Thursday 28 January 2021

Anne with E مسلسل عن رواية " آن في المروج الخضراء"

 

كيف تكتب مسلسلا ممتعا وعصريا عن زمن فات

" آن في المروج الخضراء"

شاهدت مؤخرا 27 حلقة تمثل المواسم الثلاث لمسلسل كندي تدور أحداثه في السنوات الخمس الأخيرة للقرن التاسع عشر، المسلسل عن رواية لكاتبة لوسي مود مونتجمري تتناول فيه شخصية صبية يتيمة تربت في ملجأ بعد وفاة والديها، ثم تنتقل إلى مزرعة المروج الخضراء بديلا عن صبي عرض تبنيه ماثيو وماريلا وهما أخ وأخت لم يتزوجا بعد وفاة والديهما والرحيل المؤسف لأخيهما الأكبر الحنون والقوي، المسلسل رومانسي تاريخي نجح من خلال الشخصية الرئيس أن يستعرض جانبا من تاريخ البلاد وتحولاته الاجتماعية من المساواة بين الفتيات والشبان، ومن تغير القيم العنصرية واضطهاد السود والهنود الحمر، يتميز برسم شخصياته بعيدا عن التنميط ، الجارة راشيل حشرية ولكنها فعالة تميل لتفهم منطق خرين، البطلة آن مندفعة وشجاعة ولكنها تتجاوز الحدود وتتدخل في خصوصيات الآخرين وترتكب أخطاء نتيجة تسرعها، صديقتها ديانا برعم ما تتميز به من تعاطف ورقة تستغل إعجاب فتى فقير لها فتتبادل معه القبل فقط لتجرب دون أن تنوي الارتباط الحقيقي به، ماثيو قليل الكلام غير قادر على التعبير عن مشاعره فيساء فهمه ويفسر بأنه خال منها. يصحب التغييرات الاجتماعية  ظهور الكهرباء والطباعة وكيف ستدخل البلدات الصغيرة تجري تجربة شرحها المدرسة الجديدة بشخصيتها الصادمة والمختلفة عن السائد ، ترتدي البنطلون وتقود الدراجة وترفض زواجا بلا مشاعر حقيقية بعد وفاة زوجها، المسلسل درس في الكتابة كيف لا تسقط في الميلودراما وأنت تتناول قصة فتاة يتيمة، وكيف تقودنا حكايتها لاستعراض التطور التاريخي الذي مرت به جزيرة الملك ادوارد والمدينة الصغيرة ، موقع الأحداث التي تلخص عملية الانتقال من القرن التاسع عشر الى القرن العشرين.

نشكو كثيرا من مسلسلات الثلاثين حلقة ونطالب بالاكتفاء بأن تكون سبع حلقات أو عشر، ولكني مع هذا المسلسل لم أشعر بالإطالة لأن هناك عنصرا جديدا يدخل مع كل حلقة في حكاية آن ، فتظهر شخصيات ليتم طرح قضايا مختلفة كلها تصب في نبع قصة آن الرئيس وترتبط بكل من تتعامل معه، زميلها ومنافسها في التفوق جيلبيرت وحكايته، عائلها وحكايته مع حب قديم، زميلات الدراسة وحكاياتهن، محبتهن لها أو صراع بعضهن لاختلاف القيم والعادات. دون خطابة سنعرف أن سماجة الشاب المغرور بيل سبببها معاملة والده الخاطئة وتدليله له، سنعرف أن كراهية الزميلة  س سبببها دفاعها عن القيم المفروضة عليها من والديها، وهكذا لا يوجد شرير بطبعه،  أو مثالي وخير لأنه ولد كذلك، بل هناك تأثير وتأثر بالبيئة المحيطة.

شعرت بالغيرة من صناع المسلسل، كاتبته والمخرجات والمخرجين الذين تناوبوا على إخراج الحلقات لأنهم وجدوا من ينتج لهم عملا أبطاله مراهقين في مرحلة الانتقال من الطفولة إلى الشباب، فأبطال العمل في مرحلة ما قبل الجامعة هم من يحركون الأحداث، هم من يخطئون ويتعاركون ويثورون ، يحلمون ويقاومون سيطرة الكبار وقادة المجتمع، هم الأبطال أما الكبار فهم في الأدوار الثانية. عمل يحتفي بالحياة ويدافع عن حرية هؤلاء المراهقين في اختيار مستقبلهم ، يجري هذا على خلفية من المناظر الطبيعية التي لا تظهر باردة مثل الكارت بوستال ولكنها طبيعة حية تزيدها كلمات آن الثثارة جمالا،  طبيعة تتنوع بين الغابة التي يعيش فيها ثعلب نادر وحيد، لا نسمع عن وجوده كما يمكن لإنتاج فقير أن يكتفي به، بل نشاهده وهو يقترب من آن التي تتوحد معه وتجده شبيها بها في وحدتها وكونها عانت من الكراهية والنبذ. وجوده سيطرح رفض قتل الحيوانات والحصول على فرائها ويصوره كعمل بغيض، ستحب كيف يظهر التل المطل على البحيرة التي تقع الجزيرة عليها والحقول التي يزرعها ملاكها دون الاستعانة بعمالة، فهم يقومون بالعمل بأنفسهم ولا يلجئون للمساعدة إلا عند الضرورة، وتكشف المساعدة عن تملك السود لبعض الأراض بعد قوانين ألغت نظام العبيد، كما تكشف عن الفارق بين أوضاع مواطني كندا من أصول انجليزية وآخرين من أصول فرنسية، عن يهودي في صفة بائع متجول، وهندي أحمر يصنع عصا الجولف التي يحتاجها البيض، وابنته التي صادقتها بطلتنا آن وكتبت عنها في صحيفة المدرسة.

استغل المسلسل الخلفية التاريخية مهتما بكل تفاصيل الأزياء وشكل البيوت والأثاث والعلاقات داخل مدرسة الفصل الواحد ليطرح قضايا معاصرة، منها تقبل المثلية، وندية المرأة والرجل، وتقبل الاختلاف في اللون أو العرق أو الطبقة. على مدى حلقات المسلسل عايشت تاريخا لبلدة كندية صغيرة وكأنك تقرأ كتابا عن تاريخ البلاد ولكنه مصاغ في دراما تم كتابتها بفن ممتع.

بمثل هذه المتابعات أمكننا الاستفادة مما يبث على الشبكة الدولية  من أعمال تنتجها المنصات الحديثة، نتفلكس وشاهد وغيرها في التعرف على انتاجات متنوعة من مختلف بلاد العالم يمكن التعلم منها كيف تقدم عملا غنيا ممتعا ويطرح أفكارا تقدمية حقيقية عن ضرورة تقبل الاختلاف وعن الإيمان بالتغيير لتستمر الحياة.

صفاء الليثي 

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 26 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي 


 

Friday 15 January 2021

عن فيلم المخرج رشيد مشهراوي "فلسطين بث مباشر"

نقل الرواية الفلسطينية بصدق ودون مبالغات

 شاب حليق الرأس ، أسمر البشرة أخضر العينين ، تظنه الأخ الأصغر للمخرج خيري بشارة ، وإذا سألته قال : إيه أنا من غزة ، قريب من مصر . فقط لهجته الشامية ، وأسلوب حديثه عبر جمله القصيرة ، وتعجله الدائم لينهي الندوة الرسمية ، لأنه على موعد مع الأصدقاء على مقهى هناك ، لديه قرون استشعار لأماكن دافئة في القاهرة أو رام الله ، في الإسماعيلية أو دمشق ، في فرنسا أو أمستردام ، رشيد مشهراوي صاحب الفيلم الوثيقة على الرغم من نسيجه الروائي " حتى إشعار آخر " وصاحب " حيفا " ، حاصد جوائز مهرجان القاهرة الدولي ، جائزة أفضل فيلم عربي والجائزة الذهبية لأفضل فيلم في المهرجان ، "  القاهرة " تسمعها من رشيد مشهراوي  وكأنها اسم الحبيبة الساحرة الأم " القاهرة .. هيك ، المترو والأصحاب ، جو تاني " .

بعد انتهاء مهرجان الإسماعيلية التقاه مثقفو القاهرة في اتحاد التسجيليين المصريين ، قدم ندوته محمد ملص وقال : " رشيد مشهراوي هو نفسه بث مباشر ، أفلامه التي قدمها عن فلسطين روائية وتسجيلية ، وفي فيلمه " فلسطين بث مباشر " يقدم الأحداث كجزء من الحياة ، الفلسطينيون يعيشون يتحابون، والحدث، الانتفاضة والاحتلال والقصف جزء من حياتهم اليومية  وسيضيف رشيد في نهاية الندوة بعد عرض الفيلم ، بأن فيلمه ليس مختصا بالبحث عن مشاهد القصف والضرب ، الفيلم تعايش وليس دعاية عن هيئة الإذاعة الفلسطينية ، نحن نعيش حياة مثل كل البشر، نضحك ونمزح ، الناس يطلقوا ، ويتزوجوا ، خارج الفيلم أصيب مراسل الإذاعة برصاصة حية ، لم أقدم هذا في الفيلم ، ليس هذا هدفي والمراسل الذي أصيب ليس مميزا عن غيره ممن أصيبوا ويصابون كل يوم ، حزنت على " إيمان حجو " ولكن هناك مئات غيرها ، هذه تقارير صحفية، ولم تعجبني طريقة تعامل مهرجان الإسماعيلية مع الفيلم الفلسطيني، نحن مشاريع حياة ولسنا مشاريع موت ، وليس كما تريدنا ااسرائيل ، وفيلمي موجه للإعلام الغربي ، هذا الفيلم سيشاهده العالم في استراليا ، وهولندا ، تعمدت صدق الرسائل ، مراسل صادف حادثا واحدا ، شخص واحد استشهد ، نقلت هذا لتوضيح مصداقية الرواية الفلسطينية ، الفيلم جسد أشياء لوضع ثقة ومصداقية بين المشاهدين والحدث .

" فلسطين بث مباشر " أحدث أفلام رشيد مشهراوي صور بالفيديو مستخدما أغلب الوقت كاميرا يدوية تتحرك مع الناس في موقع عملهم بالإذاعة ، أو في الشوارع حيث الحدث اليومي للحياة الفلسطينية عام 2001 . يبدأ الفيلم بأحداث ومذيع وسطها يبث عبر تليفونه المحمول : " استشهد مذيع في القناة الفرنسية .. " مجموعة من المراسلين الأجانب رجال وسيدات مع معداتهم بجوار المذيع ، ثم لوحة مكتوبة " هنا صوت فلسطين " بخط عربي جميل إخراج رشيد مشهراوي . داخل محطة الإذاعة بث إذاعي ، ثم اجتماع يدور فيه نقاش نسمع تفاصيله ، والكاميرا تتنقل بحرية ، ثم انتقال للشوارع ، وعربة الإذاعة تستعد للبث من موقع الاستعداد بالتظاهر ، ثم داخل الإذاعة والمذيع يقول : " ننقل إليكم من ميدان المنارة حيث يجتمع الناس لإحياء ذكرى النكبة ، ثم الموقع مرة أخرى ومظاهرة شعبية تهتف " بره بره يا احتلال " ثم انتقال لمكتب رئيس المحطة، محموعة العمل تتصفح الصحف اليومية ، مناقشة صاخبة ، ثم بث إذاعي بصوت مذيع قدير عن النكبة والبث الإذاعي الصوتي مستمر مع تغير الصورة في أكثر من مكان ، رئيس المحطة يوقف سيارته وتصعد سيدة تقدم نفسها " أنا بشتغل في وكالة القدس .. " تشرح طريقة عملها ، تعبر مظاهرة بجوار السيارة ونسمع صوت " لا تصور ، ولم لا ؟ صور " .

حتى الآن فيلم " فلسطين بث مباشر " يقدم ومن قلب الأحداث حالة مختلفة عن كل مانراه من لقطات لجنازات ورمي أحجار، يساورنا أثناء المشاهدة بعض الشك ، هل هو فيلم دعائي ؟ مشهد في منزل الزوجين السيدة التي التقيناها في السيارة ورئيس المحطة يتناقشان في العمل الزوج يقول " رويتر .. يتحدث عن عدم صحة الحيادية مطلقا ثم " كل قضيتنا إعلام ، هذه مساحة متروكة .. من يضغط يحصل على نتائج أكبر " .. ضعاف إحنا في الإعلام .. " وبالطبع يتحدث عن ضعف الإمكانيات. المشهد السابق به نقد ذاتي لوضع الإعلام الفلسطيني لا يخلو من قدر من الإحباط وسينعشنا المشهد التالي الذي يبدأ باغنية فيروز" لأجلك يا مدينة المدائن " وبث مع فتاة لطيفة تقدم برنامجها وهي في حالة من البهجة، وبرنامج " بطاقات محبة " الفتاة تعيش الحالة تبهجنا إشارات يدها الراقصة لتعلو الموسيقى وتنخفض مع إلقائها ، تبث أغنية فتصاحبها الفتاة بالغناء " إن شاء الله ترجع ليا " ثم تذيع وننتقل إلى قاهرة المعز مع يس مطر واتصال من فلسطين لمصر وأغنية أخرى " سلم لي عليه " الفتاة تغني ثانية لا يقلقها وجود الكاميرا و لا فريق تصوير المخرج رشيد مشهراوي  . قطع مفاجئ والفتاة تشرح برنامجها " بنطير مع الناس من مطار صوت فلسطين " الفتاة تتحدث بسعادة وإيمان بما تفعله . وانتقال مع مذيعة أخرى جادة تقدم خاتمة نشرات الأخبار " عاد الهدوء الحذر .. " يغلب الحجم المتوسط على صورة الفيلم ويبدو أن البث التلفزيوني هو هدف رشيد الذي يقترب من العاملين في الإعلام الإذاعي بدرجة كافية ونلمح حروف الهيئة بالإنجليزية P.B.Cصباح مبكر الصورة ندية مشربة بزرقة ، جرائد الصباح وغيرها من مظاهر حياة يوم جديد ، تلاميذ في الطريق إلى المدارس، رجل يرش مياه أمام دكانه ، وعربة الوكالة الفلسطينية تصل أمام مقر هيئة إذاعة وتلفزيون فلسطين ، نقاش في المكاتب الداخلية عن مقتل الطفلة " إيمان حجو " العمل يجري في استديوهات الإذاعة وموت الطفلة جزء من الأحداث وانتقال لمكتب به سيدات تبكين في هدوء ويدخل عليهن زميل ، حنشتغل ولا حنعيط " حوار طبيعي يحدث عادة فالرجال يتماسكون والنساء لا تحبسن  الدمع وخاصة إذا كان الموت لطفلة رضيعة ، ونسمع البث الإذاعي ويركز المخرج على فقرة اشتراك عرب 48 أعضاء الكنيست في الاحتجاج .

مراسل الإذاعة تستوقفه نقطة تفتيش ، الجنود الإسرائيليون يدركون وجود الكاميرا يتعاملون بتهذيب ، ونعود لمقر الإذاعة اتصالات عبر التليفون ومتابعة من خلال التلفزيون، وجود التلفزيون يفرض علي سؤالا لماذا اختار  مشهراوي  البث الإذاعي ؟ هل بدا له التحدي أكبر ؟ لا يمكن الاستغناء عن الصورة تماما حيث يتم الانتقال في بعض الأوقات لموقع الحدث. حركة حرة داخل الممرات، واجتماع آخر " لدينا أعدل قضية ولكن محامينا ضعيف ، وعندهم أبأس قضية ومحاميهم قوي " ومرة أخرى عن مساندة الإعلام الغربي والأمريكي لإسرائيل .

سيارة إسعاف ومشهد لحادث والمراسل يتابعه ، المصابة تدخل المستشفى ، يسرع المراسل ويصل إليها يسجل معها ، يدخل دكانا ويعد الرسالة بطرق بدائية عبر تليفون عتيق وجهاز تسجيل منزلي " أصيب الفتيان .. ببلدة الخضر .. ، ومن ناحية أخرى " المشهد يدل على فقر إمكانيات الإذاعة بعيدا عن المقر الرسمي وهنا المراسل يختم إرساله " صوت فلسطين بيت لحم " ومرة أخرى شارة هيئة الإذاعة P.B.C .

مشهد حياتي والمراسل يشتري خبز ، سلالم حجرية ومكان يوحي بأنها مدينة عريقة ، ثم داخل منزل رئيس المحطة يداعب ابنته وزوجته في حوار مع الكاميرا " حياتنا كلها متأثرة بالعمل الذي نعمله .." ثم الرجل يميل إلى اليأس " بخاف أحبط ..بعد ثلاثين سنة غير متأكد من الرسالة التي يوصلها .. " ينهي حديثه وتبقى كاميرا مشهراوي على وجهه مع لحظات صمته. مراسل بيت لحم يصل رام الله يحتفى زملاؤه به ويتبادلون حديثا إنسانيا عن تزايد وزنه ، صورة عرفات وعلم فلسطين في مكتب الرئيس ، اتفاق على عمل ومكالمة عبر المحمول ، لقطة دخيلة للرئيس ليتمكن المخرج من اختصار المشهد ، ثم بث إذاعي مع مراسل من مطار السلطة في نابلس ، قطع كهربائي وانقطاع الإرسال " نعتذر عن القطع ونواصل ..  ، 200 مستوطن اقتحموا .. " حادث كبير ودخان متصاعد عن بعد، العيش تحت الخطر واحتمال توقف الإرسال في أي وقت حوار دائر بهذا المعنى . ثم في الخارج عدد كبير من سيارات الإسعاف ، مكان به مراسل يكتب وعدد كبير يتابعون ما يكتبه ، مصاب يخفون وجهه بسرعة غالبا توفي ، المخرج يتحاشى مشاهد الدماء على عكس أفلام تبالغ في هذا ، المراسل ينقل من خلال المحمول " قصف بطائرات إف 16 . ثم موقع به منازل مهدمة ، وشخص يودع ابنه ، الحياة مستمرة رغم الموت وتحت أي ظروف ومراسل يبعث اسم المتوفي " اسماعيل أبو رفيع ، 21 عاما ، داخل الإذاعة فتاة تطمئن والدتها التي تلح على عودتها ، الفتاة تعطي التليفون لزميلها أو قد يكون خطيب الفتاة " أيوة يا خالتي .. ما تخافي ، كلنا واخدين بالنا عليها " ثم الفتاة تبث الأخبار " استشهد اليوم الشاب اسماعيل أبو رفيع 21 عاما .. " تنهي عملها وتواجه الكاميرا حابسة دموعها " احنا هون ، بدهم ينهونا ، احنا هون " الكاميرا باقية على وجهها الصامت في تصميم كبير . بث من رئيس الإذاعة " أسعد الله مساءكم أينما كنتم ، مستمعينا في فلسطين نتمنى لكم ليلة هادئة خاليا من القصف ، والذين يستمعون إلينا خارج فلسطين نتمنى لكم الاستمتاع في الخارج حيث النسيم العليل .. " موسيقى على مشهد ليلي خارجي وتظلم الشاشة وتكتب العناوين " فلسطين بث مباشر " .

في فيلم رشيد مشهراوي يبدو حماس الفتيات أكبر، قدر كبير من اليأس والإحباط ونقد ذاتي مرير على لسان مسئول المحطة ، شكوى من زوجته عن صعوبة الحياة ، وإصرار من فتيات على البقاء والمقاومة .

أداء العاملين أمام الكاميرا الذي بدا طبيعيا شرح سببه  رشيد مشهراوي  قائلا : الكاميرا أصبحت جزءا من حياتنا ، دائما هناك مصورين ومراسلين من كل العالم ، انعدمت الرهبة من الكاميرا وقال إننا ترددنا كثيرا قبل التصوير وتعايشنا معهم ، الكاميرا أصبحت مثل أجهزة الصوت بالنسبة لهم لا يزعجهم وجودها ، الفتاة التي حادثت أمها نسيتنا تماما واندمجت في مشاعرها ومع عملها ، كان هدفي الدخول في كواليس الإذاعة وبالطبع فكرت في تناول البث التلفزيوني ولكن تناول البث الإذاعي مثل تحديا أكبر أمامي كمخرج يريد نقل الرواية الفلسطينية ورسالة الإعلام الصوتي بصدق ودون مبالغات .

صفاء الليثي

   حاشية: عرض الفيلم بمهرجان الإسماعيلية وأعدنا عرضه بندوة الثلاثاء في نشاط جمعية التسجيليين المصريين التي رأسها المخرج فؤاد التهامي .

تعريف من ويكيبيديا رشيد مشهراوي مخرج أفلام فلسطيني

ولد رشيد مشهراوي عام 1962 لعائلة لاجئة أصلها من يافا ونشأ في مخيم الشاطئ في قطاع غزة. إثر مرض والده اضطر في جيل 14 عاما للعمل للمساعدة في إعالة عائلته. لم يدرس السينما بل وصل إليها من خلال اهتمامه وتجاربه بالفن التشكيلي، أخرج فيلمه القصير الأول جواز السفر عام 1986 حول زوجين علقا في المعبر الحدودي بين إسرائيل والأردن وذلك لأن الزوج أضاع جواز سفره. وعام 1992 أخرج فيلما كوميديا قصيرا بعنوان الساحرعام 1993 هاجر إلى هولندا حيث أقام لمدة 3 سنوات وأسس مع هاني أبو أسعد شركة أفلام أيلول التي أنتجت أفلاما بالتعاون مع شركة أفلام أركوس الهولندية. عام 1996 انتقل إلى رام الله حيث أسس مركز الإنتاج والتوزيع السينمائي في محاولة لتطوير طواقم إنتاج محلية.

يعتبرالمخرج رشيد مشهراوي أول سينمائي فلسطيني عمل على إنجاز سينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أنجز العديد من الأفلام التي كان أولها (جواز سفر) 1986 أي قبل الانتفاضة الأولى، ثم (الملجأ) عام 1989، و(دار ودور) 1990، و(أيام طويلة في غزة) 1991.. وبعد أن أسس رشيد مشهراوي شركة (أيلول للإنتاج التلفزيوني والسينمائي) عام 1992 قدم فيلمه الروائي الأول (حتى إشعار آخر) 1993، ثم فيلمه الروائي الطويل الثاني (حيفا) عام 1996..الذي كان أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ أن تأسس المهرجان، وفي العام 1996 أسس رشيد مشهراوي (مركز الإنتاج السينمائي) في رام الله، وعمل من خلاله ورشات تدريب، وأسس مهرجان سينما الطفل، والسينما المتنقلة في فلسطين، وأنتج من خلاله مجموعة من الأفلام منها (رباب) 1997، و(توتر) 1998، و(خلف الأسوار) 1999، و(غباش) 2000، و(موسم حب) 2000، و(مقلوبة) 2000 و(من فلسطين بث مباشر) 2001، وفيلمه الروائي الطويل الثالث (تذكرة إلى القدس) 2002..ثم قام بإنجاز بعض الأعمال التجريبية مثل (قمر واحد) و(شهرزاد) و(حمص العيد) 2003، ثم فيلمه الروائي الطويل الرابع (انتظار) ، وفيلم وثائقي طويل (أخي عرفات) في العام 2005. 2008 أنجز فيلمه الروائي الطويل الخامس (عيد ميلاد ليلى) و في العام في العام 2009 قام بكتابة وإخراج اربع أفلام وثائقي بعنوان ( الأجنحة الصغيرة ) حول موضوع عمالة الأطفال في العالم العربي حيث تم تصوير الأفلام في مصر والمغرب وفلسطين والعراق، في العام 2011 قام بإعداد وإخراج فيلم وثائقي بعنوان (رجل وطن ومدينة) عن القائد الفلسطيني المقدسي فيصل الحسيني في العام 2012 أنهى فيلمه الوثائقي الجديد (أرض الحكاية) وفي العام 2013 أنجز فيلمه الروائي الطويل السادس الذي عرض في مهرجانات عالمية وعربية وبدأت عروضه في مدن مختلفة وفي بداية العام 2014 أنجز فيلم وثائقي بعنوان ( رسائل من اليرموك) عن حصار المخيم الفلسطيني المحاصر في دمشق جراء الأحداث الجارية في سوريا، حصل على العديد من الجوائز العالمية في المهرجانات الدولية، وشارك في عضوية ورآسة لجان تحكيم في مهرجانات عربية ودولية. غزة واشنطن هو مشروع سيناريو لفيلم روائي طويل متوقع تصويره في نهاية العام 2015 ، اعتبر الناقد سمير فريد فيلمه حتى إشعار آخر أول فيلم فلسطيني لأنه أنتج في الأراضي الفلسطينية المحتلة بواسطة طاقم فلسطيني.

 

Thursday 14 January 2021

مأزق الخطاب الإعلامي المصري (عام 2002)

 قناة النيل للأخبار جهد شاب ينقصه الاكتمال

تطالعنا مذيعة الربط بالقناة الثانية " حياة عبدون " بوجهها المبتسم دوما وتردد بأنها تعدنا بأننا لن ندير مؤشر القنوات عن القناة الثانية التي تقدم مائدة حافلة من البرامج والأفلام والمسلسلات التي سيلتف حولها كل أفراد الأسرة . ومع جزيل الشكر والاعتذار لها ولأسرة القناة الثانية – الحافلة بالأفلام والمسلسلات الأمريكية - فإننا لن ندير مؤشر القنوات عن قناة النيل للأخبار- إحدى قنوات النيل المتخصصة - التي نجحت خلال أحداث الانتفاضة الثانية وخاصة مع بدء الاجتياح الإسرائيلي لمدن السلطة الفلسطينية في بث التقارير الحية وتقديم برامج إخبارية وعددا من الحلقات – يطلق عليها خطأ أفلاما تسجيلية – تتركز موضوعاتها على الصراع العربي الإسرائيلي الذي كان أحد الأسباب الهامة في شحن الشعب المصري بكل فئاته العمرية للوقوف مع الشعب الفلسطيني وانعكس ذلك في أشكال مختلفة من التضامن بداية من المظاهرات الغاضبة ، انتهاء بمقاطعة البضائع الأمريكية والمطاعم المنتشرة خاصة في العاصمة والمدن الكبرى .

تطالعنا وجوه الفتيات الشابات بملامحهن المصرية بعيون سوداء وشعر غير مصبوغ تقدمن النشرات والبرامج بكفاءة تامة مع زملائهن من الشباب ، تامر أمين، أحمد أنور، شريف عامر ، محمد البلك وآخرين ، والفتيات منى الشايب ودعاء جاد الحق  ودينا سالم وأخريات . جيل ولد بعد حرب أكتوبر 1973 ، ومع ذلك لديهم وعي بالأحداث التي مرت بها مصر والمنطقة العربية ، وعي يتبدى في برامج صامدون ، والصورة في أسبوع ... وغيرها من البرامج التي جذبت المشاهدين وجمعتهم حولها . ويبقى سؤال لمن توجه القنوات المتخصصة عبر القمر الصناعي المصري " نايل سات " ؟ الأغلب أن هناك خطأ في لغة الخطاب الإعلامي للقناة حيث تحفل اللغة بكلمات " السفاح " و" المجازر الوحشية " وهي لغة لا يفهمها أغلب البشر وخاصة في دول العالم الأول – أوربا وأمريكا – الذي يهمنا أن نتوجه إليه خاصة هذه الأيام، والأرجح أنها لغة خطاب للاستهلاك المحلي وتعمل على تنفيس غضب المشاهدين وتتركهم وقد حققت نوعا من التطهر والراحة ، فهل هذا هو المطلوب ؟ ومع نجاح الخطاب الإعلامي المصري في التقليل من درجة التعتيم التي سادت فترات سابقة إلا أنه يظل في حاجة إلى تطوير وخاصة بالتخفيف من نغمة التفاخر التي ترد على لسان مسئول الإعلام الأول السيد " صفوت الشريف " كما ترد في الإعلان المصور على القناة الذي ينتهي بأن الخبر ينتقل هكذا ،  ثم تظهر شارة قناة النيل للأخبار  وكأنها إعلان تجاري عن سلعة أو فيلم في دور العرض .

في شهر مايو تم الإعلان عن إقامة " ليلة فلسطينية " أقامتها قناة النيل للأخبار في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية وعرضت فيها أعمال تسجيلية أطلق عليها خطأ " أفلام تسجيلية " وهي بالكاد حلقات إخبارية برامجية يفتقد الواحد منها للوحدة الفنية التي تجعله فيلما تسجيليا دون أن يقلل هذا من قيمة ما تحتوي عليه من معلومات وروح تضامن مع القضية الفلسطينية التي تمثل أحداثها مادة خصبة لتغذية كل الأنشطة الإعلامية مما يجعل متابعتها يخدم القنوات أفضل مما تخدمها القنوات .

 بعض هذه الأعمال لا يرقى لمستوى الحدث وخاصة العمل " بنت صهيون " الذي قدم عن موسوعة د. عبد الوهاب المسيري " اليهود واليهودية والصهيونية " وفي الحلقة التاسعة من المسلسل الإخباري التي عرضت طالعتنا فتاة تعلق بصوت ينقصه الكفاءة المطلوبة وتكرر ظهورها في لحظات ربط لا تناسب كون ما أطلق عليه فيلما تسجيليا مسجلا وليس بثا مباشرا يحتاج فقرات ربط بل كان يجب أن يُبنى كفيلم من خلال ما احتوى عليه من حوار مع مؤلف الموسوعة " د.عبد الوهاب المسيري " ومن اشترك معه بها " أ.أحمد صدقي الدجاني " وباحث شاب آخر، واستخدام ما يقولونه على المشاهد الوثائقية دون حاجة لوقوف الفتاة بجوار بعض الآليات العسكرية التي سببت بلبلة للمشاهدين وتبين أنها آليات مصرية رغم أن الحديث يدور عن الآلة العسكرية اليهودية والفكرة الصهيونية، جلست الفتاة في وضع إعلاني فاردة ساقيها على مركبة حربية وخلفها يرفرف علم مصر، وفي النهاية يتبين من العناوين أن من قرأت التعليق هي المخرجة " لمياء جودة " التي على حد علمي ليس لها أعمال سابقة تؤهلها للتصدي لتقديم موسوعة هامة أمضى أستاذا جليلا عمره كله في تحقيقها ومعه باحثين أفاضل يكفي ظهورهم لجذب المشاهدين دون الحاجة للقطات ذات الطابع السياحي التي تناسب برامج منوعات وليس برامج جادة في قناة نحترمها ونلتف حولها .

وسط البث التلفزيوني لقناة الأخبار عن الحادث الاستشهادي في حيفا ظهر شابين إسرائيليين يتابعان نقل المصابين  وهما يتضاحكان وكأنهما يشاهدان فقرة في سيرك ، مع المتابعة المتكررة لنشرات الأخبار أعيد المشهد وتأكدت من بُعده عن التخيل ، بل هما بالفعل يضحكان بلا مبالاة مستندين على حاجز على الرصيف أحدهما قميصه أبيض شديد البياض وهو ما يلاحظ في مشاهد أخرى يسود فيها ارتداء الإسرائيليين لملابس بيضاء ناصعة بخلاف ملابس اليمينيين منهم حالكة السواد والجميع يتحركون على مهل بإحساس تام بالسيطرة والأمان . على الأقل هذا ما تنقله الصور وما أكده فيلم من إنتاج قناة النيل للأخبار باسم " القدس .. بعيدا عن نشرات الأخبار " يحكي فيه مذيع قناة الأخبار " شريف عمار" عن جولة في القدس صحبته فيها مراسلة قناة النيل للأخبار " شروق أسعد " في جولة شبه سياحية تنتهي بسيرهما وسط مسيرة لشابات وشباب إسرائيليين يحملون علم إسرائيل ناصع البياض مع النجمة الزرقاء والخطين الأزرقين ، نهري النيل والفرات.  يعبر بطلانا شريف وشروق الطريق وقد انتابهما صمت بليغ ، ويسود الكادر الأعلام الإسرائيلية التي ترفرف بأمان تام وتتسيد الصورة والمشهد . ووسط عدم استيعابي قرأت اسم المخرج " حسين الرزاز " وبمشاعر غاضبة استنكرت أن نقدم فيلما ينتهي بمشهد لا يقل عن ثلاث دقائق ترفرف على سمائه أعلام إسرائيل بدلالتها التوسعية ، وعلى قدر الغضب الذي يمكن أن يصيبنا من المشهد على قدر صدق الرسالة التي وصلتنا من شباب قطاع النيل للأخبار عن الحالة التي وصلت إليها القدس ؛ بقايا من تراث عربي في مقابل واقع إسرائيلي وإحساس مفرط بالأمان والثقة .

وفي احتفالية " ليلة فلسطينية " شاهدنا عملا آخر للمخرج الشاب " حسن الرزاز " يظهر بوضوح أن المخرج لا يستوعب جيدا لغة الصورة ولا يعرف أين يضع الكاميرا وكيف يتحرك بها لينقل المعاني التي يريدها، ففي فيلم صور في ديسمبر 1998 عن مدن السلطة الفلسطينية نجد التعليق يخبرنا عن نابلس بينما الصورة تقدم لقطة متوسطة لمنازل المستوطنات ثم تتراجع الكاميرا لتظهر المستوطنة كمنتجع سياحي دون التأكيد على كونها كانت مزارع زيتون أو منازل فلسطينيين بل يمضي التعليق في ذكر ما تتميز به نابلس دون أن تنجح الصورة في نقل ما يخبرنا به التعليق .

قام المخرج بعمل نسخة جديدة من فيلمه التسجيلي " النيل يعانق فلسطين " وهو حلقة من برنامج النيل يعانق الأشقاء فأصبح " النيل يعانق فلسطين /نظرة أخرى " يتوقع المشاهد أن يلجأ المخرج لعمل إزاحة لصورة مدن السلطة الفلسطينية التي صورها في ديسمبر 1998 لتحتل صورة الاجتياح الإسرائيلي الذي بدأ مساء 28 مارس 2002 ولكنه اكتفى بوضع أحداث الاجتياح في إطار يحتل 25%من الصورة بجوار المشاهد القديمة في إطار مماثل ، وكتابة على الشاشة " النيل يعانق فلسطين "، وعندما حدثت الإزاحة سيطرت  الصورة القديمة بدلا من الأحداث الجديدة في تقابل بين الأمل واليأس  كما يقرأه المذيع " أحمد أنور " الذي احتلت صورته ثلاثة أرباع الصورة بجوار مربع لا يكاد  يُرى من مشاهد البلدة . والعمل المذكور بأكثر الكلمات تهذيبا محاولة تمت في تعجل لا يرقى إلى مستوى الحدث .

وتلخيصا لمأزق الخطاب الإعلامي المصري الذي يأخذ موقف الدفاع بإصراره على الحديث عن الريادة المصرية حتى في الوقوف مع الشعب الفلسطيني بالإضافة إلى الحديث عن جيل أكتوبر وإنجازاته كرد فعل على الدور الذي لا يمكن إنكاره لجيل الستينيات في مختلف المجالات الإعلامية والثقافية وهو الجيل الذي أرسى قواعد الفيلم التسجيلي المصري وقام بدوره في توثيق أحداث الفترة الناصرية وما بعدها بمستوى فني متكامل خلافا لمحاولات شباب قناة الأخبار الذين يخلطون بين أسلوب التقارير الإخبارية التي تحتاج مذيع ربط كما تفعل مراسلة قناة الأخبار شروق أسعد في تقاريرها الهامة وبين حلقات تسجيلية تحتاج صياغة فنية وبنية تعتمد على ما وصل إليه فن المونتاج الذي ينجح في خلق صدام وجدال ومعرفة جديدة عن طريق الانتقالات بين الأفكار واللقاءات والمواد المصورة للأحداث على غرار ما يقدم في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإنجليزي وأيضا القناة الفرنسية الخامسة التي تقدم أعمالا تسجيلية متنوعة لمختلف القضايا السياسية .

أن يقال عن نشاط ما أنه يقام تحت رعاية السيدة الفاضلة " سوزان مبارك " حرم رئيس الجمهورية فهو قول في محله لأنها بالقطع لا تتقاضى راتبا على جهودها كما أنها تقوم بها بشكل تطوعي كقدوة للجميع على بذل الجهد في مجالات رعاية الأطفال والمرأة وعددا من مشروعات تنمية المجتمع التي تحتاج روح التطوع لتحقق أهدافها ، أما أن يحتفل السيد وزير الإعلام ويمنح بركاته وتقديره للعاملين تحت رئاسته مع إطلاق تعبير " تحت رعاية " فهو أمر لا يجب أن يحدث بل على العكس يجب أن  توجه الدعوة لكبار المثقفين وأهل الفكر والإعلام ويستمع لآرائهم المخلصة في ما تقدمه القناة  لكي تبقى مصر في مواصلة رسالتها الإعلامية التي تخدم قضايانا الوطنية بعيدا عن كلمات لا يصح ترديدها في عصر السماوات المفتوحة مثل " الريادة والعظمة " وكل تلك النعرات العنصرية التي تدعي التفوق ولا تترك المشاهدين يعبرون لها عن إحساسهم بذلك بل تصادر على آرائهم إلى حد يتهم فيه من يقدم رأيا مخلصا بتهمة سخيفة تسمى " الإساءة إلى سمعة مصر " ، على هذا ودون الخوف من أي تشكيك في الانتماء فقد انزعجت بشدة من القول بأن الاحتفال يقام تحت رعاية السيد صفوت الشريف وأندهش لتعبير تحت رعاية الذي يطلق على عمل هو من صميم عمل السيد المحترم  ويدخل في مهامه الوظيفية كوزير للإعلام في حكومة منتخبة من الشعب .

                                   صفاء الليثي

نشر بجريدة العربي الناصري 2002

 

رسالة الإعلام الفلسطيني في " الطير الأخضر "

الطائرات الورقية فعل مقاومة

الاثنين 18 مارس 2002 كان موعد لقاء أفلام فلسطين التلفزيونية مع مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال الكاتبة والمخرجة ليانة بدر التي تشارك بفيلمها " الطير الأخضر " في مسابقة قسم أفلام التلفزيون حضرت بصعوبة مع مجموعة الأطفال  الفلسطينيين للمشاركة في لجنة التحكيم كما هو متبع في مهرجان الطفل بالقاهرة ، واستطاعت أن تنهي المراحل الأخيرة من فيلمها " الطير الأخضر " في مصر وعنه تقول  :

" قدمت الفيلم  بمشاركة الأطفال لننقل وجهة نظرنا إلى العالم لما لاحظناه عن الصورة النمطية للطفل الفلسطيني الذي يرمي الحجارة ، أردت تقديم فيلم يحكي فيه الأطفال عن أحلامهم وقت الانتفاضة والتعبير عن إرادة الحياة عندهم " .

" نحن أبناء فلسطين ، نعرف نرقص ونغني ونحكي كثيرا من القصص الحلوة " بصوت طفلة يعلق على صور لأطفال صغار يحملون أعلاما صغيرة ، ومظاهرة الأطفال فيها يحملون لافتات سلام ضد العنف ، وتعليق الطفلة مستمر : " نحب نعيش أحسن من هيك ، نعيش حياة غير طبيعية غير باقي العالم " ثم موسيقى على رسم من رسوم الأطفال يوضح طائرة ورقية مشتبكة في سلك شائك ومعلومة مكتوبة " معرض 100 شهيد ، 100طائرة "  فتاة اسمها مريم تحكي عن طفل فتح القفص وأطلق سراح العصفور قبل استشهاده بيوم والصورة من قفص مفتوح إلى الفتاة تتطلع من نافذة وتقول إنها تريد أن تكون مخرجة ، فتاتان أمامهما صندوق به كتاكيت ، أحدهما تحكي عن تربيتها للكتاكيت " الصيصان " ثم لقطات لعساكر الحواجز يشيحون للناس ليتحركوا بسرعة ، مريم تجري وسط الناس بينهم رجل متوسط العمر على عكاز ، فتاة أخرى تحكي أنها كتبت " أهلا وسهلا تفضل اجلس تحت القصف ثم تحكي عن صديقتها التي ارتدت ملابس سوداء حتى لا  يشاهدها الجنود في الظلام فواصل موسيقية على لقطات هادئة نوعا ثم الفتاة تحكي أنه يوم في الساعة الخامسة والنصف من صباح الخميس 18/10/2001سمع صوت " ممنوع التجول حتى إشعار آخر " الدبابات تلف حول البيوت ثم انتقال إلى طائرة ورقية وتقديم لثلاث صبية جمال ومأمون واسحق أبو موسى الأول يريد أن يصبح طبيب بيطري والثاني لاعب كرة قدم الثالث يحكي عن استشهاد واده " ناصر لطفي " نرى صورته معلقة على جدار الصبي يحكي عن استشهاد أبوه ثم نعود إلى جمال الذي مات كلبه المخرجة تسأله " أول مرة تربي كلب ؟ " يجيب وسط دموعه الحبيسة " ثاني مرة " . مأمون يفرجنا على جوائز لعب الكرة " كأس مؤسسة شباب البيرة " ويحكي عن أخوته من استشهد منهم ومن بقي . فتاة من أسرة غنية تحكي عن حلمها أن تكونعصفورة ، تطير وتلف حول العالم " أطلع على القمر وأقعد عليه " ثم تحكي أن ما يعجبها في جو الانتفاضة أنهم يجتمعون جميعا ويحكون ، ثم تعزف على بيانو صغير وهي تغني " أوضاع في بلدتي / أحداث لا تنتهي / منها الكبير الكبير / منها الصغير الصغير / فصمدنا أمام الغزاة / لنحرر فلسطين " ثم نراها أمام السور تتطلع لمنطقة مقابلة بها مستعمرة إسرائيلية ثم تجيب عن سؤال للمخرجة عن وضعها لعلم فلسطين على صدرها فتجيب " افتخاراً بالوطن " تحكي :  " في يوم عيد الاستقلال تبع الإسرائيليين ، كان في ألعاب نارية حلوة ولكن احتفالهم لاحتلال بلادنا شيء يضايق " تواصل بأن شارون منع اللعب بالطائرات الورقية فتحمس الصبية للعب بها في مواجهة المستوطنة ثم نسمع غناء بدون موسيقى " ركضنا في الساحة ولعبنا لعبات / ولعبنا في الساحة وحكينا حكايات " الصورة في الفيلم مخالفة لما اعتدنا مشاهدته في شرائط الأخبار بعيدة عن الحماسة والصراخ بل تنقل صورة هادئة تشبه نارا تحت الرماد ، شوارع الفيلم هادئة ، بقايا صورة على حائط تبدو كلوحة لرجل محفورة في الجدار ، أطفال صغار يلعبون بجوار سيارات مهشمة ، أشياء مقلوبة في منزل والأطفال يجلسون على الأثاث المبعثر وطفلة أخرى تحكي أنها تحب أن تتعلم العبرانية لتقول لهم " اطلعوا من بيوتكم " مش الكم بيوت !؟ " طفل يحكي عن تربيه للعصافير وبيعها ليساعد أهله وكيف أنه أصبحت لتتحمل البقاء لأربع ساعات على الحواجز فتموت . ثم لقطات من فوق أسطح المنازل الفتيات تنشرن الغسيل فتاة تلفت وتحدثنا " المستوطنة قبالنا ، نحن ما بنخاف لكن الصغار يخافون ، ما فيش عندهم أطفال " تحكي عن حبها للعب بطائرة يصنعها أخوها تحمل علم بلادها وتطيرها في السماء ثم نلتقي بالأخ وهو صبي على أعتاب الشباب لنصل لمشهد النهاية ونشاهده يحكي عن حبه لعمل الطائرات الورقية وكيف أصبح يعلم الأولاد ، حتى قام بعمل طائرة على هيئة علم فلسطين " أطيره علشان أقهر العدو والمحتلين أراضينا ، أرفعه لأكسر أعينهم ، ردوا علينا بطائرات عليها علم إسرائيل بس ما قدروش يعملوه بنفس الفن وعلى طرقنا  " .

فيلم " الطير الأخضر "  يقدم نماذج مختلفة لأطفال أغنياء بيوتهم لها حدائق ، وآخرون يعملون أعمالا بسيطة لمساعدة عائلاتهم مثل صبي يبيع قهوة لمن يريد وآخر يتجول بأكياسه يبيع أدوات مدرسية وثالث كان يربي عصافير ولكن الأحداث عطلت تجارته الصغيرة وأماتت عصافيره. فتاة تعيش في بيت كبير وله حديقة ولكنها محاطة بسور في مواجهة مستوطنة كانت أرضا فلسطينية حتى وقت قريب غيروا اسمها وبنوا بيوتهم عليها .

فيلم " الطير الأخضر " مصور بالفيديو بكاميرا نصف احترافية وعلى فترات متباعدة تبعا لما سمحت به الأحداث ويقدم أطفال رام الله والبيرة وهم يحكون روايتهم للمعيشة وسط الانتفاضة ، أنهت " ليانة بدر " اللمسات الأخيرة في المونتاج في مصر وبلغ طوله 38 ق وفاز بالميدالية البرونزية في مسابقة الأفلام التلفزيونية والتحريك قالت عنه المخرجة والكاتبة ليانة بدر أن الفكرة بدأت من أطفال جيران لها في رام الله يسكنون في منطقة تواجه مستوطنة إسرائيلية ، وما أثار فضولها رؤيتها لطائرات ورقية مرسوم عليها علم فلسطين وكنت أدهش كيف لايخاف الأطفال من رفع طائراتهم في أماكن خطرة بها سكان يقومون بأعمال قنص وقتل وعندما بدأت في عمل الفيلم فهمت من الأطفال أنهم يعتبرون هذا العمل فعل مقاومة .

وعن ظروف تصوير الفيلم قالت إنها اهتمت بألوانه الغنية التي تعكس جمال الطبيعة في فلسطين وأنهم يعانون من صعوبة وجود ميزانيات لعمل الأفلام وتلقت دعما من " سيدا " المؤسسة السويدية للتعاون ، ولم تتمكن من تجهيز مواد دعاية لتصاحب الفيلم في مهرجان القاهرة الدولي للأطفال ونتوقع ما بين الحصارات الإسرائيلية في فترات التوقف أن تنمكن من بثه عبر الإنترنت كما اقترحت السيدة " منى شوقي " مديرة وكالة أنباء الشرق الأوسط بالقاهرة التي عبرت عن سعادتها بالفيلم لأنه ينقل رسالة هامة عن هؤلاء الأطفال ورغبتهم في العيش في حب وسلام وأنها شاهدت صورة مختلفة عن كثير من الأفلام الأخرى  .

تحدثت ليانة بدر عن توارد خواطر كل الأطفال الفلسطينيون في أكثر من فيلم بحلمهم أن يكونوا عصافير وكونه حلم جماعي لا يقدر أحد على قمعه . كما تحدثت عن نجاحهم في عبور الحواجز للحاق بطائرة مصرية تصادف وجودها لكي تتمكن هي والأطفال الفلسطينيون أعضاء لجنة التحكيم من الوصول في الموعد والمشاركة مع أطفال العالم في تظاهرة الأطفال الدولية استجابة للتعاطف الكبير من الشعب المصري والعربي وشعوب العالم .

    مقال قديم أعيد نشره ليبقى في ذاكرتنا              صفاء الليثي

نشر بجريدة العربي الناصري الأسبوعية مارس 2002 / مسئول صفحة السينما ماهر زهدي

 

عن كتاب فيلليني سينما السحر والأحلام للناقد أمير العمري

كتاب ممتع ومحفز على إعادة مشاهدة الأفلام

لا شك أن المكتبة السينمائية العربية تعاني من نقص شديد في مؤلفات السينما خلاف للترجمات، ولهذا يأتي كتاب " فيدريركو فيلليني سينما السحر والأحلام للناقد أمير العمري" إضافة هامة للمكتبة العربية في صياغة جيدة لا تربك القاريء، زاخرة بالمعلومات والاهتمامات التي تتناولها الصحافة السينمائية عادة ممتزجة برأي نقدي يخص الكاتب نفسه ، واقتباسات من نقاد أجانب مرموقين يتم ذكرهم في متن النص كما يرفق بعد كل فصل مصادر الدراسة التي رتبت زمنيا بحيث خرج الكتاب كمرجع شامل لكل أعمال فيلليني ومقتطفات من أقواله، معلومات ما يعرف بالميكنج أو كواليس عمل الفيلم، مع ذكر ردود الأفعال وقياس مدى النجاح التجاري والنقدي لكل عمل من أعمال فيلليني دون إغفال أعماله القصيرة. نتوقف في الكتاب عند جمل تبلغ أهميتها ما لجمل حوار الأفلام من أهمية، إنها " يعيش السينما ولا يعمل بها فقط" كما يصفه الناقد" بيتر بوندانيلا" ، "غير أن السينما تظل أقوى من الحياة"، " يمكن اعتبار الفيلم رحلة في عقل كائن خرافي " يحمل الكاتب لقب دكتور فهو خريج كلية الطب جامعة عين شمس عام 1976 ، ويمكن أن يحمل اللقب ليكون دكتورا في السينما بهذا العمل البحثي الهام الذي يعتمد المنهج البحثي في الكتابة عن عبقري قنان، بذكر المصادر وتحليل الأعمال ثم الوصول الى استنتاج نهائي، مذيلا برأيه، أو منتهيا بجملة قالها فيلليني نفسه، مثل " تعلمت من كازانوفا أن غياب الحب هو أعظم الآلام" .

كتاب أمير العمري عن فيلليني يكسر عددا من المسلمات على رأسها مقولة، الفنان أسوأ من يتحدث عن عمله، فعلى النقيض تماما فإن فيلليني أفضل من يتحدث عن أفلامه ويشرح طريقته في العمل أفضل من أي ناقد يتبع منهج التفكيك والتأويل. وهو أيضا قادر على شرح الفيلم للممثل وخاصة أنه لا يعطي ممثليه سيناريو كامل ولا نسخة حوار سيرددوها في الفيلم، يشرح العمري كيف يوجه ممثليه بالبوق الشهير الذي يحمله عبر الميكرفون ويعتمد على الدوبلاج ، تسجيل الصوت لاحقا لكي يضبط تماما الجمل التي يريد قولها. مسلمة أخرى يكسرها الكتاب ففي عرضه للأفلام يقوم الناقد بشرح المشاهد ووصفها بالكلمات قبل أن يخرج بتحليله النقدي، وهذا الوصف لم يمثل عائقا أمامي للاستمتاع بالفيلم بعدما أعدت مشاهدته بتحفيز من المعلومات والتحليل الشامل الذي قرأتع بالكتاب. فمهما وصل وصف المشاهد بالكلمات لا يمكن أن تغنيك عن مشاهدتها، في فيلم فيلليني الذي يمزج الواقع بالسحر والخيال بالأحلام كما ورد كثيرا في وصف طريقة عمله. يكتب العمري ، "ساتيركون فيلليني " عالم غير متماسك،غير متجانس، مركب من الصور والتداعيات التي تندفع من عالم الحلم ، وينقل أيضا أن أصدقاءه المقربون أكدوا أنه كان يختلق ذكريات شخصية للاستمتاع فقط بتصويرها في أفلامه" . أثناء قراءتي للكتاب كنت ألهث في محاولة لملاحقة الأفكار المنهمرة من فيلليني وناقد أجنبي يتحدث عنه والعمري في استدراكاته واستنتاجه الأخير، وكأن حمى الكتابة عن فيلليني قد انتقلت من الكاتب الى القاريء وتشربت روح فيلليني وشخصيته الصريحة القوية، أتمثله حين يقول ، لم أفهم الكثير من قصتك ..، ولكني أخيرا حصلت على حريم الملك سليمان، وأتوقف عند قول الكاتب " لقد أصبح فيلليني علامة مسجلة ، ولهذا هناك "روما فيلليني"، "ساتيركون فيلليني" وكازانوفا فيلليني " في الكتاب شرح واف لسبب اقتران اسم فيلليني بالأعمال السابقة تحديدا .

ولشرح سبب سقوط فيلم " كازانوفا فيلليني " يذكر الكاتب أن هذا بسبب مخالفته للصورة السابقة عن كازانوفا لدى الجماهير، ينقل العمري مقولة " القاعدة الأولى في الفن أنك يجب ألا تصنع عملا فنيا عن شخصية لا تحبها ، وينقل الكاتب جون باكستر عن فيلليني قوله إن كازانوفا أسوأ فيلم أخرجته" ولكن في كتاب الناقد الإيطالي جيوفاني غرازيني يقول  فيلليني "كازانوفا" يبدو لي أكثر أفلامي اكتمالا وجرأة". وهكذا ينقل العمري بأمانة آراء لفيلليني ذاكرا المصدر وهو يضعنا في مواجهة شخصيته وتناقضاتها. 

في الملاحق ، نعرف كيف ولد فيلم " روما مدينة مفتوحة "  ونقرأ رسالة فيلليني الى ناقد ماركسي، ترسم صورة لطبيعة العلاقة الندية بين مخرج فذ وناقد محترم. علاقة متكافئة لا يعكر صفوها الخلاف في الرأي. افتقدت بالكتاب صورا كافية تمتع عين القاري بلقطات من مشاهد أفلامه، ولقطات له أثناء العمل، افتقدت صورا له في لحظات مع زوجته وأصدقائه لتكتمل صورة الإنسان والفنان التي بذل الكتاب جهدا كبيرا في تكثيفها عبر ما يمكن اعتباره نصا يصلح لعمل وثائقي مصور عن واحد من أهم صناع السينما على مستوى العالم.

وأخيرا أتمنى أن يتم الاهتمام بإصدار الكتب السينمائية في مهرجاناتنا الكبرى وأن تخصص ميزانية كافية لتكون الكتب كما وكيفا إضافة حقيقية لما يكتب عن السينما بلغتنا العربية.

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 12 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي 



Thursday 7 January 2021

عن " حظر تجول " وفوز بطلته بجائزة التمثيل مناصفة من القاهرة 42

 في " حظر تجول" سكتت فاتن وسكت الفيلم أيضا

فيلم المخرج أمير رمسيس  " حظر تجول" يعد فيلمه الثامن في مشواره مع السينما الروائية الطويلة ، يقدم رمسيس هنا سينما تعتمد على النجوم وتناقش قضية تشغل المجتمع المصري ، اختار رمسيس حي شبرا القاهري المعروف بتجاور المسيحي والمسلم من الطبقة الوسطى به، كما أنه قريب من قلب القاهرة حيث مركز أحداث العام 2013 وتطبيق حظر التجول على العاصمة، تبرز العناصر الفنية في الفيلم  بشكل جيد، ديكور البيت والشقة بطرازها المصري القديم، باب عريض في صالة المنزل وشرفات تقابلها شرفات منازل الجيران، العمارة بساكنيها وحتى السطح، تعبر عن نماذج متنوعة من نسيج المجتمع المصري، بداية من مشهد على السلم ومقابلة الجارة مرورا بمنزل الجار يحى الذي قد يكون مسيحيا دون أن يؤكد لنا صانع الفيلم، عند مشاهدة الفيلم تطمئن إلى حقيقة أنه مازالت هناك صناعة للسينما في مصر وتتساءل أيضا لماذا لا يوجد خلل سوى في السيناريو، قام أميررمسيس بتأليف فيلمه بنفسه كما فعل أحيانا في أفلامه السابقة، السيناريو  بدأ مشوقا وضعنا في حيرة عن ليلى وفاتن، هل هي حماتها؟ قريبة لها، ولكنه لم يصبر طويلا ثم أفصح عن العلاقة بشكل أسرع مما توقعت. بناء جيد لشخصية فاتن تقوم بها الهام شاهين  بتمكن، وشخصية غامضة لم أفهم تركيبتها النفسية تماما تقوم بها أمينة خليل، وشخص متسق مع نفسه يقوم به أحمد مجدي، طفلة السينما الغلباوية والجار يحي بملامح رومانسية، يحب عبد الحليم ويعاني صحيا أداء رائع للممثل الفلسطيني كامل الباشا. جارة لها قبول لدى المشاهدين هي عارفة عبد الرسول تضفي حيوية على  المشاهد القليلة التي تظهر بها، ولتكتمل التوليفة المصرية هناك سائق التوكتوك المنزعج من الحظر فيعوض الحبسة بإقامة ما يشبه الغرزة في منزله على سطح البيت. وأداء جيد للكوميديان محمود الليثي. ينتهي الفيلم كإشارة عابرة فقط عن مشكلة كبيرة قد تحدث في بيوتات كثيرة ويكون التعمية عليها مسببا لمشاكل أكبر. يمكن الاستمتاع بالفيلم رغم هنات الكتابة التي قام بها المخرج بنفسه. المناخ العام الذي يضعنا فيه " حظر تجول" يتجاوز الاسم بعيدا عما قد يوحي به سياسيا ويناقش فقط علاقة كراهية من ابنة لأمها غير معتادة في تركيبة الأسر المصرية.  فقد سكتت فاتن عن سبب قتلها لزوجها حماية لابنتها، وسكت الفيلم أيضا ، لم يناقش فيلم " حظر تجول " المسكوت عنه، مشكلة تحرش الأب بابنته، الصبية البطلة لم تدرك شيئا وظلت على حبها لوالدها الذي يتحرش بها وضبطته الأم متلبسا فقتلته ، وبدعوى شائعات طالت الأم عن علاقتها بالجار يحيى تصدقها الابنة وتكره أمها ولا تزورها في سجنها لمدة 17 عاما، لم يناقش الفيلم سبب محبة الابنة للأب الذي ينتهكها، هل لم تدرك وقتها فحش ما يفعله بها ؟ توقعت مع تقطيع الفلاشات باك على أجزاء عبر الفيلم أنه في لحظة ما ستدرك مدى الجرم الذي مارسه معها الأب، لحظة التنوير التي تكتمل بها الدراما، ولكن هذا لم يحدث. تحول الفيلم الى مناقشة علاقة كراهية من ابنة لأمها، تتحول الى قبول ثم اعتراف بها كأم وهذا جيد ولكن المشكلة الأساسية لم تحلل ولم تناقش .

"حظر تجول " فيلم تجاري محكوم بسينما النجوم ، النجمة الأم  الهام شاهين نجمة مخضرمة والنجمة الشابة أمينة خليل نجمة هذه الأيام ومباراة التمثيل بينهما دون ترك مساحة حقيقية لمشكلة الطفلة، لايبدو أن المخرج استشار طبيبا نفسيا ليفهم طبيعة مشاعر صبية تتعرض لانتهاك من والدها، ولم يتم مناقشة تركيبة هذا الأب ، حين يتم تناول موضوع اجتماعي هام كان يجب  استشارة طبيب نفسي لتوضيح بعض المفاهيم. وبالطبع شخصية ساكن السطح مزروعة لغرض الترفيه، مشاهد ظريفة ولكنها تبقى في إطار تركيبة الفيلم المصري الذي يقبل عليه الجمهور. لا أعتقد أن صناع العمل منتجه صفي الدين محمود وباهو بخش قد  حققوا هدفهم من فيلم يفتح نقاشا حول زنا المحارم أو الخلل النفسي لدى بعض الآباء.  ما أراده صناع الفيلم  من الحديث" عن المسكوت عنه"  لم يتحقق لأن الفيلم سكت كما سكتت فاتن وتم عرض الحدث بشكل غامض وترك لكل مشاهد حرية التفسير التي وصلت بي الى أن الفتاة كانت تجد متعة في مداعبات الأب وتلك مشكلة كبرى تمتد الى التوتر الجنسي بينها وبين زوجها ونفورها ورفضها بحجة وجود الأم رغم أن الحوار يعكس أن هذا التباعد مستمر قبل مجيء الأم بالإضافة الى غيرتها من ممرضة تتحرش بالطبيب الزوج، على طريقة الحدق يفهم تركت كل الأمور دون تعمق في تحليلها. هناك تعمية بحجة التناول الهاديء أو لعدم خدش حياء المشاهد ، وظلت المشكلة قائمة دون تحليل.

صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 5 يناير 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي