Monday 19 December 2016

حقوق النساء كما ترصدها الأفلام الروائية

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
 للنساء فى مصر
نتيجة سيطرة فكرة الشرف والعيب  فى المجتمع المصرى تغلب فكرة مناقشتها فى الأفلام بدرجة أكبر كثيرا من مناقشة حقها فى العمل أو استقلالها الاقتصادى، وفى الحالات التى يتم فيها تناول قصة امرأة عاملة تعرض مقرونة بفكرة تفوق الرجل وقوامته والانتهاء بأن دور المرأة الحقيقى أن تكون خلف رجلها " تنور بيته وتربى عياله" . القليل الذى نرصده من الأفلام الروائية التى تستهدف الجمهور العريض ناقش حق المرأة فى العمل بل وتفوقها أحيانا على الرجال، ولكنها إما فى أسلوب كوميدى يغلب عليه السخرية من المرأة وطموحها، أو فى دراما رومانسية تنتهى بإقرار المرأة بأن مكانها فى البيت لترعى الزوج والأولاد . سأبدأ مع فيلم الأفوكاتو مديحة الذى أخذت فيه المرأة نصيبها من التأنيب عبر خطب رنانة من أخيها الأكبر يوسف بيك وهبى  وبعد أن نالت ما نالته من التقريع والتأديب نجدها وقد تحولت إلى كائن ناجح فى حياتها العملية وكما ورد فى تعريف الفيلم بموقع السينما العربية (الأفوكاتو مديحة 1950 ﻓﻴﻠﻢ مصرى ﺗﻢ ﻋﺮﺿﻪ 10 ابريل 1950 .)
ويحكى " محمد ناظر عزبة متعلم  ومتواضع  ومديحه أخته محامية شابة تتعالى على حياة الريف وأهله وبرغم طيشها يساندها أهلها الريفيون دون علمها لكى تنجح فى حياتها العملية ." المرأة فى الفيلم رغم تعليمها العالى طائشة، ناقصة عقل احتاج من يوجهها – ويعلمها الصح- الفيلم من ﺇﺧﺮاج وتأليف يوسف وهبي ،  أبو السعود محمد (مراقب السيناريو)، تمثيل مديحة يسري  يوسف وهبي ، سعيد أبو بكر، سانتا ندير ،محمد قنديل و سيد سليمان. بعد الخطب المباشرة لعميد المسرح والسينما يوسف وهبى نجدها وقد تخلت عن تعاليها وإحساسها بالتفوق. لم يكن أمر عملها لتكسب وتنفق على نفسها بل لتحقق ذاتها وهو أمر مستهجن فى الثقافة المصرية حيث مطلوبا من المرأة أن تعمل فقط لتنفق على أولادها عند اختفاء الزوج بالطلاق أو الموت ، أما أن تعمل لكى تصبح عضوا نافعا فى المجتمع فهو ما يسخر منه الفيلم من داخل شخصياته ويتبنى صناعه وجهة نظر هذا المجتمع الذى حجم المرأة وقلص وظائفها.
نسخة معدلة من الفيلم تقوم فيها فاتن حمامة يتمثيل  دور الأستاذة فاطمة

التى درست القانون وتأهلت لتمارس المحاماة تشجيعا من والدها الذى لم ينجب ذكرا يحقق له طموحاته، تتعثر فى مكتبها وتسرق زبائن الرجل الناجح وحين تتزوجه تنجح بما أهلته لها دراستها فى الدفاع عن الزوج كمهمة وحيدة وأساسية للمرأة حتى لو كانت فاتن حمامة التى قامت بأدوار تسعى فيه إلى حريتها وتطالب بفتح الأبواب لها ولبنات جنسها فى مطالب بالمساواة مبكرا جدا فى فيلم لطيفة الزيات وهنرى بركات " الباب المفتوح "، فيه تمر الفتاة ثم السيدة بثلاثة مراحل مع نوعيات مختلفة من الرجال وينتهى باختيارها أن تكون بجوار الحبيب الثورى الذاهب إلى بورسعيد متطوعا للدفاع عن وطنه فى حرب 1956 .
حتى هنا دراستها وتطوعها مدفوعة بالوقوف خلف الرجل وليس بجانبه.
أما الحق فى العمل فيأتى دائما فى حالة الاضطرار كما فى فيلم " أنا وبناتى " الراسخ فى أذهاننا بعنوانه التالى بيت العز، فالبنات الأربع تضطررن للعمل بعد أن يعجز الأب على الإنفاق عليهن ، فى الفيلم مشهد تتكافتن  وتحتضن كل منهن الأخرى باكيات لأنهن سيخرجن للعمل، بعد إصابة الأب ، هذا المشهد تحديدا يصيب بعض ممن يشاهدونه من بلدان أخرى باستغراب شديد فما هى المأساة فى أن يعمل إنسان ما؟ بالطبع هم لا يتصورون قدر الأفكار الاجتماعية الخاطئة التى كانت لديهم يوما ما  قريب فى بدايات القرن العشرين فى وقت ليس بعيد من حوالى مائة عام فقط أو يزيد قليلا فى أوروبا كما يرصد فيلم " ابتسامة الموناليزا " حيث تواجه معلمة طليعية – وهى النجمة جوليا روبرتس- أفكار سيدات المجتمع وصاحبة ومديرة مدرسة للفتيات تهدف من تعليمهن أن تصبحن ربات بيت مطيعات للزوج وأن تقمعن مواهبهن ورغباتهن لتمضى الحياة فى نفاق اجتماعى بزواج يشبه ما نسميه الآن – زواج صالونات- وهو المناخ المسيطر على مصر الأربعينيات حيث لا تعمل النساء لكسب عيشهن أو لتحصلن على استقلالهن الاقتصادى الا عند الضرورة القصوى. وحين تفكر فتاة أو امرأة فى العمل – ياخدوها على قد عقلها – ويتظاهرون بالموافقة حتى يقنعها حبيب أو تقتنع لسبب ما وتعود لأحضان قناعات باقى أفراد الأسرة ذكرها والأم التى تتبنى أفراد ذكور العائلة حرصا على سلامة ابنتها – من البهدلة فى سوق العمل- أكتب وفى ذهنى فيلم " عائلة زيزى" فنيا واحد من أفضل الأفلام الكوميدية الذى يعكس العلاقات داخل الأسرة المصرية  ولكن الأخت - وتؤدى دورها الجميلة سعاد حسنى-  حين ترغب فى التمثيل كعمل تتصور أنها أهل له، يتوحد الأخوان لمنعها من التمثيل بدعم الأم بالطبع ، ويدعمهم بشكل غير مباشر المخرج السينمائي داخل الفيلم الذى يفضلها زوجة ويتقدم لخطبتها وننتهى إلى رسالة أن حصولها على زوج أفضل للجميع من حصولها على عمل.  ولم يكن هذا موضوع الفيلم الأساسى بل كان التركيز على المخترع فؤاد المهندس الذى صمم ماكينة لصنع القماش، كلنا نحفظ تعبير " طلعت قماش " وزوجته – التى ستصبح زوجته – ابنة صاحب المصنع الذى سيمول مشروع المبدع الرجل وهى تسانده ولا تغضب حين يغازلها " أنت أجما ماكينة شفتها فى حياتى" نعم النساء ماكينات تحتجن إلى التشحييم والتزييت ، تحتاج يد الرجل المبدعة لتخرج أفضل ما بها وتطلع قماش. المخرج فطين عبد الوهاب ناقش عمل المرأة فى فيلم كوميدى طريف آخر " للرجال فقط" حيث تتنكر نادية لطفى وسعاد حسنى فى زى الرجال لتتمكنا من العمل مهندسات فى موقع للكشف واستخراج البترول كما زميليها إيهاب نافع وحسن يوسف، هنا مناقشة ساخرة أن حرية التعلم والوصول لأعلى درجات التعليم مسموح بها أما العمل فهناك مهن محددة فقط يميل المجتمع نحو أن تمارسها النساء، ممرضة لا طبيبة، سكرتيرة وليست مديرة، معلمة للأطفال، وإذا عدنا للفيلم نجد أن علاقات الحب بين الشابين والفتاتين وقد تحولت إلى موضوع الفيلم الرئيس وليس حقهما فى العمل الذى تؤهله لهما الدراسة التى درسنها.  النماذج السابقة لأفلام تدور فى الطبقة الوسطى والنساء متعلمات وستم طرح قضية العمل فى أفلام تتناول نماذج للمرأة فى الطبقات الشعبية، غالبا تعملن خادمات منازل اضطرتهن ظروف اجتماعية للتضحية وممارسة هذا العمل، ويمكن أن نضم إليهن أيضا من تحترفن الرقص أو الغناء فى الكباريهات أو حتى فى فرق فنية وينظر لهن بشفقة وتظهرن فى الأفلام بائسات تنتظرن المخلص،
( رجل شهم يحبها ويستتها ويبعدها عن ولاد الحرام). وهن بالطبع كائنات خلقن لغواية الرجل أو لخدمته والجلوس تحت رجليه، فقط الحب الرومانسى قد ينقذها من مصير قطعة القماش الممزقة بتحويلها إلى ست بيت ( هدى سلطان وقد تزوجت فريد شوقى ولم تعد تغنى فى الصالات أو تقرأ الطالع، بل نتظره فى البيت تغنى سعيدة أثناء إعدادها الطعام " الأسطى حسن " وهى ست كُمل صاينة بيته يساندها أهل الحى ويتفهموا لجوءها لعمل الحياكة فى المنزل حتى تنفق على ابنها وأمها وتعوض انصرافه عنها. يتم التعامل مع عمل المرأة  لكسب النقود  بميلودرامية وكأنها مأساة لابد من زوالها بعودة الزوج – الى مراته حبيبته- وإعفاءها من العمل المهين. ستمضى السنوات ويتم تناول شخصية الخادمة والعاملة البسيطة بشكل طليعى يركز على إنسانيتهن ويظهر تضامن النساء ويهاجم بلا مبالغة الرجل الأنانى وأفضل نموذج على ذلك فيلم " أحلام هند وكاميليا " للمخرج المتفرد محمد خان حيث نجلاء فتحى زوجة لرجل بخيل أخذها لخدمته وأعفاها من خدمة الأغراب وصديقتها الخادمة قليلة الحيلة أمام إغواء الرجال . خان يظهر الرجل هو الدنيء ، الأنانى ، الذى يمارس الغواية وليس الفتاة أو السيدة كما يتصورها رجال فيلم  "لحن الوفاء ". فضلت هند أن تترك زوجها وتمارس عملا يضمن لها عيشها على العيش فى انتظار ( خمسة جنيهات تركها الزوج لكى تطبخ له بامية باللحمة الضانى) وهو أمر غير ممكن يتعامى هو عن كيفية تدبيرها النقود المهم أن يحصل على مايريد ( يملأ كرشه) ، لا ينتهى الفيلم نهاية ثورية بأنهما مثلا تنجحان وتشقان طريقهما، بل بضياع تحويشة العمر حين قررتا أن تلهوان قليلا على شاطيء البحر مع أحلام ابنة هند وقد تلاعب المخرج فى عنوان فيلمه البديع وأسماه أحلام هند وكاميليا . الابنة والمعنى معا.
استغلال الرجال للنساء وسرقة أموالهن تيمة متكررة فى كثير من الأفلام ففى " شادر السمك " يستغل أحمد زكى نبيلة عبيد بعد أن تظاهر بحمايتها من معلمى السوق وحين تتزوجه وتسلم له مالها الذى ورثته عن زوجها المتوفى يتنكر لها ويتزوج عليها . السينما التجارية فى مصر هى سينما نجوم كما السينما الأمريكية والهندية تفصل مواضيع أفلامها وقيمها المطروحة لخدمة النجم فنجده مهابا ومثاليا إذا كان النجم رجلا ، والنجمة نجدها مضحية وقوية ، وأخلاقية تقاوم الرجل وقد تغلبه إذا كان الفيلم معدا لنجمة، وأشهر مثال هما النجمتين نبيلة عبيد ونادية الجندى، فى أفلامهما يمكن تمرير حقوق المرأة اقتصاديا واجتماعيا لتظهر البطولات التى يمكن لهما أن تقدماها، ولكنها تبقى مرهونة بهما فقط كشخصيتين استثنائيتين فى رسم يشبه الشخصية النسائية فى الفيلم الفرنسى، المرأة القادرة التى تمتلك من الأنوثة والذكاء وقوة الشخصية ما يمكنها من التفوق على الرجال، وعلى الشيطان أيضا إذا لزم الأمر. " امرأة غلبت الشيطان " عنوان لفيلم يسير فى هذا الاتجاه ومعه أغلب أفلام نجمة الجماهير ( نادية الجندى) حيث تظهر المرأة قادرة على الكيد لأنها فى عداء دائم مع الرجل وهو نموذج تجد فيه سيدات الطبقات الشعبية والوسطى متوسطة التعليم نموذجا يحتذى لتتمكن من الحصول على حقهن اقتصاديا واجتماعيا، أجريت حوارا مع سيادت وفتيات حضرت مصادفة عرض تجارى لفيلم لنادية الجندى وسألتهن عن سر إعدابهن بها قلن أنهن تتعلمن منها، ليس الندية وليس الحق فى العمل وليس القدرة على المحافظة على مكاسبهن المالية بل كيف تنجحن فى الانتقام والكيد لرجال هدفهم استغلال النساء.
بالطبع ليست هذه دراسة كاملة عن كيفية تناول " الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة" فى الأفلام المصرية فمازال هناك الكثير مما يمكن الكشف عنه وتحليله عاكسا أفكار المجتمع وعارضا لتبنى صناع الأفلام لهذه الأفكار. خلافا لما يمكن استنتاجه من السينما التسجيلية وخاصة ما قدمته المخرجة الكبيرة عطيات الأبنودى فى عرضها لنماذج قوية من النساء مثل الفتاة راوية ووالسيدة نجاة، ومرشحات لمجلس الشعب وعاملات فى البناء، وفيها أبرزت نقاط إيجابية تحسب للمرأة المصرية فى مسيرة نضالها للحصول على مكتسبات اجتماعية واقتصادية.
صفاء الليثى

القاهرة مايو 2015
نشر بالعدد الأول من مجلة بنت النيل يصدرها حزب التحالف الشعبى الاشتراكى                                    

Tuesday 6 December 2016

ميموزا الفيلم الحائز على الهرم الذهبى 2016


 الإيمان وليس التدين 
بين الواقع وماوراء الواقع
 
لما كانت جوائز لجنة التحكيم الرسمية لدورة مهرجان القاهرة السينمائى الدولة 38 قد وافقت توقعاتى وتوقعات الكثير من النقاد والمهتمين وجدت أن الفيلم الذى حاز الهرم الذهبى لابد أنه متميز ويحتاج منى مشاهدة متأنية لأفهم، فعدت لمشاهدته فى إعادة عروض الأفلام الفائزة بعد أن شاهدته فى عرضه الأول ضمن المسابقة الرسمية ، فى المرتين لم أشعر بملل وإن احترت فى فهم رسالة المخرج وتفسير ما يود نقله إلينا، ليس الفيلم من أنواع أفلام الصورة التى يمكنك الاستمتاع بها دون أن تهتم بالبحث عن الرسائل بداخله، فالحوار ليس حوار الحياة اليومية فقط ، ولكنه كثيرا ما يروى قصصا ويوجه أسئلة ونصائح خاصة ما حملها شكيب الذى انضم إلى القافلة القديمة من عالم معاصر جعله المخرج موازيا للعالم القديم.
فى ملخص الفيلم بكتالوج المهرجان ، وعادة يرسل الملخص كمادة صحفية من قبل المنتج، نعرف أن قافلة ترافق شيخ يحتضر خلال جبال الأطلس المغربية. أمنيته الأخيرة أن يُدفن مع من أحبهم. ولكن الموت لا ينتظر. يتملك الرعب قادة القافلة من عبور الجبل، رافضين أن ينقلوا الجثة. يسافر أحمد وسعيد – اثنان من المحتالين – مع القافلة، ويدعيان أنهما على علم بخط سير القافلة ويتعهدا بتوصيل الجثة إلى مثواها الأخير. في عالم آخر، يُختار شكيب ليُسافر إلى الجبال في مهمة أخرى وهي مساعدة قادة القافلة غير المُدربين.
بعد مقدمة طالت إلى عشر دقائق نقرأ لوحة مكتوبة بعنوان الركوع تلت مشهد يحكى فيه شكيب قصة آدم وإبليس الذى كما حكى أوشك على الانحناء ( الركوع تدريجيا) قبل أن يرى نور الله فى آدم فيرفض السجود. الركوع عنونه المخرج كفصل أول ونفهم من التتابع أنها تعنى مرحلة متوسطة من الإيمان . تليها مرحلة القيام وهى أقرب إلى الشك أو الاعتراض، ثم المرحلة الثالثة وهى السجود أو التسليم لوجه الله تعالى وتلبية لطاعته. فى الحقيقة استعنت بصديق دارس للصوفية ليكشف لى بعض مفاتيح فهم الفيلم وأخبرنى أنه فى الصوفية لابد أن يظهر شيخ بديل للشيخ المقبل على الموت، وشكيب الذى تم اختياره لمساعدة القافلة يمثل روح الشيخ ألتى ستوجه أحمد الصعلوك الذى خرج لسرقة القافلة مع صديقه سعيد، ولكن رحلة السفر تنقى سريرته وتشعره بالندم على حياة عاشها بلا إيمان. شكيب يبقى كظل لأحمد ينصحه ويفهمه يشجعه لينتصر ويتحمل مسئولية المهمة التى كلف بها من إيصال الشيخ حيث مثواه الأخير فى بلاده ومن إنقاذ الفتاة الخرساء من مصير الشنق على يد غوغاء بعد اختطافها .
يوازى المخرج بين عالم قصة الشيخ بقافلته من الخيول والبغال حيث اختار الشيخ أن يخترق الجبال ليصل إلى موطنه، فكانت جبال الأطلس بالمغرب شديدة البكارة معبرة عن لا زمن أو عن زمن سحيق، وبين عالم معاصر بسياراته وطرقه الأسفلتية وأردية البشر فيه. يتم الانتقال بين العالمين بموسيقى الكترونية أقرب إلى المؤثر الموسيقى منها إلى موسيقى لحنية، تيمة وحيدة تنقلنا من القافلة فى الجبال إلى المدينة الصحراوية والعكس، قرب النهاية سيجمع المخرج العالمين فى مشهد يدخل فيه شكيب بحصان أبيض وسيف على المدينة حيث أحمد، أو قرينه، فى العالم المعاصر،
لقطات تجمع بين الحصان ومركبات حديثة، دراجة بخارية وسيارة نقل . أحمد المتعب يسلم نفسه إلى شكيب بل يشكره ويناديه باسمه للمرة الأولى، يذهبان حيث الفتاة التى يعذبها همجيون وهم مقبلون على شنقها لإنقاذها من هذا المصير، ومع صيحة شكيب شاهرا سيفه وخلفه أحمد وقد ملأ الإيمان قلبه ، تعود التيمة الموسيقية مع قافلة ، فوج من السيارات الحديثة وصوت التلبية يملأ المكان " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك ، لا شريك لك).
زمن عرض " ميموزا " بلغ الساعة والنصف ، حافظ المخرج على إيقاعه فيها تماما ، جاذبا المشاهد حتى لو وجد صعوبة فى فهم الرسالة بوضوح، تحدث المخرج عن فكرة الإيمان المختلف عن التدين وطرح أفكارا صوفية مستلهما طريق رحلة قطعها بنفسه مع صديقه الممثل سعيد عجلى، ناقلا لنا تجربته فى السفر والترحال يصحبه إيمانه، وصلاته الدائمة غير مقيدة بطقوس، كان شكيب الشخص القادم من حياة معاصرة هو من حمل صوت المخرج عاكسا ثقافة عربية إسلامية سكنت روحه منذ خروج عائلته من بلاده المغرب للعيش بأسبانيا، الفيلم إنتاج مشترك بين أسبانيا والمغرب وفرنسا وقطر 2016 فى 96 ق تشمل العناوين .
حاولت أن أفهم معنى عنوان الفيلم "ميموزا" ووجدت أنه نوع من النبات تنغلق أوراقه بمجرد لمسها فسميت بالنبتة الخجول . وهو ما لا أجد رابطا بينه وبين الفيلم. السينما فن المكان والزمان ، الأماكن فى الفيلم خلابة ، هذه الجبال الصخرية التى تفاجأنا بمساحات منبسطة وسطها، وأنهار تخلقها الأمتار تجرى بين الصخور، حرارة شديدة وأماكن أخرى يغمرها الثلج. نجح المخرج فى تنويع مناظره التى غلب عليها الاتساع بينما أغلق حدود الإطار على لقطات المدينة – ما عدا الطرق الأسفلتية- مركزا فقط على وجوه لبشر معاصرين عارضا صراعهم وأحقادهم الصغيرة لنيل لقمة العيش. خلاف للصراع الوجودى بين أطراف قافلة الشيخ فى الصحراء التى اتسمت بطرح أفكار متباينة بجمل واضحة تفسر المقصود، ولم يتركنا المخرج فى حيرة تفسير مشاهد يغلب عليها الصمت كما تعودنا من أفلام تصور فى الصحراء وتركز على الصورة فقط.
منحت لجنة التحكيم الدولية بالقاهرة 38  بالإضافة إلى الهرم الذهبى الممثل شكيب بن عمره جائزة أفضل ممثل، وأندهش قليلا من لجنة تحكيم منحته الجائزة وأجد أن الأجدر بها كان أحمد محمود ففى اعتقادى أنه ممثل الدور الرئيس وقد عكست ملامحه الشخصية المركبة الحائر بين ماضيه كصعلوك شرير وبين الخير الذى اكتسبه فى ترحاله مع الشيخ ثم مع جثمانه وحيرته فى التخلى عن مهته بإيصاله إلى بلاده حيث من أحبوه وبين دفنه فى أى مكان بالخلاء. وهى نفس الحيرة التى تملكتنى من منح ناهد السباعى جائزة أفضل ممثلة فى حين أن الدور الأول والأكثر اكتمالا كان لإلهام شاهين فى دور شامية موديل الرسامين كممثلة  عكست فهما للشخصية وأفردت لها مساحة كبيرة بالفيلم.
سبق للمخرج الحصول على الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد بمهرجان كان 2016، والمخرج أوليفر لاكس ولد فى باريس 1982 درس السينما فى برشلونة بأسبانيا ، انتقل إلى لندن وأخرج هناك عدة أفلام قصيرة، قدم عام 2010 فيلمه الروائى الأول " كلكم قادة" عرض بقسم نصف شهر المخرجين بمهرجان كان وحصل عنه على جائزة اتحاد الصحافة السينمائية فيبريسى . والمخرج له جذور مغربية كما حكى عن نفسه.
تنويه: الصديق الذى استعنت به على فهم الفيلم هو ابنى مهاب متولى ، وذكرنى بأننى نسيت أن أذكر جملة هامة يقولها شكيب بعدما سأله أحمد وكيف سننتصر عليهم فأجابه، بالحب ، الحب . كما أتوجه بشكر خاص للزميل الناقد الشاب أندرو محسن لولاهما لما تمكنت من كتابة المقال .   
صفاء الليثى
نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 رئيس التحرير سيد محمود.
 


Thursday 1 December 2016

فى تأبين محمود عبد العزيز

علمنا كيف نغرف من الحياة

بالصدفة شاهدت فيلما من أفلام محمود عبد العزيز الأولى، شابا أشقر بوجه مكتنز وعيون ملونة ولكن يا لسخرية القدر، الشاب مقعد على كرسى متحرك تقتله الغيرة على زوجته الجميلة نجوى ابراهيم، من شاب وسيم آخر هو عمر خورشيد ، تملكتنى الدهشة لاختيار المخرج أن يحبس هذا الجمال ويصوره فى أغلب مشاهده عاجزا على كرسيه المتحرك. النجومية ظلت لفترة لا تأتى إلا لمن يحملون ملامح وسامة ويكون مجرد ظهورهم بالفعل مهندمين مؤدبين عامل نجاحهم مع الجمهور ويثبت مكانته على كرسى النجومية . النجم يكفيه فقط التحدث بوله والتحرك بحساب ليكون معشوق البطلة ومعها مراهقات الفترة. ويبدو أن الحس النقدى لدى كان فطريا يحكم ذوقى فى الأفلام وأبطالها فكنت ومعى عدد لا بأس به من الصديقات نقسو فى الحكم على هؤلاء النجوم المتمتعون بالوسامة ونفضل عددا من الخناشير من الرجال غالبا يؤدون الدور الثانى أو السنيد ونتعالى على النجوم وفى قرارة أنفسنا حكم ثابت " ده ما بيعرفش يمثل، فاكر نفسه حلو قوى"، أحببت فى مراهقتى صلاح قابيل وصلاح السعدنى وعادل إمام، أما حسين فهمى ومحمود عبد العزيز " ياه على تقل الدم " تخلصت من مراهقتى ومن العجيب أن محمود عبد العزيز نفسه قد كره هذه الصورة عن الشاب الوسيم المعشوق من النظرة الأولى وأسعده الحظ وأسعدنا حين فقد مع الزمن قدرا من وسامته فزاد وزنه واكتسب كرشا كأغلب المصريين الذين يضعون قلوبهم فى معدتهم وسقط بعض شعر رأسه، عاد محمود عبد العزيز إلى قاعدة انطلق منها ليكون ممثلا تناسبه أدوار متنوعة صعلوكا عديم الأخلاق فى صعاليك داوود عبد السيد، أو أحد السعاة ، عامل ثائر فى أبو كرتونة ، قبطانا يعتقد فى نفسه الحكمة فى قبطان المخرج سيد سعيد ، سائق نقل عقله عقل طفل فى ثلاثة على الطريق لمحمد كامل القليوبى. لم يكن محمود عبد العزيز صديقا شخصيا لهؤلاء المخرجين – مثلما كان نور الشريف- ولا يحضر مجالسهم ولا يرتاد تجمعاتهم . هو أقرب أن يكون ذلك المحترف الذى يأتيه الدور فيجد نفسه فيه أو يرفضه بلا تردد.
أودعنا خزائنه ورحل
يتقمص أحمد زكى الدور حتى ننساه تماما، هو البيه البواب، أو الملاكم الشعبى فى كابوريا، أو ضابط الأمن القومى فى " زوجة رجل مهم " ولكن محمود عبد العزيز مختلف ، فالقبطان هو محمود عبد العزيز، والزوج المطحون هو محمود عبد العزيز، والعميل المزدوج هو محمود عبد العزيز ، لا يدخل فى الدور ويتقمصه كما أحمد زكى، ولكن الدور هو الذى يتلبسه ويصبح الممثل  قرين الدور وعفريته . ينصت محمود عبد العزيز جيدا لشرح المخرج، هل يفهم ما يقال حرفيا، لا بل يفهم المعنى العام ويلتقط الفكرة ، الشيخ حسنى طبعة محمود عبد العزيز، الأعمى المتحدى لعجزه والساخر منه حتى يتجاوزه.
طالما فاجأنا محمود عبد العزيز بأدوار كنا نشك فى قدرته على أدائها، كعربجى" الجوع" مع على بدرخان، " الساحر" الأب المدهش مع رضوان الكاشف، وسلسلة أفلامه مع على عبد الخالق بعد دوره فى "العار".
غرف محمود عبد العزيز من الحياة حتى شبع، ولما شعر بالامتلاء غادرنا وقد سلمنا صندوقا من جواهر الأعمال فى السينما والتلفزيون، ستبقيه خالدا حيا فى ذاكرتنا باعثة فينا بهجة الحياة .
بقلم: صفاء الليثى
نشرت بمجلة الإذاعة والتلفزيون 19 نوفمبر 2016    شكرا للزميل عرفة محمود


   

Thursday 3 November 2016

فيلمان عن الثورة الإيرانية 1979


مارجان ساترابى وناهد بيرسون شارفيستانى
مخرجتان إيرانيتان يساريتان فى المنفى


حققت السينما الإيرانية سمعة دولية كبيرة وخاصة مع مجموعة مخرجين لمعوا بعد الثورة التى أطاحت بالشاه عام 1979 على رأسهم عباس كياروستامى الذى رحل عن دنيانا منذ شهور وبقى المخرجون جعفر بناهى وأصغر فرهادى، محسن مخلمباف وابنته سميرة مخلمباف وأمير نديرى وآخرين كلهم حققوا جوائز فى مهرجانات الدنيا ولم تتأثر السينما التى ينتجونها بالمحاذير الرقابية مع الحكم الذى استولى على السلطة بعد الثورة الخمينية بل اعتبر النقاد أن التغلب على هذه المحاذير خلق فنا متفردا احترمه السينمائيون فى جميع أنحاء العالم وأذكر ما قيل عن فن الأرابيسك الذى ازدهر كثيرا لتلافى التصوير طبقا لقواعد الدين الإسلامى ولم أتوقف ولا أعتقد أن غيرى توقف عن حقيقة أن كل هؤلاء المخرجين العظام لم يقدموا أعمالا مباشرة عن الثورة وأن الأفلام تنوعت موضوعاتها دون أن تتعامل بشكل مباشر مع المعطيات الجديدة فى المجتمع الإيرانى. وحين كلفنى الزميل حسن شعراوى باختيار موضوع عن الثورة فى بلد ما، اخترت إيران رغم عدم مشاهدتى لفيلم منها تناول الثورة من وجهة نظر مخرج إيرانى ومع البحث وجدت  فيلما وثائقيا للخرجة ناهد بيترسون شارفيستانى، وفيلم تحريك للمخرجة مارجان ساترابى وكلتاهما ايرانياتان تنتميان لليسار الإيرانى الذى سرقت منه ثورته كما عبرت ناهد فى فيلمها وتجاوزت مارجان ذلك لتعبر عن سرقتهم لحياتها واستقرارها فى وطنها. ناهد ومارجان مخرجتان مهاجرتان تحمل كل منهما وطنها فى قلبها وعقلها. 
التحقق والإبداع خارج الوطن   
المخرجة مارجان سترابى هى رسامة ومؤلفة كتب أطفال وفنانة تحريك تقترب من عامها الخمسين الآن  تقدم فى فيلم الرسوم المتحركة " بيرسبوليس - ويعنى  باليونانية مدينة فارس -  وكنت أظن أنه يعنى البوليس الفارسى - تقدم سيرة ذاتية لها بداية من طفولتها وحتى هجرتها إلى فرنسا حيث أنتجت الفيلم عن قصة هزلية لها بنفس الاسم وشاركها الإخراج مخرج فرنسى شاب.

اتبعت مارجان فى السيناريو الذى كتبته على قاعدة من الخاص إلى العام حيث نشاهدها طفلة مرحة فى المطار تستقبل صديقة للأسرة قادمة من فرنسا تستقبل الصديقة مع عائلتها الأم والأب ويصلان المنزل حيث الجدة لتكتمل الأسرة التى ستصحبنا على مدار أحداث الفيلم . ومن النافذة تسمع هتافات يسقط الشاه فيرفع الأب ابنته قائلا لها كيف ألا تفوتك هذه اللحظة التاريخية .
المخرجة المؤلفة ترسم شخصيات الأسرة منذ المشهد الأول وستبقى معها على مدار الفيلم وفى البؤرة منها مارجان الطفلة ثم الشابة الفتية مارجان " فيهما اللؤلؤ والمارجان فبأى آلاء ربكما تكذبان" صدق الله العظيم. هذا الاستشهاد من عندى فلأول مرة أسمع هذا الاسم الجميل والذى يسهل تحويره ليناسب ثقافة مغايرة فيصبح مارجى كما كانت تدللها والدتها، يناسب الاسم ثقافة تناسب طبيعتها المتمردة وشخصيتها القوية، وخاصة فرنسا ملجأ الفنانين وحاضنة مواهبهم. لن تجد مارجان فقط من يصدق موهبتها بل ستجد فريقا كاملا يعمل تحت امرتها لإنجاز فيلمها عن سيرتها الذاتية مع الثورة الإيرانية تحميها نصيحة الجدة ( لا تنس أبدا من أنت ولا من أين أتيت) هذا التمسك بهويتها وبوطنها حتى لو حكمه من ترفض ولايتهم هو ما جعلها تنجح فى عملها المعبر عن هويتها والذى يوثق لحياتها ولجانب كبير من أحداث وطنها إيران. 
وهنا مختصر لوصف كيفية عمل الفيلم الذى وثقت مراحله أيضا كما يحدث الآن فى الأفلام الكبيرة، الميكنج كما يقال يشرح طريقة العمل كما يعكس شخصيتها القوية:
صنع فيلم مدينة فارس Perspolis 
تحت عنوان الجوانب الخفية فى " برسبوليس"  نشاهد رسما للمخرجة وهى تعلق هذه أنا فى العاشرة  عام 1980، ثم صورتها تنتظر بالمطار وهذه أنا أتذكر، لقاء على مقهى ومعها المخرج الفرنسى المشارك يحكيان عن اتصالها به للعمل معا بعد أن شاهدت عملا شهيرا له ، الشاب خجول وهى امرأة فجومية كما صورت شخصيتها فى الفيلم ، هنا فى تصوير العمل تقود فريق التحريك المكون بالكامل من شباب فرنسى، تقوم بأداء تمثيلية لتشرح لهم حركة الشخصيات المرسومة لتكون معبرة عن مشاعرها. يعلق المخرج الفرنسى بأن فنان التحريك يحتاج معلومات عن الشخصيات وهو ما تقوم مارجان بشرحه لهم بحركاتها. مارجان بهذا الأسلوب تقدم فنا يحاكى الواقع وليس به جنون التحريك الذى قد نلاحظه فى أعمال أخرى. تقوم بإعادة تصوير الأماكن والشخصيات تماما كما هى فى الواقع. يشرح رئيس فريق التحريك طريقة العمل التقليدية المعتمدة على رسم 24 حركة على ورق شفاف منفذين ما شرحته لهم ، يعرضون الأوراق عليها قبل التحبير ثانية بثانية. مارجان هنا فى فرنسا امرأة حرة تجلس وجانب من ساقيها عاريان تقود فريقا من الرجال الغربيين وهى مكتنزة الصدر نصف العارى فى بلوزتها المحبوكة على جسدها ونصف ذراعيها عاريان، لا يشغلها الرجال الذين قد يثارون من عريها وهم لا يبحلقون فى جسدها بل كلهم آذان صاغية .لتنفيذ تعليماتها عاملين تحت قيادتها ومتجاوبون مع توجيهاتها تماما دون هذا النوع من المشاعر الذى قد ينتاب مواطن من وطنها . هنا فى فرنسا وعن طريق تقدير فنها نالت حريتها وحققت وصيتها للجد وللخال أنوش الذى شنق لأنه اختار الانحياز إلى مبادئه. 
قدمت مارجى أسرتها  فى إطار الفن الذى تعرفه وهو نفس ما فعلته المخرجة ناهد فى أعمالها التسجيلية مع اختلاف طفيف بينهما، لأن ناهد أضافت اسم زوجها السويدى كما هو متبع فى الغرب مع الاحتفاظ بلقبها الإيرانى ليصبح اسما ثلاثيا يختلط فيه الغربى مع الشرقى. أما مارجان فبقيت محافظة على اسمها ثنائيا باسمها الأول واسم جدها لتبقى مارجان سترابى كما فى إيران وفى أى بلد تذهب إليه. مارجان تبدو قوية متسلطة فى حواراتها، مستعدة لخوض مغامرات جديدة  دائما، موهبة متقدة تقتحم العالم والناس وعوالم فنية جديدة عليها، بينما ناهد دمثة هادئة تطلب من الآخرين المساندة كما سنعرف من حوارها مع مقدمة برنامج بمهرجان السينما المستقلة بلوس أنجلوس بأمريكا. ولكن المخرجتان تتشابهان فى نجاحهما فى تسويق أعمالهن وتتقدمان عملا بعد آخر. يتم تسويق فيلم برسبوليس فى أغلب دول العالم ويدبلج بلغات عديدة ويطرح فى الأسواق وينجح تجاريا كما يحصد نجاحا فنيا بحصول مخرجته على جائزة لجنة التحكيم مناصفة من مهرجان كان 2007 مع فيلم تحريك لمخرج آخر. 
تتابع فيلم برسبوليس 
- لافتة توزيع النسخة المعروضة:  سونى بيكتشرز 
- التترات على رسوم للطبيعة مع موسيقى عالمية 
- المشهد الأول فى المطار سيدة تحكم الحجاب على رأسها وأخرى سافرة تلوى شفتيها امتعاضا، يطلب من المحجبة التذكرة والباسبور ، تجلس تدخن دون أن تسافر ثم طفلة تجرى بمرح تحتضن سيدة والأم مع الوالد يناديان الطفلة مارجى مارجى.
- فى منزل العائلة بطهران الأم والأب والطفلة مع الجدة وصوت تعليق أن مارجو الصغيرة لديها أمنيتان أن تلتقى بروس لى وأن تكون آخر نبى فى العالم. الأم تحكى عن اعتقال الجد ، الطفلة تبكى والأب يهدئها، ثم نشاهدها تقرأ على جدتها أمانيها الخمس آخرها أن تخفف عن الجدة آلامها والأ تسبب لها أى إزعاج. نسمع صوت مظاهرة، الأب يفتح النافذة ويحمل الطفلة ( هذه لحظة يجب ألا تفوتك) .
- لقطات للتظاهرات وهتاف يسقط الشاه وصوت طلقات. الابنة تردد ما يقوله معلم المدرسة أن الشاه مرسل من عند الله. الأب يصحح لها المعلومة ويحكى كيف وضع الإنجليز تاج الامبراطورية على رأسه على أن يعطيهم البترول، ثم كيف استولى الشاه الابن على الحكم وأخبر الشعب بأنه سيبنى لهم دولة عصرية . ويعود ليذكر جدها وأنه كان أميرا وشيوعيا .
- عودة إلى مشهد المتظاهرين وقمع بوليس الشاه لهم، يقتل متظاهر ويحمل على الأعناق. الأسرة فى حديث غاضب والطفلة تتلصص ويطلب منها الذهاب إلى الفراش، فى التلفاز الشاه يخطب ويقول إننا نبنى الديمقراطية ونسعى إلى المستقبل. نشاهد تزايدا للتظاهرات ويسقطون تمثال الشاه، ثم يأتى إلى المنزل الخال البطل الذى كان فى السجن ، تركز المخرجة على رد فعل الطفلة الممتلئة حيوية فى المنزل ثم مع أصدقاء لها يلعبون لعبة إسقاط النظام ( كما لعبة الحرب الذى يلعبها أطفال دولهم بها حروب) تقودهم لمهاجمة ابن رجل موال للنظام يقولون عنه أنه قاتل. ويرد الطفل على دراجته أبى يقتل الشيوعيين الأشرار.  تستهدف المخرجة جمهورا من الأطفال بجعل بطلتها هى الطفلة والجدة وترسم شخصياتها بوضوح وبساطة لكى تصل إلى فئتها المستهدفة. وخاصة حين يظهرملاك وهى شبه نائمة يخبرها أن تصرفها غير لائق بمن ترغب أن تكون نبية للعالمين. وينصحها بأن من واجبها أن تعفوا وتنسى.  
- فى المدرسة تطلب المعلمة أن يمزقوا صورة الشاه من الكتاب، ثم يظهر الخال أنوش وتسمعه يقول لأسرتها ( لا أحد يمكنه الوقوف أمام رغبات الشعب، يمكننا بناء مجتمع قائم على العدالة والحرية) تسع سنوات قضاها فى السجن.. الفضول يتملك الطفلة وتسأل فيرد الخال ارتدى بيجامتك وسأحكى لك. يواصل الكبار فيقول أنهم سيجرون انتخابات حرة ولكن الأم تقول أن النتيجة ستكون أسوأ من الشاه ، سيأتى الإسلاميون.  
- الطفلة فى سريرها مستعدة لسماع الخال وتكون الثورة هى حدوتة قبل النوم لها. 
الفيلم يمضى ساردا الوقائع لحظة بلحظة من وجهة نظر مارجى طفلة ثم فتاة ثم امرأة ناضجة معتمدا اللون الأبيض والأسود، من وجهة نظر نسوية تركز على الحرس الثورى وما يفعلونه بالبلد وتسمى فيلمها البوليس الفارسى فهو البطل الضد وسبب هجرتها خارج بلادها. هذه الثقافة الذكورية التى سادت المجتمع الإيرانى بعد أن سرق الإسلاميون ثورة شعب شاركت فيها كل الطوائف ومنهم أسرتها اليسارية . 
- العراق ضرب إيران مستغلا حالة ضعف النظام الوليد ثم لافتة طهران 1982، ونشهد تحولات المدارس درس عن الحجاب ، العنف ضد المرأة وقد تأسلم المجتمع، غارات الحرب والنزول إلى الأنفاق، ثلاث فتيات بالشادور وأمريكا عزرائيل على الحائط. بيع كاسيتات الموسيقى فى السوق السوداء، ظهور سيدات عجوز شمطاء يقمن بتفتيشها وانتقاد ملابسها الرياضية التى تحمل علامة شهيرة دوليا، ومع كل ذلك قطع على دانات المدافع، الجارة تظهر لأمها مفتاح يوزعونه على الشباب بادعاء أنه مفتاح فى الجنة حيث حور العين ليشجعوهم على التطوع للحرب. فرق فى الشوارع تشتم الوالد وتتهمه باحتساء الخمر، وتقدم المخرجة مشهدا ساخرا لإسراع الجدة والأم للتخلص من زجاجات الخمر بالبيت. وحدة مشهدية تجمع فيه المخرجة كل مظاهر القمع وستعود إليه مرة أخرى وكأنها تقدم كشكولا من الانتقادات دفعة واحدة بتفاصيل كثيرة طالما سمعنا وقرأنا عنها، كلها من وجهة نظرها ولأحداث عاشتها أسرتها ثم ستعيشها هى تجعل كل هذه الحياة كابوسا متصلا يضاف إليه ثلاث سنوات عاشتها فى النمسا فى كابوس آخر مع ثقافة مختلفة ترفضها أيضا ولن نجدها على راحتها إلا فى فرنسا حيث تقيم الآن تمارس عملها كمخرجة سينمائية لأفلام تحريك تعكس هويتها المركبة من احترام أصولها مع الاستفادة من عادات وثقافات تمكنها من تحقيق بعض مما حلمت به. 
بطاقة الفيلم : 
تحريك 2007  زمن الفيلم: 1.36 ق 
إخراج: مارجان ساترابى وفينسنت بارونود 
رسوم: مارجان ساترابى ، سيناريو: فينسنت بارونود 
عن قصة مرسومة بنفس العنوان تأليف مارجان ساترابى 
جائزة لجنة التحكيم الخاصة مهرجان كان 2007 مناصفة مع فيلم آخر. 
رشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى عام 2008
الفيلم الثانى الذى وجدته يعبر عن الثورة الإيرانية من وجهة نظر من عاشها وشارك فيها فيلم " ثورتى المسروقة" كما هو واضح من عنوانه للمخرجة التسجيلية  ناهد بيرسون شارفيستانى التى  ولدت فى الرابع والعشرين من مايو 1960 فى شيراز إيران،  بدأت نشاطها منذ عام 1994 وحتى الوقت الحاضر كمخرجة أفلام تسجيلية إيرانية ، أفلامها الوثائقية الأكثر شهرة هي " الدعارة وراء حجاب" ، والدتي – والفارسي، الأميرة، نهاية المنفى، والأيام الأخيرة من الحياة. في عام 2007، بعد أن تم القبض عليها وسجنت لفترة قصيرة من قبل السلطات في إيران بتهمة فضح بلدها الأصلي مع فيلمها الوثائقي عن اثنين من العاهرات في طهران، أكملت الفيلم الوثائقي أربع زوجات - رجل واحد في ظل ظروف صعبة وخطيرة. الفيلم الذي يصور عائلة تعدد الزوجات جنوب شيراز، تم تهريبها خارج إيران، وأخيرا حصلت على الجنسية في السويد. اعتبارا من شهر نوفمبر عام 2008، وأضافت اسم الزوج  بيرسون دون أن تتخلى عن لقبها افيرانى شارفيستانى.  أنتجت فيلم " الملكة وأنا " ، وثائقي مدته 90 دقيقة على هيئة ريبورتاج بينها وبين الملكة المخلوعة فرح ديبا، فى علاقة معقدة مع الامبراطورة فرح بهلوي الإيرانية أجرت اللقاء على مدى عام كامل قبل أن يذاع فى محطات التلفزيون. عرض الفيلم في أمريكا الشمالية في مهرجان صندانس السينمائي في عام 2009 بالتزامن مع الذكرى السنوية الثلاثين للثورة الاسلامية الإيرانية.
تلقت ناهد العديد من الجوائز عن أفلامها. إذ حصل فيلمها  " الأيام الأخيرة من حياة " على جائزة الصحفي للمؤسسة السويدية للسرطان في عام 2002. ونالت جائزة عن فيلمها " الدعارة وراء الحجاب "، ذلك الفيلم المثير للجدل الذى يكشف بشكل مؤلم عن حياة اثنين من العاهرات في طهران، حصل على ترشيح إيمي الدولية، فضلا عن التنين الذهبي في مهرجان كراكوف السينمائي، أفضل جائزة دولية فى قسم أخبار الوثائقي في التلفزيون مونتي كارلو مهرجان 2005 ، وكذلك جائزة كريستال من تلفزيون الدولة السويدية، وجائزة الجعل الذهبى من معهد الفيلم السويدي عام 2005. وآخر ما وصلنا من أفلامها فيلم " ثورتى المسروقة"  2013 تحكى فيه جانبا من سيرتها الذاتية وسيرة عائلتها وأخيها الذى توفى فى سجون طهران . ويعكس وجهة نظر الكثير من الماركسيين الذين شاركوا الثورة ضد الخمينى ثم استولى عليها الإسلاميون ( هذا ما خشية الثوار فى مصر ولهذا وقفوا بشدة ضد الإخوان حين حصلوا على السلطة بعد 25 يناير 2011  وشاركوا 30 يونيو وفى أذهانهم ما حدث للثورة الإيرانية ).
سبقت ناهد مارجان فى العمل ببضع سنوات واختارت السينما التسجيلية لتعبر فيها عن توجهها السياسى ونضالها اليسارى، أما مارجان فتبدو أقرب إلى كونها ناشطة نسوية ليبرالية رغم الأصول اليسارية لعائلة أمها.   
بعد أن نشاهد مقطعا من لقاء بالفيلم أجرته المخرجة مع شاهدة تحكى عن تلقيهم مكالمة باسم زوجة أخيها فى الثامنة مساء فتوقعوا أخبارا سيئة، وبعد فترة جاءت تخبط رأسها وتصرخ بأنهم سيقتلونه. حاولت تهدئتها فأكملت أنهم أدخلوها مكتب وأعطوها التليفون وسمعت صوت زوجها – أخى- يودعها قائلا إنهم سيعدمونه الليلة..... ثم بدأنا نسمع أصوات الطلقات وكنا نقوم بعدها سمعنا 86 طلقة ، كان أخى واحدا ممن تلقوا هذه الطلقات. نمنا فى النهاية وهكذا الوضع كان كل ليلة.  ثم تظهر لهم صورة أخيها الذى تم إعدامه . 
وهنا تفريغ اللقاء التلفزيونى  الذى تم مع ناهد بيرسون سافاتينى :
- مقدمة البرنامج: كل من يتابع دورة مهرجان لوس انجلوس فى 2013 يتابعون الكثير وعن نفسى أشعر بشوق للجلوس مع ناهيد سرفنتانى صانعة الأفلام التى قدمت عملا عميقا عن حياتها الشخصية عنوانه "ثورتى المسروقة" ، أهلا بك فى الاستعراض .ما لذى أتى بك هنا، حدثينا عن فيلمك.؟
- فيلمى عن أصدقاء لى بينهم أخى المعتقل السياسى، فيلمى عنهم وعن إحساسى بالذنب لأننى هربت خارج إيران وتركتهم. ورغب المهرجان فى عرض فيلمى ولهذا أنا هنا. 
- وهل عرض الفيلم ؟ 
- نعم وكان الاستقبال جيدا وكان عرضه الأول بأمريكا 
- وهل هذه هى مشاركتك الأولى بالمهرجان ؟
- لا هذه المرة الثالثة  عرضت فيلمى الأول، ثم "الملكة وأنا" ثم هذه المرة مع "ثورتى المسروقة".
- مالذى دفعك لعمل هذا الفيلم أتصور أنه سؤال وجودك وأنه عملك الأول.؟
- .. وكان يجب على أن أنجز الفيلم قبل عشر سنوات، والفيلم عن عائلتى وأصدقائى المقربين جدا، وعنى، هربت إلى السويد وأردت أن أعيش حياة طبيعية بينما هم اعتقلوا ، ولمدة عشرين عاما لم أفعل شيئا لهم وأنا بالسويد.
- هل تقولين أنك لم تستطيعى فعل شيء ما فى ذلك الوقت؟  
- حين كنت بإيران كنت نشطة، كنت شيوعية ولم أستطع أن أكمل نضالى شاركت بثورة سرقت منا .
- وهل أردت أن تحى ذكرى أخيك بهذا العمل؟
- أخى كان صغيرا جدا وقتها فقط 17 عاما وكان رجلا قويا ولطيفا وقتلوه، لا يمكنك فهم السبب، أخذ منى 28 عاما لأفهم سبب مافعلوه ، ولأتقبل وأسأل عما حصل من رفيقه،ولكن منذ أربع سنوات فى الانتخابات بإيران حين شاهدت الشباب يتظاهرون بالشوارع يريدون الحرية والجيش يطلق عليهم الرصاص ويعتقلهم، وكأن كل شيء يعاد مرة أخرى ويشبه زمنى  الثورى عام 1979، لم أستطع أن أتجاهل ذلك مرة ثانية، كانوا كأنهم أطفالى . 
- وهل يعنى الربيع العربى شيئا مماثلا لك.
- نعم ولكن إيران هى بلدى وأشعر بما يحدث بها أكثر مما يحدث بالبلاد العربية. 
- إذن ما الذى اكتشفتيه عن أخيك ولم تكونى تعرفينه؟
- لم أكن أعرف، ولم أرغب فى أن أعرف أنه تم تعذيبه قبل إعدامه، فى الفيلم أصدقائى حكوا لى كيف كان الإعدام يتم خارج الزنزانة وكيف أنهم كانوا يبدأون بالتعذيب سواء ليعرفوا إن كان المعتقل ناشط ا سياسيا أم لا ثم يعدمونه بعد التعذيب. التقيت برفيق روحه فى لوس أنجلوس وحكى لى كيف كان قويا، وكيف كان سعيدا لأن له هدفا. 
- والهدف كان ..؟ 
- الهدف كان تغيير إيران ، وكانوا يثقون أنهم لو ناضلوا داخل المعتقل فسوف ينتصرون. رغم معرفتهم بأن النظام ليس سهلا للتعامل معه.
- إذن كان لديهم أمل ..؟ 
- نعم ..
- وهل لديك أنت أيضا أمل ؟ 
- نعم أمتلك الأمل لأنى أجد أن الإيرانيين مازالوا يناضلون من أجل حريتهم، ولكن الوضع أصعب نتيجة الظروف الاقتصادية، والأوضاع تغيرت... 
- إلى الأسوأ.؟ إلى الأسوأ ( كانت تقاطعها لأنها كانت تتكلم ببطء لعدم تمكنها من اللغة)
وأضافت إذا لم يساعد الآخرون إيران، وإذا انصرف كل شخص إلى حياته فلن يتغير شيء.
- هل تأملين أن يغير الفيلم من ردود أفعال الناس تجاه ما يحدث بإيران؟ 
- أتمنى ذلك ... آمل أن يفعلوا شيئا.
- كيف ستوزغين الفيلم.؟
- تم توزيعه بالفعل فى السويد وسيعرض فى دور العرض هناك وآمل أن يوزع بأمريكا ، وفى المحطات تلفزيونية  ونطبع DVD  .
- مالذى يعنيه العنوان " ثورتى المسروقة" .
- قمنا بالثورة ضد حكم الشاه وجاءت حكومة إسلامية لأنهم الأكثر تنظيما فسرقوا ثورتنا رغم وعدهم بأنهم سيمنحوننا الحرية والديمقراطية ولكنه كان هباء. 
- سؤالين أخيرين ، الأول هل أقدمت على هذا الفيلم لأنه يعبر عن جانب من قصتك ؟
- لا قررت عمل الفيلم وحين بدأت الحكى وجدتها قصتى مثل فيلم "الملكة وأنا" وضعت نفسى بالفيلم لأن القصة كانت عن عائلتى وعن حياتى وحين أقول "ثورتى المسروقة" يشعر كثير من الإيرانيين بذلك لأنها سرقت منهم أيضا. 
- هذا الفيلم لم تقومى بتصويره ولكن أعمالك السابقة قمت بالتصوير والمونتاج .
- نعم فى فيلم " الدعارة فى هينبال"  قمت بكل شيء . وكان عملا مشهورا.
- نعم الأمر يكون مختلفا أنا أيضا أقوم بعمل الفيلم كله. 
- أعتقد أن ذلك أسهل لأنك تفكرين أثناء العمل.  
- ما هو عملك القادم؟
- أتمنى أن أقدم عملا روائيا إذا تمكنت من توفير الميزانية  للإنتاج.  كل ما قدمته سابقا أعمالا تسجيلية وأنا أحب عملها ولكن يجب أن أغامر بتجربة فيلم روائى بعد أن قضيت ثلاث سنوات لأصنع " ثورتى المسروقة".  
ثم مقطع آخر من الفيلم بالأبيض والأسود يسرد مشهدا  بالصور الفوتوغرافية عن إعدام مايزيد عن خمسة آلاف معتقل والعصابة على أعينهم. المخرجة ناهد تروى بصوتها ماحدث وعن اعتقال أخيها الصبى وتعذيبه ثم قتله بالمعتقل. تستخدم لقطات وثائقية، صورا فوتوغرافية، ورسومات تعبيرية حفر بالأبيض والأسود مع بعض اللقطات التمثيلية المتصورة للربط بين العناصر مثل لقطة من ظهر جندى يسير فى سجون خالية ادعى النظام أنه لا يوجد أحد فى سجونهم وأفرغها من السجناء، وينتهى المقطع بفتاة سافرة جميلة.  
بطاقة فيلم ثورتى المسروقة 
ثورتى المسروفة 2013 تسجيلى ألوان 75 ق 
إنتاج: السويد/النرويج/المملكة المتحدة 
إخراج: ناهد بيرسون شارفيستانى 
أول عرض بمهرجان روتردام وحصد جائزة الجمهور 
العرض الثانى مهرجان أبو ظبى وحاز جائزة شرفية
جائزة مهرجان تمبو للفيلم التسجيلى
أفضل تسجيلى طويل من مهرجان نور الإيرانى
موقع الحوار      https://archive.org/details/MyStolenRevolution_454 
  فيلم برسبوليس http://kisscartoon.me/Cartoon/Persepolis/Movie?id=3541

فى النهاية أنوه أن الأفلام المنتجة عن الثورة الإيرانية تسجيلية فى أغلبها لحساب محطات تلفزيونية غربية والفيلم الذى وجدته من الإنتاج الإيرانى فيلم ملحمى " المبعدون /اخراجى" من عدة أجزاء، ينتمى للسينما الشعبية  المجهولة لنا فالذى يصلنا الأفلام الفنية ذات السمعة عالميا، والمخرج اسمه مسعود ده نمكى ، ويركز على الحرب العراقية الإيرانية ويظهر تأثيرها على تغيير قطاعات من المهمشين من الشعب الإيرانى . الفيلم مترجم إلى العربية وينتمى لنوع السينما الوطنية التى نعرفها فى مصر، التى تساند النظام الحاكم وتمزج الدراما بالفكاهة بنقد النماذج السيئة فى المجتمع. وله حديث آخر حين نركز على السينما الإيرانية بكل أنواعها. 


صفاء الليثى
 القاهرة 2016
نشر بالعدد السابع من فصلية الفيلم أغسطس 2016 
رئيس التحرير سامح سامى، رئيس التحرير التنفيذى حسن شعرواى 


Thursday 13 October 2016

المونتاج فى أفلام هاشم النحاس


صياغة جمالية لفنون الناس الفطرية
هاشم النحاس فنان متجدد ، يختار موضوعه ابتداء ليحتفى بالإنسان العامل ،صانعا أو زارعا أو صيادا، حرفيا ماهرا أو مفكرا وأديب. دائما يضع تمجيد الإنسان فى المقام الأول سواء كان هذا الإنسان صيادا في بحيرة أو حارسا لآثار بلده أو كاتبا كبيرا كنجيب محفوظ. ومع اختيار الموضوع يختار النحاس المونتير الذى يجده مناسبا لطريقة عمله فى الفيلم فيختار أحمد متولى أستاذ الإيقاع الذى يحول لقطات الفيلم إلى نوت موسيقية لفيلم الناس والبحيرة الذى خلا تماما من أى جمل حوارية أو تعليق صوتى، فقط مؤثرات المكان وغناء الصيادين غير المصاحب للموسيقى حيث يشكل الموال مع مشاهد الصيد وصنع الشباك موسيقى الفيلم الرئيس ويحدد إيقاعه المعبر عن شخصية هذا الإنسان الصبور المجد الراضي بحاله.

فى "واحة سيوة" اختار معه عادل منير المتمهل ليتأمل شخوصه ويستمع إليهم فى الفيلم الغنى بالمعلومات عن الواحة الزاخرة بكنوز من آثار القدماء تحكي تاريخا طويلا مع الفراعنة والرومان وحتى دخول الإسلام مصر. ليس هناك اصرار من جانب النحاس على نبذ الحوار مثلا أو التعليق بل يأخذه الموضوع والمكان بما يحتويه من عناصر بشرية وعمرانية إلى الأسلوب الذى سيتبعه فى بناء فيلمه وتكوين شريط الصوت فيه.
وهذا ما حدث أيضا فى فيلم " خيامية " مع المونتير  الكبير كمال أبو العلا الذى يكتفى بعرض ما نراه تفصيلا دونما الحاجة إلى شرح بكلمات الصناع أو إلى تعليق من خارج الصورة، فغناها يكفى لنتعرف على العمال وهم ينشئون السرادقات كمعارض متحركة يعزلها قماش الخيامية المعلق على ألواح من الخشب عن الشارع ليكون للعزاء أو لحفل زفاف أو لافتتاح معرض لبيع حلوى المولد وغيرها من المناسبات .
مع عناوين فيلم " الناس والبحيرة" 12 ق إنتاج عام 1981 نقرأ لوحة مكتوب بها : من أهالى المطرية – دقهلية، ساعد فى التنفيد شيخ الصيادين عبده السمرى، غناء الصياد محمود العاصى، موسيقى الصياد محمد العربي، هذا الغناء وموسيقى السمسية اعتمد عليها المونتير أحمد متولى ليصيغ العمل صياغة فنية خالصة من عناصر الصورة التى أبدع تصويرها الفنان محمود عبد السميع  ومن الغناء المصاحب للعمل للصياد محمود العاصى ومقاطع من عزف السمسية تلك الآلة الشعبية المرتبطة بالمدن الساحلية المصرية.
نبدأ في سماع غناء " يا رزاق يا كريم يا فتاح ياعليم " على لقطة عامة لمراكب شراعية بالبحيرة بإضاءة الفجر، تزداد  الإضاءة تدريجيا مع لقطات لتحضير شباك الصيد ثم إعداد الفطور على المركب ومعها يتلاشى صوت الغناء وترتفع أصوات الطبيعة من خرير المياة  وصيحات الطيور. يثوم الصيادون بتغيير ملابس النوم وارتداء أقنعة على الوجه لتبدأ عملية صيد السمك مع عزف منفرد للسمسية ، ومعها لقطات تلقيم الشباك للطعم لجذب الأسماك، الصيد الوفير يلقى فى السلال  مع مجروش الثلج لحفظه ثم التعبئة ، الخامات كلها من الطبيعة ولقطة واحدة لعملية  وزن السمك. اللقطات بها اقتصاد وتكثيف يلخص مراحل الصيد دون اللجوء إلى شرح بالكلمات بل  يتم تقديم صيغة جمالية قبل رحلة صيد أخرى مع مؤثر لعملية إحماء يقوم بها الجميع بمشاركة أطفال لدفع الأسماك إلى الشباك، موسيقى العمل مع صوت المياه ولحظات الصمت تخلق قطعة صوتية بإيقاع متنوع يدخل بها  إيقاع شواكيش عمل النجارين، وشيء لزوم الشيء، سمفونية عمل بالحركات وأصواتها الطبيعية ، لقطات  لعمل الحداد أيضا مع دقاته لتليين الحديد،يضيف تنويعا بالصورة والصوت،  ثم لقطة متسعة بانورامية نسمع معها نغمات سمسية الصياد محمد العربي، ثم غناء منفرد تصحبه مجموعة ويختفى الغناء تدريجيا لندخل فى دورة لعمل الحصر والحبال، وعمليات بيع وشراء لمواد لوازم الصيد. ننتقل مع قطع صوتى عال مع هدير المياه لحظة خروج الشباك من البحيرة ، نغمات السمسية مع إعداد الطعام على المركب ، صياد يصلى، صبيان وبنات يسبحون ، اللقطات فى تنوعها ترصد حركة نشطة لمظاهر حياة يومية ، وصيد منفرد فى الأحراش بشبكة صغيرة ومركب بمجداف، خلافا لصيد المراكب بالأشرعة فى عرض البحيرة. مرة أخرى مع النجارين وصنع المراكب ، ومنه مع غناء محمود العاصى" البحر قاسى" المجموعة تصاحبه ، كورس من المغنين بالفطرة وكأنهم مدربون فى أعلى المعاهد الموسيقية،  تنقلنا الصورة مع فتيات تعملن فى الخوص، الإضاءة قاربت على الغروب واللقطات تتسع فى بانوراما  تظهر المنظر العام للبحيرة بكل تفاصيلها ، لقطة بانورامية  متمهلة هى خير ختام لفيلم جمالى عن البحيرة وناسها ولسان حال المخرج هاشم النحاس وفريق عمله المصور محمد عبد السميع والمونتير أحمد متولى ( محلاها عيشة الصياد) رغم أن النهاية مع " لم المراسى يا ريس ، لم المراسى، ده البحر قاسى يا ريس، البحر قاسى"،  كلمات حزينة ولكن بها شجن يمس الوجدان مع غروب الشمس قبل أن يحل الليل. وينتهى العمل فى 12 دقيقة  لم نشعر بها مع بناء صاغه المونتير الخلاق أحمد متولى الذى نجح فى تحقيق رؤية المخرج هاشم النحاس، ولولا هذا النجاح لبقيت المادة المصورة مادة خام تفتقد الصياغة الجمالية المتحققة عبر فيلم " الناس والبحيرة" المتميز ببناء موسيقى مستمد من ناس البحيرة ومواهبهم الفطرية فى العزف والغناء.
يمثل " الناس والبحيرة" توجها قدمه المخرج هاشم النحاس ظهر مع " النيل أرزاق " فى تفضيل التعبير بالصورة والاستغناء تماما عن الشرح بالتعليق بكل أشكاله سواء كان من داخل الصورة أو من خارجها، والستعانة فقط بأصوات الواقع ومفرداته دون إقحام عناصر من خارجه مما يمنح فرصة للمشاهد للتأمل والاستمتاع بجمال الواقع وعظمة البسطاء من الناس.
تنويه هام : المقال كان مخصصا ليكون مع كتاب تكريم المخرج هاشم النحاس بدورة مهرجان الإسكندرية الأخيرة ولكنه سقط سهوا أو عمدا من النسخة النهائية بعد  أن تمت مراجعة النسخة قبل النهائية  وكان فى متنها . لذا لزم التنويه.
صفاء الليثى القاهرة 2016

 نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 11 أكتوبر 2016 بدون التنويه 

Tuesday 16 August 2016

يوسف إدريس يلهم جيلا جديدا من السينمائيين

قصصه مرجع جاهز لعمارة الفيلم القصير 
التعريف الشائع عن الفيلم القصير أنه يشبه القصة القصيرة من حيث الفكرة الواحدة التى يتم تناولها مع اقتصاد فى عدد أبطالها وحدوثها فى مكان واحد غالبا مع حدث واحد رئيس يحلل ويعرض بكل تفاصيله . وجد الدارسون بمعهد السينما فى قصص يوسف إدريس القصيرة قالبا جاهزا لتطبيق الفيلم وتكون القصة الأساس الذى يبنى عليه السيناريو الذى يصورونه كورقة امتحان عملية قبل التخرج . احتلت قصة " بيت من لحم" مكانة كبيرة فى مشروعات العديد من الطلبة بل وتم اقتباسها فى أحد أجزاء فيلم يسرى نصر الله " احكى يا شهرزاد" . ولم تكن " بيت من لحم وحدها " بل تناول فيلم الدارس أحمد فهمى عبد الظاهر قصته " طبلية من السماء" فى مشروعه ملتزما بجو الريف وحوار القصة وتتابعها  دون الخروج على أى من مكوناتها. ولم يكن القالب الجاهز فقط هو ما جذب شباب السينمائيين لتناول قصص يوسف إدريس فى أفلامهم القصيرة بل كسره للتابوهات وخاصة الجنس والدين يستمدون من تهكمه على هذه الثوابت القوة دون خشية من رفض رقابى أو مجتمعى .
المخرج مروان حامد  ركز مع كل إبداعات إدريس ليقدم فى أعماله القصيرة " آخر الدنيا " 1998 كمشروع للسنة الثالثة ، وفى السنة الرابعة مع التخرج  " الشيخ شيخة "  1999 ومن الطريف أن زميل دفعته تامر حبيب لم يكتف بكتابة السيناريو بل قام بتمثيل الدور الرئيس فيه.
وختم مروان حامد بالقصة البديعة " أكان لابد أن تضيء النور ياليلى " فى الفيلم القصير لى لى  
إنتاج  مصري عام 2001 قام بالبطولة عمرو واكد وسامي العدل ودينا نديم، مدير تصوير إيهاب محمد علي موسيقى تصويرية و تصميم شريط الصوت خالد حماد إنتاج أمين المصري.. الفيلم حاصل على جائزة لجنة التحكيم من مهرجان برلين. وفيها يبدع إدريس موقفا كتبه بعين سينمائى حيث يترك إمام الجامع المصلين ساجدين ليهرع صاعدا حيث الفاتنة التى أضاءت النور فى غرفتها المواجهة للمسجد. هذه الصورة وهذا الإيقاع الذى أطال فى وصفه إدلريس نجح المخرج فى تقديمه فى زمن سينمائى مقنع مستخدما عناصر اللغة السينمائية من تصوير وشريط صوت وأداء تمثيلى بالطبع من الممثل الصاعد وقتها عمرو واكد.
رجوعا إلى موقع للأفلام على الشبكة الدولية نقرأ ( تدور أحداث الفيلم حول إمام مسجد تم تعيينه في حي الباطنية في القاهرة الشهير بتجار المخدرات، ويسعى الإمام لهداية أهل الحي ويقنعهم بضرورة الصلاة. وبعد أن يستجيب الأهالي لأداء الصلاة في الجامع يتعرض الإمام الشاب للغواية من الفتاة الجميلة «لي لي» ويدور بداخله صراع نفسي كبير. الفيلم يدور حول صراع الإيمان والفضيلة مثل في الشيخ والغواية النفس البشرية ممثلة في أهل الحي ولكن في النهاية شهوة الإمام تنتصر على إيمانه ما يعتبر إهانة للإسلام والمسلمين حيث منع الفيلم من العرض لتعرضه لكثير من الإنتقادات) وهذا الملخص يضرب القصة والفيلم فى مقتل فلم تكن مساحة جهد الإمام فى القصة على درجة من الأهمية مقارنة بموقف الغواية الذى استجاب له الشيخ بمثابة تعبير خفى من إدريس عن أفضلية نعيم  الحياة الدنيا على نعيم الآخرة. ومن الطريف أننى وجدت أثناء البحث مقطعا من القصة تحت عنوان ( تربص الشيطان )
"ولكن عذرى ياشيطان أنك كنت تعرف أين كنت أنا ؟ ولم أكن أعلم أنا من أنت ، ولا أين أنت ؟ . وكم نقشوا على قلوبنا الأخطاء عنك حتى ارتسمت فى أذهاننا دائما رجلا .. بشعا ، ولم يفكروا أن يقرنوك بالجمال مرة ، مع أنك لا يحلو لك التربص إلا محاطا بالجمال ، وإلا على هيئة ست , وإلا فى أكثر الأماكن نعومة وامتاعا ، وفى أحلى البسمات ، بل أحيانا فى النكتة .. فى أروعها تنصب الشباك." والقصة فى مجموعة بيت من لحم حيث القصة بنفس الاسم.
كسر التابوهات ومحظورات الجنس والدين
العلاقة بين الجنس والدين تبدو هاجسا قويا لدى إدريس وجد فيه السينمائيون من كل الأجيال فكرة جاهزة أشبعت الميل لكسر التابوهات بداية من الحرام لبركات  مرورا بالنداهة وليس انتهاء ببيت من لحم.التى تناولتها المخرجة سعاد شوقى فى مشروع تخرجها والمخرج تامر محسن فى مشروع السنة الثالثة مركزا على مشهد الخاتم الوحيد الذى تتبادله النساء لخداع الأعمى المتزوج من إحداهن ، الخاتم أداة التواطؤ كان عنصرا هاما فى القصة اهتم بها البعض وتجاهلها تماما  المخرج أحمد الهوارى  فى مشروع تخرجه عام 2009 . والذى رصدته فى مقال نشر بجريدة العربى الناصرى تحت عناوين ( بيت من لحم 2009 أحمد الهوارى وعودة إلى عالم يوسف إدريس)
" ضجيج الحياة دب، الزوج زوجها وحلالها وعلى سُنة الله ورسوله، فماذا يعيب؟ وكل ما تفعله جائز، حتى وهي لم تعد تحفل بالمواربة أو بكتمان الأسرار، حتى والليل يجيء وهم جميعًا معًا، فيطلق العقال للأرواح والأجساد، حتى والبنات مبعثرات والأجساد، حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتتهدج منهن الأنفاس والأصوات، مسمرات في مراقدهن يحبسن الحركة والسعال، تظهر الآهات فجأة فتكتمها الآهات، كان نهارها "غسيل" في بيوت الأغنياء، ونهاره قراءة في بيوت الفقراء، ولم يكن من عادته أول الأمر أن يئوب إلى الحجرة ظهرًا، ولكن لما الليل عليه طال والسهر أصبح يمتد، بدأ يئوب ساعة الظهر يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى، واستعداد لليل قادم، وذات مرة بعد ما شبعا من الليل وشبع الليل منهما، سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر، ولماذا هي منطلقة تتكلم الآن ومعتصمة بالصمت التام ساعتها؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الآن؟ إذ هو كل ما كلفه الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا"
هذا المقطع من قصة "بيت من لحم" العبقرية يفسر سبب تحويلها لعدد كبير من الأفلام القصيرة، فالجمل قصيرة ونافذة، دون جناس ولا سجع لغوى، لغة وصفية محملة بالدلالات وكأن كل جملة لقطة، وكل فقرة مشهدا سينمائيا يحفل بكل فنون السينما من رسم شخصيات، ووصف المكان والتفاصيل الصغيرة، تفصيلة الخاتم التى استخدمها كل من حول القصة لفيلم سينمائى فيما عدا أحمد الهوارى الذى تجاهلها تماما لتصبح قراءته لبيت من لحم قراءة تناسب العصر، الذى تجاوز الصمت بحجة الخاتم إلى التواطؤ الصريح غير المحتاج لأى حجة كالخاتم.
إذا سُئل شخص لا يعرف القصة فسيخبره من قرأها أنها عن أرملة تزوجت مقرئ القرآن على روح زوجها المتوفى بموافقة بناتها الثلاث، كانت تضع خاتم الزواج فى إصبعها فيتعرف عليها الرجل من بين كوم اللحم الذى تمتلئ به الحجرة الواحدة التى يسكنها الجميع، وأصبحت من تضع الخاتم هى الزوجة فى نظر الضرير فيواقعها إذ ليس على الأعمى حرج. الخاتم إذن هو حجر الزاوية فى الموضوع، كل الأفلام التى تعاملت مع القصة كان الخاتم أحد أبطال العمل وحجة هذه اللخبطة الشنيعة. أحمد الهوارى لم يلتفت للخاتم نهائيا، ونفى أن يكون الأعمى غير مدرك لما يحدث، إنه على الأقل غير متأكد فقط فى المرة الأولى حين تتسلل الوسطى ريم حجاب وترقد بجواره وهو فى قيلولة النهار. فى المساء يقول للأم "عايزك تظبطينى زى الصبح" لتصعق الأم وتظل تفكر أيهن التى أقدمت على فعلها. وبعدها يصبح التناوب شبه علنى ولعبة متفق عليها بين جميع الأطراف.
القصة تبدأ بالصمت ، والخاتم ولكن الفيلم يبدأ بصخب الواقع، ويحتفى بالمكان، مقابر 6 أكتوبر بعض الأحواش يتخذه الناس مسكنا وهو مختلف عن حجرة القصة التى تتكدس فيها النساء الأربع ومنها استمدت القصة اسمها بيت من لحم. لم يلتزم الهوارى حرفيا بكل هذه التفاصيل ولكنه حافظ على جوهر العلاقات:" ينصب زوج من الكشافات المصوبة بدقة" العيون المتلصصة للبنات الجائعات تنظرن من فتحات الحائط  تعبرعن الجملة الأدبية وبصورة جديدة تناسب المكان ومنازله من الحجارة المتراصة وبينها شقوق .  أدت ريم حجاب دور الابنة الوسطى الجريئة ، وكانت بصمتها ونظراتها ترجمة للكلمات والجمل القصيرة التى أطلقها يوسف إدريس والتقطها المخرج الموهوب لتصبح فيلما ناريا تمكن فى زمنه الذى لم يتجاوز 17 ق أن يعبر عن كل الأطراف مضيفا إلى القصة الصارمة روحا فكهة مرحه زادها أداء الممثل محمود حافظ لدور الكفيف، وما منحه له من تجلى بالغناء بعد الشبع والرضا من الحياة، هنادى الابنة الممتلئة البارعة فى المطبخ وعمل المحشى تُكافأ بعد وجبة طعام أعدتها"يللا يا تعالى اغسلى لى ايدى" تنهض وسط صمت الأخريات. بدون الخاتم قرر الهوارى والشيخ الكفيف منحهن قسمته العادلة، الصغرى أيضا لها نصيب والأم سوسن بدر استسلمت.
قرأت الفيلم كقسمة للحق فى الحياة، يأتى من  تبادل العطاء فكل له دوره وكل له نصيب.
كرؤية لكاتب السيناريو والحوار تامر أنور الذى قدم إبداعا موازيا للقصة الأصلية محاقظا على جوهرها غير ملتزم حرفيا بتفاصيلها وطوعها ليصبح الفيلم  المقدم عام  2009 نسخة عصرية للقصة الأصلية " بيت من لحم"، قصة فنان القصة القصيرة يوسف إدريس، التى كتبها  قبل أربعين عاما ظلت منهلا يشد صانعى الأفلام القصيرة وخاصة مشروعات التخرج لطلبة معهد السينما.  قدمها رامى عبد الجبار السينمائى المستقل فى فيلم غلبت عليه الشكلانية دون أن يعكس أهمية الموضوع، وحتى طالب موسكو أشرف سمير عبد الباقى قدم مشروع تخرجه بموسكو عنها بممثلين روس . وأخيرا فى مشروع تخرج أحمد الهوارى
فى مهرجان بورسعيد، حصل "بيت من لحم"على الجائزة الذهبية من لجنة تحكيم مكونة من داوود عبد السيد وكاملة أبو ذكرى ورأسها محمد كامل القليوبى، ورأس دورة المهرجان لهذا العام المخرج البورسعيدى سيد سعيد،  وأتصور أن كل هؤلاء المبدعين وجدوا إبداعا موازيا لفنان القصة القصيرة فى الفيلم الذى قدم معالجة لقصته دون التزام حرفى بها .  
·         نشر بعدد الهلال أغسطس 2016 رئيس التحرير سعد القرش


Tuesday 24 May 2016

د. محجوب عمر

خدام اللطافة محجوب عمر
ودور المجتمع الأهلى فى حفظ الذاكرة


يهتم النشاط الأهلى بالتوثيق عبر أفلام وثائقية تنتجها جهات غير هادفة للربح أو شركات خاصة لا تضع الربح السريع ضمن أهدافها، عرض مؤخرا وثائقى بعنوان " خدام اللطافة" ومنه يظهر التوجه الذى قدمته الروائية العراقية إنعام كجة عن المناضل المصرى الفلسطينى محجوب عمر. فى مكان ازدحم عن آخره بغالبية ممن يعرفون الطبيب المناضل وبعض ممن يهمهم الشأن العام والشأن السياسى، وبعد كثير من مقدمات وتنويهات لأعمال أنتجتها  أو تبنت توزيعها " دال" و هو مركز لللأبحاث اسمه مستوحى من الحرف العربى – د-  رمز الدلالة والإرشاد. دال هو مفهوم فريد من نوعه يجمع حلول كلا من البحوث ووسائل الإعلام تحت سقف واحد. يستهدف المركز المساهمة  فى صناعة نموذج مجتمعى حضارى يقوم على المعرفة العلمية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية  والثقافية، ومواجهة وتعرية الفكر الظلامى أيا كانت مصادره وتوجهاته، ويتضح هذا التوجه من الأعمال التى اهتم المركز بتداولها مثل فيلم " عن اليهود فى مصر " للمخرج أمير رمسيس.
عرض الفيلم وسط استقبال دافيء وحميم أشاعه كلمات من التقت بهم المخرجة من أصدقاء الراحل.  ركزت الفنانة على كل ما هو إنسانى وطريف فى شخصيته وينتهى الفيلم بعد حوالى ساعة دون أن نعرف تماما ما هو الدور الحقيقى الذى قام به د. محجوب عمر الذى يعرفه أصدقاؤه فقط بمحجوب والذى أضاف اسم عمر وهو اسم والد صديقه الحميم ليكون اسم شهرته وتوارى اسم مولده رؤوف عبد الملاك المولود لأسرة مسيحية فى صعيد مصر وبهذا يكون معبرا عما قالته الشاهدة الشيعية بالفيلم أنه كان مسيحيا مع المسلمين ومسلما مع المسيحيين . وإذا كان الفيلم لم يغطى صفحات من نضاله إلا أننا نشعر به حيا بيننا مع أجواء اليسار وقد صحبتنا أغنية الشيخ إمام " الخط  ده خطى والكلمة دى ليا " وعبر أشعار بالعامية المصرية للمُكرم نفسه نسمعها بأدائه المعبر، نعم المُكرم فالعمل أقرب ما يكون إلى محاولة تكريم مناضل حى فى ذاكرة
زملائه ورفاقه وكل من تعامل معه سجلت معهم المخرجة لقاءات فى القاهرة وبيروت  وعمان، مجهود كبير بذلته الروائية إنعام كاجى جى جعلتنا نتعرف على الشخصية من خلال عمل حميم ينقصه بعض الاتقان على مستوى حرفة السينما ، فالصورة مهتزة فى عدد لا بأس به من المشاهد، وعدم نقاء الصوت  ووضوحه سبب  جانبا من عدم مفهوم فحواه ، وعدد آخر من المشاكل التقنية التى يمكن تجاوزها وإصلاحها فى مرحلة ما بعد التصوير إذا توفرت الإمكانيات لذلك حتى لا تهدر هذه الوثائق التى جمعت فى أكثر من بلد عربى وهذه اللقاءات وثائق هامة لعدد من كبار السن ممن قابلتهم المخرجة لعمل الفيلم . من تقديمها للعرض فهمنا أنها اعتمدت على دراسة لمناضل آخر هو د. إيمان يحى الذى كتب بحثا مطولا عن د. محجوب عمر كان ملهما ومحفزا للمخرجة – وهى غير المحترفة-  لتتحمس وتنجز فيلمها الوثائقى الثانى ونجحت فى خلق تركيبة من اللقاءات والوثائق من الصور مع لقطات حية للقاهرة الآن توافقت مع غناء الشيخ إمام وأشعار "صاحب اللطافة" فى عمل يحتاج فقط إلى علاج لبعض المشاكل التقنية  ليبقى وثيقة هامة عن ذاكرة وطن ليس مصر فقط ولا فلسطين فقط بل (ذاكرة عربية خصبة) باقية فى الأذهان .
مخرجة الفيلم  صحفية و روائية عراقية ولدت في بغداد عام 1952 وفي جامعتها درست الصحافة. عملت فى الصحافة والراديو العراقية قبل انتقالها إلى باريس لتكمل أطروحة الدكتوراة في جامعة السوربون. تشتغل حاليا مراسلة لعدد من المطبوعات العربية. نشرت إنعام كجه جي كتابا في السيرة بعنوان "لورنا" عن المراسلة البريطانية لورنا هيلز التي كانت متزوجة من النحات والرسام العراقي الرائد جواد سليم. كما نشرت كتابا بالفرنسية عن الأدب الذي كتبته العراقيات في سنوات المحنة والحروب. في عام 2004 أعدت وأخرجت فيلماً وثائقياً عن الدكتورة نزيهة الدليمي، التى أصبحت وزيرة عام 1959. للمخرجة عدد من الروايات "سواقي القلوب" (2005) و"الحفيدة الأميركية" (2008) التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009 وصدرت بالإنجليزية والفرنسية والصينية. وهى فى توجهها لإنجاز أفلام وثائقية تعبر عن مقولتها " ذاكرتى هى نصيبى الأعظم من وطن يطرد أبناءه " ولا شك أنها مكسب يضاف إلى مبدعى الفيلم التسجيلى فى الوطن العربى الذين يخدمون مجتمعاتهم  وأوطانهم من خلال توثيق  ذاكرة أبنائه الأحياء دوما فى أوطانهم بما قدموه لشعوبهم وإخوانهم. كهذا الفيلم الهام عن مناضل يسارى آمن بالقومية العربية.
كما نحتاج إلى مبدعين يحفظون ذاكرة الوطن نحتاج إلى مؤسسات أهلية مثل  "دال"  بتركيبته الطموح  لتعوض جانبا من تناقص التظاهرات السينمائية الثقافية التى يلتف حولها سياسيون ومثقفون تثير شجونهم لاستعادة ما يعرفونه ولتعريف الأجيال الشابة بما فعله مناضلون فى قامة محجوب عمر.
                                                       صفاء الليثى

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 24 مايو 2016 رئيس التحرير سيد محمود