وعرب لطفى وعدد من الشباب، ودارت نقاشات فى حضور لأغلب صناع الأفلام. وهى فى مجموعها تسمح بتكوين رؤية عن السينما المصرية الجديدة فى الأعوام الأخيرة وتدعم من خلال التفاعل بين المشاهدين وأصحاب الأعمال التواصل بين الطرفين، المبدع والمتلقى نحو سينما مصرية جديدة .
دعا مالك خورى الحضور للاهتمام باللغة السينمائية وعدم التركيز فقط على تحليل المضمون وهى دعوة كانت تحتاج فى رأى إلى ندوة تعريفية بكيفية قراءة الأفلام وكيفية تحليلها على أن تسبق الندوة العروض لكى يكون الحضور مستعدين للتعامل مع الأفلام كعمل فنى له تركيبته وصياغته التى تحتاج درجة من الوعى تتجاوز حدود المضمون إلى طريقة التعبير عنه. لاحظت فى الندوات القليلة التى أتيح لى حضورها افتقاد الوعى لدى غالبية المشاهدين وضح فى تعاملهم مع الفيلم وشخوصه وكأنهم يتعاملون مع واقع يفترضون تغييره إلى صورة فى أذهانهم. ومتلقين يحكمون على شخصيات العمل أحكاما أخلاقيا ويستنكرون أن تقول كذا أو تفعل كذا. وهو خطأ شائع يقوم به من ينتقد عملا فنيا من خارجه دون محاوله تفكيكه ومحاولة قراءة ما انتهى إليه وليس تمنى لو كان على شاكلة تصوره عنه. أحيانا يلجأ المختصون فى النقد للتدخل لإبداء رأى يعود بالنقاش إلى مسار صحيح ومنهم عرب لطفى المخرجة والناقدة التى كانت تركز فى نقاشها مع المخرج فى طريقة عرضه لفكرته وكيفية تنفيذها.
جهدا كبيرا أجده فى اختيار الأعمال وهى فى أغلبها أفلام حصلت على جوائز فى الداخل أو الخارج، تعبر فى مجموعها عن أفكار صانعيها بأساليب فنية متعددة ، وتسهم مثل هذه البرامج فى التعريف بها  ومحاولة فهمها ، كما تعطى أملا فى إزاحة أو مزاحمة سينما سائدة ما زالت تسيطر على أذهان المشاهدين وتعوق استقبالهم لأعمال راقية تجمع بين المتعة والمعرفة. 


 نشر بجريدة البوابة الأربعاء 22 ابريل 2015 تحرير عصام زكريا 
تحت عنوان /  أثر الفراشة: ثورة الشموع والبلالين 
http://www.albawabhnews.com/1247363

نص أدبي .. لماذا ...

لماذا أنا مغرورة ؟

يصفنى الكثيرون بأننى مغرورة، وأنا لا أغضب ، أعترف أننى بالفعل مغرورة ولكن لماذا أصبحت مغرورة، لماذا أنا مغرورة ؟ في السادسة من عمرى كنت لا أتحمل شعاع الشمس، فأزر عينى وأنظر إلى السماء، أشاهد بعينى الضوء وأرى ألوان الطيف، أرددها ، أزرق ..... يسمعنى أخوتى فيحملوننى فى سعادة، صفاء عبقرية اكتشفت ألوان الطيف، تبتسم أمى فرحة بابنتها، لا تعلق بل تدارى عواطفها وتأمرنى بالذهاب إلى الحمام والاغتسال، كفاية لعب فى الشارع اتمليتى تراب. يصحبنى أبى وأختى الأصغر فى نزهة على ترعة قويسنا، لا أكف عن الأسئلة، وهو بصبر يجيب ويحكى، هو فى طريقة لزيارة صديقه الحاج صابر فى مسكنه الجميل على شاطيء الترعة، بيت من بابه، هكذا كنا نسمى الفيلات الصغيرة، أما بيتنا فكان فى عمارة سكنية تفضل أمى سكنى الدور الأرضى لكى تستفيد بالمنور، حديقة خلفية لتربية الطيور، والأرانب، والديكة الرومية، نلبس ملابس حمراء ونقف لنستفز الديك، الذى ينتفخ وينفش ريشه ويزعق : كعر عر عر. ونصفق طربا. فى الأعياد نخرج بفساتيننا الجميلة، يفتح باب وتخطفنا يد أبلة نرجس التى تسكن شقة جميلة، تجلس وزوجها فى انتظار ظهورنا، تفتح لنا علبة شوكولاته ينبعث منها موسيقى، نتردد فى أخد الشوكولاته وهى تهز رأسها لى ولأختى ولصديقتى، تغلق العلبة فتنقطع الموسيقى، نحن لا نمتلك علبة مثلها ونحب سماع الموسيقى أكثر من التهام البون بون. تجلسنى أبلة نرجس على حجرها، تساوى أطراف الفستان تساعدنى على فض غلاف البون بون وتمسك بورقة البخت، تديرها لى وتقرأ " من جد وجد"، من جد وجد، أرددها فى ذهنى وأعرفها هذه الكلمة نسمعها فى البيت وفى المدرسة. نبدأ فى التململ فمهما كانت اغراءات الشوكولاته وعلبة البونبون والموسيقى، نريد أن نصل إلى بيت زميلتنا وأسرتها الريفية، حيث يكون النورج يدور لهرس القمح، نجلس مع ناهد على النورج ونطبل ونغنى، النورج تجره بقرة مغماة العينين تلف الدائرة ونحن نغنى، حتى نتعب أو ندوخ، فنجرى عائدين إلى بيتنا فى شارع المحطة، نقرأ ونحن سائرين شاى الشيخ الشريب، والإعلان على الحائط بشيخ مثل شيوخ الكوتشينة، ندخل البيت فتهمس لنا أختانا الأكبر خشوا على الحمام واقلعوا هدومكم دى اتوسخت خالص. لو كان اليوم جمعة فيكون الغداء من السمك، انا وأختى نلتقط لقيمات عليها قطع السمك خالية من الشوك، يفصصها لنا الكبار بابا وماما والأخ الأكبر، هناك تنافس فى تقديم لقيمات السمك لنا ونحن فى غُنج نأكل على مهل مستمتعتين بمائدة الطعام الوفير أمامنا. يذهب الكبار الى قيلولتهم ونبقى نحن نلعب بالعرائس، نوشوش بعضنا حتى لا نقلق نوم الكبار.
فى المدرسة أقرأ خطبة الصباح وقد كتبها لى أبى، رغم أننى صغيرة القد وما زلت فى الرابعة الابتدائية، أنا من تحى العلم ومن تقرأ خطبة الصباح بصوتى الجهورى، وتمكنى من القراءة الصحيحة التى دربنى عليها أبى. تنتهى الخطبة بحكمة: " قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا" بالطبع لا أفهم معنى الكلمات هذه ولكننى أشعر بحماسة شديدة وأنا ألقيها، أشعر أن أمرا جللا سيحدث بعدها. فى العيد الكبير أمرض بالسخونية، مغص وقيء فأُمنع من مصاحبة الأطفال ممن هم فى سنى وأخرج بصحبة أخى وابن خالى سامى، يقطفون التوت من على الشجر ويضعونه فى يدى الممدودة لهما، هما يتناقشان فى الأدب والشعرـ ألتقط بعضا من كلامهما وأخزنه، وحين أعيده فى وقت لاحق، يصفقون فرحين بعبقرية الطفلة ضعيفة البنية التى تمرض كثيرا وتقضى العيد فيما يشبه العزل الصحى مع الكبار.
انبهار الكبار وفرحتهم بى سببت لى اعتزازا بالنفس ورغبة دائمة فى أن يرضوا عنى، فأحفظ الدرس وأحسن الخط، فى الفصل تشيد بى الأبلة وتقول لزميلاتى أننى سأجلس كمديرة عظيمة على المكتب بينما هم.. أخجل من ترديد وصفها لهن ولا أحب أن أتذكره. يبقى دائما أننى كنت محبوبة الجميع والمدللة فى البيت والمدرسة. كان هذا فى المرحلة الابتدائية والتى عشتها فى مدينة قويسنا بالمنوفية قبل أن أنتقل مع أخوتى لنعيش فى القاهرة حيث يدرس فخرى فى الفنون الجميلة وتحية موظفة فى الشركة العربية للتجارة الخارجية بميدان التحرير، ووفاء فى كلية الطب جامعة عين شمس، فكان على أن أدخل مدرسة اعدادية فى القاهرة، والتحقت بالمعادى الإعدادية للبنات، كان ورقى قد وصل المدرسة قبل وصولى وكانت إحدى الإداريات تأتى الفصل وتسأل عن صفاء الليثى حجاج الآتية من قويسنا منوفية، ومن هنا انتظرت زميلات الفصل وصول القروية ليسخروا منها ومن طريقتها فى الحديث كما تصوروا. فى الفصل وضح تفوقى وسألننى لماذا لا أتكلم مثل الفلاحات، قلت لهن، دول فلاحين الراديو نحن نتكلم مثلكم. لم أكن قادرة على شرح الفارق بين الريفيات القح بأسرهن ممن يعملون فى الحقول ويربون الماشية، وبين أسرتى البرجوازية الريفية، فأمى المتعلمة التى تربت فى القاهرة تملك كبرياء لا نظير له فتتأنق فى حديثها، ووالدى مدرس اللغة العربية ويكتب أزجالا كان يتحدث بعامية مختلفة عن لهجة فلاحى الدلتا. فى الشهور الأولى كنت الأولى على الفصل، ثم تراجعت وأصبحت فى المركز الثالث، كان اهتمامى بالرسم وتشكيل طين الصلصال وقراءة الأدب تشغلنى عن المذاكرة وتمدنى بخبرات جعلتنى أصبح مستشارة نفسية لزميلاتى فى الأورمان الثانوية بنات التى التحقت بها بعد ذلك .  كان الغرور يصور لى أن الفتاة الجميلة على علب الشوكولاته هى رسمة لى، رغم تعدد المرايا فى بيتنا، مرآة دولاب أمى التى تظهرنى كاملة، ومرايا أخرى، كانت صورتى  عن نفسي فى ذهنى أقرب لهذه الطفلة الإنجليزية بخدودها التى تشبه التفاح وشعرها الذهبي، هكذا صور لى خيالى نتيجة اهتمام الأسرة بى وتدليلهم لى، أنا مغرورة ولا أكره هذه الصفة بل أجد " الغرور صفة محببة " لأنه يصبح سلاحا دفاعيا ضد الفقر وضد الشعور بالفارق الطبقى بينى وبين زميلات تربين فى بيوت أغنى، ولديهن كماليات ليست عندى، متنعمات بحنان الأم التى فقدتها بعد عام واحد من انتقالى الى القاهرة، ساعدتنى قراءاتى الأدبية المبكرة على تجاوز محنة فقد الأم، ولم أشعر بقسوة زوجة الأب، ولم أصب بالعُقد لأنى أسكن فى المساكن الشعبية فى امبابة بينما تسكن زميلاتى فى الدقى والعجوزة. ومن شدة غرورى واعتزازى بنفسي كنت أسعد بسماعى لزميلات الحي تجبن على سؤال الأخريات " انت ساكنة فين؟" فتقلن بثقة عند صفاء، وتتركننى لأصف أننا فى حى امبابة المنقسم إلى مدينة العمال ومدينة التحرير، وأننى فى المساكن الشعبية بين المدينتين، وأننا نعيش سعداء  حيث يغنى أخى وهو يرسم، وتحفظ وفاء دروس الطب بالإنجليزية، وأحفظ نصوص القرآن وأسأل عن معانيها فأجد شرحا يدخل العقل. كل هذا فى حجرة واحدة دون أن ينزعج أحدنا من الزحام. نتحلق حول تمثيلية الخامسة والربع بالبرنامج العام من راديو الترانزستور الذى اشترته تحية أختى الكبيرة الموظفة من راتبها، نقلب صفحات مجلة حواء ونتأمل جمال العارضات. وحين تحضر ابنة خالى القاهرية لزيارتنا وتسأل متعجبة " ما عندكمش فريجيدير" فنجيبها عندنا القلة، نشرب من القلة بعدما نرفع غطاءها النحاسي الذى اجتهدنا فى دعكه بالليمون ليصبح ذهبيا لامعا، نمسح فمنا بكف يدنا حامدين الله على نعمة العيش فى الرضا، مغرورين بتماسكنا كأسرة لا نمتلك أرضا ولا ذهبا ولكننا نمتلك معارف تجعلنا قادرين على الاستمتاع بحياتنا ونحن نقرأ قصصا مترجمة عن مسرحيات عالمية، نقرأ أولاد حارتنا مسلسلة فى أهرام الجمعة أو نحضر فيلما فى دار عرض كبيرة بوسط البلد فى القاهرة. يأخذنا أخى الى حفلة سينما مترو الصباحية، وعندما نكبر تأخذنى تحية إلى سينما ميامى فأحضر معها ليلة الزفاف لسعاد حسنى وأحمد مظهر.
أكبر أكثر فأصطحب أنا صديقاتى إلى سينما ريفولى ونشاهد معا الأخوة كارامازوف. نشعر بجمال الحياة وبالرضا لأننا قادرين على المقارنة بين هاملت الروسى وهاملت الانجليزى بعدما نكون قد تناولنا أيس كريم من قويدر وعدنا بأتوبيس 177 عتبة امبابة من أول الخط حتى نهايته.

الآن ولو ضبطنى أحدكم سارحة ومبتسمة وسأل نفسه " هى فرحانة بنفسها كده ليه " فليعرف أن عناية أمى وأبى، ورضاهم عنى هما السبب، وأن محبة الأهل والأصدقاء كافية لجعلى أمتليء فرحا وأقول لنفسي "  ده ربنا جميل بشكل ".

نشر بمدونة +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الأحد 19 أبريل 2015
http://www.za2ed18.com/%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%AB%D9%8A-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%85%D8%BA%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9%D8%9F/

Wednesday 8 April 2015

متابعات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى دورته الرابعة


مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى دورته الرابعة

عن أفلام مسابقة الأفلام القصيرة
الصغير جميل حتى فى الحمير
للمرة الأولى أحضر مهرجان السينما الإفريقية على أرض مصر، كنت شغوفة بمشاهدة أفلام قارتنا السمراء بشكل مكثف وفى ذهنى التربة الحمراء ووجوه الأفارقة المحببة وملابسهم بألوانها الزاهية، وبالطبع في الذهن أيضا المجاعات والمذابح ومعاناة شعوب إفريقيا فى بلدانها المختلفة ، فى الذهن نجاحات تحققها السينما الإفريقية وآخرها فيلم " تومبوكتو"  الذى عرض بالافتتاح . ركزت مع عروض الأفلام القصيرة التى بدأت فى العاشرة من صباح 17 مارس 2015 بمكتبة الأقصر. المرة الأولى على حد علمى أن تعمل المكتبة بكل طاقتها وأن تستضيف القاعة عروضا للأفلام. المخرج سعد هنداوى وبجواره المصور زكى عارف جالسان فى الصف الأمامى، هما عضوان فى لجنة التحكيم التى تشاهد الأفلام مع الجمهور. الجمهور كلمة غير دقيقة فلا يوجد حضور من أهل الأقصر، وجل الحاضرين من ضيوف المهرجان أصحاب الأفلام وعدد قليل من عشاق السينما منهم الشاعر زين العابدين فؤاد وزوجته جوسلين تالبت والمثقف القدير حلمى شعراوى وزوجته وهما ناشطان فى حقوق الإنسان وغيرها من الفعاليات ، المخرجة إنعام محمد على والسيناريست سناء الشيخ وكاتبة هذه السطور والمخرج أحمد رشوان. المخرج سالم دندو والمخرج جورج كابونوجو، وعدد آخر لا أذكر أسماءهم. مسئول البرنامج القصير ومدير الندوات أحمد حسونة ومعه فريق من المهرجان لتنفيذ العروض. هناك جدية واحترام فى كافة التفاصيل بداية من احترام لجنة التحكيم وتواجدهم فى موعد العرض تماما وانتهاء بالاستجابة إلى طلبنا بتخفيف التكييف البارد فى القاعة الجديدة. فى اليوم السابق حدث تعارف مع عدد من المشاركين بأفلامهم ، يخاطبوننا ، فيلمى فى العاشرة أو الثانية عشرة ، نعم سأشاهد الأفلام كلها، تأكيد يحتاجه أصحاب الأفلام القصيرة التى عادة لا تجد متابعين إذ يفضل الغالبية مشاهدة عروض الأفلام الطويلة التى تجرى فى قاعة المؤتمرات بأعلى درجات الجودة بالوسيلة الأحدث للعروض ، عروض DCP  غير المتوفرة فى مكتبة الأقصر حيث جهاز عرض جيد ولكنه غير مثالي .  تعرض الأفلام روائية وتسجيلية دون فصل وتقوم لجنة التحكيم بمنح الجوائز دون خلط النوعين معا . فتكون هناك جوائز للروائى وأخرى للتسجيلي .
  وقد ضمت المسابقة 13 فيلما روائيا وأربعة تسجيلية .  شهد اليوم الأول أفلاما قوية وهى التى حازت الجوائز، وشهد اليوم الثانى أفلاما مصرية هامة نافست دولا إفريقية منها السودان ونيجيريا وتونس . فيلم الناقد والمخرج محمود الجمنى " ورده " حاز جائزة النيل الكبرى التى استحقها عن جدارة إذ يتناول المخرج شخصية فتاة أصيبت بالمرض ولكنها تواجهه بابتسامة وتمارس عملا فنيا فى تنفيذ لوحات بمطبعة صغيرة ، بدون ميلودراما وبرقة شديدة يضرب لنا المخرج ووردته مثلا فى قوة العزيمة والصبر على الشدائد، يقول المخرج عن فيلمه ليس فيلما عن المر أو عن الفن الذى تقدمه الفتاة بل عن المرأة التونسية القوية والثائرة، وفى كلمته بعد استلام الجائزة يوجه نداء للمسئولين " اصرفوا على الثقافة" .
الجمنى كان يقودنا بين قصر الثقافة وقاعة المؤتمرات وقد درس شوارع الأقصر رغم أنها زيارته الأولى لها، يندمج مع الجميع نقاشا ومداعبة، حضوره محبب كما فيلمه الذى يعكس جمال الحياة.
من نيجيريا فيلم مدهش عن الاحتفال بالميت والرقص له قبل أن يوارى جثمانه التراب ، حاز شهادة تنويه خاص عن عمله المبهج  رغم وحشة الموت، مخرج الفيلم جورج كابونجو مخرج قدير له أعمال هامة شاركت بالمهرجانات وكان من أكثر المشاركين انتظاما فى حضور العروض . الفيلمان التسجيليان الثالث والرابع من مصر والسودان، همهما سياسي وقد تبايت حولهما الآراء، فيلم " ملكية جوبا " لمخرج سودانى شاب فى عمله الأول يعتمد بالكامل على وثائق تروى تاريخ السودان وما حدث به من ثورات بالتوازى مع لقاءات مع  رياضيين يحكون عن تأثير التغيرات السياسية على مهنتهم ، لعب الكرة، ينتصر المخرج لوحدة السودانيين ويعكس بدون قصد سببا من أسباب انفصال الجنوب ونحن نشاهد فتيات بملابس عصرية تشجعن اللعبة بحيوية واقبال على الحياة. مزمل نظام الدين هو نفسه مقبل على الحياة يحمل روح طفل أدهشها الغناء الصعيدى وفنون الرقص والعزف، التفت الى متسائلا هل يمكننى الانضمام إليهم .
وقبل أن أجيب كانت الحلبة قد امتلأت بالشباب يمرحون بعد إعلان الجوائز فى حفل ضم المشاركين وضيوف المهرجان. مع مزمل قابلت غدير وهى فتاة عملت معه فى الفيلم وكانت تصور الندوة ، بوجهها المبتسم يظهر أسنانا بيضاء وحجاب وبنطلون ، يمحى من ذهنى الصورة التى تصلنا عن العقاب والاضطهاد لمن ترتدى البنطلون. سودانية أخرى بلا حجاب يؤكد أن الوضع بالسودان لا يختلف عن الأوضاع فى مصر حيث تتنوع اختيارات الفتيات وتمتلكن حريتهن فى العمل وفى اختيار الزى المناسب لهن. اختلفت الآراء حول الفيلم المصرى " جزيرة التحرير" الذى صاغه صانعيه الكاتبة هبه الحسينى والمخرج حسن صالح من وثائق مصورة بالتحرير بكاميرا هواة ، بالتركيز على فترة حكم المجلس العسكرى وقبل استلام الإخوان للسلطة، بوجهة نظر واضحة تدين " حكم العسكر" تتبنى وجهة نظر ثوار يشعرون أنهم فى جزيرة معزولة عما يجرى خارج ميدان التحرير. أجد من حق هبة وحسن التصريح برأيهما الذى قد يخالف البعض ممن شاهدوا الفيلم ، وان كنت لا أوافق على عدم النجاح فى تلافى ضعف  الصورة فى المونتاج. فى النهاية جودة الصورة وسيط لابد من احترامه لاكتمال العمل الفنى . وهو ما تحقق مع الفيلم الفائز بأفضل فيلم روائى قصير " الأرض الأم " لمخرج أخبرنا أنه فرنسي، رغم أن الفيلم مسجل كمنتج لدولة السنغال، والمخرج أصوله من موريتانيا وتلقى دعما من عبد الرحمن سيساكو صاحب تمبوكتو لتصوير الفيلم، نلمح نفس سيساكو وأسلوبه الفنى الذى تناول بهدوء فكرة تتعلق بالتغيرات التى يصادفها مهاجر عاد لموطنه مع أصدقائه من أصول عربيه وإفريقية ليدفن جثة أخيه فيصعب عليه ذلك نتيجة سيطرة المتطرفين على بلدته، ويضطر لدفنه بعيدا عن مقابر العائلة. وفى الطريق تدور مناقشات بين الأصدقاء الأربعة وخاصة عند توقف نجح المخرج فى تبريره بعطل مفاجيء بالسيارة، يتميز الفيلم بسيناريو محكم وإخراج شديد الاحتراف لمخرج قدم عملا روائيا وآخر تسجيليا ، ليأتى عمله الثالث هذا مكتملا فى عناصره الفنية شكلا وموضوعا. والفيلم كان منافسا قويا لثلاثة أعمال أخرى أحدهما للممثلة التونسية نجمة أقدمت على إخراج عمل قصير أجده عملا جيدا من منظور اجتماعى عن زوجة تقليدية يهملها زوجها السياسي الزائف فتقبل على التهام الشوكولاته تعويضا عن إهماله وخيانته لها. أسهبت نجمة فى شرح دلالات سياسية لعملها وأجد أنها بالغت فى شرح فيلمها ناسية أنه علينا أن نستقبله وأن نقرأه دون الحاجة لمذكرتها التفصيلية عنه. الثرثرة كانت داخل الفيلم المصرى " لحظة" لمخرجه الوليد جمال عن فكرة قُتلت بحثا عن الشخصيات الدرامية وامتلاكها حياة حقيقية رغما عن مؤلفها. الوليد درس فقط فى ورشة لصنع الأفلام ولحظه كان عمله الأول، وقد أدرك بنفسه قدرا كبيرا من أخطائه بعدما شاهد الأفلام الأخرى، وتعلم منها الإيجاز واختصار الحوار ليكون مكثفا دون شوشرة على الصورة التى بذل فيها مجهودا يحترم. الوليد جمال أعاد مشاهدة فيلمه بينه وبين نفسه بعد كل عرض للأفلام الأخرى ليدرس بنفسه مشاكل فيلمه ليتلافاها فى أعماله القادمة. تلقى دعوة للمشاركة بفيلمه فى وهران بالجزائر وفى مهرجان آخر بإفريقيا وهذه إحدى فوائد المهرجانات بالتشبيك والتواصل بين منظمى المهرجانات وبين صناع الأفلام. اقترب الفيلم المصري الآخر " نصبة" من الكمال، وحاز إعجاب الحضور لتعبيره عن لحظات مصرية جدا فى موقف صاغه بتمكن عن الشاب الذى حضر قبل الفجر ليشرب شايا على نصبة بالشارع، إيقاع الثورة التى تجرى على مقربة من النصبة وتفاصيل الحياة خارج الموقع الذى اختاره المخرج، وحوار الشخصيات ، رسمت صورة للقاهرة فى لحظات تبدو ساكنة ولكنها تموج بالصخب وبالتوقعات لحدوث أشياء كبيرة، أفسد الفيلم أداء الممثل القديم عبد العزيز مخيون الذى سبب لي ولعدد من الحضور لبسا حول كونه يعرف الشاب القادم لشرب الشاى أم كونه مجرد عابر سبيل . تكتمل الأعمال الفنية القصيرة التى تمتلك أسلوبا خاصا بأداء غير نمطى لممثلين لم يفسدهم الاحتراف وهو ما تحقق مع أحمد مجدى جزئيا، وما تحقق بشكل كامل مع ممثل لا أعرفه ولم يذكر اسمه فى الكتالوج . وعرفت أنه نبيل نور الدين وأنه ممثل سكندرى وناشط سياسي أخبرنى عنه الشاعر زين العابدين فؤاد الذى كان فعالا ومفيدا فى المناقشات مما جعلنى أبدل رأيا سابقا لى راودنى عن جدوى دعوة غير سينمائيين لحضور فعاليات مهرجان سينمائى، فقد وجدت حضوره والسيده زوجته جوسلين تالبت،  والأستاذ القدير حلمى شعراوى  وزوجته من أجمل ما حدث بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية وكان تفاعلهم فى النقاشات سواء فى الندوات أو فى النقاشات الجانبية  هاما وممتعا لى ولعدد كبير من الحضور خاصة شباب السينمائيين مثل السودانى مزمل والمصرى الوليد والتانزانى أميل وكان له فيلم روائي قصير يعكس كما فيلم " لحظة" عيوب العمل الأول والطموح الذى يفتقد القدرة على تحقيقه بأدواته البدائية.  يحضرنى دائما المثل الشعبى " الصغير جميل حتى فى الحمير" وأجده وصفا مناسبا للفيلم القصير الذى يمضى قبل أن يتورط صانعه في ثرثرة مملة، يمضى عادة دون أخطاء فادحة ، إلا إذا تصور صانعه أن جحشه اللطيف يمكن أن يتحول حمارا ناصحا لو امتلك إنتاجا أكبر. ولكن الحقيقة أن الفيلم القصير عمل قائم بذاته يمتلك من الجماليات وأسس البناء ما يجعلنا نشعر بالامتلاء والتشبع بحيث نضع مع المخرج نقطة النهاية قبل أن يراوغنا أحيانا بنهايات أخرى تفقده روعة السرد الذى بدأه.  " الفيلم القصير فن له طبيعته الخاصة، يشترك فى الكثير من السمات مع القصة القصيرة والصورة الفوتوغرافية " من كتاب كتابة سيناريو الأفلام القصيرة ،تأليف بات كوبر وكين دانسايجر، ترجمة أحمد يوسف. أنصح صناع الفيلم القصير فى مصر بقراءتها قبل الشروع فى إخراج فيلم قصير، وأندهش من انتشار ورش العمل والتهافت عليها باعتبارها وسيلة سريعة لتجميع بعض المعارف لعمل فيلم قصير. ولكن الأهم والمتفق عليه بين جميع آراء من لهم خبرة فى صنع الأفلام أو فى النقد هو مشاهدة الأفلام ومحاولة قراءتها واستيعابها ، تحليلها وتفكيها لدراسة عناصر تكوينها، وطرق سردها وهو ما يمكنك من صنع فيلم قصير تنافس به على الجوائز فى المهرجانات الدولية. وتوقع باسمك فى قائمة صناع الأفلام .
·       نشر بموقع زائد 18 تحرير دعاء سلطان
 

في مسابقة التسجيلى بمهرجان الأقصر الإفريقى

إيقاعات عربية وإفريقية صاخبة

فى إطار الدورة الرابعة بمخرجان الأقصر الإفريقى من 16-21مارس 2015 ، وفى قاعة المؤتمرات بالأقصر وبعروض بالتقنية الحديثة استمتعت بمتابعة عدد من أفلام تتنافس على جوائز أقنعة توت عنخ آمون البرونزية والفضية والذهبية فى مسابقة الفيلم التسجيلي الطويل، ضمت لجنة التحكيم السيدة درة بوشوشة رئيس مهرجان قرطاج العريق بتونس،  والمخرج مجدى أحمد على والكاتب مدحت العدل ومدير التصوير محمد شفيق والمخرج سيدى دياباتيه من مالى. شاهدت اللجنة الأفلام مع المشاركين بالمهرجان، وهذا الالتزام يوفر احتراما لمواعيد العرض وانتظاما لها. تشهد الأفلام الوثائقية تطورا رفيعا ومتواصلا بعدما تزايدت القنوات الإخبارية والقنوات الوثائقية المتخصصة، وأصبحت تحصل على دعم إنتاجى يوازى الدعم الذى تحصل عليه الأفلام الروائية وأكثر، من بين الأفلم التسعة التى شاركت مسابقة التسجيليى تمكنت من اللحاق ببعضها أعجبنى فيلم " أدى جاسي،طريق مدغشقر" من مدغشقر لمخرج درس علم الاجتماع فى فرنسا ثم السينما قبل أن يخرج فيلمه الأول الذى ركز فكرته على طريقة الحياة فى مدغشقر والتى يعيش سكانها على تدوير النفايات ليصنعوا أحذية من إطارات السيارات القديمة، والدواء من عظام الحيوانات والمصابيح من علب الحليب الفارغة. أظهر المخرج الجميع رجالا ونساء يتشاركون فى العمل، أسهب فى ذكر تفاصيله وركز فى النهاية على الاحتفالات والرقص حيث شاهدنا فرقا تعزف ويلتف حولها الناس وخاصة الأطفال يرقصون وكأنهم ولدوا ليرقصوا. الموسيقى والرقص ثقافة مميزة لشعوب إفريقيا ركز عليها فيلم إيقاعات الأنتونوف من جنوب السودان للمخرج حجوج كوكا الذى درس بالجامعة الأمريكية بلبنان، ثم بجامعة فى كاليفورنيا ، حاز فيلمه على القناع الذهبي من لجنة التحكيم الموقرة التى ضمت ثلاثة مصريين وتونسية، لم ينحازوا فى قراراتهم للفيلم المصرى ولا التونسي وجاءت النتائج التى توصلوا إليها مرضية للعدد القليل الذى تمكن من مشاهدة الأفلام حيث تتقاطع المسابقات والندوات بحيث يصعب اللحاق بالبرنامج وبتنويعاته المختلفة من عروض وندوات. قام حجوج كوكا بالتصوير والمونتاج ليخرج عمله الأول الذى استحق الجائزة لتدفق إيقاعه ونجاحه فى عرض مشاكل وصراعات مناطق جنوب السودان والنيل الأزرق وجبال النوبة مازجا بين المعلومة التى تشرح على لسان أصحابها وبين طقوسهم الخاصة فى الرقص والغناء. صور مثقف سودانى جالسا تحت شجرة يعبر بتحليل المثقف عن مفارقة أن يتمضن الاحتفال بالخرطوم كعاصمة للثقافة العربية فنونا إفريقية، الرجل غاضب من تجاهل الهوية الإفريقية فى السودان وككل مثقف لديه موقف ثورى يتفهم الرغبة فى النفصال ويبررها بتجاهلى خصوصة العرق الإفريقى فى منطاق السودان المختلفة، كما قدم المخرج وجهة نظر لفتاة من نوبة السودان تشرح خصوصية ثقافة النوبة وجهود المحافظة على تراثهم الغنى. فقط فى ساعة وخمس دقائق أمكنه التعبير عن كيفية تغلب مواطنيه على المشاكل واحتفاظهم بهويتهم الثقافية رغم التهجير والظروف المناخية الصعبة. الصورة بديعة والصوت فى منتهى النقاء مما يؤكد على أن المخرج أتيجت له إمكانيات إنتاجية كبيرة انعكست على المستوى الرفيع للفيلم الذى جمع بين جمال الصورة وغزارة المعلومات. وحصد "ممرات الحرية " من ناميبيا القناع البرونزى، "المعاناة مدرسة الحكمة" للمخرجة اريان استريد أتودجى من بنين .       


احتلت الموسيقى والغناء جانبا كبيرا من أفلام مسابقة التسجيلي التى شارك فيها الفيلم المصري "جاى الزمان" للمخرجة دينا محمد حمزة متناولة مشوار حياة والدها شاعر الأغانى والصحفى محمد حمزة، بحميمية ودفء عكست دينا أهمية الغناء فى حياة المصريين وتجاوزت الحدديث عن الوالد ليصبح عرا عاما لعبد الحليم حافظ وبليغ حمدى ومحطات سياسية فى حياة المصريين بين مرارة الهزيمة وحرب الاستنزاف ونصر أكتوبر. كما عكست قضايا اجتماعية كالهجرة والاضطرار للغربة التى عبر عنها محمد حمزة فى العديد من الأغانى مع نجاة وووردة وغيرهما، الوداع واللقاء ، الحب والافتراق، بين الخاص فى علاقتها بوالدهم والعام فى تاريخ مصر القريب. فى لقاءات مع التوأم دعاء والأخ الذى يظهر للمرة الأولى قدمت دينا شخصية الأب والفنان وحاولت إيجاد ب\ائل لطريقة تقديم الشخصيات فى الأفلام بالتصوير فى مواقع تناسب معانى الأغانى مثل حديقة الأزهر وشاطيء النيل. ساد الغناء على الفيلم للحظات أنستنى أنه عن الأب وبدا كفيلم عن عبد الحليم حافظ نفسه ورومانسية ارتبطت به جعلت فتاة جميلة تقدم على النتحار بعد موته، أعادت دينا تمثيل مشهد النتحار فى محاولة للتماهى بين الفتاة المنتحرة حزنا على عبد الحليم وبينها هى حزنا على وفاة والدها، ولكنها فى لقطة هامة قرب النهاية تلعب بالبالونات سائرة بخطوات مهتزة- سببها فى الحقيقة إصابة تعرضت لها- محاولة التعبير عن محبة الحياة رغم فقد الأحباب. على المستوى التقنى ظلمت دينا بصورة فيلمها بكاميرا متوسطة الجودة وبتسجيلات صوت غير جيدة مع غيلان من أفلام صورت بكاميرات عالية الجودة تعاون فيها فريق من أكبر المحترفين، كما الفيلم الفائز بالذهبية وأفلام إفريقية أخرى مدعومة إنتاجيا من جهات عدة مما جعل المستوى التقنى لها رفيعا يصعب منافسته مع أفلامنا التى مازالت تعانى معاملتها كأفلام من الدرجة الثانية وينظر لصناعها أنهم ينتظرون لحظة الترقى ليصبحوا سينمائيين من الدرجة الأولى مع فيلم روائى طويل، لللأسف. لم يخرج فيلم " جاى الزمان" خالى الوفاض اذ حصد جائزة مؤسسة الشباب المستقلين التى أعلنها فاروق عبد الخالق، كما حاز إعجاب جمهور الأقصر الذى حضر العرض الثانى للفيلم بمركز ثقافة الأقصر الذى يحتاج تجديدا لأجهزة العرض به ووجدته المكان الأنسب لعروض يلتف حولها جمهور الأقصر الذى يتواجد فى القصر لأنشطة متنوعة منها معرض الفن التشكيلي الذى أقيم على هامش المهرجان وشكلت لوحاته جوا مريحا لكل من يحضر فعاليات المهرجان. تحتاج الأقصر جهودا من أهلها وخاصة شبابها من الفتيات والفتيان لتتواصل الفعاليات الثقافية ولا تكون فقط فعالية تم استيرادها من العاصمة حيث القاهرة مركز الجمعية التى أسست المهرجان وتديره وهى مؤسسة شباب الفنانين المستقلين التى تقدم فعاليات عدة وخاصة فى الأماكن المحرومة والمهمشة. على شباب الأقصر أن يبذلوا الجهد بتنشيط المناخ الثقافى قبل التعجل فى الانضمام إلى صناع السينما، وخاصة عندما يسيئون الفهم ويتصورون أن عددا من المحاضرات فى ورشة للسينما كافية لكي تمكنهم من صنع فيلم. ولهذا أطالب بمراجعة سياسة الورش وترشيدها لكى تحقق هدف الارتقاء بالفيلم وتحقيق نماذج منه تنجح فى المنافسة فى مهرجانات عدة داخل مصر وخارجها.

نشر بموقع  زائد 18 تحرير دعاء سلطان 

مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية
حيث لا أحد يمكنه الملاحقة

مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية ، التخصص مطلوب والتركيز على سينما قارتنا هام جدا،أربع مسابقات فى عروض لأربعة أيام من يمكنه أن يتابع  كل هذا!، بدراسة البرنامج وجدت أننى سأركز على السينما القصيرة، ثم أكمل باقى العروض للروائى الطويل والتسجيلي، سأستبعد نظرية المؤامرة وأتصور أن الأمر محاولة للتجديد وإرضاء أكبر عدد من صناع الأفلام ومريديها . عن نفسي وبترشيح من أصدقاء شاهدت الفيلم  الرائع " المطلوبين 18 " المصنف فى مسابقة الحريات تحت ( فلسطين/ فرنسا/ كندا) ليس هناك أى مشاركة إفريقية به، وكذا فيلمين لم أشاهدهما ( بعد 11 سبتمبر) من كندا ، وسيدات التل (فرنسا) ، ثلاثة أفلام من 11 فيلما عن الحريات كان لابد من استبعادها من المهرجان وضم كل أفلام الحريات مع الأفلام الأخرى مع الروائى والتسجيلي وتصفية الجميع ، أفلام أقل بجودة أعلى وبمعايير واضحة أفضل من التكدس غير المنطقى والذى يهدد خصوصية المهرجان فى مقتل. 

حلم شهرزاد الفائز في أفلام الحريات
 
الفيلم الآخر الذى تمكنت من مشاهدته فيلم " حلم شهرزاد" بدعوة مشددة استجبت لها عندما وجدت أن الفيلم الذى يعرض بالتوازى معه سيعاد وسأتمكن من مشاهدته ، فيلم المخرجة دينا حمزة " جاي الزمان" ، تعرض الأفلام مرة واحدة باستثناءات قليلة وهذه أيضا إحدى المشاكل التى نتجت عن ضغط البرنامج لأربعة أيام بدلا من ستة أيام، وللرغبة فى التفاخر بعدد الدول والأفلام المشاركة. هذا الطنين فى رأسي أنسانى أن أحدثكم عن الأفلام التسجيلية الجميلة والمتنوعة التى نافست فى تأثيرها الأفلام الروائية الأكثر شعبية عند الغالبية. سأترك التساؤلات جانبا الآن وأحدثكم عن فيلم " حلم شهرزاد " للمخرج فرنسوا فيرستر من جنوب إفريقيا ، يقدم فيه المخرج فكرة الحكى بادئا من ألف ليلة وليلة المعبرة عن الثقافة العربية الإسلامية مازجا الحكاية مع سمفونية شهرزاد للمؤلف الموسيقى الروسي النابغة رمسي كورساكوف، يحضر بروفاتها فى تركيا ، وينقل بينها وبين مصر حيث ورشة حسن الجريتلى والحكاءة المعاصرة عارفه عبد الرسول، ومشاهد خاطفة من الثورة المصرية بينها أم شهيد ستتقمص عارفه دورها وتجعل الأم تتطهرمن حزنها على ابنها الشهيد الذى كان يضفى عليها البهجة فى منزلهما بالحوامدية. مدينة فى صعيد مصر القريبة من الجيزة حيث أهرامات مصر وعاصمتها القديمة منف. شملنا الفيلم بحداثته وأجبر المجموعة القليلة التى حضرته على اتباع منهج حداثى أيضا في التلقى، أن نشاهد بنصف وعى بينما نصف وعينا الآخر يحاول إيجاد الروابط بين عناصر الفيلم التى يربطها كورساكوف العظيم بسمفونيته شهرزاد. رغم إعجابي يسيطر على رغبة أن ينجح المخرج فى الخروج من دائرة مثقفى وسط البلد واللجوء للشعب ، يفعلها فى لمحات قليلة ولكنه يعود لحسن وورشته، وللفنان التشكيلى هانى الذى يرسم من وحى ألف ليلة وليلة ويصمم خلفية مشهد الحكى الذى ستعيد فيه عارفة قصة أم الشهيد ووجعها. الفيلم يعتمد بشكل كبير على المونتاج فى صياغته وأتصور أنه أخذ وقتا طويلا لكى لا يفلت منه الإيقاع، ولكى يحقق فكرته عن ثقافة الحكى الممتدة من ألف ليلة وليلة حتى حكاية الثورة والشهداء. فى الندوة سألت فرنسواز فيرستر عن العلاقة بين قائد الأوركسترا السمفونى فى تركيا وميدان تقسيم وبين مصر التى احتلت أغلب مشاهد الفيلم، قال إنه كان يريد أن يصور فى إيران ولكن تعذر ذلك وقابل من يدعوه إلى مصر والتصوير بها. تناقشنا كثيرا بعد انتهاء الندوة، ووعد بأن يحضر لي فيلمه السابق، فى حفل الختام وبعد أن تسلم جائزته كأفضل فيلم فى قسم أفلام الحريات، أعطانى اسطوانتين لفيلمين له . " منزل أمى "  (2006)  و" أيام البحر " ( 2009 ) " ونعود لفيلمه " حلم شهرزاد" فلا أجد سببا لفصله عن مسابقة الروائى والتسجيلي المنتج عام 2014 والذى لم يعرض بعد وتنوى إحدى الشركات المصرية عرضه وتوزيعه فى مصر. المخرج من جنوب إفريقيا سجل نجاحات عدة مع الفيلم التسجيلى ، يطور أسلوبه ويجرب بعين محبة للبشر من مواطنيه أو من أى مكان فى العالم. منحته لجنة تحكيم مسابقة أفلام الحريات الجائزة الذهبية  وتكونت من المنتجة ماريان خورى والسيد بيتر روفليك الذى شغل عدن مناصب فى كيب تاون وآخرها منصب الأمين العام لشبكة آرتييال  المعنية بالنمو الهيكلى للثقافة والفنون فى إفريقيا. والمخرج عبد الله ديالو من بوركينا فاسو، والكاتب سعد القرش رئيس تحرير كتاب الهلال والناقد طارق الشناوى. ولم يشاهدوا الأفلام مع الجمهور كما حدث مع لجان التحكيم الأخرى، سواء التسجيلى أو الروائى الطويل والأفلام القصيرة . ولها مقال آخر.

نشر بجريدة البوابة الأربعاء 25 مارس 2015  مدير عام التحرير عصام زكريا
---------------------

الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية

تعدد الأساليب بين تمبكتو والعداء ولومومبا 

 تمبكتو الذى يحمل رسميا اسم موريتانيا البلد العربى الإفريقى ينطبق عليه وصف السهل الممتنع، صاحبه عبد الرحمن سيساكو صاحب الثقافة الفرنسية مع هوية إسلامية إفريقية . كثير مما نشاهده فى الفيلم معلوم لدينا من شرائط الأخبار عما تفعله القاعدة فى مالى . صور سيساكو تمبكتو فى صحراء موريتانيا موطنه الأصلى وأغلب من استعان بهم فى الفيلم من هناك، منهم المخرج والممثل سالم دندو الذى قام بدور أحد حكام مالى الجدد الذين يطبقون ما يعتقدون أنه "الشريعة الإسلامية" يظهرهم الفيلم كعصابة مسلحة بعضهم من تومبكتو وبعضهم إرهابيين عرب، يحكمون العاصمة فنسمع ميكرفونات تعلن أن الغناء ممنوع، وتطالب السكان بالتزام الحجاب والقفاز. يطوفون لتطبيق أحكامهم  وهم راكبين سيارات أو موتوسيكلات، فى أحد المشاهد نشاهد سيدة تبيع السمك وترفض ارتداء القفاز ، وتجده أمرا سخيفا ، فكيف ستمسك بالأسماك الزفرة وتمارس عملها بالقفاز. تشير لهم بيديها ، هذه ذراعاى اقطعوا يدى ولن أرتدى القفاز. بعض ممن شاهدوا الفيلم فى افتتاح الدورة الرابعة لمهرجان الأقصر شعروا بأن الفيلم بهذا المشهد " فيلم تسجيلي" ... وهو وصف يطلقه البعض على  الأفلام التى لا تعجبهم. غالبا هم صحفيون وصناع دراما تعودوا على السينما السائدة بمشاهد تمثيلية زاعقة وميلودراما ومشاهد حركة. بينما يقدم سيساكو بانوراما لأكثر من قضية تفضح هيافة هذا الحكم " الإسلامى" بهدوء نشاهد القاضى يحق مع شاب :ألا تعرف أن الكرة حرام! الكره حرام، ما أسخف تحريمهم، وما أبعده عن المنطق. أفكر بينما أشاهد الفيلم فى أحدث الموبيلات فى أيديهم ، وفى أسلحة الغرب المتطورة يحملونها، وفى السيارات التى يقودها لهم أعرابى، أليس كل هذا حراما، فقط الكرة وعدم ارتداء القفاز وعدم ارتداء الحجاب هى فقط المحرمات!. أجدنى أحدث نفسي بكلمة أمى المأثورة " حُرمت عليهم عيشتهم " . وكهدية من المخرج نستمتع بمشهد لشباب بملابس رياضية يلعبون بدون كره، ويؤدون كل حركات اللعبة فقط مع موسيقى ومشهد بديع يعبر حمار فى وسط اللاعبين بينما يدور مراقبين للنظام على دراجة بخارية (ليست حراما) كى يضبطوا الكرة الحرام غير الموجودة. مشهد ثائر يغير تتابع الواقع الأليم المعروض أمامنا أبدع فى تنفيذه سيساكو ووضحت رؤيته عن الفارق بين جمال الأنشطة الإنسانية وقبح منطق المتطرفين . يعود سيساكو لاستخدام الحمار يسير فى مقدمة المراقبين وهم يبحثون فى الليل عن منزل تنبعث منه الموسيقى، واقعيا الحمار يعرف الطرق ويستخدم فى المناطق الريفية كما يقول الفلاح المصرى" الحمار عارف سكته"  ولكن المخرج يستخدمه ليدل على معنى أنهم مجموعة من المتخلفين يقودهم حمار.
 التأثير الفرنسي واضح فى إيقاع المخرج الذى يفرضه على الجميع، فيبتعد أداؤهم التمثيلى عن أداء "كفار قريش" الذى اعتدنا على مشاهدته فى مسلسلات " دينية" فى التلفزيونات العربية. تأثير فرنسا واضح أيضا فى رسم الشخصيات بحيث تبدو لنا بشرا بهم جوانب إنسانية طبيعية متنوعة. فمنهم من نصدق أنه يصدق ما يقوله معتقدا بأنه يطبق شرع الله، وآخر كاذب يتخذ من الإسلام حجة لكى يصبح زعيما ويستولى على خيرات البلاد، وهو الشخص المهووس بالجنس والمرأة فيطلب منها أن تغطى شعرها – وكانت تغسله بمساعدة ابنتها- فترد عليه ولم لا تشيح أنت بوجههك. لا تنظر إلى، لى رجل مسئول عنى وهو الذى يطلب منى ما يرده فأطيعه. هذه المرأوة وزوجها المحب نموذج جميل لأسرة متحابة يعزف الرجل وتدندن المرأة معه ، تقدم له الشاى وتلعب ابنتهما مع راعى الأبقار. طبيعة البلاد الصحراوية ظاهرة فى الفيلم فهذه الأسرة تعيش فى خيمة منعزلة عن حوارى البلدة التى يعيش فيها آخرون. وكأنه أراد بهذه العزلة أن يركز على نموذج مختلف لا يعيش منصاعا لحكم هؤلاء الإرهابيين. لم يوافق إيقاع الفيلم غالبية الحضور وكان فيلم " رن/ العداء" الأقرب لمزاج من تعود على عرض الأزمنة القوية فى حياة الأفراد، وإغفال الأزمنة التى تعكس إيقاع الحياة اليومية كما نجدها فى الأفلام الفرنسية وفى أفلام سينما المؤلف المبتعدة عادة عن سخونة السينما السائدة الأمريكية أو المصرية. فى مسابقة الروائى الطويل شارك فيلم "رن العداء " وقد شارك قبلا مسابقة "نظرة ما" بمهرجان كان الأخير يروى قصة انتقام شاب إفريقي من رئيس وزراء بعد التحرير استغل شباب البلد وحسهم الوطنى للسيطرة عليهم ومعاملتهم كالعبيد. مثل هذه الأفكار تجد دعما من دوائر غربية تعمل على تشوية صورة الثوار ومن قاوموا المستعمر الغربى وإلقاء اللوم عليهم فى ما تعانيه أفريقيا من مجاعات وانقسام. وهى نفس وجهة النظر فى فيلم "لومومبا " شاهدته  بمهرجان الأقصر خارج المسابقة ، لومومبا من إنتاج فرنسا ورغم تقنياته العالية إلا أنه يقدم وجهة نظر فرنسية استعمارية أظهرت أن الانشقاق الداخلى بين الإثيوبيين هو السبب فى انهيار حلمهم الديمقراطى، وأغفلت دور مصر وجمال عبد الناصر والسيد محمد فائق فى مساندة أسرة لومومبا حيث نجحت جهودهم فى إنقاذ زوجته وطفلته واحتضانهما بالقاهرة بعد الانقلاب على لومومبا المدعوم من أمريكا باستغلال طموح جنرال منافس للثائر الكبير بياتريس لومومبا. انضم المثقف المصرى وخبير الشئون الإفريقة حلمى شعرواى فى نقاش حماسي، وشرح وجهة نظره موضحا تزييف الفيلم للحقائق التاريخية، واستمع إليه باحترام عدد كبيرممن حضروا العرض من المصريين والضيوف الأفارقة.
تعددت الأساليب الفنية فى الأفلام التى تتناول الشأن الإفريقى وتختلف بين كونها تعبر عن وجهة نظر وطنية لصانعها المحلى، وبين الأفلام التى تصور حكايات وأحداث إفريقية منتجة عالميا أو تشارك  فى إنتاجها عدة دول فتتغير توجهاتها وأساليبها الفنية حسب جهات تمويلها. وهو ما يتضح جليا بين تمبكتو بوجهة نظرمخرجه الموريتانى مستفيدا من لغة السينما الفرنسية، وبين العداء بإنتاجه الضخم وأسلوبه القريب من السينما الأمريكية، ولومومبا حيث تم صياغة التاريخ ليخدم وجهة نظر أسيادنا المستعمرين البيض الذى يتهموننا بأننا وحدنا سبب كل مشاكلنا
* نشر بموقع +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الأربعاء 8 ابريل 2015

 
الأقصر للسينما الإفريقية والحفاظ على الهوية  

 مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية  يعتبر المهرجان النوعى الوحيد فى مصر والذى أرجو أن يحافظ على تميزه وسط مهرجانات دولية كما القاهرة والإسماعيلية، وألا يلحق مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط الذى لم يعد كذلك. فى الدورة الرابعة أضيفت مسابقة سميت بأفلام الحريات، شاركت فيها أفلام غير افريقية منها فلسطينى كندى، وهولندى .. وأرى ضرورة إلغاء هذا القسم المستحدث وضم الأفلام حسب نوعياتها إلى الأقسام الروائية الطويلة والتسجيلية الطويلة ثم القصيرة دون تفريق بين الروائى والتسجيلي بها بعد أن لاحظنا قلة عدد التسجيلي مقارنة بالروائى وتداخل النوعين فى عدد لا بأس به من الأفلام. ولابد من تخصيص عروض لجمهور الأقصر يراعى فيها ترجمة الأفلام إلى اللغة العربية ، على أن تكون العروض بقصر ثقافة الأقصر لتنشيطه بعد تطوير أجهزة العرض به، ومسئولية هذا التنشيط مشتركة بين المهرجان ومحافظة الأقصر.
الأقصر الإفريقي يكاد يكون الوحيد الذى ينظمه سينمائيون من صناع السينما وليس من النقاد وهذا أيضا ملمح آخر من ملامح تميزه وخاصة مع الورش المقامة ضمن فعالياته، وهذه الورش تحتاج دعما أكبر من نقابة السينما كمؤسسة على ألا تتضمن بالضرورة إنتاجات بأفلام لا يوجد وقت كاف لتنفيذها فتكون دون المستوى . أمر آخر أرى ضرورة مراجعة تقليل دعوة الصحفيين والنقاد بحجة عدم انتظامهم فى حضور عروض الأفلام وخاصة أن عددا من الضيوف من صناع الأفلام لم ينتظموا فى الحضور أيضا. العقاب الجماعى لا يصح ووجدته ضارا بالمهرجان إذ يقلل من حجم المتابعات المصاحبة له والتى عن طريقها يتعرف المهتمين بالمهرجان وفعالياته ، صحيح أن وجود عدد من أصحاب الثقافات العامة يثرى المهرجان ولكن لا يجب أن يكون وجودهم سببا لعدم دعوة الصحفيين ونقاد السينما المتخصصين إلى الحضور . يقام المهرجان بدعم من وزارات عدة من أموال الشعب المصرى، وحضوره حق للسينمائيين صناعا وصحفيين، ويجب أن يعى الجميع هذا فلا يشعر القائمين عليه بأنهم يمنون على أحد، ولا يشعر الضيوف بالحاجة إلى المهادنة حتى تتم دعوتهم لاحقا،  فأى تظاهرة ثقافية لاتكتمل إلا بمشاركين  يحضرون ندواته وعروضه ويكملون صورته. مهرجان الأقصر  للسينما الإفريقية  يؤدى دورا هاما يتخطى فن السينما إلى توطيد علاقة مصر مع البلدان الإفريقية ولهذا فإنه من الضرورى المحافظة على هويته ولابد من تحديد اختصاصات إدارته، ولابد من العمل على تجاوز مشكلته الكبرى المتمثلة فى انصراف جمهور البلد الذى يحمل اسمه ، لابد من الابتعاد عن الشخصنة والاهتمام بنوعية الأفلام المشاركة لا بكمها، لابد من احترام كونه مهرجانا للسينما وليس فرصة لعروض مسرحية وغنائية كان وجودها مزاحما للأفلام ، يجب أن يقتصر وجود الفعاليات الجانبية على حفل واحد يقام بالتعاون مع أجهزة المحافظة  ومع المؤسسات خاصة وعامة لانتقاء فقرات من التراث والتعاون في جذب جمهور الأقصر ليكون جزءا من المهرجان دون الحاجة إلى دفعه إلى المشاركة بتقديم خدمات شكلية كورشة سريعة لصنع الأفلام لا يكفى الوقت لجديتها.ومن الغريب عدم الاستعانة بكلية للفنون الجميلة الموجودة بالأقصرللتعاون  والمشاركة . يجب أيضا ترشيد استخدام وسائل الانتقال فلا يتحرك أتوبيس كبير يسع خمسين شخصا لينقل خمسة أفراد. يجب العمل على تحسين الوجبات المقدمة ولو بالاكتفاء بوجبتين بدلا من ثلاثة مع مراعاة أن يكون هناك وقت كاف لتناولها دون أن نضطر لفقدان فيلم أو فعالية هامة. لابد من مراجعة البرنامج الذى كان مزدحما بحيث لا يمكن لأحد أن يلاحقه ، وتقليل عدد الأفلام والحرص على عرض أفلام الأقسام الرئيسية مرتين بحيث يتمكن الحضور من اللحاق بفيلم فاتهم . فاتنى أن أذكر أن حسن الإدارة تتمثل فى تجاوز المشاكل العارضة مثل ما حدث مع المركز الصحفى حيث توقفت الرسائل اليومية التى كانت هامة لتغطية الفعاليات ولم يحصل المشاركين على مواد صحفية عن الأفلام إلا بجهودهم الخاصة، وعن طريق تشبيك العلاقات مع صناع الأفلام. ملاحظتى الأخيرة خاصة بالمطبوعات التى نفذ بعضها على عجل وكانت من ملامح تميز المهرجان فى دوراته السابقة، والإيجابية تمثلت فى كتب مترجمة من وإلى الفرنسية دعمت التواصل وحققت الغرض منها.
نشر بجريدة الجمهورية الأربعاء 8 أبريل 2015 صفحة السينما إشراف حسام حافظ

فى العمل الأخير للمخرجة نبيهة لطفى


شادى عبد السلام حيا وميتا
حين كنت طالبة مازلت بالمعهد العالى للسينما ، كنا نحج إلى مركز الفيلم التجريبى حيث السيد المهيب شادى عبد السلام. يطلق قفشاته سخرية من السينما المصرية السائدة ومنا نحن تلاميذ السينما المحبين له ولفلاحه الفصيح ولعمله الطويل الأوحد " يوم أن تحصى السنين" المومياء . ذات مرة كانت نبيهة لطفى حاضرة وظل يتبادل معها القفشات وكانت قد ساعدت فى إخراج فيلم فى السينما المصرية وشاركت رفيق الصبان فى كتابته. نبيهة وشادى بمحبة وصداقة اندمجا فى الدعابة غير شاعرين بنا. صورة نبيهة لطفى مع شادى ظلت فى ذاكرتى ترسم ملمحا أساسيا لها ، نبيهة لطفى التى لا تعمل إلا فى جو من الحميمية والمحبة ، حين اشتد التعب بشادى ودخل مراحل مرضه الأخير كانت تلازمه كفرد من العائلة ، تصحبها نادية لطفى التى قدمها شادى فى دور قصير مؤثر فى المومياء. حلمت نبيهة دوما بتقديم فيلم عن شادى وظل حلمها يراودها وننتظره نحن أن يتحقق . ولسنوات ثلاث خططت وصورت وجمعت مواد وتحدثت عن الفيلم أكثر مما عملت عليه.
عالم شادى غير المكتمل


يتعاقب على المركز القومى للسينما الرؤساء وتتبدل الظروف، تسافر نبيهة وتنشغل بأمور أخرى، والأهم أن صلاح مرعى رفيق المشوار قد رحل أيضا، وكان وجوده فى فيلم نبيهة وبجوارها عاملا هاما لإتمام الفيلم، تتعاون نبيهة  لطفى مع رحمة منتصر واحدة من فريق شادى فى مونتاج الفيلم وتصور مع أنسي أبو سيف توأم صلاح مرعى وزميله فى تنفيذ العمل الكبير " أخناتون " ذلك العمل المجهض والذى لم يكتمل لشادى عبد السلام. كتب السيناريو تفصيلا ورسم الاسكتشات التحضيرية بكل تفاصيلها .
فى فيلم نبيهة لطفى يحكى لنا أنسي أبو سيف تفصيلا عن الفيلم وقصة إنتاجه بادئا باستعراض أوراق تآكلت وهى تنتظر فرصة التنفيذ، يحفظ أنسي السيناريو عن ظهر قلب ، يشرح ونشاهد خلفه حوائط رسمت وتيجان نحتت وتفاصيل للفيلم الذى يكمل فيه شادى عبد السلام رؤيته عن مصر القديمة وعظمتها. يحكى فنان المناظر أنسي أبو سيف بأسى وينتهي إلى هزيمة أخناتون وديانته الجديدة وتولى القائد الحربي حور محب حكم البلاد بدعم من كهنة آمون. ولا ينهى شادى فيلمه قبل أن يركز على فلاح يزرع أرضه وتتحرك الكاميرا ليملأ قرص الشمس، آتون رب اخناتون شاشة النهاية. يفتح باب وتظهر وراءه نماذج منفذة لتخطيطات شادى عبد السلام لفيلم اخناتون يشرح مهندس الديكور محمود مبروك عن الإجادة التامة لشادى وعن رؤيته التى لا يملك أحد تغييرها، تصوير محسن أحمد للمشهد وسيطرة اللون الذهبى على الصورة والكاميرا تستعرض ما تم تنفيذه، صورة مبهرة تنقل إلينا الأسى لعدم تنفيذ عمل شادى الكبير " اخناتون" وينتهى كلام مبروك أنه يجب أن تعرض هذه النماذج فى معرض دائم، وأنه لا أحد يمكنه أن ينفذ رؤية شادى مهما كان السيناريو الذى تركه مفصلا ومهما كانت درجة اقتراب أى فرد منه، إنه عالم شادى عبد السلام غير المكتمل والذى ينبغى أن يبقى هكذا بغير اكتمال لنظل نبحث عن أسباب عدم إنتاج الفيلم فى عصر الرئيس المؤمن أنور السادات ومن تلاه الرئيس المخلوع حسنى مبارك،  ونتذكر فقط أنه فى عهد جمال عبد الناصر وثروت عكاشة أمكن لشادى أن يحقق فيلمه " يوم أن تحصى السنين" الذى ينتقد فيه عيشنا على نهب تراث الأجداد عبر السؤال " هل هذا عيشنا!" الذى يستنكر فيه الوريث طريقة عيش أبيه وأعمامه.
تنتصر نبيهة لرأى محمود مبروك وتصلنا رسالتها واضحة بلا لبس، كفاكم عبثا بتراث شادى واتركوه هكذا بغير اكتمال، علنا نسعى لتغيير المناخ الذى يحيط بالمبدعين الحقيقين ويصيبهم بحسرة تسلمهم للاكتئاب والمرض ثم الموت قبل أن يحققوا أحلامهم. بمجرد ظهور أنسي أبو سيف ومن بعده محمود مبروك أشعر أن هذا هو شادى عبد السلام حيا خالدا مازال يعيش بيننا بعمله وإبداعه.
بينما مضى الجزء الأول من الفيلم معبرا عن شادى عبد السلام الذى مات، من خلال ما ترويه أخته مهيبة التى لم تأخذ من الأخ سوى إيقاعه الهاديء، تحكى وهى جالسة على كرسي ذكرياتها مع الأخ وعلاقة والده ووالدته به، تحكى عن الراحل شادى عبد السلام الذى مات .  عالم شادى عبد السلام العمل الأخير لنبيهة لطفى يعكس انقساما حادا بين شادى عبد السلام الميت وعلينا أن نأسى له. وشادى عبد السلام الحي الخالد كما عكسه لنا حديث أنسي أبو سيف ، ومحمود مبروك اللذان نفذا تصميمات شادى باحترام تام وبإدراك أنها رؤيته المتفردة التى لا يضاهيه فيها أحد.
عرض الفيلم الثلاثاء 31 مارس 2015 عرضا أول بقاعة ثروت عكاشة فى حضور مخرجته وصاحبة الرؤية له نبيهة لطفى، وفريق عمل الفيلم مدير التصوير محسن أحمد، المونتيرة رحمة منتصر، ومؤلف الموسيقى خالد شكرى، ومهندس الصوت جميل عزيز، وبالطبع رئيس المركز القومى للسينما د. وليد سيف وعدد كبير من أصدقاء زملاء المخرجة الكبيرة صاحبة الرؤية والمقلة فى عملها، حضر على الغزولى وهاشم النحاس ، فريال كامل ، وجمال قاسم، وأحمد فؤاد درويش الذى قدم رؤيته النقدية عن الفيلم وذكر بأنه وجده فيلمان وليس فيلما واحدا واتفق معه عدد من الحضور من النقاد ، واتفق الجميع على أهمية الفيلم والاستفادة منه وعلى سعادتنا بإنجاز نبيهة لطفى لفيلمها الحلم عن شادى عبد السلام.
* نشر المقال بجريدة البوابة مع صور أخرى أكثر شيوعا واختصار لبضع سطور من آخر المقال، وهنا على مدونتى الخاصة بصوره الأصلية ونهايته كما كتبتها ...صفاء الليثي 

Thursday 2 April 2015

عن أهل نيبال ونسائها النشيطات

قابلت بشرا سعداء  
تجربة رائعة وعظيمة مررت بها لمدة خمسة عشر يوما فى جمهورية نيبال التى يعيش أهلها على ممرات وسفوح الجبال،  متنقلة بين العاصمة كاتمندو وبين محافظة رولبا التى تقع إلى الغرب من العاصمة حيث ريف يعيش سكانه على الزراعة والرعى فى قرى ومدن جبلية صغيرة.

يستيقظ أهل نيبال وخاصة الريفيين منهم فى السابعة ليبدأوا يومهم فى الثامنة صباحا، كنت أنتظر الدراجة البخارية التى تقلنى من النزل الصغير، المريح والنظيف والمطل على طبيعة خلابة حيث الجبال العالية والخضرة والمدرسة وعدد من المنازل على الأرض المنبسطة فى حضن الجبال . تحت النزل دكان بقالة تديره امرأة شابة مبتسمة دوما، تضحك لى وتسعد حين أبادرها بكلمة نامستى التى تعنى مرحبا، ودكان آخر سمكرى للدراجات البخارية، الوسيلة الأكثر انتشارا والتى تناسب طرق البلدة التى تقع غرب عاصمة جمهورية نيبال والتى تقودها بعض الفتيات أيضا فى العاصمة. كاتماندو عاصمة نيبال قليل فقط من طرقها مرصوف بعناية والأغلب طرق ترابية غير مرصوفة وكأنك فى ريف، عرفت أن الأمطار الغزيرة فى شهور الصيف تدمر كل محاولات الإصلاح التى تابعت بعضها هنا فى محافظة رولبا أو فى العاصمة. يصل أحد المشاركين بورشة السينما الجديدة بالموتوسيكل فهو من أهل مدينة ليبان التى تقام فيها الورشة، المشاركون الآخرون يصلون سيرا لمقر المركز القريب من الساحة الرئيسية لها، ولى ولزميلى خبير التصوير الهندى دراجة بخارية للانتقالات . أثناء الطريق كانت الآية القرآنية " ولا تعرف نفس بأى أرض تموت" فالطرق شديدة الانحناء ، جبل صخرى على جانب وهوة لا يقل عمقها عن ثلاثمائة متر على الجانب الآخر. أطفال المدارس يسيرون مجموعات دون مصاحبة الأمهات، يقشعر بدنى من تصور انزلاق أحدهم فى الهوة السحيقة، ولكنهم وكأنهم ولدوا هكذا على الحافة لا يسقطون ولا يشعرون بأنهم فى خطر. أفكر أليست هذه الجبال معرضة لسقوط بعض الأحجار منها، وخاصة أنها مكونة من صخور صلدة تتخللها كتل طينية تنمو فيها بعض الأشجار، سأعرف أثناء الانتظار فى المطار للعودة من ناشط فرنسي فى حقوق الإنسان أن مثل هذه الحوادث تحدث، وأن جبلا انهار على مدرسة للأطفال بكاملها، منظمات الإغاثة والمساعدات الدولية متواجدة بكثرة فى نيبال وخاصة فى ريفها، قسوة الطبيعة هى العدو الأول، بالإضافة إلى بطء التمدين إذ يبدو أهل البلاد راضون بأحوالهم ، غير عابئين بما يمكن أن تخبئهم لهم الأقدار، ألمح بعض الحوائط من شبكات خرسانية تقيمها الحكومة لكى تسند أحجار الجبل وتمنعه من الانهيار.  قبل قدومى كنت أعرف أن نيبال بلد فقير ولكنى لم ألمح طفلا حافيا، أو شخصا بملابس ممزقة، العناية بالملابس أمر ملحوظ وخاصة بين النساء اللاتى ترتدين ملابس تشبه زيا موحدا بنطلون متسع يضيق عن القدم، وفوقه مايشبه الجلباب بلونين متناغمين، السائد اللون الأحمر مع الأخضر، أو لون البنفسج مع الأصفر، ألوان مبهجة وزى موحد يختلف عن السارى الهندى فى طريقة تصميمه، أما الريفيات والعاملات حاملات الحطب المنحنيات صعودا على الطرق الجبلية الوعرة، فترتدين قماشا يلفنه كما جونلات كانت منتشرة بيننا يوما ، بتصميمات رائعة من قماش قطنى خفيف فى الصيف وآخر ثقيل للشتاء. هذا الزى رقصت به فتيات المدارس اللاتى احتفلن بنا فى الختام، بعد أن بدلن زى المدرسة الأنيق والعصرى والذى يشبه ما ترتديه فتياتنا وشبابنا فى المدارس. هنا ستجد التمدين والعراقة متوازيان معا، الشعور مسدلة أو مرفوعة دون تقصيرها، تجلس الفتيات المنتظرات الزواج أمام مداخل البيوت تصففن شعورهن وتدعكنه بالزيوت، صاحبة البقالة صديقتى تشير بيدها على شعرى القصير المتعب وعلى الزيت، تريد أن تخبرنى أن قليلا منه قد يصلح شعرى . أبتسم لها وأقول أننى ديدى وهى كلمة تعلمتها وتعنى الأخت الكبرى، أما هى فتسمى ماينى الأخت الصغرى. لا تكف النساء عن العمل دونما معاناة بل وهن مبتسمات تتشمسن فى شمس فبراير الذى يصل إلى درجة مرتفعة من الحرارة أحيانا جعلت السيدة التى تدير النُزل تخلع القميص الصيفى وتبقى بجلباب منزلى عارى الأكمام وتغطى رأسها لتحميه من الشمس، كنت أتابعها وأنا أنتظر وصول الزملاء لتناول الغداء الذى يتم فى الظهيرة ، فى الثانية عشرة حسب تقاليدهم. فى اليوم التالى أشرت إليها أننى أرغب فى تصويرها، استئذنت زوجها ووافق وهو يبتسم لى. صورتها وخلفها الجبال، شيتا أم لصبيين، بوجهها المغولى المميز، وهم نصف سكان نيبال المختلطى الأعراق فمنهم المغولى والآرى، ومن أهل التبت.


المرأة شريك حقيقيى للرجل فى العمل ، تمتلك حريتها وتتصرف بتلقائية، أتحدث عن الريفيات فما بالك بفتيات المدينة، متحررات ترتدين الملابس الأوربية وترفضن بدلة الأمهات التقليدية والشال الملقى للزينة دون رغبة فى تغطية شعورهن أو الكتفين، ما يحرصن على تغطيته هو الصدر والردفين، احتشام بلا مبالغة، وأنوثة بلا تفريط.  وتبقى نسبة المتعلمات بين النساء أقل، فمن بين 52 متدربا فى الورشة كانت هناك ثلاثة فتيات فقط، اثنتان منهن صديقات لى  هن جيتا وبيميلا والثالثة ممثلة ومثلها الأعلى السينما الهندية لم يتسن لى الاقتراب منها ولا معرفة اسمها للأسف. فى المحاضرات النظرية كانت جيتا وبيميلا نشيطات وتوجهان لى الأسئلة وتبدوان شغوفات بالمعرفة، وحين توجهنا للتصوير وانقسمنا إلى مجموعات كانت جيتا فى المجموعة التى أشرفت عليها، فى السابعة والعشرين من عمرها غير مرتبطة بعد، وتكتب تحقيقات صحفية فى الصحف النيبالية. فى القرية التى اختارها لنا منسق الورشة ومديرها المخرج كيبي باتاك وهو رئيس نقابة كل العاملين فى السينما بنيبال، فى قرية ماديشور، ركزت جيتا على إجراء حوار مع فتيات من القرية تعملن على ماكينات لغزل الكتان وتحويله إلى خيوط، كانت الفتيات جالسات بماكينتهن فى الطبيعة، وجيتا تجرى الحوار بينما أتأمل أنا عجوز محنى الظهر جالس لمراقبتهن، سأعرف أن المسن " لالبادور بودا" 80 سنة وأن الإشراف على الفتيات جزء من عمله اليومى مضافا إلى عمله الأصلى فى توزيع مياه النهر على المناطق المزروعة. يعيش فى كوخ خشبى مع زوجته التى تصغره بسبع سنوات، تعرفا أثناء حفل تبادلا فيه الغناء، الزوجة تحيينا بضم يديها أمام صدرها، نامستى، ثم تقول ويترجم لى مادهاف وهو السكرتير العام لنقابة السينمائيين وأحد أعضاء فريق التصوير بالقرية هنا  تقول أشبورا العجوز :" من يعرف من يموت منا أولا"،  نطلب منهما الغناء فتبدأ هى وتزجره حين يطغى صوته على صوتها ويضحكان، يوجد مرحاض منفصل عن الكوخ، وهو منتشر فى المناطق الريفية بعد أن كان وجوده نادرا وتدخلت جمعيات حقوق الإنسان الغربية لتشجيع القرويين على استخدامه حرصا على الصحة. بمجرد وصولنا القرية، كنت ألتقط صورا لكل التفاصيل التى لا يلحظها سوى الغريب، كان مجموعة من شباب القرية يمارسون لعبة ما، ويقف معهم شاب بزى رسمى، سألت عنه وتبينت أنه من الشرطة، وفكرت فى وضع الشرطة فى مصر التى تحولت إلى أعداء لباقى طوائف الشعب .


الاستقبال دائما بأكاليل الزهور وختم الجبهة بهذه البودرة الحمراء، وتحية الضيف ليس بفنجان القهوة ولا بإطعامه، بل بباقات الزهور وبالرقص والغناء. كان علينا الذهاب إلى موقع آخر به شجرة ضخمة ، تقدم إليها القرابين كإله من عصور سحيقة،شجرة يعتقد الأهالى فى قدسيتها وتتجمع حولها فرق للرقص، لهم قائد ومسئول سياسي يتميز عنهم بالنظارة وبياض البشرة ، قدموا رقصات مشتركة للرجال والنساء معا، ثم رقصتين منفصلتين للرجال  بملابس كرنفالية سوداء فى طقوس بالعصا كما لو كانت رقصة حرب، وأخرى للنساء  بملابس زاهية الألوان ، وتاج من ريش الطاووس على رؤوسهن، غنت النساء غناء كما النحيب دون مصاحبة الموسيقى. حول حلقة الرقص تجمع تقريبا كل سكان القرية مستمتعين بالمشاهدة وكأنهم فرغوا من أعمالهم خصيصا لمتابعة الحفل الذى أقيم للاحتفال  بفريق الفيلم القادم من ورشة العمل المقامة بمدينة رولبا،  تأتى بعض السيارات تحمل أحجارا ومواد للبناء فتنتظر قليلا ثم تصر على العبور قاطعة تسلسل الراقصين والراقصات. أمام الشجرة المقدسة دكان بقالة تديرة امرأة شابة تصلح نموذجا لفيلم خاص عن نيبال، سيدة تبدو لى كالغجر بملابس صيفية وعينين نجلاويين. كنت وصلت على الدراجة البخارية قبل باقى المجموعة التى لحقتنى سيرا وهم ينهجون ويتنفسون بصعوبة فالطرق صاعدة على الجبال بشكل حلزونى، ولا أعرف من أين تأتي القوة للقرويات حاملات العشب على ظهورهن، وكيف يتمكن هؤلاء المسنون من الصعود والهبوط رغم ضعف وجبتهم من الأرز والخضر المسلوقة، أو قد تكون  لياقتهم هذه بسبب هذا الطعام الصحى والخفيف الذى لا نتناوله فى بلادنا إلا عند المرض. وبسبب التعود على مثل هذه الظروف منذ الصغر. تسهم المرأة فى اقتصاديات البلاد، ليس فقط فى الأعمال التقليدية كرعاية الطيور والحيوانات ، بل فى أعمال الزراعة الشاقة، كحرث الأرض ، كما أن هناك فنانات تلقائات قابلت أثناء زيارتى للمعبد عددا منهم  ترسمن على الأحجار لصنع حلى يقبل عليها السياح، تجيد الواحدة منهن  التحدث ببضع كلمات للغة الإنجليزية للفصال أثناء البيع. 


رغم تقديس المرأة للحياة الزوجية إلا أنه ليس مجتمعا ذكوريا تعانى فيه المرأة من سيطرة الرجال، بل على العكس وكما شرح لى المخرج الهندى شيكر داس زميل الورشة أن ثقافتهم فيها الإلهة الأم هى الأهم والأقوى وبالتالى فالأم هى ربة البيت وصاحبة السطوة فى الأسرة. فى حفل الختام كانت حاملة العلم فتاة، وفى الرقصات كانوا يؤدون نفس الحركات لا فرق بين البنات والصبيان إلا فى الزى، رأس الرجل مغطى بعمة ملونة بألوان مبهجة، والفتيات حاسرات الرأس مزينات الصدر بعقود ملونة. فى أحد المرات تصادف بالمركز تجمع للحزب الرئيس بالبلاد حيث كانت تجرى انتخابات وتبادلت معى سيدات من الحزب الحديث وسألتنى إحداهن عن زوجى وأسرتى، وأجبتهم بالطبع لى أسرة، لدى ابنان بلغا مبلغ الرجال وفتاة شابة ، وهكذا مهما بلغت النساء من حرية، ومن لعب دور فى الحياة العامة يبقى لديهن الإحساس بأن وجودها مرتبط بوجود الرجل فى حياتها وبدونه ينقصها الشيء الكثير. كان بيننا مترجم من النيبالية إلى الإنجليزية، وقد وجدته محرجا لنقل الأسئلة ولكننى شجعته على نقلها بأمانة، وتذكرت أننى مع كل أسفارى أواجه سؤالا كهذا سواء من أخوات دينهن الإسلام وثقافتهن تعلى من الذكر على الأنثى، أو من الرفيقات ماويات أو أوربيات تتساوى فيه المرأة مع الرجل فى الحقوق والواجبات، ويبقى داخلهن هذا الإحساس بالاندهاش من التحرك بمفردى دون مصاحبة أحد من الرجال، أبا أو أخا زوجا أو صديقا أو حتى ابنا. الرفيقات سألننى هل لك صديق، وقبل أن أضطر إلى الإجابة جاءنى سؤال عن الأسرة واحتميت بأمومتى لثلاثة أبناء وجدتنى أستمد منهم عونا ومساندة على وضعى كسيدة وحيدة تتحرك بين جمع من الرجال الغرباء. الشباب منهم لقبونى ماما والأكبر قليلا كنت لهم ديدى، الأخت الكبرى.
وهكذا فى مصر أو إيران، فى إيطاليا أو نيبال وجدتنى أتسلح بأمومتى وأحتمى بها من عالم ما زالت فيه المرأة فى نظر مثيلتها المرأة ضعيفة تحتاج رجلا يرافقها فى حياتها مهما بلغت من العلم أو الخبرة، ولم يكن هذا ما وجدته من الشباب وفتيات الورشة الدولية للسينما الجديدة، بل كان احترامهم وتقديرهم يحوطنى ويصلنى عبر ندائهم على بالكلمة المحببة " صفا مام ".
نشر بمجلة الهلال عدد ابريل 2015          رئيس التحرير: سعد القرش
صور مرتبطة بالموضوع

1- وخلفى العاملات تنسجن الخيوط وتجرى معهن جيتا حديثا صحفيا
  2- شيتا مديرة النزل والطاهية
3-    صاحبة المقهى عند الشجرة
4 - رائدات رفيات