Tuesday 2 July 2013

عن هرج ومرج وعشم



سينما ما بعد الثورة 
الإجابة عند المخرجات
 والبطولة الجماعية
لا أعتقد أنه بدون قيام ثورة 25 يناير كان لفيلم "هرج ومرج" العمل الروائى الأول لنادين خان ليخرج إلى النور ، بل ويعرض فى دور العرض المصرية 
مع غيره من كوميديا الفارس الحالية. بل ويلحقه أيضا العمل الأول لماجى مورجان " عشم" بعد مشاركتهما فى المهرجانات الدولية.

هرج ومرج ما بعد الواقعية


الصورة فى " هرج ومرج" كأنها متربة خماسينية تضعنا منذ اللحظة الأولى فى جو عام وأسلوب مميز يسيطر على المشاهد والشخصيات، نحن الآن لسنا فقط فى حى عشوائى ولكنه حى مجرد تماما بلا ملامح واضحة، إنه عالم افتراضى تماما وتقدم المشاهد مفصولة بتاريخ اليوم ، البداية مع فجر الاثنين، غالبا نحن فيما بعد انهيار الدولة، إذاعة داخلية وفتوات يفرضون سيطرتهم وسطوتهم. الخصمين الشابين زكى ومنير، محمد فراج ومنير لينير ) والكبير صبرى عبد المنعم وبنت الحتة (أيتن عامر) كل شئ مختلف شكلا ولكن يظل الصراع الأبدى على السلطة، على الثروة وعلى استحواذ الأنثى. كما بدأ الخليقة ذكور فى صراع وتنافس على قلب الأنثى الخائنة التى تميل إلى الأقوى. التجريد فى المكان والديكورات ناجح فى رسم عالم افنتراضى متصور، عالم مستقبلى يذكرنى برواية يوتوبيا مع اختلاف التفاصيل. نادين خان ليست بعيدة تماما عن عالم سينما محمد خان وإن تجاوزته فى الشكل. هناك تماس مع " الحريف" وتقديم للواقع بشكل خلاق، الواقع ليس كما سمى نقديا بالواقعية الجديدة بل يتجاوزها إلى ما يشبه المذهب الطبيعى فى الفن. واقع مستقبلى بدأت ملامحه ونتوقع وصوله إلى شكل قريب مما عرضته المخرجة. تبقى العلاقات الإنسانية كما هى منذ الأزل، رجال عاجزون ونساء فائرات أو مضحيات تخشين فقط رأى الآخرين. هناك خط درامى قوى وتشويق وبناء دائرى يبدأ من مشهد تقليب القمامة والمعلم زكى يحفز العمال  على سرعة العمل، ثم كرسى للمنتصر منير بعد انتصاره فى الماتش ونجاحه فى ابتزاز كبير المنطقة.

شاهدت الفيلم قبل حضور الجلسة الثانية لحلقة بحث السينما والثورة إشراف ناجى فوزى، رأس الجلسة محمد كامل القليوبى الذى تحدث عن سينما آنية وأخرى مستقبلية وثالثة رجعية، وكيف أن الجمهور يتجاوب مع الآنية ويتوحد مع أحداثها وشخوصها بينما يبتعد عن المستقبلية وينصرف عنها. فيلم نادين خان محاولة جيدة فى إطار سينما المستقبل تحتاج جمهورا تصقله الثورة المستمرة وتنفض عنه تراث المشاهدة الذى ينمط الأشخاص والأشياء ويحيلها إلى الماضى.   

 
فيلم "عشم " حيث الهامش أهم من المتن

الخلاف الأكبر بين السينما السائدة والسينما البديلة أو الموازية  يكمن فى نظام النجوم الذى تجاوزنه تماما ماجى مورجان فى فيلمها الروائى الطويل الأول " عشم" معتمدة على حوالى عشرين من الممثلين والممثلات من غير صفوف النجوم، البعض له تجارب سابقة قليلة فى الدراما التلفزيونية أو على المسرح والبعض الآخر يمثل للمرة الأولى- على حد علمى- كما نهى الخولي في دور نادية. نجحت ماجى فى قيادتها لممثليها فأدوا جميعا أداء جيدا، وتخطى بعضهم الإجادة إلى التميز وأهمهم نجلاء يونس فى دور رضا، وشادى حبشى فى دور عشم، ومنى الشيمى فى دور ابتسام. وهم رضا عاملة نظافة فى حمام سيدات بمول كبير، عشم مروج دعائى ثم عامل أسانسير، ابتسام تومرجية ترقت لتصبح ممرضة وتحقق حلمها بالحصول على بطاقة بها وظيفة ممرضة. حملت المخرجة وهى أيضا الكاتبة  أسماء نماذجها الإنسانية بما يعبر عنهم مما سهل وصول رسالتها إلى المتلقى، والأسماء الثلاثة عشم ورضا وابتسام هى سلاح المهمشين لمواجهة الحياة ولصعود سلم الترقى المشروع دون أحقاد طبقية بل بتمنى مشفوع بابتسامة الرضا. قدمت ماجى حلولا إخراجية غير تقليدية أبعدت مواقف – قد تبدو مألوفة- عن التنميط، أتوقف عند مشهد يقوم فيه
سيف الأسواني في دور شريف بفك الارتباط مع والد خطيبته، سلمى سالم في دور داليا. والأهم أن تطوير المشاهد أبعدتها عن المسار التقليدى المتوقع وخاصة فى علاقة د. شريف بابتسام، تقليديا هناك حلم طبقى بين الممرضة والطبيب أوحت به محاولات ابتسام للاقتراب ولكن قصتهما سارت فى مسار آخر لتصبح فقط استفادتها من توصيته للحصول على وظيفة ممرضة واستفادتها منها لترعى والدته المريضة أثناء سفره، اتفاق المصالح لم يتم بشكل انتهازى من أى طرف، ولكنه تم بتوافق وكأن المخرجة تريد أن تؤكد على ضرورة التعايش بين الطبقات لصالح الجميع. اسناد ماجى دور الجار عادل لمحمد خان ودور أم عطية لسهام عبد السلام أكد على تفرد فيلمها واختلافه عن السينما التقليدية التى تستعين بنجوم ثابتين يتم تنميطهم للقيام بأدوار مساعدة تنبه المشاهد أنه يشاهد فيلما ككل الأفلام،  اختيارات ماجى تعيد الشخصيات إلى مشابهاتها فى الواقع وليس لأنماطها فى السينما السائدة. كما تساوى فى الأهمية بينهم وبين الشباب بحيث لا يصبح هناك أدوار أولى أو أدوار ثانية. عادل محمد خان وأم عطية سهام عبد السلام  ونادية نهى الخولى وعماد محمود اللوزى مكسب للسينما المصرية أخشى عليهم من الانتشار فى أفلام السينما وفى الدراما التقليدية . لا يوجد في " عشم" أدوار هامشية سنيدة، كل الأدوار مهمة، لم تحققه بتعسف، وأتصور أنها تلقت فهما واعيا ممن قاموا بالأدوار الثمانية عشر للفيلم من مثقفين وفنانين واعين يدركون أنهم يشاركون فى عمل مختلف تطلب منهم ارتجال حوارهم أو التعبير عنه طبقا لما يرونه ملائما للدور، والدعم الهام من المخرج المونتير أحمد عبد الله الذى أنجز مهمة شاقة لربط القصص العديدة والمنفصلة فعليا فيحقق مع ماجى سردا متوافقا غير معتمد على انتقالات حادة ومتلاشيا تماما المزج – وحسنا فعل- الذى يلجأ إليه بعض المونتيرين للتغلب على مشكلة قد تبدو فى صعوبة القطع. القطع سيد الانتقالات، حكمة يدركها المونتير القدير ويعمل بها. أحمد عبد الله فى "عشم " يقف فى مصاف نجوم كبار فن المونتاج الأساتذة عادل منير وأحمد متولى.

سينما مصرية جديدة تتشكل ملامحها، وتكون نجومها فى التصوير والمونتاج وفنون الصوت وهندسة المناظر، تثور على قواعد الإنتاج وشروط السوق، لتتواصل صناعة السينما المصرية مستوعبة جيشا من المواهب الجديدة، شيوخا وشبابا يقاومون محاولات البطش بقوة مصر الناعمة فى الفنون وعلى رأسها فن السينما الذى يجدد شبابه هذا العام مع المخرجات هالة لطفى ونادين خان وماجى مورجان. 
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 2 يوليو 2013