Thursday 23 March 2017

قراءة لفيلم باب الوداع



سكون الفوتوغرافيا فى فيلم سينمائى

 صورتان فوتوغرافيتان تصنعان فيلما 
دون معرفة مسبقة سواء بإجراء حوار مع المخرج أو بالقراءة عن الفيلم أتصور أن المخرج المؤلف انطلق من صورتين فوتوغرافيتين واحدة لجدة وأم وطفل، والثانية صورة مقربة للجدة وهى شابة حيث تظهر عينانها الملونتان بوضوح. الصورة الأولى لأجيال ثلاثة تثير الفضول لمعرفة قصتهم، من هم وما هى حكايتهم. ما الذكريات التى تثيرها الصورة الفوتوغرافية التى ثبتت لحظة زمنية ستبقى خالدة تتعدد قراءتها من كافة الأطراف المشاركين بها ومن الناظرين إليها أيضا دون سابق معرفة. كل يستقبلها بحالة شعورية تتركها فى نفسه بين الحنين والفضول، مع ذاكرة باقية أو تلاشت واختفت تنعشها الصورة وتحضرها من الماضى. الغريب سيتساءل من هم وفى أى عام صورت؟ . يقوم الواحد منا بلمس الصور  القديمة ومسح التراب عنها ويسرح . هذا ما فعله كريم حنفى، قام بعمل مسح للصورة، اقترب منها بحركة كاميرا متأملة تظهر بدرجة من الاصفرار كالذى يحدث للصور مع الزمن، أزاله وأظهرها لنا بدرجات الأبيض والأسود، متدرجا فى بعضها حتى يصل إلى لون باهت يشتد كلما قويت الذاكرة. يحكى المخرج قصة الصورة ويفند شخوصها. الجدة وكأنها تحكى نفسها، الصبى وحكايات لا يعرفها غيره، الأم وحيدة، أين الرجل، الزوج ، الحبيب، لا يوجد فى حكايتنا سوى جدة وأم وصبى أحيانا يكون شابا. هذا القبر، قبر من، الأب الذى لم يظهر نهائيا، أم قبر الأم هلى ستسبق أمها الجدة إلى الرحيل، هل هذا قبر الشاب الذى كان صبيا يخاف دميته. من الذى مات؟ وهل هناك أهمية لمعرفة تفاصيل الحكاية؟. هل ماتوا جميعا والصورة تحكيهم الثلاثة. الصورة الأخرى للجدة شابة جميلة وسط الشموع، مرثية للجمال الذى تعبر عنه الصورة، هل ماتت شابة؟ وما هذا الفستان الأبيض؟ طقس مسيحى للدفن بأجمل الملابس مع ترتيل القرآن، مسلمة أم مسيحية التفاصيل لا تهم، الابنة أيضا تائهة فى المدافن بفستان العرس. طيف يلاحقنى لمشاهد من " الأبدية ويوم" لثيو أنجلوبولوس مع اختلاف فى مفردات الثقافة، شكل المقابر ، الكتابات العربية، مقام الشيخ وتلاوة القرآن.

هل طارد كابوس مخرجنا فنقله إلينا عبر فيلمه الخالى من الحوار، فقط تعليق من الصبى شابا يذكرنى بمومياء شادى عبد السلام، ليس نقلا إلى فيلمه الساكنة شخوصه فى تناغم مع حركة تتهادى معها كاميرا زكى عارف ناقلة إيقاع الحلم . وكل هذا الحنين لموتيفات الماضى راديو قديم، لمبة جاز، مفارش يدوية الصنع  وكنبة استانبولى. الكادر المنمق المتسق مع ثبات طباع كبار السن قام بتنسيقه المخرج بنفسه، غالبا ذاكرته احتفظت بترتيب الأشياء هكذا واختار أن يجلبها من الذاكرة ويوثقها على شريطه الخام. مرة أخرى صورة فوتوغرافية تصلح لبطاقة شخصية أو لأوراق رسمية تركها بالعيب الذى تركه الزمن، كان من الممكن أن يقوم بإجراء رتوش عليها وتجميلها ولكنه اختار الاحتفاظ بفعل الزمن عليها. ساعة واحدة عرض فيها حكاية الصورتين وثلاث دقائق للعناوين التى تسرد فريق عمل الفيلم. ساعة مضت دون حوار لتعبر عن لمحات من زمن ثلاثة من الناس يتملكهم الحزن المشوب بشجن دعمته المختارت الصوتية من الغناء الرفيع ومن التلاوة القرآنية لمدرسة التلاوة المصرية التى لا تضاهى.
 ذاكرة الصورة   
لقطة طويلة واحدة تصور الكاميرا فيها سيدة وطفل من الخلف حتى يصلان إلى مقبرة بنهاية المدافن.
عن بعد تظهر فتاة ينظر اليها الطفل فيطمئن. تضع السيدة التى تبدو مسنة نوعا الزهور على القبر قطع على الفتاة وكأنها تراقب ما يحدث. والانتقالات بين اللقطة العامة والمتوسطة، لا توجد لقطات قريبة حتى الآن.
قطع بالموسيقى للحن مميز للمستمع العربى السيدة بحجرتها ويستمر الغناء مستعرضا السيدة وامرأة شابة هنا يمكن استنتاج أننا نحكى عن جدة وسيدة شابة وطفل فى كادرات تنحو نحوالثبات تلعب الإضاءة مع التكوين دورا ملحوظا فى السرد. ( يا حبيبى الحقنى شوف اللى جرالى ) .
وحدتان مشهديتان خارجية فى المدافن وداخلية فى المنزل ، نتعرف منهما على الجدة (أمال الزهيرى) والابنة (سلوى خطاب ) الابن (..طفلا ، أحمد مجدى شابا) .  
الطفل عائد بحقيبة مدرسة يأخذ دمية من حجرته ويخفيها فى دولاب بالحائط، قطع على الطفل فى مرحلة الشباب ينظر من خلف الزجاج  ويكتب العنوان على الشاشة " باب الوداع" .
الابنة تصفف شعرها أمام المرآة ثم تقصه ( مشهد رديء التنفيذ لأنها تقص شعرا مستعارا واضح جدا ) فعل يتكرر كثيرا فى الأفلام يعبر عن ترمل المرأة أو بقائها وحيدة فى حياة تعيسة بدون رجل. يسمع صوت ارتطام فتنهض من سريرها فزعة، الصوت ينقلنا فى الزمن دون سلاسة بل باختزال مقصود.
الجدة جالسة على الكنبة الاستانبولى تعد القهوة بالسبرتاية ( موقد به فتيل يشتعل بنوع من الكحول الرخيص) وراديو قديم، مفرش من الكروشيه، صناعة يدوية لم يكن يخلو منها بيت مصرى. الخلفية الصوتية للمشهد على تلاوة قرآنية خارجة من الراديو، يربط الصوت مع شاب بجوار النافذة. عودة للجدة تعد عروس الرقية، بدون الصوت المصاحب الذى يتكرر فى أفلامنا القديمة، يفصلنى المشهد وأفكر فى هذه المثقفة التى تمارس طقسا شعبيا. لماذا شعرت أنها سيدة مثقفة واندهشت من طقس الرقية الصادر منها، ليس فقط لأن الممثلة التى اختارها كريم لأداء الدور مثقفة معروفة لى، بل لصمتها المريب وهدوءها، اللذان يكسران نمطية نموذج المرأة المصرية التى تجلس على كنبة بلدى وتعد القهوة لنفسها وتسمع راديو.

بحركة كاميرا نصل إلى سلوى تبكى ومنها على لوحة مكتوبة بالخط العربى الجميل، الشاب خلف النافذة والمطر بالخارج.الغناء يربط عناصر الصورة والوقت نهار. تفكيك الصورة إلى عناصرها فى مشاهد أقرب إلى حالة السكون، وكل فى حالة من التوحد وكأن الصورة التى جمعتهم لحظة وحيدة لم تتكرر.
ثم يأتى الليل .. الجدة وألبوم الصور. هذا هو لب الموضوع، ذاكرة الصور، والتقليب فى الألبوم، حركة الكاميرا الهادئة تسمح بأن تلتقط العين تكوينا ثابتا .. دوما .. بدلة العرس للعريس وفستان الزفاف الأبيض، لمذا تخرجهما الآن، تعلق البدلة على الشماعة وتملس عليها بحنو، تعلق الفستان خلف البدلة، تضاد الأبيض والأسود يلفت الانتباه، أشعر بأن ما تفعله طقس ليلى متكرر حيث لم يجد جديد، ونسمع (أعطر قلبى..) غناء له طابع صوفى شديد القدم من اسطوانة مشروخة، المرأة تتزين وترتدى حليها، وقد كشفت خزائنها، المشهد يتلون كاشفا عن عالمها الوحيد المختزل فى الكنبة وما خلفها. الغناء يستمر على الابنة تمشط شعر أمها، تصبغه. قطع على الصورة الفوتوغرافية ودمعة التقطها المصور وثبت الصورة، دمعة أضافها المخرج بإحساسه فقط فالصورة الأصلية عصية على الدمع. ومن الصورة الثابتة حيث أشعر أنه طقس الموت بشكل مختلف. فيما يبدو أنه مشهد الفيلم الفائق - الماستر سين- عند ق 33، قرآن مع طقوس دفن مسيحية فى حالة تخص المخرج ونسمع تعليق الشاب - هل هو المخرج نفسه- ( ابن أمى ابن خوف أمى ابن حزن أمى ) ثم مشهد الابنة أمام المرآة. الطفل يرفع الغطاء عنه شابا نائما كميت ثم اختفاء تدريجى للصورة. ومن تنويعات على الصورة الفوتوغرافية، نعم ماتت الجدة يقينا، ها هو فنجانها مقلوبا، والزمن وصل إلى 42 ق. مسح على آية قرأنية .. ألتفت الى لمبة الجازوأتساءل ما الذى تفعله هنا. الابنة بفستان الفرح، هل ماتت هى الأخرى 45 ق والمشهد يستعرض المنزل الجميل بطرازه الأوربى.
مشهد لسلوى خطاب – الابنة- فى القبور، نعيق غراب وما يثيره من ارتباط تراثى بالموت. تقابل الملاك الحارس والصورة نهارية يغلب عليها درجات اللون الأخضر. وصلنا إلى  ق 50.
مشهد فى المقابر حيث نسوة فى زيارة للقبور، عناصر مرتبة من الصور الفتوغرافية والشموع وبقايا أثر لحياة، مشهد يذكرنى بالتعبير عن مأساة ضرب مدرسة بحر البقر من فيلم المخرج محمد راضى العمر لحظة. ليست هناك قطيعة مع الماضى. والدلالات تكاد تكون تقليدية صوتا وصورة. مرت على بأفلام سابقة مصرية وأجنبية.
أغلب الانتقالات عبر الاختفاء التدريجى أو باستمرار الصوت الذى يربط بين عدة مشاهد فى حالة شعورية واحدة. وعودة إلى التعليق عند ق 55، والدنيا تلونت، المخرج ومصوره يلعبان بعناصر الصورة، استخدام الديكور وأبوابه ونوافذه لتنويع مصادر الضوء والجمع بين زمنين فى لقطة واحدة ، مطاردة بين الطفل الذى يظهر للشاب كالنداهة ويدعوه لتتبعه. حيث الخروج للنهار واهداء مكتوب إلى حزن أمى وتنزل العناوين.
مونتاج أمير أحمد وعلاء الكاشف ، تصوير زكى عارف .
تبقى الصورة أهم ما يميز " باب الوداع " صورة أنارها زكى عارف وتلاعب فى المونتاج مع المونتيرين أمير وعلاء ليحقق التنوع اللونى الذى يتغير من الأبيض والأسود إلى السيبيا إلى الألوان. جائزة أفضل تصوير حصل عليها الفيلم الذى اهتم فيه مخرجه بالصورة وغناها على حساب الدراما التى بدت فقيرة تدور حول فكرة الموت، حتما سيأتى آخذا معه حياة لم نلمسها إلا من خلال آثارها الباقية.
لم يكن الاحتفاء بالفوتوغرافيا فى الفيلم فقط بسبب وجود ألبوم الصور مع الجدة بل بتفضيل جماليات السكون فى فيلم اعتمد الثبات مما يذكرنى بمقولة للمخرج وودى آلان : " أنا برغم كونى مخرج سينمائى لا أحرك الكاميرا دون سبب ليقال عنى أنى مخرج موفى بكتشرز".   
ما يقال عن فن السينما يقال مثله عن الفوتوغرافيا، السينما فن وتجارة وصناعة، و الفوتوغرافيا فن وعلم . فن الصورة يعتمد بشكل أساسى على عنصرى التكوين والإضاءة، مع السينما يضاف عنصر الحركة فى الكادر(الميزانسين) إلى العنصرين السابقين. فى الصورة الثابتة هناك ايقاع داخلى يشكله درجات الظل والنور فيها، بينما يبرز إيقاع الصورة السينمائية من حركة عناصرها داخل الكادر ومن زمن عرضها الذى يحدده المخرج ومساعديه. بينما يكون من يشاهد صورة ثابتة حرا فى التفاعل مع إيقاع الصورة ويختلف عندها من مشاهد إلى آخر. بينما تتلاحق الصور فى الفيلم السينمائى لتشكل إيقاعا عاما تكون درجة إحساس المشاهدين به أكثر تقاربا من مثيله فى الصورة الثابتة. الفيلم السينمائى مركب من الصورة والصوت على عكس الصورة الفوتوغرافية الصامتة تماما فلا كلام ولا موسيقى ولا مؤثر صوتى. يلجأ بعض الفنانين التشكيليين إلى إذاعة موسيقى مع لوحاته التشكيلية ودافعه مساعدة المتلقى على استقبال العمل ولكننى أجدها حيلة  لا يلجأ إليها إلا الضعفاء غير الواثقين من قوة وسيطهم الفنى. الصورة الفوتوغرافية واللوحة التشكيلية فنا صامتا ولكن سكونه قد يخلق ضجيجا من المشاعر يفوق ضجيج شريط الصوت المضاف للسينما.
هل الفوتوغرافيا فن؟
يسمى تاركوفسكى العظيم الفيلم بأنه نحت فى الزمن،والتعريف الشائع للسينما بأنها الفن السابع لا يشكك أحد أبدا فى أن الفيلم السينمائى عمل فنى، بينما السؤال مازال مطروحا هل الفوتوغرافيا فن؟ وأكثر ما يشكك فى الأمر سهولة استنساخ أصل الصورة لأعداد هائلة من المرات ويصبح لدينا نسخا لا نهائية من العمل _ الصورة الفوتوغرافية- خلاف للوحة رسمها فنان بالفرشة والألوان. ولكن ألا تستنسخ المنحوتات وتظل النسخ حاملة صفات وجمال العمل الأصلى؟ وقبل أن نتوه أليس الفيلم السينمائى عملا ابداعيا يمكن طباعة آلاف النسخ منه وتبقى قيمته كالأصل تماما . إذن لننحى جانبا فرضية أن الفن نسخة وحيدة غير قابلة للتكرار أو الاستنساخ، وقبل أن نصل إلى إجابة السؤال علينا قبلا أن نعرف ما هو الفن؟
 كتب تولستوي فى كتابه (ما هو الفن؟). أوضح فيه أن الفن ينبغي أن يُوجِّه الناس أخلاقيًا، وأن يعمل على تحسين أوضاعهم، ولابد أن يكون الفن بسيطًا يخاطب عامة الناس. بالطبع هذا اختصار قد يكون مخلا بما عبر عنه فى كتابه الذى يسرد نظريات علم الجمال قبل أن ينتهى إلى تعريفه للفن. الفن يعكس الجمال، هدف الفن هو الجمال ، وهو وسيلة تواصل ضرورية بين الناس لصالح تطور الإنسانية نحو الأفضل. الفن وسيلة توحد الناس فى أحاسيس واحدة. بهذا التعريف البسيط يرفض تولستوى دعاوى الفن للفن، وكذا فن النخبة، ويرى الفن الحقيقى قادرا على الوصول إلى أبسط الناس ثقافة.
صفاء الليثى
نشر بالعدد التاسع من مجلة الفيلم ديسمبر 2016 سامح سامي وحسن شعراوي
.


Tuesday 21 March 2017

بين علي معزة وابراهيم المصري و زولوجي الروسي



الواقع الذي تجاوز الخيال

في إطار مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوربية استمتعت بمجموعة أفلام المسابقة الطويلة المشاركة كلها إذ تمكن المخرج والناقد أحمد حسونة المدير الفني للمهرجان من اختيار أفلام جيدة جدا فى مجملها ساعده على ذلك عدم التقيد بشروط تكبل اختيارات الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله لمهرجان القاهرة حيث تشترط لائحته ألا يكون الفيلم المشارك بالمسابقة قد شارك أحد المهرجانات الكبرى الخمسة عشر في الاتحاد الدولي للمهرجانات، وباعتبار القاهرة مهرجانا دوليا كبيرا فلا يمكن أن يقبل ضمن مسابقته فيلما عرض بمنطقة الشرق الأوسط أو بأي من مهرجاناتها كدبي ومراكش، كما يشترط ألا يكون قد عرض تجاريا بمصر . وكلها شروط تحرر منها المهرجان الوليد بشرم الشيخ فكانت أفلام مسابقته قوية ومتنوعة. 
علي معزة وابراهيم فيلم عصي على التصنيف 
منها الفيلم المصري " علي معزة وابراهيم " وهو فيلم عصي على التصنيف تزامن عرضه تجاريا مع عرضه بالمهرجان. يبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي لضابط بوليس يقبض على سائقي ميكروباس متهالك مما تعج بهم القاهرة للاشتباه في استخدام دبدوب الفلانتين في تهريب المخدرات ،لا يلتفت الضابط وقوة أمنه إلى حادث اختطاف أنثى في سيارة متهالكة أيضا ولا إلى صراخها ويصر على تمزيق الدبدوب الذي يتبين في النهاية براءته من التهريب. الدبدوب هدية من علي إلى خطيبته ندى ،المعزة ، وسنعرف قرب نهاية الفيلم سبب تعلقه بها بديلا عن خطيبته التي سقطت في النيل بينما يبثها غرامه على الكوبري الذي فتح فجأة، وبعد رحلة طريق في أنحاء المحروسة مع ابراهيم الذي يسمع أصواتا، واختفاء ندى المتكررر ثم عودتها، تظهر ندى في منام أهل الحي. يقدم لنا السيناريست أحمد عامر والمخرج شريف البنداري مشهدا يذكرني بروح ثورة 25 يناير حيث يقام تمثال للمعزة ندى ويكتب على الحو ائط نداءات ..عودي يا ندى.
بين المشهد الواقعي اليومي والعبثي أيضا، وبين مشهد رومانسي ثوري يقع الفيلم الطويل الأول للمخرج شريف البنداري، يستسهل الواحد منا فيسميه فانتازيا وهو توصيف متعسف أجده عجزا منا نحن نقاد السينما عن تصنيف عمل لا يقدم الواقعية التقليدية ولا الرومانسية الغنائية ولا أفلام الأكشن الجادة أوالكوميدية فنقول فانتزيا، من الفانتزاي بمعنى الخيال. وهل العمل الفني أمر آخر سوى خيال لصناعه ؟ بعض مشاهد الفيلم مستمدة من الواقع ومتقيدة بتفاصيله، وبعضها ينطلق في حلم يقظة كبير فيصارع الأشرار بروح صبي تربى على مغامرات جرانديزر في المشهد الذي ظهر فيه ابراهيم مع معدات اخترعها لإثارة أصوات تؤدي إلى شل البلطجية وإحداث ما يشبه الجنون الحركي لهم ، ابتسمت سعيدة بظهور أحمد مجدي في دور ابراهيم وقد تفتق ذهنه عن هذا الاختراع الصبياني لينقذ صديق الطريق علي معزة من مجموعة الأشرار، طفولة المخرج التي بدت في الفيلم عبر مجموعة من الحلول أكدها بكاؤه وهو يعتذر لجمهور مهرجان شرم الشيخ عن سوء النسخة التي بدأت في التوقف والتعثر فى الثلث الأخير من الفيلم ، باستثناء المقدمة والنهاية سار الفيلم ببطليه عبر رحلة لثلاثة مسطحات مائية البحر المتوسط في الاسكندرية، البحر الأحمر في سيناء ثم نهر النيل بالقاهرة في نهاية الرحلة، ومع ذلك لا يمكن تصنيف الفيلم أيضا بأنه فيلم من نوعية أفلام الطريق، إذ لاينطبق عليه حرفيا ملامح هذا النوع ، فالرحلة لم تحتل زمن الفيلم كله ولم يعد البطلان من الرحلة وقد تغير بهما أمر هام بل حدث التغير في نفس مكان انطلاقهما من عشوائيات القاهرة وعلاقات شعبها. وكما القصص الشعبي وجدا الحل ليس في المكان الذي سافرا إليه بل فى موقعه الذى انطلقا منه. 
كتب قصة الفيلم المخرج الذي دشن حركة السينما المستقلة في مصر وفعل كما فعل محمد خان حين ترك قصة سواق الأتوبيس إلى عاطف الطيب وقد وجد أنها مناسبة له أكثر. وإن كنت أعتقد أن البطوط اهتم أكثر بأن تخرج الفكرة إلى النور فتركها لمخرج آخر قد يرضى به المنتجون، تحمس حسام علوان للفكرة فأنتجها مع محمد حفظي الذى عوض غياب حسين القلا عن الإنتاج وأصبح المساند الأول لتجارب مخرجين جدد، وبمساندته لشريف البنداري اكتسبت السينما المصرية مخرجا جديدا يضخ فى صناعته دماء جديدة. 
أثناء عملي في مونتاج فيلم " ثلاثة على الطريق" مع المخرج محمد كامل القليوبي عام 1993، كانت أزمة فيلم " الأفوكاتو" لرأفت الميهي ما زالت حاضرة في الأذهان، القليوبي شرح لي أنهم استدعوا إلى الشهادة بالمحكمة أستاذ مادة السيناريو د. يحى عزمي حيث أن دفاع المخرج المؤلف – المتهم – رأفت الميهي قد نفى صلة فيلم موكله بالواقع وعليه تسقط القضية التي رفعها المحامي مرتضى منصور ، وقد بنى شهرته على رفع القضايا على الفنانين، شهد د. يحى عزمى بأن الفيلم من نوع الفانتزيا الذي لا يمت للواقع بصلة. ومن يومها انتشر هذا التعريف الذي يمكن تطبيقه على أي عمل به ابتكار ولا يطابق الواقعية الكلاسيكية، يضحك القليوبي ويؤكد – مفيش حاجة اسمها فانتازيا- وأنا معه تطبيقا على فيلم "علي معزة " فالواقع كما يقول الشباب في بلادنا هذه الأيام- الواقع فشح الخيال- مستشهدين بأمثلة غير متناهية عن حوادث وأشخاص وحكايات واقعية ، حدثت بالفعل تتجاوز كل خيال فني قدمه إنسان في الماضي أو الحاضر. كما أن كل عمل فني به من الخيال ، الفانتزاي ، ما يجعله جديرا بأن يصنف كعمل فني. 
 زولوجي ورفض التنوع والاختلاف
تعبير الفانتزيا أطلق أيضا على الفيلم الروسى، الفرنسي الألماني المشترك " زولوجي" عن فتاة مرفوضة من مجتمعها، ناتاشا وهي سيدة في منتصف العمر تعمل في حديقة الحيوان، وتعيش مع أمها في بلدة ساحلية صغيرة. تشعر أنها عالقة في الحياة التي ﻻ تحمل لها آي مفاجآت، حتى ينمو لها ذيل في يوم من الأيام، ذيلا غليظا يشبه زلومة الفيل. لجأ المخرج بفكرة زولوجي إلى تجسيد الاختلاف بشكل عضوي محدد لمناقشة التعصب، المخرج يركز تماما على بطلته وعلى حكايتها ومأساتها دون الدخول في موضوعات فرعية ودون أن يشاركها البطولة أحد غيرها، حقيقة وجود بعض الأشخاص يولدون ولهم بقايا ذيل يعانون منه، حقيقة علمية معروفة، ولكنها ليست بالحجم الذي جسده  المخرج ايفان تفردوسكي، وهو هنا يقصد تجسيد الاختلاف في أوضح صوره لينتقد عنصرية البشر وعدم قبولهم من يختلف عنهم. تجسيد الذيل مكنه من طرح أفكار عادت إلى الناس مع التوجه اليميني الذي يجتاح العالم فنجد الناس يتصورون أن هناك شيطانا يتجسد في صورة إنسان ولكن له ذيل ووجوده يمثل نوعا من اللعنة حلت على البلدة . يعرض المخرج أيضا لدجل معاصر يسمى العلاج بالطاقة أو التنمية البشرية، ويجعل بطلته والممرض الذى صادقها يسخران من هذا الدجل المعاصر، كوميديا ثقيلة أفضل عدم تسميتها بالسوداء لابتذال المصطلح، بل هي نوع من الكوميديا الغليظة، يضعنا المخرج بها أمام أنفسنا ويفضح بذور التعصب داخل كل منا. ويأتي الحل قاسيا أيضا حين تقرر الفتاة ناتاشا أن تضع سكينا حادا بين عوراض كرسي خشبي لتقطع بنفسها الذيل، الذي ينفر منها الآخرين، وينتهي الفيلم. الفتاة كانت طبيعية وتعيش وحيدة مع والدتها ، ومع مرور الأيام ينمو لها ذيل. فتقوقع أكثر وتصبح مصدرا للسخرية. تصورت بما يغلبني من رغبة ساذجة فى انتصار الخير أن ظهور الرجل المحب في حياتها سيذيب الذيل وكأنه لم يكن، مثل حكاية الأطفال – والت ديزني – الجميلة والوحش حيث يتحول المسخ إلى شاب جميل عندما تحبه فتاة جميلة، ولكن المخرج وهو نفسه المؤلف ومن قام بالمونتاج أيضا لا يسلينا بحكاية خرافية بل يصدمنا بقسوة.
مشاعر متضاربة تلقينا بها الفيلم بين الإعجاب بوحدته العضوية وعناصره الفنية المصاغة ببراعة وبساطة وبين  شعور بقشعريرة من قبح ذيل ضخم كهذا على فتاة لم تتزوج .
 فيلم " زولوجي " كما " علي معزة وابراهيم" مرجعيتهما من القصص الشعبي والحكايات المتواترة، ولكن الفيلم الروسي أوصل رسالته عبر سينما مباشرة واضحة لا تحتاج شرحا أو تفسيرا كالذي لجأ إليه أحمد عامر كاتب " على معزة وابراهيم" ليبرر لنا سبب تعلق الشاب بمعزته واتخاذها خطيبة كما بنات جنسه.
يتشابه مخرجنا المصري مع المخرج الروسي فى مسيرته المهنية والخلاف فقط أن الروسي أصغر بعشر سنوات حيث نعاني في مصر من صعوبة حصول الشباب على فرصة إلا بعد مرور سنوات. ايفان تفردوسكي قدم عددا من الأفلام القصيرة الناجحة بعد تخرجه من معهد السينما تماما كما البنداري وكلاهما حصل على العديد من الجوائز قبل أن يخرج الروسي عمله الأول والثاني هذا ، وقبل أن يخرج البنداري عمله الطويل الأول، هدف كل مخرج فى مصر مهما قدم من أعمال قصيرة من قبل.
                                                                                                        صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 21 مارس 2017 رئيس التحرير سيد محمود

Saturday 18 March 2017

بورتريه .. سمير فريد ربيع دائم وعطاء مستمر




سمير فريد وربيع النقد العربى

يقدم نفسه على أنه صحفى، لإرضاء جده الطبيب الذى يعرف هذه المهنة ولايعرف مهنة الناقد، ركز سمير فريد فقط فى النقد السينمائى، متابعا لمهرجانات السينما الدولية ولكل الإنتاجات المصرية والعربية والعالمية، ظل شغوفا بحضور مجالس المفكرين والسياسيين، رابطا بين الفيلم وبين المناخ السياسى والاجتماعى فى زمنه. يشهد له منافسوه قبل مريدوه بأنه معلم النقد السينمائى وأفضل من كتب نقدا تطبيقيا باللغة العربية. إنه المعلم حين يريد، ناقدا كبيرا، وصحفيا يؤدى دوره دون تعال على مهنة الصحافة، يقدم نفسه بلقب صحفى، واثقا من أن اسمه وحده دون لفظ دكتور كفيل بمنح اللقب احترامه ووقاره.

بمناسبة تكريمه بمهرجان دبى عام 2013 أنتجت له دريم برودكشن فيلما تعريفيا قصيرا فيه يتضح أهم ملمح فى صفات سمير فريد المؤرخ الذى يربط الخاص بالعام فيقيم علاقات لها دلالات تتسع لتشمل ما يخصه وما يخص السينما المصرية أو العربية كما اشتهرت فينطلق فى الحديث بادئا بالفرحة لتزامن تكريمه مع عيد ميلاده السبعين، ثم يتخذ من فيلم المومياء الوعاء الذى يربطه بفن السينما ومخرجيها، ذاكرا أن تكريمه كناقد هو تكريم لمهنة النقد السينمائى . ففى استفتاء أفضل مائة فيلم عربى أقامه مهرجان دبى اختير المومياء ليكون على رأس القائمة، فيختاره مع صوره من ضمن ما يحويه أرشيفه الخاص ليكون العمود الفقرى لفيلم التكريم القصير.
اصطياد اللحظة المناسبة والانطلاق منها بمعلوماته الموسوعية، هو والسينما وأهم مخرجيها الذى يربطه بهم علاقة ندية ، هو الناقد الألمع وهم المبدعون على قدم المساواة يؤكد ذلك خطاب أرسله إليه شادى عبد السلام من لندن حيث عرض فيلمه " يوم أن تحصى السنين" الشهير بالمومياء. خطاب حميم ينفتح فيه فنان السينما شادى عبد السلام ويكتب لصديقه الناقد على سجيته : " كان لازم تكون هنا وتسمع بنفسك، لا يمكن تصدق اللى عملته المومياء، هيعرضوه ويناقشوه فى لندن فيلم سكول كمثل لفيلم متكامل Perfect Work ". وفى الآخر حاشية كده : " أنا فاكر كل الكلام اللى قلته لى والتشجيع والثقة لماكانوا " ولاد الكلب" بيقطعوا فيه". ينتهى قراءة سمير فريد لمقاطع خطاب شادى مع صورة سمير فريد مع العملاق شادى عبد السلام عام 1970.


يصور محمد سمير الناقد سمير فريد فى مكتبه مع أرشيفه ويخرج منه خطاب شادى عبد السلام يقرأ منه فقرات نشاهد الخطاب بخط يد الفنان وأخطائه الإملائية وشخبطاته، وينتهى الفيلم بصورتهما معا بمهرجان كان الذى كرم الناقد أيضا. سمير فريد منح مهنة النقد السينمائى احترامها وتفردها، وأنهى التعميم المهين، تعبير ناقد فنى، يعرف سمير فريد بأنه ناقد سينمائى و مؤرخ السينما المصريه. ولد فى القاهره الأول من ديسمبر سنة 1943. تخرج من قسم النقد فى المعهد العالى للفنون المسرحية عام 1965،صحفى و ناقد سينمائى فى جريدة الجمهورية منذ عام 1964. يلقب بأنه عميد النقاد السينمائيين العرب. له مقال يومى فى المصرى اليوم تحت عنوان ”صوت وصورة“. حصل على جائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة سنة 2002. حصل أيضا على ميدالية مهرجان كان الذهبية بمناسبة الدورة الاخيرة فى القرن العشرين سنة 2000. شارك فى اصدار ثلات مجلات سينمائيه منذ 1969. صدر له 63 كتابا. رأس الدورة 36 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى التى اعتبرت أفضل الدورات على الإطلاق حتى الآن، قدم وحقق فكرة الاحتفاء بمئويات كبار السينمائيين بإقامة معارض شاملة أقيمت بالتزامن مع مهرجان القاهرة. إنه صاحب الإنجاز الكبير فى وقت يكتفى فيه آخرون بأحاديث هنا وهناك، صاحب مشروع نقدى مساند لتيارات واتجاهات السينمائيين المصريين والعرب ليس فى مجال الفيلم الطويل فقط، بل فى الأفلام التسجيلية والقصيرة، ساند تيار السينما المستقلة وقدم للمواهب دائمة الظهور على الساحة السينمائية. إنه الأغزر إنتاجا والأكثر احترافا لمهنة النقد السينمائى منذ بدايات عمله عام 1964 وحتى اللحظة الراهنة لعام 2017.


فيلم تكريم سمير فريد بمهرجان دبى عام 2013  

-        مع مشاهد لأرشيف بملفات فى مكتبة وتعليق بصوت سمير فريد: بدأت فى تكوين هذا الأرشيف عام 1966، المنطقة العربية أنتجت خمسة آلاف فيلم روائى طويل، وخمسة آلاف فيلم قصير، عشرة آلاف فيلم وليس بها أرشيف – سينماتيك – أحد أحلامى الكبرى أن يكون فى سينماتيك حقيقى، الصوت مستمر مع صور فوتوغرافية نادرة من فيلم "المومياء " .

-        التكريم يأتى بعد ستة أيام من عيد ميلادى المميز – عيد ميلاده السبعين- وأعتقد أنها أجمل هدية قدمت لى بمناسبة أن المومياء أصبح الفيلم الأول فى قائمة دبى لأفضل مائة فيلم غربى، هذا خطاب شادى عبد السلم من مهرجان لندن 1970، هوه كاتبه بالإنجليزى :"Dear Samir I wish you  were here "، ولكنه كاتب فى الآخر بالعربى : " احنا نايمين، يقصد كل حاجة مش بس السينما، كل اللى بنعمله هجص فى هجص، بالمصرى يعنى كلام فارغ ، مفيش سينما عندنا، يعنى هوه حكم قاسى شوية لكن السينما كلها لها طابع تجارى غالب. " كان لازم تكون هنا وتسمع بنفسك، لا يمكن تصدق اللى عملته المومياء، هيعرضوه ويناقشوه فى لندن فيلم سكول كمثل لفيلم متكامل Perfect Work ". وفى الآخر حاشية كده : " أنا فاكر كل الكلام اللى قلته لى والتشجيع والثقة لماكانوا " ولاد الكلب" بيقطعوا فيه" وينتهى الفيلم بقراءة سمير فريد لمقاطع خطاب شادى مع صورة سمير فريد مع العملاق شادى عبد السلام عام 1970.

مؤخرا أقامت جمعية نقاد السينما المصريين عضو اتحاد الصحافة السينمائة (الفيبريسى) لقاء مع سمير فريد لمناقشة آخر كتاب صدر له " سينما الربيع العربى"، فى الندوة قدمه الناقد والمترجم محسن ويفى، ويفى كان عارض سمير فريد فيما ذهب إليه من وصف مجموعة مخرجين ظهروا فى الثمانينيات بمخرجى الواقعية الجديدة وسار وراءه كل النقاد، ورغم ذلك احتفظ سمير فريد مع محسن ويفى بعلاقة صداقة واحترام وهذا ملمح ثان من ملامح شخصية سمير فريد فى أنه لا يتعامل بأسلوب رد الفعل ويتجاوز لاختلافات الرأى بأريحية شديدة واثقا من سداد رأيه ومن انتصار رأيه فى النهاية وقد كان. سواء من عارض حكمه النقدى بظهور تيار الواقعية المصرية الجديدة ، أو بالاحتفاء بالربيع العربى واعتباره أحدث تغييرا ملحوظا على الساحة فطبقا لحديثه فى ندوة الأحد 22 يناير 2017 وقبل الذكرى الساسدة لثورة 25 يناير 2011 قال سمير فريد : " ثورة 25 يناير تشبه ما حدث عام 1968 والبداية من فرنسا ووصلت حتى كاليفورنيا ، عظمتها أنها ثورة لم يقم بها حزب ما ، بل كانت إعلان جيل كامل برغبته فى التغيير ، كذا كان سقوط حائط برلين ، الذين تحركوا عام 1989 تجنبا لحدوث حرب عالمية ثالثة تحركوا بدون حزب، فقط حركتهم إرادة التغيير " . قبلها ذكر بأن كتابه " سينما الربيع العربى " كتبه دفاعا عن يناير فلا يمكن أن يحدث ما هةو أسوأ مما حدث فى الخمسين سنة التى سبقت يناير 2001 . دائما يمزج سمير فريد حديثه عن الأفلام بحديث السياسة، وككل جيله الذى تخرج فى ستينيات عبد الناصر وشهد نهضة ثقافية مختلطة بقمع للحريات يركز فى كتاباته النقدية على مضمون الأعمال محللا إياها فى سياقها التاريخى. ولأنه مؤمن بالتغيير حتى لو كان من أجل التغيير نجده مستمرا فى مساندة كل التيارات السينمائية التى بدأها بمساندة مومياء شادى عبد السلام والتنظير ولفت الأنظار بل وتوجيه النقد بشكل عام للاحتفاء بمخرجى الثمانينيات خيرى وداود والطيب وبدرخان، مرورا بالاحتفاء بمخرجى التسعينيات أسامة فوزى مجدى أحمد على ورضوان الكاشف وبعدهم هالة خاليل وهالة لطفى مستمرا مع ابداعات أقل حجما ، أو لنقل أعمال مفردة لسينمائيين فرادى كما كريم حنفى وحمسه الشديد لفيلمه الخاص "باب الوداع"، أو تامر السعيد وفيلمه " آخر أيام المدينة".  


نخلص إلى ملامح شخصية سمير فريد :

-        الناقد الذى منح مهنة النقد السينمائى احترامها وتخصصها.

-        الناقد الذى يتعامل بندية مع كبار المبدعين وليس تابعا لهم.

-        الناقد المؤرخ الذى يحترم الأرشيف ويجعل فكرة إنشاء سينماتيك سينمائى عربى حلمه الأكبر.

-        الناقد صاحب الرؤى المتجددة دون خجل من الاعتراف بخطأ فى حكم سابق له.

-        الناقد المتابع لكل كلمة تكتب عن السينما والمجمع لها، القادر على الحكم على الجميع وتقديرهم وتشجيعهم مهما اختلفوا معه.

-        الناقد الطموح ليقدم أفضل تنظيم لمهرجان، أفضل مسيرة نقدية مواكبة للإبداع.

-        الناقد الإنسان المقاوم لمرضه الجسمانى ولضعف همته، فتجده مستمرا فى التزامه بالكتابة حتى لو تراوحت بين نقد متخصص لفيلم أو ظاهرة سينمائية أو ترويج بنقل أخبار حدث سينمائى ما.  


سمير فريد الذى يعطى المهنة كل وقته أجده وخاصة مع كتابه عن الواقعية المصرية الجديدة أدخل النقد السينمائى فى ربيع دائم متغير. يستحق عن جدارة لقب عميد النقاد العرب. متعه الله بالصحة والعافية ومنحه القوة لمقاومة مرضه اللعين الذى يقاومه بكل بسالة تتفق مع صلابته ورفضه لتعبير موت الأدب، أو موت النقد، ولكن مع التسليم بالتغيير ، النقد فى رأيه لقاء بين ثلاثة حريات حرية المبدع وحرية الاقد وحرية المتلقى، أحاول ألا أكتب وأنا منبهر، لأن الكتابة لابد ألا تتم بعد انفعال.

هكذا كانت كلمته النهائية وأجدها مخالفة لحقيقة أنه الكاتب المنحاز صاحب المواقف والتى يعلنها فور الإحساس بها، فى نهاية ندوته مع محبيه من النقاد قال إنه ذاهب إلى برلين يوم 31 يناير 2017 وسيعلن خبر جيد. كان قد طمأننا على تلقيه العلاج وعلى استجابة جسده ونجاحه فى مقاومة المرض ليقدم لنا مثالا على شخصية استثنائية فى العمل والحياة. سمير فريد ربيع دائم وعطاء مستمر.

صفاء الليثى

القاهرة يناير 2017 
هوامش وملف مرفق


فيلم تكريم الناقد سمير فريد في مهرجان دبي ٢٠١٣


-        صور من الفيلم الذى أخرجه المونتير والمنتج محمد سمير الذى عمل معه مديرا فنيا لدورة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى 36 عام 2014 .
-        صور من أرشيف الباحثة منى غويبة والزوجة المحبة 
نشر المقال بالعدد التاسع من مجلة الجيزويت بإشراف الأب وليم سيدهم 
رئيس التحرير سامج سامي/ رئيس التحرير التنفيذي حسن شعرواي