Tuesday 18 June 2013

سينما مصرية جديدة




عشم ماجى مورجان 
و ابتسامة رضا   
ست قصص وثمانية عشر شخصية، للفيلم الطويل الأول لماجى مورجان، فى ذاكرتى هى منتجة لأفلام وثائقية لمشروعات تنموية عن المصريين والمصريات من طبقات تعانى الفقر والبحث عن العمل . ثمانية عشر شخصية أخذوا ترتيبهم فى ذاكرتى كمجموعات، أولا ابتسام ورضا وعشم ، أبطالى المفضلين كلهم مبتسمون راضون عشمهم فى الدنيا وظيفة جديدة على قد الحال . ابتسام "منى الشيمى" ورضا " نجلاء يونس، وعشم " شادى حبشى" . يلتقى عشم مع رضا القادمة من الريف للعمل فى تنظيف حمامات السوق التجارى الكبير، ويلتقى عشم فى النهاية مع ابتسام على رصيف الشارع وقد تعثرت بما تحمله وساعدها على النهوض . هما الآن حققا درجة من درجات الصعود الاجتماعى عشم أصبح عامل أسانسير وابتسام تحمل بطاقة بوظيفة ممرضة. وقبلهما رضا وقد ترقت لتصبح بائعة فى محل ملابس طورت لهجتها فتقول بلوفر بدلا من شرز وتقف بدون الطرحة تساعد الزبائن فى انتقاء اللون المناسب. ماجى جعلت الصدفة العادية هى التى تجمع أحيانا شخصيات عملها بقصصهم المتقاطعة دونما حاجة لجمعهم فى مكان واحد، عمارة سكنية مثلا أو مكان عمل، مدينة القاهرة هى التى تضمهم والصدف السعيدة هى التى تجمعهم أحيانا. 
فى المجموعة الثانية – أذكر القارئ بأن هذه التقسيمات لى وليست للمخرجة- الأزواج المرتاحين ماديا ولكنهم لا يخلون من مشاكل، مثل عدم الإنجاب، عدم التوافق، وأوهام المرض. تغلب على المجموعة الثانية الكآبة وعدم الرضا، بينما تعم الابتسامة والرضا المجموعة الأولى، هل هذه حقيقة وجودية، ؟ السعادة فى الرضا ولأن عشم وابتسام ورضا أحلامهم بسيطة فهى ممكنة التحقيق، مقارنة بصعوبة التوافق والاتفاق وتخطى المرض مع داليا وعماد وفريدة، وأشرف وكريم ونادين، ورمزى ومصطفى وأشرف.

على مستوى الحرفة هذا فيلم يعتمد كلية على المونتاج، ليس فقط مونتاج الطاولة الذى يجرى فى حجرة التقطيع بل المونتاج الفكرى الذى يبدأ من الكتابة مع الفكرة وخطوط القصة وينتهى فى المونتاج. لم تكتب ماجى على التترات " سيناريو " ماجى مورجان  بل قصة وإخراج، فكيف تمت كتابة السيناريو؟ هل كتبت المشاهد لكل قصة على حدة دون تتابع وصيغ التتابع لاحقا؟ مكتوب فى الملف الصحفى : " الحوار وبعض المشاهد تم من خلال جلسات ارتجال مع الممثلين.." العمل جماعى ليس فقط للبطولة الجماعية وعدد الأدوار واحتلالها مساحة قريبة من زمن الفيلم ولكن لتساويها فى الأهمية فليس هناك أبطال وأدوار ثانوية، بل إن ممثلى الهامش يحتلون فى الوجدان مكانة تفوق الأبطال التقليديون، وخاصة الممرضة ابتسام فى مقابل الطبيب د. مجدى" مينا النجار". كل منا له انحيازاته وأنحاز كشخص قبل انحيازى النقدى لابتسام والممثلة.. التى قامت بدورها صاعدة من هامش تاريخ السينما المصرية – بدون ميلودراما- لأتخذها بطلتى وتشدنى إليها بابتسامة راضية، ينافسها على عرش وجدانى عشم بدوره وأدائه وبساطة حكمته التى تنهى فيلما عن مصر، عن القاهرة، عن المصريين بعد قيام ثورة 25 يناير المستمرة لدى أشخاص من العمل وخلف الكاميرا وبين المتلقين، الصورة المستمرة لدى قطاع كبير من الشعب، ولتنتهى عند عشم الذى حصل على وظيفة جديدة. 

عندما تسأله المثقفة الثورية فريدة " مروة ثروت" هتنزل الثورة يقول: ليه ؟ أنا مسكت وظيفة جديدة ". أنحاز لرضا وقصتها مع شاب الأمن، تسعدنى المخرجة عندما نراهما على الموتوسيكل معا يطيران وقد حققا قدرا من أحلامهما. هذه سينما أعشقها شكلا وموضوعا، هذه سينما جديدة تخطو خطوات أبعد من سينما الواقعية المصرية الجديدة بموجتيها مع المجموعة الأولى خان وداوود خيرى بشارة، والثانية  رضوان الكاشف، مجدى أحمد على، أسامة فوزى، وتجربتى هالة خليل. سينما ترصد مصر المعاصرة وتجرب أساليب سردها دون أن تكبل نفسها بقاعدة " الجمهور عاوز كده" ساعية لخلق جمهور جديد يجد نفسه مع هذا الهامش من أبطال منهزمين مرحليا، آملين ومتعشمين على المدى الطويل فى العيش بسعادة.

التصوير رائع لرؤوف عبد العزيز، ينهى الجدل حول تفوق شريط السينما 35 مللى، مونتيرالفيلم أحمد عبد الله يقف فى مصاف كبار المونتيرين عادل منير وأحمد متولى فى براعة الانتقالات وضبط الإيقاع، شريط الصوت بلا مشاكل اعتدناها. تحية لصناع الفيلم الذين يواصلون الحفاظ على صناعة السينما المصرية مجددين أدواتهم، ناظرين أمامهم نحو مستقبل يجمع بين لغة فنية جديدة ورؤية محبة لبلدهم ولناسهم. أما الجمهور– كما يعتقد أغلب المنتجون- الجماهير فعليها أن تنفتح على دنيا جديدة لسينما تعبر عن طبقات الشعب المصرى بكل تنويعاته دون انحياز لطبقة دون أخرى. سينما تفتح طاقة أمل وتمنح الفرصة ليس فقط لنجم ونجمة وحيدين ليواصلا حصاد الأموال، بل لخمسة وعشرين فردا متساويين أمام الكاميرا وخلفها، سينما ينص دستورها على أن الجميع سواء مهما كان دوره. 

شاهدت الفيلم فى عرضه الخاص بالقاهرة، وسط جمهور خاص يخش البعض أن يكونوا هم كل الجمهور المحتمل للفيلم، ولدى عشم أن يفاجئنا قطاع مجهول لنا من الشعب المصرى فيقبل على العرض ويتفاعل مع فيلم يشبه حالتنا الآن وكل منا يشعر بأنه متفرد ويستحق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.  

نشر بموقع الجزيرة الوثائقية الثلاثاء 18 يونيو 2013






Friday 14 June 2013

رؤية ذاتية لمهرجان الإسماعيلية



عن افتتاح ثورى
 ودورات رائعة مع كل الإدارات

كنا فى حيرة من أمرنا، لا نعرف ماذا نفعل إذا حضر وزير الثقافة حفل افتتاح مهرجاننا فى الإسماعيلية، نعم مهرجاننا نحن السينمائيون والنقاد عشاق سينما المعرفة من يعتبرون مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة - بكل دوراته – أهم مهرجان يقام على أرض مصر. نحرص على حضوره ، ويحزن البعض منا عندما لا تصله دعوة الحضور. كنا فى حيرة لأننا نرغب فى المشاركة منذ اللحظة الأولى دون أن تفوتنا شاردة أو واردة، ولا نريد أن نحضر حفلا يفتتحه وزير مرفوض منا، فما العمل؟ هل نترك الحفل ونكتفى بالعروض؟ نسعد عادة عندما نسمع " بسم الله نفتتح الدورة..." وننتظر بشوق فيلم الافتتاح، الحيرة انقلبت إلى سعادة بالغة تحققت على يد المخرج مجدى أحمد على والناشر محمد هاشم حين رتبا بهدوء استقبالا حافلا للوزير مع شباب حملة تمرد، بلافتات ترفض أخونة الوزارة ، وترفض حكم المرشد. هتفنا بحماس " يسقط يسقط حكم المرشد" و " 30 سته الثورة الجايه" ووقعنا استمارات تمرد.
 الضيوف الأجانب راقبوا باهتمام، وشعرت بالفخر، نحن أيضا نمتلك حريتنا ولا نخش التعبير عن آرائنا .المعارضة فى حفل افتتاح شاهدتها فى مهرجان سالونيكى باليونان عام 2003 حيث كانت هناك معارضة ضد قرارات أضرت بالمواطن اليونانى – وخاصة العمال – بعد الانضمام إلى الاتحاد الأوربى. معارضة اشتراكية ويسارية ترفض اللحاق باليورو، نعرف الآن ما يحدث لليونان من أزمات اقتصادية وما يعانيه شعبها الذى دفع دفعا إلى اللحاق بقطار العولمة. كانت تظاهرة تمرد أمام الباب الرئيس لقصر ثقافة الإسماعيلية، ثم داخل القاعة، وبعد حدوث قدر من الارتباك وخاصة من رئيس المهرجان رئيس المركز القومى للسينما، أحسبه  فى داخله مع السينمائيين والمثقفين الذين يرون أن إسناد الوزارة لشخص بلا كفاءة لا يعنى سوى الأخونة وتمكين الجماعة. بشجاعة من يمتلك حريته، اعتبر محمد حفظى المنتج والسيناريست المساند للسينما المستقلة، المدير الفنى لهذه الدورة من المهرجان، اعتبر أن التظاهرة هى فيلم الافتتاح ، مترجمة الحفل لم تسمع جيدا وترجمت بالخطأ قائلة " ليس هذا فيلم الافتتاح"  نظر إليها حفظى وأحسبه ترك الأمر لتقدير كل فرد من الحضور وحسنا فعل. كانت التظاهرة أفضل ما حدث يوم الافتتاح.

انسحب المحافظ وبقى  سكرتير المحافظة الذى افتتح المهرجان بكلمة موجزة ارتاح لها الجميع. قرأت موقف المسئولين الرسميين سواء رئيس المركز القومى للسينما، رئيس المهرجان أو المحافظ بأن موقعهما الوظيفى لا يسمح لهما بالتظاهر إلا إذا قرر أحدهما – أو كليهما – الاستقالة. أما نحن المشاركين، فنمتلك حريتنا، وقد مارسناها دون اعتراض من أحد. تظاهرة تمرد كانت الافتتاح الأمثل لمهرجان تحفل أفلامه بالثورة على التسلط فى كل أنحاء العالم. افتتاحا مكملا ومتوافقا مع الصورة التى بدأ عليها مهرجان الإسماعيلية الذى أعاده المخرج محمد كامل القليوبى بعد توقف واستمر على رئاسته الناقد على أبو شادى لما يزيد على عشر سنوات متواصلة. ثم تغيرت الإدارات ليتولى المسئولية المخرج مجدى أحمد على والناقد أمير العمرى، وأخيرا وليس آخرا مدير التصوير السينمائى والمخرج كمال عبد العزيز والمنتج والسيناريست محمد حفظى.

لا أفضل مع الفنون استخدام أفعل التفضيل فلا نقول هذه الدورة هى الأفضل، أو الأسوأ أو الأكثر عالمية. كل الدورات ناجحة، وكل دورة تتسم باختلافات تصب فى صالح المتذوق والمبدع. دورات مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة فى مجموعها، متنوعة، مختلفة ناجحة كلها.

 فتحية لهم جميعا اللذين تناوبوا على إدارتها، وأخص بالتحية الناقد على أبو شادى وفنان السينما الكبير صلاح مرعى. اللذان منحاه الهوية وقويا دعائمه ليكتسب قدرة ذاتية على الاستمرار والنجاح.

أكتب من الذاكرة وأستعد لتحقيق دراسة شاملة عن مهرجان الإسماعيلية فى كل دوراته، كنت مشاكسة ولا يعجبنى العجب، أقر بأن عرضا يخالف مقاييس الصورة كان يغضبنى، لست وحدى، الرائد الكبير أحمد الحضرى كان يستشيط  غضبا لنفس السبب وآخرين كذلك يتضايقون ولكنهم يصمتون، أو يحرضوننى لأعترض" أنت شجاعة، تعبرين عنا "، ما يغضبنى أن مجهود شهور طوال يضيعه عدم اتقان يمكن حله. مؤخرا شاركت بدورة 66 من مهرجان كان بفرنسا، لا يحدث أى خطأ وليس من المحتمل أن يحدث، لا  بهتان فى الترجمة ولا خطأ فى أبعاد الصورة نهائيا، رسالة مسجلة تنبه الحضور عن اقتراب عرض الفيلم تطلب إغلاق الهواتف باللغتين العربية والإنجليزية، الحضور أيضا ملتزمون. الصورة مقدسة وجهد العاملين يحترم ولابد من عرضه بأفضل مستوياته. أخطاء العروض حدثت فى مهرجان الإسماعيلية مع الأسف فى كل دوراته، هذا العام أضيف انقطاع الكهرباء عن المدينة وفى ذروة موعد العرض، نصبر ويصبر معنا المشاركين من العرب والأجانب. نصبر ونلعن النظام والفشل التام لجكم الإخوان. نتغاض عن عدم دقة بعض العروض وعن قطع الكهرباء، فالإيجابيات كثيرة جدا، مستوى وتنوع الأفلام المشاركة، ندوات الأفلام مع الحضور من صانعيها، والإضافة المميزة لهذه الدورة " منتدى الإنتاج العربى المشترك" الذى تضمن مشروعات أفلام فى مراحل ثلاث أولها مرحلتى التطوير والإنتاج، ثم مرحلة ما بعد الإنتاج وقائمة ثالثة تضم مشروعات معهد الشاشة ببيروت. الحضور اللبنانى هذه الدورة كان طاغيا عبر الأفلام المشاركة وخاصة فى قسمى التسجيلى الطويل والقصير، وعبر الضيوف متنوعى التخصصات. دون إعلان كانت لبنان هى ضيف شرف المهرجان وتميزت أفلام الحارة وليال بلا نوم الذى حصد جائزة النقاد بينما خرج الحارة المتميز من سباق الجوائز ويكفيه إجماع الحضور على تميزه. لحان التحكيم مارست عملها بلا ضغوط أو تدخلات. فى لقاء عابر مع المخرجة تهانى راشد التى كرمت عن أفلامها ورأست لجنة تحكيم القسم التسجيلى هذا العام سألتها ألم يدخل " الكترو شعبى" فى التصفيات فقالت أكيد ولكن ماذا نفعل، هكذا دائما الجوائز محدودة والأفلام الجيدة كثيرة. قبل إعلان الجوائز رأيت تهانى راشد للمرة الأولى مبتسمة ومستريحة، دائما ألمحها تصور بتركيز وبملامح جادة، أو تحضر ندوة وتصد هجوما صحفيا لا يوافقها الرؤية، يوم الختام يوم الأحد  9 يونيو 2013 كانت معنا فى رحلة بقاطرة سفن فى قناة السويس، مرتاحة وسط أهلها وزملاء المهنة التى نتمتع جميعا بها، فن السينما أحد عناصر قوتنا الناعمة. شباب المركز يغنون وكأنهم فى رحلة مدرسية ينضم إليهم عدد من الضيوف. أتذكر شباب الإسماعيلية وتجاوبه الكبير مع الأفلام خاصة فيلم " 18 يناير " الذى عرض مرتين ، ضحك الجمهور مع اللزمات الفكاهية وصفقوا لمشاهد الثورة، الثورة التى ما زالت مستمرة كما السينما مستمرة مثل هذا المهرجان الذى يحتفى سنويا بالسينما البديلة والجادة، ليس فى مصر أو البلاد العربية فقط بل بالسينما الجميلة من كل أنحاء الدنيا، تحيا السينما ومبدعيها ويحيا المؤتمر السينمائى الجامع الذى يسمى مهرجان الإسماعيلية السينمائى الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة.

فضلت نشر المقال فقط على مدونتى الخاصة كبداية حرة لسلسلة مقالات حول ما وجدته هاما من الأفلام وعلى رأسها "الكترو شعبى"  لمخرجة تونسية عن الراب المصرى.