Tuesday 12 July 2011

ذكريات مع السينما 2



رحلتى من المونتاج إلى النقد السينمائى


جاءنى اتصال من أنطوانيت عازرية السورية زميلة الدفعة بوجودها مع فيلم "ليالى ابن آوى" بمهرجان القاهرة، لست متأكدة من التاريخ هل كان 1989 أم 1990، ما أذكره جيدا أنه كانت قد مرت 17 عاما بين آخر لقاء لى مع أنطوانيت قبل تخرجنا بعام واحد، تواصل الحديث بيننا وكأننا كنا معا طوال هذه السنوات. كنت فى نهاية مرحلة عملى كمساعد فى المونتاج - يطلق عليه عندنا مونتير مساعد – كان التعليق الأول شكلك ما اتغيرش، زدت كام كيلو، وكانت عينا أنطوانيت النجلاوتان تبرقان بنفس الحماسة وكنت أنا اتهديت، مجهدة برعاية ثلاثة أبناء مع العمل فى المونتاج. سرنا فى الطريق إلى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر حيث كان يقام المهرجان وقتها، كانت المرة الأولى لى بعد انقطاع أن أحضر عرضا يجمعنى مع الزملاء، تقابلنا مع إيناس الدغيدى زميلة الدفعة التى شرخت مع السينما كمخرجة تملأ أخبارها الدنيا، إيناس تسير ببنطلون استريتش - وكان موضة انتشرت فى نهاية الثمانينيات- وبلوفر به فرو، مع زوجها والممثلة رغدة، كانت أنطوانيت قد قابلت إيناس فى أكثر من مناسبة بدمشق، وفى الطريق للحاق بالفيلم تبادلتا الدعابات، وأنا هادئة أشعر بالغربة، فى نهاية الفيلم انحنت إيناس– هى فارعة الطول وأنا قصيرة القامة- لتقول لى تعليقا على الفيلم "لذيذ"، كمن يتحدث عن عمل عليها مجاملته، عمل بدائى، ظلت كلمتها فى رأسى، أندهش من اتفاقى معها فعندى مشكلة مع السينما السورية والميل للرمز، المؤثرات كانت مخلقة فى الاستديو وليس بها حيوية شريط الصوت فى أفلامنا المصرية، كنت وقتها أقوم بعمل المونتير المساعد فى فيلم "كابوريا" حيث أقوم بتركيب شرائط الصوت بما أمدنى به خيرى بشارة، بخبرته مع الأفلام التسجيلية كانت اللكمات حقيقية وليست تلك الزائفة المستخدمة عادة فى السينما السائدة، والأغانى وكل تفاصيل الصوت مجهزة بعناية، وما علىّ سوى تركيبها، مونتاج الصوت كان جزءا من مهام مساعد المونتير، وهو عمل أعتز به كثيرا لم يلتفت إليه فى مصر، وأصبح الآن من مهام من يسمى مصمم الصوت. أعود لإيناس بداخلى ابتسامة، معها حق، ألم تقدم أربعة أفلام حتى الآن؟!  إيناس واثقة جدا من نفسها ولكنها بسيطة ولا تهتم برأى الآخرين بها ولا بتجاهلهم، وهو ما أفعله عادة معها، فعندى مشكلة فى عدم القدرة على التعامل مع المخالفين لى فى الرأى، الأمر مختلف مع أنطوانيت، نتفاهم حتى بدون كلام رغم عدم إعجابى بأغلب الأفلام السورية، أفضل فيلم نبيل المالح "كومبارس" عن أفلام عظمائهم مثل محمد ملص وأسامة محمد.
عادت إلى الحيوية تدريجيا مع عروض المهرجان، وعاد إلى الهوس بالسينما، فى العام التالى انتظمت مع نادية شكرى فى الذهاب، كنا نتقابل أمام مجمع المونتاج، تنتظرنى على السلم وتقول للزملاء – رايحين نتثقف- كنت كأهل الكهف لا أفهم ما تقصده، بالنسبة للبعض أفلام مهرجان القاهرة غير مراقبة، يعنى فيها مناظر. كان هذا أبعد ما يكون عن تفكيرى، مرة كنا نحضر عرضا بسينما التحرير بالدقى، وكنت أقوم بترجمة سريعة للفيلم لنادية شكرى، وكانت معنا أيضا عنايات السايس المونتيرة العصامية وكانت صديقة لنادية، قلت لهما هناك كلمة تتكرر كثيرا لا أعرفها، غمزتنى نادية وقالت أنا هقولك عليها، كانت المرة الأولى التى أسمع  فيها كلمة "
Fuck"  تتكرر فى حوار بالأفلام. وهكذا كنت أذهب مع نادية بسيارتها الصفراء الصغيرة، ثم نصعد سيرا على الأقدام تلا مرتفعا للوصول لقاعات العرض. تتألم نادية فقد أصابها مرض الروماتويد اللعين الذى يصيب المفاصل، كان لمهرجان القاهرة مذاق مختلف فى منفاه هذا بمدينة نصر بعيدا عن قلب العاصمة، وتم نقله لمنطقة الأوبرا بعد احتجاج الصحفيين لبعده عن صحفهم. لم نتفارق أنا ونادية وبعد كل فيلم كانت ناقدتان شهيرتان تسألاننا عن رأينا فأنبرى بصبيانية بالتعبير بحماسة عن رأى، مرة أخرى تقرصنى نادية شكرى، هذه المرة لتطلب منى أن أوجز فى رأى لأنهم يأخذون ما نقوله ويقولونه فى التلفزيون باعتباره رأيهما. صناع السينما لديهم ثقة أنهم يستوعبون الأفلام أفضل من الصحفيين ومن كثير من النقاد. خبرتنا فى تركيب الأفلام تجعلنا قادرين على تفكيكه ومن ثم تحليله وتقديم رؤية نقدية عنه. لم أكف عن النقد الشفاهى للأفلام، قالت لى وفاء حلمى- كاتبة بالعربى الناصرى- "انت لازم تكتبى، انت بتعرفى تعبرى عن رأيك".  متابعة مهرجان القاهرة كان متعة كبيرة لى، عدد من الأفلام يظل باقيا فى رأسى وكأنه حياة عشتها فعلا وليس صورا خيالية على شاشة الخيالة. من هذه الأفلام الفيلم المكسيكى" مثل الماء للشوكولاته"،  
أذكر أننى كنت فى صف وراء أمير العمرى وعرب لطفى، عرب كانت تنتقد حديثى بصوت مرتفع فى الفواصل بين الأفلام، ونحن ننتظر بدأ العرض كان العمرى يدلى برأيه فى أمر ما بصوت سمعه كل من حوله، قلت لعرب لست وحدى صاحبة الصوت المرتفع، لقد سمعت حديثكما كله.
 كنت أعرف أمير العمرى عن بعد وأجده نجما فى النقد وأسمع عن دوره فى نادى سينما الجامعة، كنا طلاب الأكاديمية فى منطقة الهرم البعيدة عن قلب المدن الجامعية نحسد زملاءنا المتواجدين فى قلب الأحداث السياسية لطلاب الجامعات وقتها، وننظر إليهم كما ننظر إلى المناضلين الذين شاهدناهم فى أفلام أوربية، ولهذا شعرت بالراحة أن يكون لهذا المناضل نفس عيبى الكبير، الصراحة المطلقة والتعبير بصوت مرتفع.
بجوارى أنا ونادية شكرى محمد خان والكاتبة سلوى نعيمى السورية التى تعيش فى باريس وتزور القاهرة دائما فى هذا الوقت نهاية نوفمبر وديسمبر، هل معك لبان؟، نتبادل اللبان والبسكوت لأننا نحتاج طاقة صغيرة لمواصلة المتابعة لثلاثة أو أربعة أفلام كل يوم، الأمر مجهد ومكلف ولكنه أيضا ممتع جدا، التواجد فى المهرجان ليس فقط لمتابعة عروض، إنها كرنفالات وموالد لا تقل بهجة عن الموالد الدينية التى حضرتها ببلدتى فى المنوفية.
من التركيب إلى التفكيك
لم أكن أعرف سهام عبد السلام جيدا، وذات مرة عبرت فى ندوة حول فيلم جزائرى عن رأيى، وقامت سهام وقالت أعجبتنى قراءة صفاء للفيلم ولكنى عندى قراءة أخرى، أعجبنى تعبيرها ولم أنسه يوما، الفيلم ككتاب يُقرأ لمرة واحدة متصلة، كل منا يقرأه ويفسره على هواه، تفسيراتى تجنح إلى كثير من الشطحات، البعض يعجب بها وتستفز البعض الآخر، المخرج مجدى أحمد على قال لى مرة بغضب "انت بتشوفى على كيفك" وقبل أن أرد انبرت سهام عبد السلام وفريدة مرعى مدافعات "أمال تشوف على كيفك انت". كانت فريدة قد انضمت إلى الصديقات المتابعات لأنشطة المهرجان، فى الحقيقة أنا التى انضممت إليهما، فقد كانت سهام وفريدة تتعاونان فى العمل بالمهرجانات، تشاركتا معا فى مهرجان الإسماعيلية فى دورته الثانية  على ما أظن،  وكنت وقتها أقوم بعمل مونتاج فيلمى الأول " الحجر الداير" وعدت إلى التركيب وركنت التفكيك (النقد) جانبا، حتى عاد لى بقوة مع أزمة فيلم "هيستريا" عام 1998.

ملاحظة مجدى التى ذكرتها ليس هذا زمنها، وقد قيلت لى فى وقت لاحق بعدما كتبت سلسلة مقالات فى "الفن السابع" تحت عنوان "جماليات السينما التسجيلية" عام 1999، الذاكرة فى دماغى لا تعمل طبقا للتواريخ، تتداعى لى الأفكار ويقوم العقل بتقديمها وتأخيرها طبقا للمزاج، أفهم جيدا طريقة السرد التى لاتتبع خطا زمنيا وأتوحد معه، وأطلب من القاريء أن يتفهم تداعياتى، وأن يتابعنى بينما أتنقل بين السرد بأسلوب المتكلم، وبين الحكى وأطلب من السيد رئيس التحرير عدم التدخل، وليتركنى لمسئوليتى أمام قرائى، فإما أن ينصرفوا عنى، أو يتابعونى ويسبحوا مع تداعى أفكارى متفهمين حريتى فى القفز فوق محطات الذاكرة. كان أول مقالاتى كناقدة هو:
" المونتير ليس حاويا ، والمونتاج يبدأ من السيناريو".
فى مقر جمعية السينمائيات بالدقى جمعتنى مع هالة خليل مناقشة حول اتهام المنتجة ناهد فريد شوقى المونتاج بإفساد فيلم " هيستريا " العمل الأول لعادل أديب ومونتاج منى ربيع، قيل إنها أتت إلى مجمع المونتاج وقالت إنها ستقبل عتباته وتعتذر من شيوخ المونتيرين الذين تركتهم -استجابة لرغبة المخرج- وتركت الموفيولا ليتم مونتاج الفيلم على أجهزة المونتاج الحديثة، كان كريم جمال الدين قد أسس شركته "الإكسير" وأحضر أجهزة مونتاج غير خطى- غير ميكانيكى- فى فيلا أنيقة بطراز حسن فتحى المعمارى وعين بها خريجى المعهد العالى للسينما للعمل بالطرق الحديثة فى المونتاج. كانت هذه الثورة التقنية تقابل بالرفض الشرس من المونتيرين التقليديين، وخاصة أن أغلبهم اكتسب خبرته دون دراسة، كان صعبا على المونتيرة الكبيرة رشيدة عبد السلام أن تترك "المافيولا" كما كانت تنطقها شوشو، لتعمل على هذا المونيتور الذى بالكاد يشبه تلفزيونا 16 بوصة. وكانت آرائهم كومنتيرين كبار أن عدم نجاح الفيلم –تجاريا- سببه المونتاج والعيال وأجهزتهم الحديثة. وقد أخذتنى حماسة الدفاع عن فن المونتاج ورفض القول بأنه أفسد الفيلم. وحين عبرت عن رأيى لهالة خليل- وكانت قدمت فيلمها القصير الناجح " طيرى يا طيارة " فقالت اكتبى ده، وبعدما كتبت قامت هى بعمل المونتاج على ماكتبته، حيث أشارت على الفقرة الثانية وطلبت منى أن أضعها فى مقدمة المقال. باقتراح من سيد سعيد سلمت المقال لمجلة الفن السابع، كان أسامة عبد الفتاح مدير التحرير وقتها وكنت قد نشرت مقالا سابقا فى مجلة سطور. كانت أزمة فيلم "هيستريا" محتدة ووجدته إدارة التحرير مقالا مناسبا وصفه الكردوسى على طريقة " شهد شاهد من أهلها"، كنت معجبة بالفيلم فعلا وبغناء أحمد زكى الذى يشبه ما يقوم به مطربو ثورة 25 يناير الآن، غناء بصوت مجروح به شجن . يحكى هيستريا عن أحمد زكى مطرب مترو الأنفاق  الذى يكافح من أجل مكان تحت الشمس وجده النقاد واحد من أفضل أفلام عام 1998. فاز الفيلم الذى أخرجه عادل أديب بجائزة أفضل فيلم وأفضل اخراج فى المهرجان القومى الرابع للسينما المصرية فى نفس العام الذى فاز فيها فيلم المصير ليوسف شاهين بالجائزة الثانية.نتائج القومى أعطتنى الثقة فى حكمى على الأفلام رغم كراهيتى لوصف الناقد بأنه قاضى للفن.
 وانفتحت رغبتى فى التعبير بادئة بعدة مقالات عن المونتاج حتى طلب منى الكردوسى التوسع وكتابة مقالات أطول ، فأعددت دراسة عن نيازى مصطفى وفيلمه " رصيف نمرة خمسة" فى العدد الخاص بالرواد.
كنت فى هذه الفترة على علاقة وطيدة بالمخرجة هالة خليل، تربطنى بها صداقة حقيقية، على ما يبدو أن انقطاعى عن الحياة العامة وتفرغى بالمنزل لرعاية الأولاد لعدة سنوات جعلنى أتواصل روحيا وفكريا مع جيل التسعينيات، وأتحرك كأننى واحدة من جيلهم. بل كانت خبرتهم العملية وذكاؤهم الاجتماعى يفوقنى. ذات مرة كنت معها بمبنى جريدة الأهرام، أسامة عبد الفتاح و سعد القرش يتعاركان حول من منهما اكتشفنى كناقدة، هالة لاحظت نظرتى الفرحة بهذه المعركة، أسعد جدا إذا أعجب أحد بما أكتبه، رغبتى أن أكون " الكاتبة " تفوق كافة رغباتى السابقة، عالمة الذرة مستقبلا، أو المونتيرة، أو ربة البيت. ذكرت مرة للمخرجة هالة لطفى- وهى أيضا صديقة- أننى أشعر بأنوثتى إذا أثنى أحدهم على ما أكتب، ضحكت هالة ساخرة، ضحكت وكأنها تدرك هذا جيدا. الكاتبة صفاء الليثى كان رغبة حققتها لا لكسب العيش ولكن لأشعر أننى أعيش. توالت مقالاتى حتى كلفت بالإشراف على باب مخصص للسينما التسجيلية، بالنقاش مع محمود الكردوسى رئيس تحرير الفن السابع ومع الأديب أحمد غريب- وكان يعمل معه وقتها- فضلنا أن يجمع الباب كل أنواع السينما غير الروائية الطويلة، وأسمينا الباب " السينما الأخرى". كان الباب ناجحا، نافذة لكل أعمال الشباب ليس من مصر فقط، ولكن ككل المجلات المتخصصة أغلقت الفن السابع، بعد العدد 45 ، ووجدتنى أبحث عن مكان أمارس فيه الحياة التى أحبها، أكتب عن السينما ،مهرجاناتها وأفلامها والحياة الواسعة التى تمنحها لنا.
" المتعة عالمية والبؤس عربى"
فى أخبار الأدب نشرت مقالا عن مشاهدات فى مهرجان القاهرة عام 2001 ، كان المقال بعنوان" المتعة عالمية والبؤس عربى، كان فيلم مالينا قد أصابنا بسحره، بينما فيلم سورى للمخرج غسان شميط بعنوان الطحين الأسود يفرض كآبته علينا، فكان المقال عن ترحيبى بجمال الفن ورقيه لصاحب سينما باراديزو جوسيبى تورناتورى، وقبح الادعاء فى الفيلم العربى. بعد فترة قابلت الطبيب الناقد د. أحمد عبد الله وأخبرنى أن مقالى دفعه للبحث عن فيلم "مالينا" ومشاهدته وكذا قال لى الناقد محمود عبد الرحيم، سعادتى لاتوصف وتذكرت تعريف سهام عبد السلام بالنقد: "تجربة إبداعية عاشها الناقد ويريد أن يشرك آخرين فيها"، هل ما أكتبه نقد حقا، المهم بالنسبة لى أن يُُقرأ وأن نتواصل معه رفضا أو قبولا. وهو ما يحدث دائما من التواصل عبر الكتابة حتى من أشخاص لم نلتق بهم أبدا. الناقد الكبير فاروق عبد القادر قال لى مرة، القارئ موجود لا تعرفين أبدا أين هو، موجود فى مكان ما ويصله ما تكتبينه بنفس الروح الذى يكتب به العمل، قلقى من اختلاط الأنواع الأدبية فيما أكتب أحيانا سألت عنه الناقد الكبير ابراهيم فتحى، فقال لم يعد هناك حد فاصل بين المقال والقصة القصيرة، كلها نصوص لا مشكلة فى اختلاطها، المهم أن يتواصل معها القارئ. بعض الكتاب يقرأ وفى ذهنه هذا القارئ وكثيرا ما يكتب الناقد أحمد يوسف فى مقاله مخاطبا قارئه،.. ستلاحظ عزيزى القارئ.. وهكذا يدرك الكاتب أنه لا قيمه لما يكتب دون وجود هذا المتلقى الذى لا يعرفه وإن كان يشعر بوجوده.
أنطوانيت عازريه
 أعود لأنطوانيت التى وجدت مناخا لتميزها فى سوريا فور تخرجها معنا من المعهد العالى للسينما دفعة 1975 محققة المرتبة الأولى علينا، كنا أربعة فقط فى القسم وكنت الأولى على القسم والدفعة فى السنة الثالثة التى قمنا فيها بالثورة على الأساتذة والمناهج، بادئين برفض الانتظام فى محاضرات الفنان التشكيلى يوسف فرنسيس وكنا نجده غير كفء، كانت عميدة الأكاديمية الكاتبة التقدمية لطيفة الزيات، والأديب يوسف السباعى وزيرا للثقافة، وقد تقابلنا معهما نحن المحتجين من المعهد أتزعمهم وأنطوانيت فى الصف الأول من المسيرة، تحدثت أنطوانيت بلكنتها المحببة وكانت نوعا خاصا من الفصحى قاطعها يوسف السباعى انت منين قالت من حلب، قال وأنا بقول العيون الحلوة دى منين، ضحكنا جميعا وتفرقت المظاهرة على وعد بالاستجابة لمطالبنا، وفعلا ألغيت مادة لا أذكر اسمها الآن، كل ما أذكره أن يوسف فرنسيس قد خرج باكيا، وكنا كوحوش صغار تأخذنا الحماسة فى هذه الفترة ونحن نقاوم السادات وسياساته، لم تكن مجموعة "دكاترة موسكو" قد وصلت المعهد بعد تخرجنا مباشرة قبل أن يتولوا مسئولية المعهد الذى تحول إلى مستشفى كما يحب الطلاب بعدنا تسميته، بعد امتلائه بحاملى شهادات الدكتوراة ممن يفتقد أغلبهم الخبرة العملية والموهبة، وإن كانوا يحملون شهادات نظرية. عملت أنطوانيت مع دكاترة موسكو السوريين، وطبقا لموقع المؤسسة العامة للسينما السورية فهى من مواليد حلب 1948، درست في المعهد العالي للسينما في القاهرة وتخرجت من قسم المونتاج سنة 1976 بعد أن قدمت ثلاثة أفلام عملية كمشاريع تخرج، وفاز فيلمها "حكاية ما جرى في مدينة نعم" الذي أخرجه المخرج محمد كامل القليوبي بجائزة مونتاج وإخراج بمهرجان السينما التسجيلية.
أول الأفلام التي عملت فيها بعد عودتها إلى سورية كان فيلم (الدجاج) للمخرج عمر إميرلاي، وفي عام 1977تم تعيينها في المؤسسة العامة للسينما ولا تزال تعمل فيها، قامت بمونتاج عدد كبير من الأفلام السورية الهامة منها: نجوم النهار لأسامة محمد، ليالي ابن أوى لعبد اللطيف عبد الحميد، الطحالب لريمون بطرس، اللجاة لرياض شيا وغيرها، وقد نالت جائزتي مونتاج عن فيلم نجوم النهار في مهرجان قرطاج السينمائي وعن فيلم اللجاة في مهرجان الإسكندرية كرمها مهرجان دمشق السينمائي عام 1995 عن مجمل أعمالها.
وعدت للالتقاء بها عام 2006 حين شاركت بفيلمها القصير"أبيض" بمهرجان الإسماعيلية، لم أعجب بالفيلم نهائيا، وسألت أنطوانيت زميلنا سيد: "صفاء تقول رأيها عن كل الأفلام فلماذا سكتت عن فيلمى؟". أسكت دائما عندما لا أتواصل مغ فيلم ما، وأثق بأننى لا أمتلك الصواب فى رأيى، فقراءة الأفلام تظل شأنا خاصا بكل متلقى، لم تكن لدينا مادة علمية فى النقد السينمائى، كانت هناك مادة التذوق السينمائى للدكتور رفيق الصبان، كانت أقرب إلى التحليل، تدريجيا أصبحت أقوم بتفكيك الأفلام بعد أن أمضيت عمرا فى تركيبها، ومن التركيب إلى التفكيك قطعت شوطا كبيرا يجعلنى أشعر بمتعة لا تقل عن متعة بناء الفيلم فى المونتاج.