Tuesday 28 February 2017

عن مشاركتى لجنة تحكيم مهرجان جمعية الفيلم 43



والصحبة تجمعنا سينمائين ونقاد

من أجمل ما حدث لى فى الفترة الأخيرة مشاركتى لجنة تحكيم مهرجان جمعية الفيلم الأخير، اختارنى مدير التصوير محمود عبد السميع مع كوكبة من السينمائيين والنقاد، اقترابى منهم ومناقشاتنا أكسبنى خبرة رائعة أضيفت إلى خبراتى التى جمعتها من الدراسة بمعهد السينما ، ثم بالعمل فى صناعة الأفلام، وأخيرا بالعمل فى حقل النقد والصحافة السينمائية. انخرطت مع مهندس الديكور  محمود محسن فى حديث ذكريات عن معهد السينما ودفعاته متنوعة التخصصات، بحماس أطفال كنا نقاطع بعضنا ونحن نحكى هو عن ذكرياته مع العظيم شادى عبد السلام وأنا مع أبوسيف وشاهين وتوفيق صالح ومحمود مرسى أساتذتى ، وانضم الينا هانى لاشين الدمث الهاديء وتحدثنا عن الدفعتين التوأم دفعتى 1975 ودفعته 1976 . مع مهندس الصوت مجدى كامل تذكرنا تجارب فى مكساج أفلام محمد راضى وخيرى بشارة وعاطف الطيب ، تذكرت أسبوع الفيلم البولندى الذى تعاونا فى تنظيمه بمركز الثقافة السينمائية وجمعية نقاد السينما المصريين مع فيلم فرعون الذى عمل فى إعداد ملابسه الكبير شادى عبد السلام. راجح داوود واستمتاعنا بشرحه المتخصص عن تميز موسيقى فيلم لنفس المؤلفة عن فيلم آخر لها بنفس المسابقة ليالى وطفة، ذكريات مع عاطف بشاى وسيناريوهات أفلام تلفزيونية كتبها وشاركت فى مونتاجها، محاكمة على بابا والمجنون، وشرحه كيف أفاده أسلوب إخراج ابراهيم الشقنقيرى فى إبراز تأليفه والتركيز على جمل قام بتأليفها فوضحت للمشاهدين. تدعيم العلاقات مع زملاء من النقاد ماجدة خير الله وأسامة عبد الفتاح ومجدى الطيب ومحمد عاطف. صحبة جمعتنا مع المخرج سمير سيف، الذى رأس اللجنة وكانت تدخلاته تنير طريق الاختيار المتشعب يدعمها بثقافته الموسوعية ودعابته التى كانت تخفف من احتدام مناقشة خلافية حول آراء متباينة. سعدت كثيرا بالاقتراب من سهير المرشدى، الممثلة المثقفة التى طالما أحببت أداءها وضربت به المثل، دورها فى " عودة الابن الضال " ودورها فى " الزوجة التانية "، ممثلة لا تتعامل كنجمة، بل كسينمائية ومسرحية مثقفة تملأها الفرحة بجمال أفلام لم تشارك بها، حماسها لعمل وفرحتها بتميز مخرجته وإعجابها بأداء ممثلات وممثلين لم ألمس فيه ما يقال أحيانا عن غيرة أهل المهنة، بل حب وتفاخر وكأنها شاركت بروحها فيه. حماسها لا يقل عن حماس رئيس الجمعية الحالى الذى أصر على تكريم مؤسسها أحمد الحضرى ومنح جائزة لناقد شاب رغم عدم الاستعداد الكافى لخروج المسابقة بشكلها العلمى الواجب. إصراره على متابعة كافة التفاصيل بنفسه مرددا أن هذا مهرجان جمعية الفيلم المصرى الذى لا يتشبه بحدث آخر.
مهرجان جمعية الفيلم يتم تنظيمه بتصفية الأعمال المحلية الى عرضت تجاريا فى العام السابق بإجراء استفتاء بين أعضاء الجمعية وأغلبهم من الهواة ومحبى فن السينما من غير المختصين، وبمشاركة النقاد العاملين حاليا للوصول إلى قائمة من سبعة أفلام تتنافس للحصول على جوائز الأفضل فى كل فروع فن السينما ومنها الأفيش، بوستر الدعاية المصمم لكل فيلم. بقراءة سريعة فى جوائز أفلام العام 2016 نلحظ تنوع الأفكار فيما يخص الاحتفاء بقضايا كبرى كقضية الثورة فى فيلمى " نوارة " و" اشتباك"، وقضايا حياتية كتجربة الحب والعلاقة بين الرجل والمرأة فى فيلمى " هيبتا " و" قبل زحمة الصيف" فالمهم كيف يتم تناول الفكرة وكيف نجح صناع الفيلم فى تقديمها بالشكل الفنى الذى يتواصل معه المتلقى. فى البداية تساءلنا عن سر العدد الكبير المكون للجنة التحكيم الذى بلغ 14 عضوا، قبل اعتذار رمسيس مرزوق لانشغاله برئاسة لجنة تحكيم المركز الكاثوليكى المصرى للسينما، واعتذار الناقد كطارق الشناوى لانشغاله، ولكن بالمتابعة وجدنا أن تنوع الأفراد أعطى فرصة للتوازن المطلوب والعدالة فى نتائج الجوائز التى جاءت معبرة عن خبرات متخصصة فى كل فروع الفيلم، ومعبرة عن تنوع واختلاف توجهات أجيال وأمزجة بين تفضيل الواقعية واتخاذها معيارا للتفوق، أو تفضيل الحداثة والمعاصرة والعمل على تشجيع الاتجاه نحوها.
نوارة بواقعيته، اشتباك بطموحه الفنى، هيبتا بتجديده وتميز عناصره، قبل زحمة الصيف برصانة مخرج كبير، الماء والخضرة والوجه الحسن بأجوائه البديعة وتفرده كشكل سينمائى مصرى أصيل.
السينما المصرية تعود بأعمال لمخرجين مخضرمين كبار، ومخرجين لجيل الوسط، ومخرجين فى أعمالهم الأولى كلها تستحق المنافسة وتعود بنا إلى مكانة مستحقة للسينما المصرية كأقدم سينما عربية صناعة وفنا.

صفاء الليثى
القاهرة
نشر بجريدة الجمهورية الأربعاء 15 فبراير صفحة السينما إشراف حسام حافظ 
فبراير 2016    

Friday 10 February 2017

(1) تكريم المونتيرة نادية شكرى بالمهرجان القومى للسينما المصرية 2004




نص كتابى " سيدة الصحبة " (1)
فى تكريم المونتيرة نادية شكرى بالمهرجان القومى للسينما المصرية 2004
الإهداء

إلى من علمني حب السينما

ونصحني بدراسة المونتاج

معلمي الأول .. أخي الفنان فخري الليثي



صفاء الليثى

القاهرة مارس 2004



قبل العناوين              

ديسمبر 1996  

كانت تصعد التل المرصوف بالأسفلت، محنية الظهر في دأب، بعد أن قطعت شوطا كبيرا من بيتها المجاور لمجمع المونتاج حيث تعودت أن تذهب كل يوم – حتى مع عدم وجود عمل – تلتقي بالزملاء والأصدقاء، ذاك اليوم داعبتهم " احنا رايحين نتثقف " وضحكت ضحكتها الهادئة .. تقود سيارتها الصغيرة  حيث قاعة المؤتمرات المكان الذي يقام فيه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وبجوارها زميلة من جيل آخر، جمعتهما محبة السينما وفن المونتاج .

ها هي تصعد كما فعلت دائما ، تتلفت إلى الزهور حولها تتأمل جمالها، تلتقط أنفاسها وتعبس فجأة بغضب جميل " لما أشوف سي مخيمر ... إزاي مابيعتلوش دعوة  "، تجده أمامها، دون أن تسأله يضع يده في جيب الجاكيت ويخرج تذكرتي الختام لها ولمرافقتها. على الباب لا يسألها أحد عن الدعوة، إنها السيدة التي تفتح لها كل الأبواب، المرحب بها في كل مكان .




يوليو 1992

تمر في ممرات مجمع المونتاج تبرطم من الغضب، اختلفت في الرأي مع المخرج، ضايقها وساوسه وتمسكه بعدم القطع، عبثا تحاول " كده مش حلو " وهو متمسك، تخرج لتنفث عن غضبها يداعبها زميل، يناديها بصوت عال " يا نادية .. "  رغم قربها منه  تتجاوب معه وتنسى غضبها تعود لقيادة آلتها وقد استعادت هدوءها وقدرتها على التكيف مع نزوات كل مخرج تداعبه وقد عادت إليها روح الدعابة وتستأنف العمل .. إنها الغاضبة بجمال .

مارس 1983

على سلالم مجمع الفنون وقف الأربعة، محمد خان عاطف الطيب بشير الديك ونادية شكري . تطل الفرحة من عيونهم فاليوم بدء مكساج وليدهم الأول " الحريف ".

 وها هم يقطعون أمتارا قليلة للوصول لقاعة المكساج، تتقدمهم بخطوات أوسع، لا نلمح أي توتر على وجهها فهي الواثقة دوما .. إنها .. سيدة الصحبة .

 

نادية شكري 
سيدة الصحبة



صفاء الليثي


الفيلم العراقى " بيوت فى ذلك الزقاق " مقال من أرشيفى القديم

بيوت في ذلك الزقاق

النسخة العراقية من الفيلم العربي المشترك

" احنا المنتجين الحقيقيين وهم المرفهين "، " هذا رابع بيت يقع في المنطقة " ، " شعبنا العظيم والحياة القاسية اللي بنعيشها علمتنا أشياء وايا " . باستثناء كلمة " وايا " في الجملة الثالثة التي تنتمي للعامية العراقية يمكن أن تسمع هذه الجمل الحوارية في فيلم مصري أو سوري لأنها جمل في فيلم يتحدث عن قلة من الفقراء " في ذلك الزقاق " تعيش تحت خط الفقر يستغلهم صاحب " 300 بيت ورثها أبا عن جد " وآخر يعيش في بيت بدورين يدير مجموعة مصانع صغيرة يسخر في العمل أسرا فقيرة يعملون في البيوت القديمة التي يملكها الأول ، يمكن أن يكون هذا في أحد الأحياء العشوائية في القاهرة أو عمان أو دمشق . إنه الوضع المشترك الذي يمكن رصده في العالم العربي من المحيط إلى الخليج .

قاسم حول مثقف عراقي يعيش في هولندا مثل غيره من مثقفي بلاده يكتب كتبا، وينظم عروضا سينمائية، يخرج أفلاما وثائقية وروائية في العراق أو اليونان أو ليبيا، أفلاما عراقية الهوى، إنسانية عامة، فنان ملتزم بقضايا فقراء الوطن. تميزت أفلامه الوثائقية وخاصة فيلمه " الأهوار " و " بيوتنا الصغيرة " وغيرها، أمدته بالجو العام وحكايات " بيوت في ذلك الزقاق " الفيلم الروائي الأول للمخرج " قاسم حول " الذي عرض عام 1977 ، ويحكي عن صحفي – بديلا عن المخرج – يخرج باحثا عن حقيقة الأوضاع المتردية داخل الأزقة الضيقة وتحت أنقاض البيوت المنهارة التي يملكها " أبو فهد " الذي تختلف مصالحه مع صاحب رأس المال " مجدي " الذي يستغل ساكني هذه البيوت للعمل منها والتوريد لمصانعه ، وعندما يرغب " أبو فهد في هدم البيوت تتعرض مصالح " مجدي " للخطر ، عندما يضطر الفقراء إلى الرحيل . وبين الاثنين رجال في السلطة لا يهمهم سوى تصالح المستغلين حتى لا تستفيد المعارضة من تردي الوضع  .

والفيلم في طرحه للمشاكل الاجتماعية ورصده للفساد وإرجاعه لنظام عام فاسد ليس ببعيد عن الفيلم المصري " العوامة 70 " للمخرج خيري بشارة الذي بدأ أعماله بمجموعة أفلام وثائقية تميزت جميعها وخاصة " عبد العاطي صائد الدبابات " و" طبيب في الأرياف "  .

وبديلا عن صحفي قاسم حول في " بيوت في ذلك الزقاق " قام أحمد زكي بدور مخرج أفلام تسجيلية  يكتشف أثناء عمله في فيلم عن محالج القطن قضية سرقة كبرى . الروابط المشتركة بين " قاسم حول " المولود عام 1940 وبين خيري بشارة الذي يصغره بسبع سنوات تظهر بوضوح في أفلامهم الروائية والتسجيلية . قاسم يكتب أفلامه التي نسمع فيها حوارا مباشرا وخطبا سياسية بينما يخلط خيري بشارة الفن بالسياسة وتفاصيل الحياة الصغيرة فينجح في العبير عن أزمة الوطن وأزمة المثقف بسرده المتوازي للقضية العامة والخاصة مستعينا بسيناريو كتبه " فايز غالي " عن قصته التي كتبها من خبرته في الأفلام الوثائقية كما قاسم حول الذي يجيد عمل الأفلام والتحدث عنها أيضا ، قال عن فيلمه " بيوت في ذلك الزقاق " :

" إنه يحلل البنية الطبقية والاجتماعية للمجتمع العراقي، ويدور حول العمل الرأسمالي في المنازل، عن الناس الذين يعملون في البيوت للمصانع، والذين ليس لهم وضع قانوني هذه المصانع تنشأ عادة في الأحياء الفقيرة والتجمعات السكانية الصغيرة، ولأنها لا تعمل بشكل قانوني لا تهتم بمصلحة السكان الفقراء وإنما تريد حماية نفسها فتحتمي بالأمن ورجاله من خلال علاقات ومجاملات على حساب هؤلاء الفقراء ، وبذلك يتفسخ المجتمع وتتفشى الدعارة والأطفال المشردين . ومن خلال هذا الفيلم أحلل المجتمع ، وفي النهاية أدين رجال الأمن الذين يغتصبون البنات العاملات الفقيرات بعد إغوائهن بالحياة المترفة .

الفيلم يحلل هذه البنية الاجتماعية الخطيرة وغير القانونية، وعندما عرض الفيلم وبعدما شعرت السلطة بأن الفيلم خطر عليهم طلبوا مني إجراء بعض التعديلات فرفضت .. وكنت سأدفع حياتي ثمنا لهذا الرفض لأنك في العراق لا تستطيع أن تقول لا بسهولة ." الحديث أدلاه قاسم حول للناقد أيمن يوسف عندما التقاه في مهرجان فريبورج منذ عدة أعوام وعندما شاهدنا نسخة فيديو من مقتنيات المونتير" أحمد متولي " الذي قام بعمل المونتاج في العراق  1976، لاحظنا وجود مقدمة لا تمت إلى نسيج الفيلم بمشهد تحقيق تسجيلي يقوم به الممثل الذي قام بدور الصحفي مع إحدى العاملات تعمل على ماكينة في أحد المصانع وتتحدث عن تغير الأوضاع بعد الثورة – 1968- وبعدها مشهد للزقاق تنزل عليه عناوين الفيلم وفي النهاية عودة لمشهد المقدمة مع موسيقى حماسية تعكس حدوث تغيرات ثورية في الأوضاع المنهارة، وذكرني هذا بالتعديل الذي أجرى على فيلم المخرج الكبير توفيق صالح " القلة " عن طريق إضافة تعليق يتحدث عن التقدم الصناعي الذي تشهده الدولة المصرية أيام الوحدة مع سورية " الجمهورية العربية المتحدة " قبل السماح بتناول الفيلم الذي يحكي عن إناء شرب المياه المصنوع من الطمي بينما مصر تصنع الثلاجات الكهربائية كما رأى النظام لنتأكد من كوننا نعاني مع اختلاف طفيف في التفاصيل من أوضاع مشتركة يعاني فيها شعبنا من كثير من مشاكل تمس حياته كما يعاني فيها المثقف الفنان من قيود على حرية تعبيره تدفعه للهجرة كما فعل " قاسم حول " أو التوقف عن العمل كما فعل " توفيق صالح " .

كتبت المقال بعد عرض الفيلم فى إطار نشاط جمعية نقاد السينما المصريين

 تحت عنوان قراءة جديدة (لا أذكر السنة ) .


صفاء الليثى
القاهرة 



Wednesday 8 February 2017

أحمد الحضرى ومشوار طويل مع السينما



رحيل الرجل الذى احترم الاتقان حد البكاء
  كان أحمد الحضري شابا فى المرحلة الثانوية، حين وقع فى هوى السينما، ومارس التصوير بدلا من تدخين السجائر، تفوق على الإنجليز فى التعبير باللغة الإنجليزية، وهو الأجنبى الوحيد، فسلموه أمانة الصندوق بجمعية الفيلم فى لندن، وهناك صور فيلما لزميلة إيطالية، يبكى الحضرى عندما يتذكر إتقانها وبراعتها فى إخراج الفيلم، وتصويره الذى لم يرتكب فيه خطأ واحد، كما يبكى عندما يتذكر تحديه لوزير الثقافة المصري الأسبق ثروت عكاشة فى حكومة الضباط الأحرار.


   درس الحضرى الهندسة المعمارية فى كلية الفنون الجميلة وتخرج عام 1948. ثم تمكن من ممارسة هوايته فى التصوير أثناء بعثته بلندن، اشترى الكاميرا وحمض أفلاما صورها بكاميرا 8 مللي وعرضها بجهاز عرض نفس المقاس. عاد لمصر مهندسا معماريا وعمل بتخصصه 19 عاما مهندسا عاملا وسينمائيا هاويا، ثم عكس الأمر فمارس السينما 19 عاما والهندسة أصبحت هوايته. فى لندن تعرف على تجربة "جمعية الفيلم" ونقلها إلى مصر فأسس مع مجموعة من المثقفين المصريين "جمعية الفيلم" بالقاهرة. عاد عام 1955 إلى مصر وكله حماس لتطبيق ما تعلمه، وشارك فى نشاط جمعية "الفيلم المختار" حتى عام 1959، وتم تأسيس "جمعية الفيلم" عام 1960 كأول جمعية تسجل بالشئون الاجتماعية. بدأت نشاطها فى مايو 1961، وهى الجمعية التى استمرت حتى الآن.

ومن نتائجها المهة فيلم "حصان الطين" الذى أنتجته الجمعية لفتاة هاوية سينما وقتها وهى عطيات الأبنودى، قام الحضرى بتصويره مع محمود عبد السميع الذى خلفه الآن فى رئاسة جمعية الفيلم.

نشاط الجمعية وكتابة المقالات عن السينما فى مجلة المجلة لفتت النظر إلى ضابط الاحتياط أحمد الحضرى الذى كان يحضر اجتماعات السينما بزيه الرسمى. اختاره ثروت عكاشة لعمادة معهد السينما بعد أن طلب منه كتابة تقرير عن كيفية تطوير مناهج معهد السينما فكان تقريره مركزا على زيادة الناحية العملية وعاد بعد زيارة لمعاهد بولندا وتشكيوسلوفاكيا وفرنسا ليستفيد من كل المناهج ومن طرق التدريس التى تقدم بالخارج المتقدم. بعدها استلم العمل بالمعهد وقام بمحاولة لتنفيذ رؤيته فى التطوير ولكنه اصطدم بكثيرين قدموا اعتراضات ضده، أما هو فقام بترجمة كتب فى الدراسات السينمائية ليستفيد منها المبتديء والمحترف على حد سواء. حبه للاتقان على طريقته واصراره على التميز يجعله ينجح فى أن تكون سنة عمادته 67/68 كأول دفعة يتخرج منها الجميع بعد أن أنهوا مشروعات تخرجهم بالكامل ومنهم سمير سيف وابراهيم الموجى.

بعد اعفائه من عمادة معهد السينما كلف بالإشراف على نادى السينما وقدم فيه كل الخبرة التى اكتسبها فى لندن وخاصة إصدار النشرة التى تعد مرجعا هاما للثقافة السينمائة وتوثق للنشاط الكبير الذى قدم للسينما. مرت سنوات طوال، فيها تنوعت أنشطة الحضرى فى جمعية الفيلم، ومعهد السينما، والمركز القومى للسينما، وصندوق دعم السينما، إلى جانب العمل فى مهرجانى القاهرة والاسكندرية.

كنت أجريت لقاء معه ونشر بمجلة الفن السابع تحت عنوان "حديث من القلب" فى العددين 29 و30 عام 2000. سجلت معه فى منزله واندهشت من مرارات يحملها فى ذاكرته الرجل الذى نظنه ثابتا كصخرة، كانت دموعه تغلبه فأضطر لغق الكاسيت وأنتظر تماسكه ليعود إلى البوح. دموع الفرحة بعمل يحبه وتفوق فيه، ودموع قهر لأن هناك من لم يتحمل دقته وإصراره على التغيير، دموع لم تتوقف يوما تفضح رهافة حسه وامتلاء قلبه وعقله بحب الجمال والفن والإتقان.
تزاملنا بمجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين، شجعنى على تحمل مسئولية أمانة الصندوق وحين تخوفت من عدم قدرتى على أداء المهمة، أكد لى وبحنو الأخ الأكبر أنه سيساعدنى ويكون بجانبى، وقد كان حقا. رغم اختلافاتنا فى بعض التوجهات النقدية فنا وسياسة إلا أن صفة كانت تجمعنا فقد كان الراحل الكبير يجن جنونه لعرض الفيلم بأبعاد تشوه الكادر فتمطه طوليا أو عرضيا، أشاطره فى هذا الرفض ويصعد بنفسه درجات عالية حيث كابينة العرض ليضبط مع مسئول العرض حجم الكادر ودرجة الصوت. لم يسكت يوما عن الحق، ينبرى للإعلان عن رأيه بدرجة فيها قدر من نزق الشباب. نعم فقد كان شابا حتى نهاية العمر، صدفة قابل نادية كامل فأنبها على فيلمها " سلطة بلدى " الذى وجده يدعو للتطبيع مع اسرائيل. ومن حوله يشعرون بالحرج، بينما هو غير ملتفت لدعوات التهدئة ويرى أن هذه أمور لا يمكن التنازل فيها. صراحته لم تكن تغضب أحدا، بل احترمه المختلفون معه قبل المتفقون لثقتهم فى براءة يتمتع بها، شابا يتمتع بفتوة فى الإيمان بما يعتقد وفى الدفاع عنه حتى آخر مدى.

وتبقى الكتب التى ترجمها بالنسبة لى إنجازا كبيرا فعناوين الكتب بالإضافة إلى دقة ترجمتها وجمال اللغة العربية التى تخلو من العيوب الشائعة لكثير من الترجمات مما يجعلها كتبا باقية تسهم فى تعلم السينما ومنها كتاب مارسيل مارتان الهام المعنون اللغة السينمائية، وكتاب كيف تتم كتابة السيناريو. بالإضافة لجهده فى إصدار دليل السينما المصرية وخاصة جزأه الأول والذى نسميه فيما بيننا بالكتاب الأسود نظرا لغلافه بين الرمادى والأسود ويعد حتى الآن واحدا من أهم المراجع لكل ما أنتج من أفلام الطويلة منها أو القصيرة والتسجيلية ولم يضاهيه أى دليل صدر بعده حتى يومنا هذا.

وحتى وقت قريب قبل رحيله كان متابعا لكل الأنشطة، مشجعا لكل محب للسينما، لم يتوقف يوما عن الاهتمام بالاتقان الذى اشتهر به وشهد له كل من تعامل معه وخاصة زميله الذى رحل قبله بقليل الباحث يعقوب وهبى، وكأن مصيرهما فى خدمة الثقافة السينمائية الواحد والكبير قد وصل إلى محطته النهائية وكلاهما راض عما قدمه لخدمة فن أحبه وثقافة أخلص لها. أحمد الحضرى ترك لنا ترجمات من أهم الكتب السينمائية تؤكد أن أصحاب الفضل لا يموتون بل هم باقون خالدون طالما بقيت آثارهم الهامة روافد لمعرفتنا ولتطور السينما فى مصر.

صفاء الليثي
مونتيرة وناقدة سينمائية مصرية

 نشر بكتاب الهلال فبراير 2017 رئيس التحرير سعد القرش