Tuesday 23 June 2015

نبيهة لطفى... مصرية من جنوب لبنان

قطار المحبة يصل محطته الأخيرة
قبل رحيلها كثيرا ما فكرت، كيف ستكون حياتنا بدون نبيهة لطفى؟ فتواجدها فى كل مهرجان، فى كل ندوة، فى كل فعالية أحد علامات الحدث خاصا كان أم عاما، ويكاد يكون مستحيلا عدم ظهورها، وعندها يكون السؤال، أين نبيهة؟ قطار جامح منذ انطلق من محطته بمعهد السينما بالقاهرة، كفيلم لوميير الأول وصول القطار إلى المحطة، تلفت الانتباه بما تحمله من محبة واهتمام لكل من فى طريقها. حين تربطها علاقة عمل مع نادية لطفى نعرف أنها بولا وأنها ليست منتجة  لفيلم " دير سانت كاترين" بل صديقة لديها انتماء ومحبة لهذا البلد. ونعرف أن توحة ليست كاريوكا نجمة السينما وفاتنة الرقص الشرقى بل توحة المناضلة بنت البلد الجدعة من خلال حكاوى نبيهة لطفى عنها،  أو عن شادى، هكذا فقط شادى، تقولها وتبتسم، يكاد الحب يتفجر من حروف اسم مبدعنا الكبير، شادى عبد السلام. يؤكد على الناقد فاروق عبد القادر .. اوعى تزعلى نبيهة يا صفاء.. رأيتها بجوار شادى أثناء مرضه  لا تفارقه وكأنها أخته أو حبيبته، إياك تزعلى نبيهة يا صفاء، ولكنها كانت دائمة الزعل منى أحيانا وغالبا علي.  نبيهة صديقة جيل الستينيات ومنهم المونتير أحمد متولى والد أبنائي، تحضر إلى سكننا الأول بالعوامة رقم 81 بالكيت كات، ومعها ياسر طفلا عائدة من درس بيانو أو قبل الذهاب به. تأتى بلا موعد وتتحدث معى فى ألف موضوع ، أحاول أن أبادل كرمها بتقديم ما فى البيت، ياسر هادئا سارحا فى النيل والمراكب المارة، وقد أتينا نبيهة وأنا على قطعة جبن بيضاء مع بقسماط بالسمسم. تعشق الجبن الأبيض كعبد الناصر الذى وجدته زعيما للأمة العربية وطردت بسببه من جامعة بيروت. تمضى الأيام وأسمعها تتصل طالبة منى الحضور على الفور لمقابلة مخرج شاب يهمها أن أهتم بفيلمه بالكتابة عنه وعرضه فى إطار نشاط جمعية النقاد. دائما توفق الرؤوس فى حلال العمل، دون أن تكون لها مصلحة مع أى من الطرفين، هى صديقة جيلى ومن قبله ومن بعده، أجيال وأجيال من السينمائيين والنشطاء. بيتها بالعجوزة بيت كرم وندوة مفتوحة، لسنوات تجمع الأصدقاء مجموعات مجموعات، تعد لهم بنفسها طعامها اللبنانى الشهى وتدور الكلمات. وحين تعبت مقطورة قطارها، خففت اللقاءات والتليفونات، ومعها خفت ضجيج المعارك. ولكن أبدا لم يفوتها حدث عام، كانت تتحرك بالعكاز، وأشعر برغبتها فى المشاركة فأصحبها إلى تظاهرة نقابة السينمائيين، وتظاهرة نشطاء الثورة، وتظاهرة المطالبين بعودة أصول الأفلام إلى وزارة الثقافة، واعتصام المثقفين المطالبين برحيل وزير الإخوان. هكذا حياتها نشاط فى كل أحداثنا الخاصة والعامة. وهى فى عملها كمخرجة تسجيلية ارتبطت عاطفيا مع كل موضوع تقدمه، ومع كل شخصية تناولتها فى فيلم لها. تشارك بأعمالها حياة اجتماعية بكل تفاصيلها الدافئة، مع ابنة المناضل والصديق شهدى عطية تقدم فيلم صلاة من وحى مصر القديمة، ومع ابن خان وابنة بشارة تقدم حسن والعصفور، ومع الفلاحة الصغيرة من الشرقية تقدم لعب عيال. وفى سلسلتها التلفزيونية بعنوان نساء تتنوع السيدات التى تراهن نابهات مهما كانت طبيعة عملهن. وكلهن تتحولن إلى صديقات وليس فقط نماذج لأعمال. نبيهة لطفى مشغولة البال بكل من تبدو عليه وعليها لمحة إبداع، فتتصل به وتتواصل معه بالرأى والمساعدة ليشارك بفيلمه بالمهرجانات ولكى يتعرف عليه الوسط الثقافى. نبيهة منحازة ومشاركة فى تأسيس كافة مؤسسات المثقفين الثوريين، عضو مجلس الإدارة المنتخب لجمعية نقاد السينما المصريين وجمعية السينمائيات وعضوة نشطة بفعاليات نقابة المهن السينمائية، تتحرك بفستان على طريقة الجلباب الفلاحى يلبق عليها، يليق بها حتى وجدت أننى عند الكتابة عن مشوارها عام 2000 أسميت المقال فلاحة مصرية من جنوب لبنان، وحين تكرم بالمهرجان القومى للسينما المصرية تهذب العنوان ويصبح مصرية من جنوب لبنان .

حين وهن الجسد وبدأت فى فقدان وزنها، أسرعنا بالتفكير فى تكريمها ليكون تتويجا للتكريمات التى حصلت عليها فى لبنان وفى مصر. وبعد أن شاركتنا فى تكريم يوسف شاهين وتوفيق صالح وأحمد الحضرى ومصطفى درويش. كانت صافية الذهن تحدثت عن الآخرين ونوادرهم أكثر مما تحدثت عن مشوارها هى. أحسسنا أننا نودعها وحبسنا الدموع ، وكانت أمسية الأحد  26 ابريل 2015 آخر عهدها بمركز الثقافة السينمائية الذى امتلأ دوما بحضورها. وحين عرضنا فيلمها الأخير فى ندوة الأحد 7 يونيو 2015 لم تتمكن من الحضور، وكأن نبيهة تعرف أن موعد الفراق قد اقترب فتركت لنا وديعتها عن صديق العمر شادى فى عملها الأخير " من عالم شادى عبد السلام" محملا بوجهة نظرها الداعية إلى ترك عمله وعرضه مُتحفيا دون العبث به. فى 17 يونيو 2015 فارقنا جسدها وودعناه. وبقيت وستبقى صاحبة تل الزعتر ولعب عيال . ستبقى نبيهة لطفى جزءا هاما من تاريخ السينما المصرية ومن تاريخ السينمائيين الباحثين عن طريق جديد لسينما مغايرة. نبيهة لطفى لا أقول وداعا ولكن إلى لقاء.

مقال بقلم صفاء الليثى نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 23 يونيو 2015 رئيس التحرير سيد محمود