Wednesday 16 December 2015

أفلام الدورة السادسة لمشروع بلازا


من الإسكندرية إلى القاهرة...
 بدلا من المحلية إلى العالمية

مقولة قتلت بحثا أنه لكى تنطلق إلى العالمية عليك أن تبدأ من المحلية، فى السينما تحديدا لأنها الفن الذى يعبر عن مكان وزمان تحدده الصورة وهكذا نجح صلاح أبو سيف بشباب امرأة ونجح بركات بالحرام وعرضا بمهرجان كان بفرنسا ولم تنجح أفلام أخرى عبرت عن طبقة وسطى تشبه مثيلاتها فى دول العالم المختلفة. ولكن أن ترتفع أصوات مطالبة بفن سكندرى وسينما سكندرية فأمر يثير الانتباه ويجعل التساؤل مشروعا، هل نحن بصدد سينما من الإسكندرية تواجه سينما القاهرة بتفاصيلها وما تعكسه من خصوصية للعاصمة مترامية الأطراف تتمركز بها كل فرص العيش وكل الإبداعات والفعاليات الفنية وكأن (مصر) هى فقط العاصمة وساكنيها هم فقط المتاح لهم التواجد على الساحة.
تسيطر مشاعر التجاهل على الكثير من الشباب السكندرى مما دفعهم لتكوين تجمعاتهم الفنية ومؤسساتهم المستقلة متضامنين لإنجاز أفلام قصيرة وتسجيلية معبرة عن رؤاهم وعن خصوصية مدينتهم العاصمة الثانية لدولة مصر. ومع مكتبة اٍسكندرية وجد شبابها مجالا للتواصل وتحقيق جانبا من أحلامهم مع مشروع بلازا الذى بدأ بدعم أفلام صغيرة تصور على الساحة المفتوحة المواجهة لقسم الفنون بالمكتبة . وصلت مشروعات البلازا إلى الدورة السادسة اختتمت ديسمبر 2015 بعروض لثلاثة أفلام فازت بمنحة كأفضل الأعمال التى تقدمت للحصول عليها.
فى المسرح الكبير جدا والمعد ليكون قاعة مؤتمرات كبرى بمقاعده  الأنيقة المريحة والمزودة بآلية تسمح بالكتابة عليها، عرضت الأفلام وسط حضور صاخب لغالبية من شباب وشابات يمرحون ويتسامرون وكأنهم فى حفل تخرج. ولم لا فبعد عرض الأفلام يدشن صناعها ويتم الدفع بهم فى معترك صناعة السينما المستقلة التى شهدت ازدهارا نسبيا بالإنتاجات والمهرجانات والمؤسسات التى ترعاها. على يسارى جلست فتاة منتقبة وشاب دقيق الملامح كانت المرة الأولى للفتاة أن تحضر فيها عرضا عاما كهذا كما أخبرتنى، صادفت إعلانا عن هذا النشاط أثناء ترددها على المكتبة للدراسة فاصطحبت صديقا وكانت متحمسة لتجربتها الأولى، مجموعة خلفى يشبه أداؤهم أداء شباب فى رحلة جماعية، وحين بدأ منسق المشروع أحمد نبيل فى تقديم أسماء أصحاب الأفلام ارتفعت الصيحات وكأنهم يشجعون فرقا متبارية تتنافس فى رياضة ما أو فى مسابقة ما. تمنيت أن يصمتوا ويركزوا مع الأفلام ولكن الميل للتفكه كان سائدا وبدأ مع الفيلم الأول الذى يحتاج فى رأى إلى تركيز لنفهم الرمز الذى عبر عنه المخرج" العيش نوما الموت وقوفا" باسم يحمل صبغة أدبية تتأكد مع اختياره للأبيض والأسود ومع الترميز الذى يحمله الحدث الوحيد في الفيلم، موت المتشرد الذى أمضى حياته نائما فى الطل، واختار أن يموت واقفا وسط حيرة نماذج من الناس عليهم التصرف فى الأمر. المجموعة التى تبادلت الآراء حول ما العمل مع الميت تقلصت إلى ثلاثة قرروا دفن الميت إكراما له. الصورة جيدة والكادرات تشي بعين لديها حس جمالى بالتكوين، رغم الأداء الضعيف للممثلين إلا أن المخرج نجح فى المحافظة على إيقاع فيلمه وأوصلنا بعد دقائقه العشر إلى نهاية مفتوحة فالصدفة وحدها خلصتهم من المشكلة بسقوط النعش فى مياه النيل. تجربة أولى لشاب من بنها تظهر بها بذور قوية للقدرة على الإيجاز والترميز، حاملة وجهة نظر نقدية فى طريقة تصرف المصريين في مشكلة ما تواجههم. حين يقدم المخرج نهاية مفتوحة دون أن يحاول شرحها أو تفسيرها بجملة تعليق نسمعها، أو بكتابة على الشاشة فإنه يترك للمشاهد حرية التلقى ويتيح له تفسير الأمر كل حسب مرجعيته. المخرج أحمد عصام يؤدى خدمته العسكرية فلم يتمكن من الحصول على ردود أفعال الشريحة الأولى من مشاهدى فيلمه الذين تنوعوا بين الراغبين فى التسلية وانتظار ما يثير شهيتهم للضحك، وبين الراغبين فى التواصل الحقيقى المنفتحين على تقبل رسائل من الأعمال التى يشاهدونها.
" العيش نوما والموت وقوفا " يضع صانعه على بداية طريق الإبداع لأعمال تحمل قيمة فكرية وجمال فنى خاص مع رؤية نقدية واضحة، بقي أن ينجح فى إيصال فكرة واضحة للقصة التى يحكيها، نعم كل مخرجينا المبدعين يتحدثون عن أن الفيلم يحكى قصة ما ولابد أن يفهم المشاهد تماما ماذا جرى. هذه المقدرة على إيصال الفكرة تحتاج خبرة ونقاشات لم يترفع عنها كبار مخرجينا، " كتبت قصة الفيلم وعرضتها على كمال سليم وبركات " هكذا تحدث صلاح أبو سيف عن فيلمه الأول الذى نجح مع الجماهير وحقق له سمعة طيبة مع النقاد " دايما في قلبى " .
حاجة ساقعة والمعاناة من برودة الوحدة
العمل الثالث والأخير الذى عرض فى مجموعة بلازا السادسة للشاب عمروش بدر الذى يوقع باسمه المفرد على مشروعاته التى دأب على تقديمها مع فريق تشكل معه وخاصة من مبدعى الأداء التمثيلى- أكتبهم حسب ترتيب ظهورهم على الشاشة- وهم نبيل نور الدين ومحمد خميس والطفل زياد وعبير على ثم محمد صلاح مودى بوجوههم المنحوتة وعبر تميز خاص فى الأداء يضعهم عمروش فى سياق مواقف يعرضها بخطوط متوازية ستتجمع فى المشهد الأخير ملخصة حالة عامة من الشقاء والعيش فى كبد، تختلف تفاصيلها مع كل شخصية ويبقى الهم واحد.
طريقة بناء الفيلم بخطوط متوازية بينها رابط وحيد سبق أن قدمها عمروش فى عمل سابق له بعنوان " الفائز" وهو بناء يسمح له باستعراض قدراته فى اختيار الممثلين وتقديم تنويعات تعبرعن نماذج مختلفة من الناس، مثل الحالم والكسول، المريض والمعافى، الكبير والصغير، يختلف أداؤهم للأدورا فهناك من يمنحها صبغة كوميدية، أو ميلودرامية أو واقعية، حتى أنه يختار مكوجى حقيقى – عم سيد- ليؤدى أحد الأدوار. 
يبدو عمروش كمن يرغب فى خوض مدارس متعددة في فيلم واحد فينتقل بين الكوميدى والفارس والواقعى، فى فيلم " حاجة ساقعة " يبدأ عمروش مع عزت وهو رجل كهل يبدو فاقدا لوعيه متحدثا عن زوجته التى لا تسمح له بدخول البيت، المشهد الافتتاحى به قدر من حوار مبتذل ننساه مع تحرك عزت والكاميرا تصحبه على سلالم مكان عتيق يضعنا فى حالة فنية تشوقنا للمتابعة وتجعلنا نتأمل الحوائط المتآكلة وظلال المكان التى برع تصوير مونى محمود فى إظهار عمل الإدارة الفنية لكل من أحمد مرسي البربرى وأحمد شريف ومنه إلى دور المخرج بالطبع فى اختيار الأمكنة وأزمنة التصوير حيث تظهر درجات الإضاءة مع الفجر ثم الرماديات لمدينة ساحلية نشعر بالمطر وآثاره دون أن يهطل فعليا أو قبل أن يحدث ، يحقق هذه الرغبة فى التعبير عن محلية مدينة الإسكندرية مدعوما من شريط صوت معبر عن حى قديم من أحيائها. المشد الافتتاحى يعكس براعة الاستهلال مع قدرة على رسم الشخصية التى تصحبها كاميرا محمولة يدويا بحركات مدروسة وإيقاع يسلمنا للشخصة الثانية أب على دراجة بخارية يصحب ابنه إلى المدرسة، وفى الشارع تتركه الكاميرا وتنحرف مع ميكروباس وخناقة بين فتاة متحرش تنزل الفتاة وتصحبها الكاميرا وعند منتصف الطريق تتركها لتتابع الشخصية الرابعة لشاب أسمر بمظهر رياضى. نبقى معه لنعرف جانبا من حكايته ونعود للمسن عزت يفطر على عربة يحكى حكاياته الوهمية ومن جملة حوار ننتقل الى ردها في مكان آخر ومع الفتاة التى يتبين أنها سيدة تدير محل كوافير تنفس عن غضبها فى عاملتين بالمحل. يمتلك الفيلم براعة الاستهلال وحرفية الانتقالات بين الخطوط باستخدام حركة كاميرا مع الشخصيات وعن طريق المونتاج والجمل الحوارية التى تكمل بعضها بسلاسة .
هناك اقتصاد كبير فى استخدام الموسيقى التعبيرية من خارج الكادر فقط  للتعبير عن مكنون ما فى نفوس الأبطال. وتتراوح المشاهد بين القوة والضعف، فالاستهلال القوى والإيقاع المتوازن يختل في عدة مناطق يصل لأقصاه فى النهاية مع المشهد الذى تتجمع فيه الشخصيات بمصادفة محسوبة من المخرج بدأها فى الكتابة ولم ينجح بالكامل فى تنفيذها مع المونتاج والمكساج. وهو أمر يمكن تداركه وخاصة أن عمروش لا يكابر ويستفيد من كل الآراء التى سمعها من الحضور فى عرضه الأول ومنهم المخرج المسرحى حمدى عبد العليم الذى أشاد بالفيلم كونه الأقرب والأحق بتسمية فيلم مع تحفظه على النهاية التى بدت مبهمة لخلل الإيقاع.
تلاعب المخرج بالاسم "حاجة ساقعة" معبرا عن البرودة التى تعانى منها شخصياته مع وجود الحاجة الساقعة فعليا ضمن تفاصيل الحدث، يطرح عمروش عددا من  المشاكل  السائدة فى المجتمع المصرى، مشكلة ترمل الرجل وعجزه عن مواصلة الحياة بدون رفيقة حياته، ومشكلة الانفصال مع وجود طفل يعانى نتيجة هذا الأمر، ومشكلة عنوسة المرأة أو وحدتها بلا رفيق، وأخيرا مشكلة البطالة بين الشباب وبحثه عن عمل يناسبه لنصل إلى مشهد زفة نوبية شارك فيها الشخصية الرابعة وهو يرقص ويوزع زجاجات حاجة ساقعة  أمام محل الكوافيرة فى مصادفة وجود الرجل بالدراجة مع ابنه وعم عزت الذى بدأ الفيلم به يطلب زجاجة حاجة ساقعة لزوجته. انتوى المخرج تجميع الأبطال فى مشهد زفة العرس ولكن الخلل الإيقاعى سبب تشوشا لدى المتلقى وهو ما يمكن تداركه عن طريق المونتاج.
عمروش مخرج مؤلف يرسم شخصياته جيدا، لديه حس حميم بالناس، يكون فريقا يعمل معه بتفهم ومشاركة حقيقية، يتعلم من حضور عدد من الورش التعليمية ومن المشاهدة المكثفة للأفلام التى تظل منبعا للمعرفة واكتساب الخبرات، يدرس السينمائي الذكى قوالبها ويستوعبها ليجدد فيها مطورا وسائل التعبير لدية لينجح في  إيصال فكرته وإلى التواصل مع الناس . شاهدت أفلام الدورة السادسة لمشروع بلازا بمكتبة الإسكندرية، ووجدت أن فيلم " حاجة ساقعة " الأفضل والأكثر اكتمالا مع امتلاكه لذوق رفيع فى جماليات الصورة دون إغفال التعبير عن قضايا مجتمعية هامة. والفكرة مع هذه الكوكبة من الفنانين أمام الكاميرا ووراءها صالحة لتمثيل مصر فى أعرق المهرجانات الدولية وممكن أن يتحول إلى عمل روائى طويل بتفاصيل تشبع المشاهد الباحث عن حقه كاملا فى المتعة بكل أنواعها.

كان الطقس دافئا والحضور حميم، زاده نقاش حاد جرى فى الندوة التى أدارها باقتدار منسق المشروع المخرج أحمد نبيل، استمر النقاش خارج القاعة وتحولت شوارع الثغر الجميل إلى ساحة تواصل فيها الحضور على وعد بلقاءات متجددة مع كل إنتاج جديد لمشروعات قسم الفنون بمكتبة الإسكندرية.  
                              نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 15 ديسمبر 2015 رئيس التحرير سيد محمود

Saturday 8 August 2015

الباب المفتوح دراسة مقارنة بين رواية لطيفة الزيات وفيلم بركات


الباب المفتوح بين الفيلم والرواية
تبدأ الرواية فى تاريخ 21 فبراير 1946 بحدث التظاهر فى ميدان الإسماعيلية_ التحرير الآن- بمظاهرة من أربعة آلاف شخص ، قامت أساسا ضد الإنجليز، " يقوم الإنجليز يخرجولها خمس عربيات مسلحة تمر وسطها.... أنا شخصيا أعتقد أن المظاهرة دى كانت مرحلة جديدة من مراحل كفاحنا الوطنى... أول حاجة الجيش امتنع عن تفريق المظاهرة، ومش بس كده ، عربيات الجيش كانت ماشية فى البلد وعليها شعارات وطنية... واشتراك العمال مع الطلبة والشعب كله، بقولك أنا دى بلد الجدعنة، دا حتى النسوان خرجت من بيوتها، شفت النسوان فى باب الشعرية ، أنا شخصيا لو عشت ميت سنة مش هأنسى المنظر اللى شفته فى سليمان باشا، أعلام من دم" الجمل السابقة من الرواية التى كتبت فى الستينيات عن أحداث ماقبل ثورة يوليو 1952 حتى عام 1956 .
وهكذا من العام إلى الخاص حيث عائلة محمد أفندى سليمان الموظف بالمالية بالسيدة زينب، عائلة ليلى 11 سنة وهى رايحة تفتش على محمود أخاها طالب الثانوى صغيرا ولم يدخل الجامعة بعد. فى رابعة ثانوى وعنده 17 سنة، وابنة الخالة جميلة وأخاها عصام، احتفظ الفيلم بأسماء شخصيات الرواية وملامحها الأساسية ، فقط تحركت البداية عدة سنوات لتتحدث عن الآنى والهام فى الفترة الناصرية. حيث يبدأ الفيلم قبل العدوان الثلاثى بسبع سنوات فقط مع عام 1949 .
البدأ بليلى 17 سنة وليس 11 سنة كما فى الرواية مكن المخرج من التركيز فقط مع فاتن المقنعة جدا فى دور طالبة الثانوى، واستخدم كل تفاصيل ملامح الشخصية التى كتبتها الرواية فى رسم ملامح الشخصية وتتبع حركتها، ليلى فى الفيلم ابنة 17 سنة التى تمتلك حماس وانطلاقة وبراءة ليلى فى الرواية  11 سنة، تصف لطيفة الزيات بطلتها: " اندفعت تجرى... متفاخرة بأخيها ومتابعة للأحداث التى تجرى فى مقابل جميلة " اللى ما بتعرفش حاجة أبدا، تهتف أنها تريد السلاح لتحارب الإنجليز. وعند اندفاعها تصطدم بالوالد..."  شخصية مرسومة جيدا  بالكلمات نقلها المخرج معبرا عن هذا الحماس وهذه الفرحة بالنصر على الأعداء، فى الرواية يعلق الأب على أن كل شيء ينكسر فى يدها" أنا قلت دى مش بنت دى فتوة" . يحتفظ المخرج بجمل حوارية هامة مرتبطة بحركة الشخصية ولغته السينمائية من ميزانسين فى الكادر وأحجام لقطات وأداء للشخصية. 
تتطرق الرواية إلى تفاصيل تجاوزها الفيلم مثل رغبتها فى نيل رضا كل من بالمدرسة، وحدث البلوغ والدورة الشهرية ( الأم لم تعنف ليلى هذه المرة، بل قالت لها ، ما تخافيش يا بنتى انت كبرت ،كبرت، ومن هنا ورايح خروج لوحدك مفيش، من المدرسة للبيت) . ولكن يبقى دخول عصام ابن الخالة مشروعا ومفسرا من الرواية ( عصام مش غريب، عصام ابن خالتك،اتفضل يا ابنى هى ليلى هتتغطى على ابن خالتها) وهو ليس رأى الأم وحدها بل يؤكد الأب على ذلك ( عصام معلهش، عصام مننا وعلينا) ويكون رأى ليلى( أنا فى الحقيقة احترت معاكى يا ماما، كل حاجة أعملها تطلع غلط فى غلط، فترد الأم ( اللى يمشى على الأصول ما يغلطش..)  ثم تشرح ما هى الأصول. وسنة بعد سنة نمت ليلى، .تجاهل الفيلم الفصل الأول كحدث ولكن تمت الاستفادة منه فى التعرف على ملامح الشخصية وطبيعة العلاقات داخل الأسرة. سيبدأ الفيلم مع ليلى وهى فى السابعة عشرة وسيتم استغلال وصف الرواية لحجرة ليلى وطبيعة حركتها مثل ما كتبته الزيات عن انطلاقها وفتح الشباك واحتضانها للعالم يوظفه السيناريو مع مشهد اكتشاف حبها لعصام .  .
قلل السيناريو من ازدحام الشخصيات التى ترد فى الرواية، مثل صديقات الأم وخاصة سامية هانم وسيتم استخدام جمل حوارية من هذه الفصول لتوضع فى موضع آخر بالفيلم حيث تعنف الأم ليلى (انت إزاى تقولى الكلام الفارغ ده؟ فترد ليلى(الكلمة اللى جت على لسانى، اللى بحسه ولا يمكن أكدب) إذن تم حذف صديقات الأم وقصة ابنة سامية هانم المنتحرة ، وتم الإبقاء فقط على الأسرتين فى بناية واحدة، وأصدقاء المدرسة والجامعة، تكثيف الشخصيات والأماكن جاء فى صالح الفيلم الذى شاركت كاتبة الرواية الأصلية فى صياغة السيناريو له مع المخرج والسيناريست المحترف.ركز الفيلم على ليلى والرجال الثلاثة فى حياتها عصام ابن الخالة وجار السكن، وصديق الأخ وزميل النضال الأقرب لروحها، ثم أستاذ الجامعة الذى يمثل التناقض فى الرجل الشرقى. الإيجاز السينمائى الناجح الذى قدم أحداثا وأماكن وشخصيات فى ساعتين كتبت فى رواية طويلة فى 300 صفحة. جمع السيناريو كل الشخصيات فى رباط مع الشخصية المحورية ليلى ولم يخرج عنها.  دون أن يتفرع كثيرا إلا ليدلل على تبنى صناع الفيلم ومنهم الكاتبة  لطيفة الزيات نفسها لأفكار ليلى الفتاة التقدمية التى اتخذت من الأخ المناضل محمود قدوة ومثلا وليس الأب كما تفعل غيرها من الفتيات. تتطابق الفيلم كثيرا مع الرواية مثلما نجده فى البداية مع اندماج ليلى فى الحياة العامة والاحتفاظ بنص الحوار ، تقول ليلى معارضة زميلاتها : أهلى أهلى .. زاندفعت مع مجموعة الطالبات. دعم الفيلم شخصية ليلى وتم الاستغناء عن أحلام اليقظة فى الكتاب وظهرت ليلى قوية لا تخشى شيئا ، انحاز بركات ويوسف جوهر وفاتن حمامة لليلى كما فى هذا الجزء: ( لم تحلم ليلى هذه الليلة، كان كل جزء من جسمها ينبض بالحياة، وقضت ليلتها ساهرة وهى مستلقية على ظهرها وكأنها تنتظر شيئا) وفى المدرسة تزعمت رفض البنات للتفرقة بينهن وبين الطلبة، البلد كلها قايمة على رجل، وكل المدارس هتخرج، واشمعنى احنا اللى ما نعبرش عن شعورنا) .
مشهد المدرسة ( تقدمت الناظرة إلى الميكرفون، وقالت إن وظيفة المرأة هى الأمومة، ومكان المرأة هو البيت.. وأن السلاح والكفاح للرجال) فى الرواية عارضت الناظرة فتاة سمراء ، فى الفيلم التى عارضت هى ليلى "البطلة فاتن حمامة" وقد تم تدعيم شخصيتها منذ البداية ، هى فى الرواية معجبة وتحلم بأن تكون مثل الفتاة السمراء، حالمة بهذه " البنت الهايلة" ولكنها فى الفيلم هى التى قالت وهى التى قادت المظاهرة. وهكذا السينما حين تحمل البطل الذى يتوحد معه الجمهور بكل الصفات الإيجابية فيزداد التأثير وتصل الرسالة إلى الجموع.       
تعود الكاتبة لتصف تحولا فى شعور ليلى ( اندفع الدم فى رأس ليلى ، انتشت.. ارتفعت على أكتاف الطالبات .. وانطلقت من جديد تهتف بصوت غير صوتها، صوت وحد كيانها وكيان الكل) يتخلص السيناريو من كل ما يعوقه فلا عودة إلى الوراء- فلاش باك- بل اندفاع وتقدم بالسرد محتفظا بكل جملة حوار ممكن أن تخدم الشخصية ( كان حد قالك تعملى العملة السودة اللى عملتيها، تفضحينا وتجرسينا فى الحته، هى جميلة مش بنت زيك، اشمعنى ما عملتش عملتك؟) ويستمر الحوار يكاد يكون متطابقا فى الفيلم والرواية يعكس صداقة مبنية على الإيمان بنفس الأفكار بين ليلى وأخيها محمود، ويتحول الوصف الأدبى إلى انتقالات بين محمود وليلى وإلى جمل حوارية واضحة لا تترك أى لبس وتوجز المشهد، ويدخل ابن الخالة عصام فى التزام بالتتابع من المخرج ويدور كما كتب بالرواية ومنها ( انت مش أختى الصغيرة؟) واقترابه وتدليله لها كأخت صغرى، غضبها واتجاهها إلى النافذة، وعند جملة ( أنا مش عيلة) يحدث التحول والاكتشاف، تحول العلاقة إلى توتر بين شاب وفتاة بسبب الانجذاب الجنسى، واكتشاف الرغبة – الحب من جانب ليلى وعصام، يقطعه دخول الأم . تطابق تام ولكن الفيلم أكثر رومانسية وجمالا وأكثر فهما للتحول ففى الرواية وبعد انصراف عصام ستشعر بالبرد وتغلق النافذة، فى الفيلم ستفتح الشباك، وتحل عقدة كرافت المدرسة وتنفتح شهيتها إلى الطعام، تغيير استعاره المخرج من وصف الشخصية فى الفصل الأول الذى استغنى عن أحداثه. الحب الوليد عبر عنه فاتن حمامة وحسن يوسف دون حوار مباشر بأداء تمثيلى وبلغة السينما بينما فى الرواية ( عصام بيحبنى وأنا بحب عصام) والوصف فى الرواية غاب لمدة أربعة أيام، أما فى الفيلم فقد نجح المخرج عبر إيقاع الانتظار وحوار شخصياته فى إشعارنا بمرور الوقت عبر تدفق سردى واستخدام رائع للمونتاج المتوازى الذى ضفر حدثين يحدثان معا وهو خطوبة جميلة إلى ثرى لاتحبه بشكل رسمى وتحول المشاعربين عصام وليلى. ومن المؤكد أنه دارت مناقشات وعصف ذهنى بين صناع الفيلم أثناء الكتابة ليحفظ الاحترام الدائم لشخصية فاتن حمامة وما تمثله أمام جمهورها. ومتوافقا أيضا مع طبيعة الشخصية القوية صاحبة المبادئ والحرة أيضا. وستم تقديم حلول فى السيناريو تشرح كل الصياغات الأدبية بتقديم وتأخير يعيد بناء المشاهد التى لجأ فيها بركات إلى تقنية المونتاج المتوازى ، رابطا بين الحبيبين وحاذفا الحلم –الكابوس- كما حذف أحلام اليقظة من قبل ليتمكن وهو مخرج الواقعية الرومانسية التى تعيد بناء الواقع بأسلوب شعرى وجمالى يحتفظ بأجمل ملامح بناء الشخصية مع الاستخدام الأمثل للغة السينما فى تكوينات الكادر- إطار الصورة- والإضاءة والانتقالات ، وأحجام اللقطات، والأهم عبر الأداء التمثيلى البديع ، مستخدما كاميرا تتحرك بحساب، ويقطع المونتير الفنان فتحى قاسم فى الحركة، رغم أنها إحدى المحاذير المونتاجية، يمارسها بحرفية فيحقق تدفقا وتموجات فى تتابع اللقطات وانسيابها. وهكذا يغير المخرج ومعه يوسف عيسى الذى كتب معه السيناريو ولطيفة الزيات مشاركة لهم، يغيرون ما يلزم ليحافظ على نقاط القوة فى تتبع الشخصية فى الأماكن التى أحسن استخدامها رغم محدوديتها لتتنوع المشاهد بين صالة البيت وحجرة ليلى والممرات أمام السلالم والمصعد المفتوح، شقة الخالة وحديقة المدرسة والجامعة. اختصر الفيلم كثيرا من الثرثرة الكلامية ( نظرة العتاب من ليلى... التى استقبلت بها عصام وهو متردد فى الدخول إلى الشقة) اختصرها الفيلم بأداء ممثليه وجمل حوار منتقاة بعناية جواهرجى ولم لا وهو حفيد الصائغ أنطوان بركات. يمكننى المضى هكذا بين الرواية والفيلم لنستدل على تفوق الفيلم على الرواية فى البناء والإيقاع.  
صفاء الليثى 
نشرت بكتالوج معرض مئوية هنرى بركات ( 1914-2014)
فى إطار مهرجان القاهرة السينمائي الدولى 36 برئاسة سمير فريد   


Thursday 23 July 2015

https://www.youtube.com/watch?v=pefnf1vav-4

Wednesday 15 July 2015

فى وداع عمر الشريف


عمر الشريف...

 المواطن مصرى
 
فى ذاكرتى عنه أجده فى شخصية حسين الشاب القفل فى فيلم فطين عبد الوهاب إشاعة حب، ستحبه سعاد حسنى بخديعة من يوسف بيك وهبى فى الفيلم الذى ينتصر للأصالة المصرية وللشباب الجاد ويسخر من البرجوازية العفنة بنت سلطح ملطح، كما أجده فى شخصية محسب الصعيدى الغشيم الذى كاد يخسر ثروته على الغازية  لولا حماية رئيس عماله رشدى أباظة فى فيلم صراع فى الميناء لعاطف سالم ومع الفاتنة هند رستم. دورين استثنائيين للنجم المصرى العالمى عمر الشريف، ليس فتى الشاشة الأول الوسيم مع فاتن حمامة  فى نهر الحب عن تولستوى وروايته  أنا كارنينا، وليس الطيار الفاتن فى حبي الوحيد مع نادية لطفى، بالنسبة لى بفكه العريض ووسامته المصرية  وعيناه السوداوان أقرب أن يكون هذا العمدة فى المواطن مصري، أو المناضل فى العمل الكبير في بيتنا رجل. أو عطشجى القطار فى لوعة الحب مع شادية،

لا أنسي حين كانا معا وهما يقزقزان الترمس، هى تلقى القشور على الأرض، وهو فى دور عامل راق يضع القشر فى كف يده، فتخجل ويزداد حبها له لأنه الراقى مقارنة بزوجها الفظ سائق القطار أحمد مظهر الذى يأخذها عنوة فتكره العلاقة الخاصة وتحن إلى الرومانسية التى يمنحها لها مساعد زوجها عمر الشريف. يناسبه دور الضابط  بالزى الرسمى متخفيا  في بيتنا رجل، وطالبا فى بداية ونهاية ، طيارا باليونيفورم فى حبى الوحيد، فى الطائرة يأتى ليقدم الكعكة للعروس من بين الركاب فتكون حبيبته  نادية لطفى ونحبس الأنفاس، يا الله ، فى جمال كده. هل هناك ما يفوق هذا الجمال.أول أدواره كان اكتشافا ليوسف شاهين فى صراع فى الوادى مع فاتن حمامة التى شاركها فى ستة أفلام آخرها نهر الحب الذى أخرجه عز الدين ذو الفقار زوجها الأول ووالد ابنتها نادية. وآخرها المسافر مع خالد النبوى من إخراج أحمد ماهر. غاب خمسة عشر عاما وعاد فى دور حسن مع عادل إمام فى حسن ومرقص، حسنا فعل المخرج رامى إمام حين أسند إليه دور الجار المسلم بينما عادل إمام هو الجارالمسيحي. ويرتفع الأداء بعد تبادل الأدوار لتأكيد أنهما معا المواطن مصرى مسيحيا كان أم مسلما. حين جاءته فرصة الانضمام إلى السينما العالمية ، غاب وقدم أدوارا عدة ولكنه عندما عاد صدم الجميع بصراحته حين قال إنه من ممثلى الدرجة الثانية فى السينما العالمية، وأنه يعتز أكثر بأدواره فى السينما المصرية.

تحدث عن حبه للأرز أبو شعرية، وتكون الشعرية محمرة وكثيرة باينة فى الطبق. حين تحدث جرى ريقى من شدة بساطته وصدقه شممت رائحة الأرز المفلفل والملوخية. لا يعرف الوطن ولا يدرك حقه فعلا إلا من غاب عنه،  حتى لو كان غيابه ليقوم بدور هام فى لورنس العرب مع بيتر أوتول، أو مع الفاتنة الإيطالية صوفيا لورين فى الموعد، أو مع الأسبانى الشاب أنطونيو باندرياس. يختارونه ليقوم بدور جيفارا ورغم تواضع الفيلم إلا أنه قبل القيام به كما قبل القيام بأعمال أخرى متوسطة القيمة قبل أن يفكر فى العودة إلى مصر وإلى السينما المصرية التى ساهم فيها بأهم أعماله .
والده ديمترى شهلوب  تاجر الأخشاب اللبنانى  قد استقر به المقام بالإسكندرية وكانت مدينة مفتوحة ملجأ للكثيرين من شرق وشمال المتوسط، لجأوا إليها وامتزجوا بأهلها وساهموا فى أنشطتها الصناعية والتجارية والفنية ، ينتمى ميشيل شهلوب الشهير بعمر الشريف إلى أسرة كاثوليكية لبنانية ، شهدت الاسكندرية مولده فى العاشر من أبريل عام 1932 ، درس فى مدرسة فيكتوريا التى سبقه إليها توفيق صالح ويوسف شاهين. قد تكون الشائعة من أعداء له بعد اختياره ممثلا فى السينما العالمية بأنه يهودى الديانة، والمهم أنه مثل يوسف شاهين من أصل لبنانى مسيحى، وأنه وجد فى مصر الحب والأسرة والمهنة، وجد المحبة والاحترام حتى اختير رئيسا شرفيا لمهرجان القاهرة السينمائي الدولى لعدة سنوات. قيل إنه لن يعيش طويلا بعد رحيل المرأة الوحيدة التى أحبها حقا، وحدث ذلك وفارقت روحه من مصر مساء العاشر من يوليو2015، ولم يمت فى غربته بل فى البلد الذى شهد حبه  الوحيد وتقدير مواطنيه.

رغم ارتباط اسمه بفاتن حمامة حبيبته وزوجته وأم ابنه الوحيد طارق،  إلا أنه قدم أدوارا لا تُنسى مع شادية ونادية لطفى، مع هند رستم وسعاد حسنى . ورغم أن يوسف شاهين هو من اكتشفه إلا أنه لمع فى أدوار مختلفة مع فطين عبد الوهاب، وصلاح أبو سيف وهنرى بركات وعاطف سالم، امتد مشواره ليعمل مع هانى لاشين فى فيلمى أيوب و الأراجوز، ومع  رامى إمام فى حسن ومرقص، و مع أحمد ماهر فى المسافر. امتد مشواره  السينمائي  خمسة وخمسين عاما منذ عام 1954 مع صراع فى الوادى وحتى المسافر عام 2009 . قدم خلالها ما يقرب من خمسة وأربعين فيلما بين المصري والعالمى، من بين أعماله العالمية أفضل فيلمه د. زيفاجو عن الرواية الروسية والشخصية الروسية الشهيرة  وحصل عنه على جائزة  أفضل ممثل درامى عام 1965 ضمن ترشيحات الجولدن جلوب.
وككل النجوم أثيرت حوله الشائعات والأقاويل، وفى رأى أنه عاش حياته، يوم مر ويوم حلو مثله مثل كثير من الناس، أصاب وأخطأ، ابتئس وسعد، ولكنه فى النهاية رحل تاركا ثروة من أفلام مصرية وعالمية نستمتع بها وتجعله خالدا فى أذهاننا، عمدة نجوم مصر وسفيرها فى العالم، المواطن المصرى عمر الشريف. 

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 14 يوليو 2014 
رئيس التحرير سيد محمود

Tuesday 23 June 2015

نبيهة لطفى... مصرية من جنوب لبنان

قطار المحبة يصل محطته الأخيرة
قبل رحيلها كثيرا ما فكرت، كيف ستكون حياتنا بدون نبيهة لطفى؟ فتواجدها فى كل مهرجان، فى كل ندوة، فى كل فعالية أحد علامات الحدث خاصا كان أم عاما، ويكاد يكون مستحيلا عدم ظهورها، وعندها يكون السؤال، أين نبيهة؟ قطار جامح منذ انطلق من محطته بمعهد السينما بالقاهرة، كفيلم لوميير الأول وصول القطار إلى المحطة، تلفت الانتباه بما تحمله من محبة واهتمام لكل من فى طريقها. حين تربطها علاقة عمل مع نادية لطفى نعرف أنها بولا وأنها ليست منتجة  لفيلم " دير سانت كاترين" بل صديقة لديها انتماء ومحبة لهذا البلد. ونعرف أن توحة ليست كاريوكا نجمة السينما وفاتنة الرقص الشرقى بل توحة المناضلة بنت البلد الجدعة من خلال حكاوى نبيهة لطفى عنها،  أو عن شادى، هكذا فقط شادى، تقولها وتبتسم، يكاد الحب يتفجر من حروف اسم مبدعنا الكبير، شادى عبد السلام. يؤكد على الناقد فاروق عبد القادر .. اوعى تزعلى نبيهة يا صفاء.. رأيتها بجوار شادى أثناء مرضه  لا تفارقه وكأنها أخته أو حبيبته، إياك تزعلى نبيهة يا صفاء، ولكنها كانت دائمة الزعل منى أحيانا وغالبا علي.  نبيهة صديقة جيل الستينيات ومنهم المونتير أحمد متولى والد أبنائي، تحضر إلى سكننا الأول بالعوامة رقم 81 بالكيت كات، ومعها ياسر طفلا عائدة من درس بيانو أو قبل الذهاب به. تأتى بلا موعد وتتحدث معى فى ألف موضوع ، أحاول أن أبادل كرمها بتقديم ما فى البيت، ياسر هادئا سارحا فى النيل والمراكب المارة، وقد أتينا نبيهة وأنا على قطعة جبن بيضاء مع بقسماط بالسمسم. تعشق الجبن الأبيض كعبد الناصر الذى وجدته زعيما للأمة العربية وطردت بسببه من جامعة بيروت. تمضى الأيام وأسمعها تتصل طالبة منى الحضور على الفور لمقابلة مخرج شاب يهمها أن أهتم بفيلمه بالكتابة عنه وعرضه فى إطار نشاط جمعية النقاد. دائما توفق الرؤوس فى حلال العمل، دون أن تكون لها مصلحة مع أى من الطرفين، هى صديقة جيلى ومن قبله ومن بعده، أجيال وأجيال من السينمائيين والنشطاء. بيتها بالعجوزة بيت كرم وندوة مفتوحة، لسنوات تجمع الأصدقاء مجموعات مجموعات، تعد لهم بنفسها طعامها اللبنانى الشهى وتدور الكلمات. وحين تعبت مقطورة قطارها، خففت اللقاءات والتليفونات، ومعها خفت ضجيج المعارك. ولكن أبدا لم يفوتها حدث عام، كانت تتحرك بالعكاز، وأشعر برغبتها فى المشاركة فأصحبها إلى تظاهرة نقابة السينمائيين، وتظاهرة نشطاء الثورة، وتظاهرة المطالبين بعودة أصول الأفلام إلى وزارة الثقافة، واعتصام المثقفين المطالبين برحيل وزير الإخوان. هكذا حياتها نشاط فى كل أحداثنا الخاصة والعامة. وهى فى عملها كمخرجة تسجيلية ارتبطت عاطفيا مع كل موضوع تقدمه، ومع كل شخصية تناولتها فى فيلم لها. تشارك بأعمالها حياة اجتماعية بكل تفاصيلها الدافئة، مع ابنة المناضل والصديق شهدى عطية تقدم فيلم صلاة من وحى مصر القديمة، ومع ابن خان وابنة بشارة تقدم حسن والعصفور، ومع الفلاحة الصغيرة من الشرقية تقدم لعب عيال. وفى سلسلتها التلفزيونية بعنوان نساء تتنوع السيدات التى تراهن نابهات مهما كانت طبيعة عملهن. وكلهن تتحولن إلى صديقات وليس فقط نماذج لأعمال. نبيهة لطفى مشغولة البال بكل من تبدو عليه وعليها لمحة إبداع، فتتصل به وتتواصل معه بالرأى والمساعدة ليشارك بفيلمه بالمهرجانات ولكى يتعرف عليه الوسط الثقافى. نبيهة منحازة ومشاركة فى تأسيس كافة مؤسسات المثقفين الثوريين، عضو مجلس الإدارة المنتخب لجمعية نقاد السينما المصريين وجمعية السينمائيات وعضوة نشطة بفعاليات نقابة المهن السينمائية، تتحرك بفستان على طريقة الجلباب الفلاحى يلبق عليها، يليق بها حتى وجدت أننى عند الكتابة عن مشوارها عام 2000 أسميت المقال فلاحة مصرية من جنوب لبنان، وحين تكرم بالمهرجان القومى للسينما المصرية تهذب العنوان ويصبح مصرية من جنوب لبنان .

حين وهن الجسد وبدأت فى فقدان وزنها، أسرعنا بالتفكير فى تكريمها ليكون تتويجا للتكريمات التى حصلت عليها فى لبنان وفى مصر. وبعد أن شاركتنا فى تكريم يوسف شاهين وتوفيق صالح وأحمد الحضرى ومصطفى درويش. كانت صافية الذهن تحدثت عن الآخرين ونوادرهم أكثر مما تحدثت عن مشوارها هى. أحسسنا أننا نودعها وحبسنا الدموع ، وكانت أمسية الأحد  26 ابريل 2015 آخر عهدها بمركز الثقافة السينمائية الذى امتلأ دوما بحضورها. وحين عرضنا فيلمها الأخير فى ندوة الأحد 7 يونيو 2015 لم تتمكن من الحضور، وكأن نبيهة تعرف أن موعد الفراق قد اقترب فتركت لنا وديعتها عن صديق العمر شادى فى عملها الأخير " من عالم شادى عبد السلام" محملا بوجهة نظرها الداعية إلى ترك عمله وعرضه مُتحفيا دون العبث به. فى 17 يونيو 2015 فارقنا جسدها وودعناه. وبقيت وستبقى صاحبة تل الزعتر ولعب عيال . ستبقى نبيهة لطفى جزءا هاما من تاريخ السينما المصرية ومن تاريخ السينمائيين الباحثين عن طريق جديد لسينما مغايرة. نبيهة لطفى لا أقول وداعا ولكن إلى لقاء.

مقال بقلم صفاء الليثى نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 23 يونيو 2015 رئيس التحرير سيد محمود 


  




Wednesday 27 May 2015

كتاب عطيات الأبنودى عن السينما الثالثة


مانفيستو السينما الجديدة
كمثقفة وصانعة أفلام  من جيل الستينيات ، كمخرجة أفلام تخدم المجتمع وتقدم سينما مغايرة للسينما التى سبقتها، تقدم عطيات الأبنودى فى كتابها السينما الثالثة بحثا فى  تاريخ السينما تنعكس فيه مؤثرات هذا الجيل ترصد وتتابع التيارات الجديدة فى السينما وتتعقب ما آلت إليه. من وجهة نظرها السينما الأولى سينما هوليود وتعرف بسينما المنتجين ، والسينما الثانية التى بدأت فى أوربا بعد الحرب العالمية الثانية وهى النوع الذى امتد تأثيره إلى أمريكا نفسها من خلال مدرسة نيويورك  وتعرف أيضا بسينما المؤلف، ثم السينما الثالثة مع مظاهرات طلبة 1968 وبزوغ سينما أمريكا اللاتينية وصولا إلى بيان " نحو سينما ثالثة "

وتوثقه عطيات الأبنودى كما توثق بيانات عديدة مثل بيان أوبرهاوزن الذا أعلن فى ألمانيا عام 1962 ، واستمرارا لولعها بالبيانات ترصد وتوثق بيان تعاونية مخرجى السينما الجديدة فى نيويورك ، يستوقفنى نهاية البيان الثورية، " نحن لا نريد أفلاما مزيفة، ملمعة ناعمة، ونحن لا نريد أفلاما وردية ، بل نريدها بلون الدم" .  ترصد بالطبع التجربة المصرية مع قيام جماعة السينما الجديدة وبيانها الذى ينتهى بإعلان صريح : " نحن نريد سينما مناضلة، تعمق حركة المجتمع، وتعيد صياغة فكر ووجدان الإنسان المصرى ،ولأنها تكونت ليس فقط من صناع السينما من مخرجين وكتاب سيناريو ومصورين ومونتيرين، بل انضم إليها أيضا نقاد فأضافوا فى النهاية، نحن نهدف إلى توسيع قاعدة الثقافة السينمائية.  
الكتاب أشبه ببحث دكتوراه فى السينما وأنواعها تمر فيه بعجالة على السينما الأولى، وأرى هذا انتقاصا كبيرا من حجم هذه السينما ومدى تأثيرها على صناعة هذا الفن فى العالم، لتذهب إلى موضوع محبب لها ولجيلها إلى تناول أكثر استفاضة للواقعية الإيطالية الجديدة، وفرسانها وتدخل فى تفاصيل حول آراء صناعها، فروسلينى يقول، الواقعية ما هى إلا شكل فنى لتقديم الحقيقة. ثم تمر على الموجة الفرنسية الجديدة وخاصة جودار الذى تصفه بالمفكر السينمائي الذى أصبح أيقونة السينما الجديدة فى العالم، ثم تذهب إلى أن أفلام الموجة الجديدة هى السينما الثانية كمرحلة هامة فى مواجهة السينما الأولى.وتتوقف طويلا عند فيلم ،بونى وكلايد فى إطار سينما هوليود الجديدة الذى يعبر عن عنزلة الشباب الأمريكى فى الستينيات ، وهو الفيلم واسع التأقير علينا فى مصر وقد تابعنا بتعاطف تحولات الشاب العاطل إلى لص صغير وانضمام الفتاة إليه ثم تحولها إلى سرقة بنوك ويزداد التعاطف مع نهايتهما المأساوية. توثق الأبنودى أن الفيلم أضيف إلى مقتنيات مكتبة الكونجرس باعتباره أحد أهم الوثائق الفيلمية . تتبع كذلك سياسة التحرر فى السينما الأمريكية مع الاستعانة بمخرجين من أوريا مثل ميلوش فورمان وفيمه طار فوق عش الوقواق، ورومان بولانسكى وفيلمه طفل روزمارى.
عطيات الأبنودى تقدم رؤية نقدية لأفلام ومخرجين تختارهم بعناية ، إذ تتوقف عند المخرج شادى عبد السلام الذى تصفه بأنه خارج سياق السينما المصرية وتنفى أنها تبالغ إذا قالت أنه خارج السياق العالمى أيضا. وهى فى كل ما ذهبت إليه لم تخرج عن الآراء التى سادت بين المثقفين – وخاصة الثوريين منهم- حول الأفلام والمخرجين والاتجاهات السينمائية. بالنسبة لجيل الستينيات – والسبعينيات أيضا- يثير فيهم الحنين للأفلام التى اختارت التوقف عندها وللحركات الجديدة ، أو التى حاولت أن تكون جديدة، ولم تنس أيضا أن تحلل سبب عدم استمرار مخرجى جماعة السينما الجديدة فى مصر نتيجة تغير السياسات العامة فى الدولة فلم يعد مناسبا الحديث عن الصراع العربى الإسرائيلى وقد اتجه النظام للصلح معها ووجد بعض الكتاب ومروجى السينما القديمة فرصة ذهبية فكتب على سبيل المثال عن الإنتاج الثانى لجماعة السينما الجديدة " الظلال فى الجانب الآخر"، الفيلم فشل فشلا ذريعا وجماعة السينما الجديدة تخسر نقطة ثمينة فى المباراة بين المخرجين القدامى والمخرجين الجدد " وكأن هذه الأقلام تساند حبس الفيلم فى العلب وتعرضه لما يشبه مؤامرة اغتيال وتواصل أقلام ، الفيلم يعتبر ‘هدارا للمال العام، حيث كان المال سائبا، وأبواب المجلات مفتوحة للغاضبين من السينمائيين والنقاد أتباع تشي جيفارا" فى إشارة إلى ما قام به الناقد رجاء النقاش من إعلان بيان جماعة السينما الجديدة بمجلة الكواكب وأفرد للجماعة عدة صفحات للتعبير عن أفكارهم وقدم لها بقوله، مجلة الغاضبين يحررها الشبان السينمائيون الذين يحملون رأيا جديدا فى السينما المصرية، ويتجمعون فى جماعة السينما الجديدةويمثلون فى نظرتهم الفنية صوتا غاضبا يريد أن يجدد فى السينما فنا وفكرا وصناعة. بعد ثلاثة أعداد فقط توقفت الكواكب عن نشر أفكار الغاضبين.

كما قال عنها  الناقد الكبير كمال رمزى فى مقدمة الكتاب ، عطيات الأبنودى مخرجة منحازة ومؤلفة منحازة كذلك. فى كتابها " السينما الثالثة" الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2012 ، وثقت تاريخا للسينما بانحياز تام للسينما الجديدة التى تهتم بالإنسان وتساند المتعبين والمهمشين فى نضالهم للعيش بكرامة .


    نشر بجريدة البوابة صفحة سينما الأربعاء 27 مايو 2015

عن كتاب مترجم " كتابة سيناريو الأفلام القصيرة "

رواية القصص بالصور
لقطة من فيلم كلب أندلسي
" كتابة سيناريوهات الأفلام القصيرة " من الكتب المترجمة الهامة التى يحتاجها صناع الفيلم القصير، ترجمه الناقد أحمد يوسف صاحب الدراسات والمقالات المؤلفة الهامة. 
يبدأ الكتاب بمقدمة المترجم التى تحدد أن السيناريو هو العمود الفقرى لأى عمل سينمائي ، والكتاب رغم أنه يحمل عنوان كتابة سيناريو الأفلام القصيرة إلا أنه يبدأ بالخطوط العريضة التى تشترك فيها كل الأفلام. ومن هذه الزاوية أرى أهمية الكتاب لكل مهتم بفن السينما سواء كان سيتخصص فى كتابة السيناريو أو سيخرج أفلاما قصيرة أو طويلة، وأجده مهما للناقد أيضا لكى يتمكن من فهم عملية بناء الفيلم قبل تحليله وتفكيكه. أما مقدمة المؤلفان فتبدأ بذكر أن الكتاب موجه أساسا إلى طلبة السينما والفيديو ، أو صناع الأفلام المستقلين بالسينما والفيديو. ومن هنا أرى أهميته الكبرى فى ظل تزايد عدد الراغبين من الشباب المصرى والعربى فى طرح أنفسهم كصناع سينما مستقلة ، مع ملاحظة أن مشاكل السيناريو تبرز كأهم مشكلة واضحة فيما ينتج من أفلام سواء كانت مشروعات للطلبة أم أفلاما مستقلة يهدف صانعها إلى طرح نفسه كصانع أفلام قادر على تقديم أفكاره عبر الصورة السينمائية.
كتاب شامل يصعب تلخيصه فكل فقرة فيه على درجة من الأهمية مع البدء بعرض تاريخى عن تطور الفيلم القصير وكيف أن السينما كفن بدأت بأفلام قصيرة قدر استيعاب خزانة الكاميرا وفى عصر السينما الصامتة. وبالطبع هناك عنوان هام عن علاقة الفيلم الطويل بالقصير ويطرح سؤال هل الفيلم القصير تنويعات على سمات الفيلم الطويل؟ لينتهى إلى استنتاج عام بأن الفيلم القصير أكثر بساطة وحرية. وبشكل عام ينجح سيناريو الفيلم القصير مثله مثل القصة القصيرة عندما تكون الحبكة غير معقدة ، ومعتمدا على الصورة بشكل رئيس. فسيناريو الفيلم القصير هو رواية القصص بالصور. إن كتابة السيناريو تعنى الكتابة لوسيط يستخدم الصور المتحركة لكى يوحى بالمعنى، وهذه الصور والطريقة التى تجتمع بها معا ، هى لغة السينما ".
يحفل الكتاب بتدريبات على الكتابة كما يقدم نماذج لسيناريوهات لعدد من الأفلام القصيرة الناجحة ومنها ما عرفناه فى بداية السينما " كلب أندلسي" ذلك الفيلم الذى اشترك فيه لوى بانويل وسفادور دالى وهو الفيلم الذى يدرسه الطلاب لأهميته التاريخية حيث ينجح فى إحداث صدمة للمشاهد . وكيف أن" كلب أندلسي" يبقى بسبب تحطيمه للتقاليد الروائية المرتبطة عادة بالسينما، تجربة فى الشكل أكثر من كونه دراسة حالة لكتابة سيناريو ناجح لفيلم قصير. وكيف أنه خلق علاقة متماسكة بين السينما والفنون البصرية والاهتمام المتزايد بالعلاج النفسي فيها ، وكيف أصبح مصدرا مستمرا للأفلام القصيرة. 
طوال قراءتى للكتاب كان خطا موازيا للمعلومات الواردة فيه رجوعا لتاريخ كبار مخرجينا الذين بدأوا بأفلام قصيرة قبل إخراج أعمالهم الطويلة وخاصة أجيال خريجى معهد السينما الأوائل مثل أشرف فهمى وحتى المخرجين الجدد وآخرهم على الساحة هالة لطفى . وكيف أننى أهتم بهذا النوع الفيلمى وأنوى التفرغ لكتاب خاص به مرتبطا بتاريخ السينما فى مصر.
الكتاب مفيد فى إعادة تعريف المصطلحات السائدة مع فن السينما وأتوقف لأعرض شرحا لمصطلح الميلودراما  والمعنون بفقرة " أناس واقعيون فى مواقف واقعية" وينتهى إلى أنها أشكال مضخمة للواقع وهى فى جوهرها مرتبطة تماما بمفهوم القابلية للوجود والقابلية للتصديق ، أكاد أسمع جمهورنا وهو يردد " كل ده فعلا بيحصل كده وأكثرمن كده كمان ". فى الميلودرامت الشخصيات مرسومة جيدا وانسانية تماما ويكم جوهر اندماجنا معها كمتفرجين إلى معرفتنا بهؤلاء الناس، إنهم أنت وأنا . أتذكر الآن مثالا تحليليا لوليد الخشاب فى مديح الميلودراما التى ينظر إليها بعض السينمائيين باحتقار باعتبارها سائدة فى الأفلام الشعبية التى تنجح مع الناس ، ويخلو منها أفلام أخرى نسميها أفلام المهرجانات. كتاب " سيناريو الفيلم القصير" يصالحك على الميلودراما المرتبطة بصفة الواقعية وأفلام عن وقائع حدثت بالفعل.
وتحت عنوان تعريفات أساسية هناك شرح لبعض المصطلحات المهمة والتى ستستخدم فى الكتاب مثل البطل " بروتاجونيست" والبطل الضد " انتاجونيست" والذى يدور بينهما الصراع، وأيضا مصطلح المشهد والحدث الدرامى والذروة ويعرج إلى أنه ومنذ بداية صناعة السينما فالرواية والمسرحية مصدرا مشروعا وناجحا للقصة السينمائبة. ويلجأ المؤلفات إلى اقتباس جمل من مشاهير تؤسس لأفكار الكتاب وتنجح فى إقناع القاريء بمحتوياته. إذ يبدآن كل فصل بكلمة كحكمة  أورسون ويلز " أنت تحكم على الأفلام فى المقام الأول من خلال تأثيرها البصري وليس من خلال البحث عن المضمون " .

فى نهاية الكتاب قائمة بالمصطلحات السينمائية الأساسية أردف المترجم لمزيد من الدراسة والمترجم هو الناقد أحمد يوسف الحاصل على دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون بالقاهرة عام 1975 وله العديد من الدراسات النقدية والمقالات فى السينما ومن ترجماته " تاريخ للسينما الروائية" عام 1999 ، وعدد كبير من الترجمات عن المركز القومى للترجمة بعضها نشر" فكرة الإخراج السينمائي" وبعضها قيد الترجمة. وله مؤلفات عن مخرجين مصريين عطيات الأبنودى وتوفيق صالح ومحمد خان. 

كتب مترجمة
كتابة سيناريوهات الأفلام القصيرة
تأليف بات كوبر وكين دانسايجر ، ترجمة أحمد يوسف

الهيئة المصرية العامة للكتاب  2011 . 
نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 26 مايو 2015

Thursday 14 May 2015

Pitch Perfect 2 عن فيلم من أفلام المراهقين

حلم الشباب للوصول إلى
درجة الكمال
 
هى الفكرة التى تدور حولها أفلام المراهقين فى غالبيتها سواء كان التنافس فى المجال الرياضى أم الفنى، وغالبا تجرى هذه النوعية من الأفلام فى الشريحة العليا للطفولة قبل الجامعة أو عند التخرج منها فى قالب واحد ثابت، فهناك فريق لامع يواجه تحديا سواء لاستعادة موقعه الذى خسره أو للصعود والمنافسة على الموقع الأول، دائما هناك تنوع فى رسم شخصيات الفريق بحيث يحقق السيناريو تكاملا بين أعضائه  حيث يكونون معا فريقا متجانسا يقوى على المنافسة، قالب أمريكى مائة بالمائة حيث محاولة الإجادة وتمجيد ما كان قديما فرديا ليصبح جماعيا وخاصة فى أفلام شباب العشرين التى تنافس فيها مجموعة ما ضد أخرى. الحوار فى فيلم " درجة الكمال " حافل بكلمات فظة تذكرنا بنكات المضحكين الجدد فى مصر ، والسخرية من السمنة ومن إطلاق الريح والصوت من المؤخرة، أمر يتناقض مع الإمكانات الملحوظة التى تتاح لهؤلاء الشباب لكى يتنافسون للحصول على الأفضل.
يحُمل الفيلم بالسياسة حيث يظهر تصالح عابر مع الروس وتنافس وعداء مع الألمان، الفريق الألمانى هو الأفضل طوال الوقت، وينجح المؤلف والمخرجة فى تنفيرنا منهم وحفزنا على التعاطف مع فريق الفتيات وتمنى فوزهن. أمريكا ستفوز حتما على الماكينات الألمانية العملاقة.
فى الأربعينيات سادت أفلام موسيقية راقصة أثرت على كل سينمات العالم وخاصة البوليودية والمصرية ، كانت أفلاما تروى دراما قوية وتشغل الأغانى فيها جانبا من حوار الشخصيات . مع التطور التقنى تراجع الإبداع القصصى ليفسح المجال للإبهار التقنى للظهور، وأصبحت مراحل ما بعد التصوير أهم من مرحلة التصوير نفسه، وفى فيلم " درجة الكمال 2" تذكر المخرجة أن كل الأغانى والموسيقى أعدت قبل التصوير وتم تدريب الممثلين ليتقنوا أداء التزامن مع الأغانى المسجلة، حققوا درجة من الإتقان لا يمكن الوصول إليها بدون تدريبات طويلة واتقان من جانب كل مهنى يساهم فى الفيلم. يعيب الفيلم الضجيج المتواصل والذى لم يسمح للأذن بالراحة مما ساعد على الإحساس بالضجر فى بعض المناطق وخاصة مع عدم وجود مفاجآت إذ يمضى الفيلم فى الباترون- القالب- المعد مسبقا والذى تم تجريبه على مئات من الأفلام المشابهة.
فى مصر يقول المنتجون أن جمهور الأفلام غالبا من الذكور لذا أصبحت الموضوعات تخاطب الشباب، ولكن هذه النوعية تصادف هوى لدى الفتيات وأتصور أنها تنجح أكثر عند عرضها بالتلفزيون ويزداد حينها عدد المتابعين لها، وهذا ما يرهن عليه صناعه ويتفاخرون به.

 إن روح التنافس التى تتسم بها هذه النوعية من الأفلام والرغبة فى الوصول إلى الكمال يمكن أن تكون قيمة أخلاقية مفيدة للمشاهدين وخاصة إذا نجح صناع الفيلم فى تصوير مشاهد الاستعدادات والبروفات قبل الحدث الكبير، وهنا كان المشهد الذى يركز على استعادة الفريق لتجانسه فى الرحلة والمبيت معا فى المخيم والألعاب الشاقة للحصول على اللياقة هى المشهد الأهم وأكثرها حميمية على مدار الفيلم . لا بأس من المتعة فى الاستماع إلى مباريات التنافس بين فرق متنوعة فى مشاهد تتبع فيها الصور الموسيقى وتحاول الحفاظ على ايقاعه المرح ودرجة اكتماله.  ويزيد الستمتاع مع الأداء الحركى الراقص للغناء مقارنة بالوقوف فى وضع ثابت قديما وهو ما أشار إليه مقدما الحفلات اللذان يقومان بما يشبه مذيع الربط بين الفقرات.
الفيلم فى حوالى الساعتين تكلف 29 مليون دولار أمريكى، أخرجته اليزابيث بانكس بعد نجاح الجزء الأول ويشاهده جمهور القاهرة فى توقيت مناسب بعد انتهاء الامتحانات وبدأ الأجازة الصيفية بما يناسب التعارف عليه من الأفلام التى تنجح فى عطلة الصيف.

نشر بجريدة البوابة الأربعاء 13/5/2015صفحة حفلة 9 تحرير عصام زكريا 


عن فتافيت وجمال البرامج الأجنبية

المتعة عالمية والبؤس عربى

عنوان لمقال كتبته قديما يقارن بين الفيلم الإيطالي البديع مالينا وفيلم سورى كان عنوانه الطحين الأسود"، العنوان اختاره محرر أخبار الأدب من متن المقال واحترمت اختياره. يلح على العنوان حاليا وأنا أتابع برامج الطبخ على قناة فتافيت، حسب معلوماتى أن الفكرة لخريج مصرى من معهد السينما وأن القناة لدولة الإمارات. فتافيت هى ملاذى حاليا للهروب من برامج التوك شو وغيرها من سخافات التلفزيون  المصرى والعربى. فى برامج الطبخ يمكنك الاستمتاع بكريس الطاهى شديد الوسامة وهو يختار سيدة من السوبر ماركت ويعرض عليها أن تصحبه إلى منزلها ليطبخ لها ولزوجها عشاء من صنع يديه، أبقى وفمى مفتوح من الدهشة أى زوج هذا سيحضر إلى منزله ويجد زوجته مع رجل غريب وسيم يطبخ لها فى البيت. يتقن معدوا البرنامج عملهم ونعتقد بأن الزوجة تفاجأت فعلا وبأن الزوج مندهش حقا وهم يصيحون على الطريقة الأمريكية " سيربرايز" . كريس ليس وسيما فقط بل هو طاه بارع ومتحدث لديه حضور، والأهم  أنه مهذب ويقاوم بلباقة بعض من تحاولن التحرش به، يعمل وفى صحبته فريق التصوير من 15 فرد ليمتعوننا بهذا العرض لإعداد طبق أول ، ثم الطبق الرئيسي ثم التحلية، يدور حوار يعكس أن فريق الإعداد قد قام بعمله جيدا، هناك ظُرف بدون استخفاف، وبساطة بدون ارتجال. متعة مشاهدة كريس ،طباخ فى بيتى وتعلم أصناف رائعة فى وقت قياسي متعة عالمية يتشارك فيها الرجال أيضا وكل الأعمار،  ولكن جرب أن تحول الرموت وتصادف أحد الطباخين المصريين، ستشعر بالغثيان اذ لايكف عن استخدام أصبعه ولحس الطعام ثم الاعتذار، ولن تنقطع اتصالات المشاهدات دون أن تخرج بأى جملة مفيدة ...... وستمضى الوقت دون أن ينجز الطعام شديد التواضع الذى يقدمه الشيف معجب بنفسه .

هل ستجد شيئا من هذا مع كريس أو مع جيمى الذى يصحبك فى رحلاته ويتعرف للمرة الأولى على مكونات يبتكر منها طعاما ينهيه بسرعة أحسده عليها،  أو مع الإيطالية التى تعد المعجنات ويساعدها حفيداها. هل شاهدت السيدة مارتا ستيورات أو حتى سيدتنا المصرية نيرمين فى برنامجها ولا بالأحلام وهى تنحت القطع الفنية التى يمكن اعتبارها كيكات وتورتات تجاوزا. برنامج آخر للطبخ من أستراليا ، هذه المرة هم متدربون يتبارون ويخضعون للجنة تحكيم من كبار الطهاة على قناة فوكس – هل أسمع أحدا يقول إنها قناة معادية للعرب-  بالمناسبة هناك أمينة طاهية من المغرب بالحجاب، وهناك من فيتنام ومن الهند وكوريا، فى رؤوسنا البائسة فقط هذا التعصب والعنصرية . أنتظر تحكيم الفرنسى ميني عاشق الصلصات وطريقته المحببة فى الحديث بالإنجليزية مع لكنة فرنسية، أندمج وأنحاز للصديقين الإيطاليين وهما يبدعان صنفا من أصناف الحلو، تحفة فنية فى طبق يستحقان عنه عشرة على عشرة.
لا يوجد فى الغرب تعبير " كلية من كليات القمة" ولا " مهنة رفيعة " التى ما زالت تكتب فى جريدة رسمية كبرى عبر رسائل القراء.
لا توجد مهنة عظيمة وأخرى وضيعة، كل المهن محترمة، وكلها تقدم بإجادة تامة وإبداع، بريفكشن آند كريتيفيتى.
تصالحنى هذه البرامج على المطبخ وأنبذ أفكارا نسوية كانت تجعلنى أدخل المطبخ وإحساس الدونية يتملكنى، الآن يمكننى التعامل مع إعداد الطعام لأسرتى، وللأصدقاء بنفس المحبة التى أقوم فيها بعمل مونتاج لفيلم، أو لكتابة مقال . متعة الطبخ واحترام مهنة الطهاة متعة عالمية لدى طليان وإنجليز، وشعوب أمريكا وأستراليا ، لدى اللبنانيين طهاة مبدعين ، وبالطبع بعض المصريين يبدعون فى هذا المجال وتظهر ابداعاتهم بعد اغترابهم واكتسابهم لخبرات سواء من إيطاليا أو فرنسا. أشاهد كيف ينجح فريق برنامج تلفزيونى كوزموبوليتانى من عرب وأوربيين فى إظهار الجمال فى عملهم. وتصبح المقارنة صعبة مع برامج محلية فى مصرنا –التى كانت أم الدنيا- مع مقدم ليس له لزوم فى المشهد وزوايا تصوير لا تظهر ما يفعله الطاهى، وإيقاع مميت يجعلنى أقلب القناة على الفور باحثة عن جمال وإتقان يصعب منافستها ، والحجة المرفوعة ضعف الإمكانيات.  وللأسف هناك قدر من الصحة فى ضعف الإنتاج على البرامج لكى يتم توفير أموال توزع كمكافآت على كبار مسئولين قابعين فى المكاتب،  يحصلون على أعلى مكافآة عن كل برنامج ينتج فى القناة، تصل مكافآت كهذه أحيانا إلى ربع مليون جنيه كان ربعها فقط كفيلا بتحسين الإمكانيات لكى تظهر جماليات ما يقدم. إنه البؤس المصرى ومصدره الفساد الإدارى الذى يبدو أنه كالقدر يصعب علينا الفكاك منه.

فى أوقات بعيدة كانت برامجى المفضلة عالم الحيوان وعالم البحار وحين انتشرت الفضائيات فى مصر عرفنا معنى برامج وأفلام عن الطبيعة والحيونات دون التعليق الرتيب لمحمود سلطان . عوالم أجنبية تجيد كل ما تفعله سواء كان برنامجا علمياـ  أو برنامج للطهى أو فى مباريات الرقص والغناء. حاول أن تشاهد برنامجا منحوتا بالكامل من برنامج أجنبى وستجد الفارق كبيرا . حين كنت أعمل بغزارة فى صناعة الأفلام فى مطبخ المونتاج كنت أرد على من يسألنى عن سبب الفارق بين أفلامنا والأفلام الأجنبية بسؤال، وهل الحذاء المصرى فى جودة الحذاء الانجليزى؟ وأتذكر كيف كان محمد بيومى يصنع حذاءه بنفسه، وهو الرائد الحقيقي للسينما المصرية بعد اكتشاف د. محمد كامل القليوبى لأفلامه، ليتأكد أن الإبداع كل لا يتجزأ فمن يبدع فى إخراج فيلم قادر أيضا على صنع حذاء جميل.  أعود فأتساءل عن سبب تواضع مستوانا فى التصميم  والتنفيذ والاعداد والتقديم، فى كل شيء بداية من برامج التحليل السياسي مرورا ببرامج اجتماعية وترفيهية انتهاء ببرنامج عن اكتشاف المواهب الجديدة، أين ابداعاتنا ، أين الأراجوز وشكوكو وأبوزيد الهلالى ..ماذا حدث للمصريين ؟ وحتى متى يبقى بؤسنا العربي غير قادر على الوصول إلى أعتاب المتعة العالمية. 

نشر بموقع +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الثلاثاء 13 مايو 2015

Thursday 30 April 2015

فيلم وثائقى عن عمال المحاجر


بسام مرتضى  ومحمود لطفى
فى انتظار العائد من الجبل
 فى صياغة درامية قدم المخرج بسام مرتضى فيلمه عن عمال المحاجر بإحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر، مكنته المعاينة والبحث من التقاط الفكرة التى بدأ بها الفيلم عن مخاطر العمل فى المحاجر حيث تأكل ماكينة تقطيع الحجر أذرع وأقدام العمال الذين يعملون فى ظروف غير مسموح بها عالميا، يتحركون وسط غبار الأحجار الذى يتصاعد ليحجب الرؤية عن مشغل الماكينة وعن زملاءه من العمال أثناء عملهم. يركز بسام على أسرة بعينها يلتقى مع الأم التى تنتظر يوميا عودة أبناءها بعد أن أكلت الماكينة قدم وذراع ابنها الأوسط. تحكى كيف أن الابن رغب أن يكون معه مصروف وأن يجد نقودا فى جيبه كما أقرانه ممن يعملون فى المحجر ويكسبون رزقهم. وعندما يعود من الحادث المحتمل يكتب بسام على الشاشة عامل سابق ، حيث يصعب على من فقد جزءا من جسده العمل مرة أخرى وخاصة فى المحاجر.
لم يغال بسام مرتضى ومعه مدير التصوير محمود لطفى فى جماليات الصورة التى لو حدثت لأفقدت المعنى من وراء الفكرة عن صعوبة المناخ الذى يعمل فيه أهل القرية ، الجمال يظهر فى الحميمية التى صور بها العمال وفى إظهار وجوههم فى إضاءة المكان كلوحة شخصية لصبية ورجال يرغبون فى تحسين معيشتهم وأسرهم مهما كانت المخاطر المتوقعة.
بسام مرتضى ليس مخرجا يقدم الأفلام التسجيلية كطريقة لكسب عيشه بل تشعر أنه يناضل من خلال عرضه لمشاكل ناسه فيهتم بالبحث ويضمن أفلامه وثاثق ومعلومات لا يصيغها بشكل مباشر مصادرا على حرية المتلقى، بل يعرضها بأسلوب فنى يسمح للمتلقى بالمشاركة عبر أسئلة يثيرها شخصوص الفيلم وحوادثه. لا يذكر مثلا أن هذه قرية كذا وتعداد سكانها كذا يعيشون هكذا بالتعليق، بل يترك لنا مساحة للتفاعل واستنتاج بعض المعلومات عن سكان هذه القرية من مسيحي مصر، وعما يمكن أن يحدث من اتفاق أو خلاف مع سكان آخرين من المسلمين. يركز بسام على فكرته الأولى " العائدون من الجبل وانتظارهم " ويترك باقى الأفكار مفتوحا لفهم كل مشاهد طبقا لمرجعيته.
الفن وظيفة مجتمعية هكذا ترى عطيات الأبنودى وهكذا يسير بسام مرتضى ومحمود لطفى على الطريق، يخدمان المجتمع ويحققان أيضا طموحهما الفنى من خلال صورة جمالية مؤثرة، وصياغة درامية مستمدة من الواقع ليحققا نموذجا جيد امن نماذج سينما الحقيقة . لماذا بسام ومحمود ، لأن تعاونهما معا كمخرج صاحب رؤية فنية وسياسية ، وكمدير تصوير صاحب رؤية جمالية وإنسانية أثمر عملا أشد تشويقا من كثير من الأعمال الروائية المعتمدة على التأليف والخيال حتى لو كان خيالا مستندا إلى الواقع.
يدفع الفيلم بالمتلقى إلى محاولة التزود بالمعرفة حول عمال مصر وعلاقتهم بأصحاب رأس المال، عن القوانين المنظمة للعمل وحقوق العمال، عن حجم الظلم الذى يعانيه فقراء مصر . كما يدفعنا إلى التفكير فى الأساليب الفنية الأمثل للتعبير عن كل هذا، وكلها أفكار وضحت فى النقاش الذى دار مع المخرج عقب عرض فيلمه ببرنامج رؤى بالجامعة الأمريكية، دفع الخط الدرامى البعض إلى التعامل مع الفيلم كعمل روائى، ولم يتدخل المخرج لتصحيح الأمر بل تجاوب مع السائل وكأنه أيضا يعتمد تصنيف عمله كدراما مؤلفة، والأقرب أنها دراما تسجيلية تعتمد بالكامل على أشخاص طبيعيين يؤدون دورهم فى الفيلم كما فى الحياة حتى لو لجأ المخرج إلى توجيههم لتصوير لقطة وجدها مناسبة ليربط بين ما صوره بنفسه وبين وثائق وجدها عند أهل البلد ووقد وثقوا ثورتهم قبل ثورة 25 يناير للمطالبة بضم نسبة من الأرباح لصالح نقابتهم المستقلة. الإيمان بالاستقلال عقيدة عن المخرج الذى يكتب أيضا فى مدونات مستقلة معبرا عن أفكاره ومواقفه، متضامنا مع زملاء له يشاركون فى العمل العام أملا بالتغيير.
ينجح الفيلم التسجيلى حين يقدم صناعه شخصياته بحب وحين يقتربون من أحلامهم ويؤمنون بعدالة قضيتهم، وهو ما وضح مع المخرج المستوعب لمشاكل شعبه والحالم معهم بالتغيير. وبهذا ينضم بسام إلى مخرجى الواقعية الجديدة فى مصر، ينضم إلى خيرى بشارة الذى بدأ مشواره بالعمل البديع صائد الدبابات وطبيب فى الأرياف ومع داوود عبد السيد الذى بدأ بوصية رجل حكيم فى القرية والتعليم وبالعمل فى الحقل، جامعا مثلهما بين الرؤية الناضجة وتفهم مشاكل أهل مصر، وبين التناول الفنى الذى يدفع المتلقى إلى عدم الاكتفاء بالمشاهدة، بل بالمشاركة فى طريق المعرفة التى تخدم المجتمع وتسلط الضوء على مشاكله بنظرة نقدية ثورية تعزز دور الفنان مثقفا ثوريا مهتم بقضايا وطنه وشعبه.
درس صناعة الأفلام بمعهد الجيزويت بالقاهرة أخرج أول أفلامه " بيت حلوان " عام 2007 ، وفى عام 2012 شارك فيلمه الثورة خبر بمهرجان برلين ومهرجان سيول ، وفيلمه هذا فى انتظار العائد من الجبل تسجيلى قصير 2015 . يعمل حاليا مدير تحرير لوحدة المالتي ميديا بالمصري اليوم. كما أنه شريك مؤسس لشركة سي ميديا للإنتاج الفنى والوثائقى.

 نشر بجريدة البوابة الأربعاء 29 ابريل 2015


Thursday 23 April 2015

فيلم أثر الفراشة لأمل رمسيس

أثر الفراشة  والتحليق فى سماء الحلم
 
قلبت أمل رمسيس علينا المواجع وهى تستعرض محطات مرت على الثورة المصرية التى بدأت فى 25 يناير 2011 من خلال تناولها لشخصية ماري دانيال الأخت الكبرى للشهيد مينا دانيال . فى البداية احترت فى الطريقة التى تروى بها الفيلم هل تحكى عن مينا دانيال الملقب بجيفارا الثورة المصرية أم عن مارى دانيال الصعيدية المسيحية التى انفصلت بعد زواج تم دون رغبتها استمر 15 عاما ثم عادت لبيت الأب حيث الأخ والثورة والاندماج فى العمل الوطنى. وانتهيت إلى قناعة أن المخرجة اختارت أن تروى عن الثورة والأحداث التى تلت استشهاد مينا من خلال مارى التى تغيرت حياتها بانحيازها إلى الطريق الذى اختاره الأخ الذى تقول عنه أنه ملاكها . ابنها وحبيبها. بين مشاهد للقاءات مدبرة بين المخرجة وبين مارى ومشاهد لمحطات فى أحداث الثورة، يربطها داخل الفيلم  تعليقات أمل من خارج الصورة، أحيانا كنت أفضل اختفاءها والاكتفاء بحكى الشخصية الرئيس، حكيها الحميم والتلقائى والأكثر دفئا من تعبيرات أدبية صاغتها أمل على الأرجح أثناء المونتاج لتنتهى بالحديث عن أثر الفراشة الذى اتخذته عنوانا لفيلمها فى محاولة لإضفاء صبغة شعرية على وثائق مرت على المهتمين وأصبحت جزءا من ذاكرتنا عن أحداث ماسبيرو ، ومحمد محمود ولوحات الجرافيتى وأشهرها لوحة لمينا دانيال والشهيد عماد عفت التى تعبر عن وحدة نسيج المصريين مسيحيين ومسلمين. ينتهى الفيلم بمشهد الشموع فى البالونات ترتفع فى سماء التحرير تتابعها كاميرا نجاتى سومنيز الذى شارك أمل رمسيس فى تصوير الفيلم، المشهد جمالى  بديع يحدث أثرا قويا فى نفوس المشاهدين ويسمح لهم بالتحليق فى معانى مركبة حول فكرة الثورة والعيش على حلم التغيير والاستشهاد من أجل قيم الحرية والعدالة والحلم بحياة أفضل.
الصياغة الجمالية التى انتهى إليها الفيلم دعمه غناء عفوى فى مشهد للاحتفال بعيد ميلاد مينا دانيال على شكل افطار جماعى فى رمضان ظهر فيه الحسينى أبو ضيف الذى سيلحق مينا شهيدا فى الاتحادية برصاص الإخوان. ودعمه أغنيه فى الختام مع مشهد الشموع مؤكدا على رومانسية الثورة والثوار.
شاهدت الفيلم ضمن برنامج رؤى الذى نظمه قسم الفنون بالجامعة الأمريكية بالقاهرة تحت عنوان تجارب مصرية فى اللغة السينمائية ضم أفلاما من كل الأنواع قصيرة وطويلة، روائية وتسجيلية اختارها بعناية فريق القسم مالك خورى وعرب لطفى وعدد من الشباب، ودارت نقاشات فى حضور لأغلب صناع الأفلام. وهى فى مجموعها تسمح بتكوين رؤية عن السينما المصرية الجديدة فى الأعوام الأخيرة وتدعم من خلال التفاعل بين المشاهدين وأصحاب الأعمال التواصل بين الطرفين، المبدع والمتلقى نحو سينما مصرية جديدة .
دعا مالك خورى الحضور للاهتمام باللغة السينمائية وعدم التركيز فقط على تحليل المضمون وهى دعوة كانت تحتاج فى رأى إلى ندوة تعريفية بكيفية قراءة الأفلام وكيفية تحليلها على أن تسبق الندوة العروض لكى يكون الحضور مستعدين للتعامل مع الأفلام كعمل فنى له تركيبته وصياغته التى تحتاج درجة من الوعى تتجاوز حدود المضمون إلى طريقة التعبير عنه. لاحظت فى الندوات القليلة التى أتيح لى حضورها افتقاد الوعى لدى غالبية المشاهدين وضح فى تعاملهم مع الفيلم وشخوصه وكأنهم يتعاملون مع واقع يفترضون تغييره إلى صورة فى أذهانهم. ومتلقين يحكمون على شخصيات العمل أحكاما أخلاقيا ويستنكرون أن تقول كذا أو تفعل كذا. وهو خطأ شائع يقوم به من ينتقد عملا فنيا من خارجه دون محاوله تفكيكه ومحاولة قراءة ما انتهى إليه وليس تمنى لو كان على شاكلة تصوره عنه. أحيانا يلجأ المختصون فى النقد للتدخل لإبداء رأى يعود بالنقاش إلى مسار صحيح ومنهم عرب لطفى المخرجة والناقدة التى كانت تركز فى نقاشها مع المخرج فى طريقة عرضه لفكرته وكيفية تنفيذها.
جهدا كبيرا أجده فى اختيار الأعمال وهى فى أغلبها أفلام حصلت على جوائز فى الداخل أو الخارج، تعبر فى مجموعها عن أفكار صانعيها بأساليب فنية متعددة ، وتسهم مثل هذه البرامج فى التعريف بها  ومحاولة فهمها ، كما تعطى أملا فى إزاحة أو مزاحمة سينما سائدة ما زالت تسيطر على أذهان المشاهدين وتعوق استقبالهم لأعمال راقية تجمع بين المتعة والمعرفة. 


 نشر بجريدة البوابة الأربعاء 22 ابريل 2015 تحرير عصام زكريا 
تحت عنوان /  أثر الفراشة: ثورة الشموع والبلالين 
http://www.albawabhnews.com/1247363

نص أدبي .. لماذا ...

لماذا أنا مغرورة ؟

يصفنى الكثيرون بأننى مغرورة، وأنا لا أغضب ، أعترف أننى بالفعل مغرورة ولكن لماذا أصبحت مغرورة، لماذا أنا مغرورة ؟ في السادسة من عمرى كنت لا أتحمل شعاع الشمس، فأزر عينى وأنظر إلى السماء، أشاهد بعينى الضوء وأرى ألوان الطيف، أرددها ، أزرق ..... يسمعنى أخوتى فيحملوننى فى سعادة، صفاء عبقرية اكتشفت ألوان الطيف، تبتسم أمى فرحة بابنتها، لا تعلق بل تدارى عواطفها وتأمرنى بالذهاب إلى الحمام والاغتسال، كفاية لعب فى الشارع اتمليتى تراب. يصحبنى أبى وأختى الأصغر فى نزهة على ترعة قويسنا، لا أكف عن الأسئلة، وهو بصبر يجيب ويحكى، هو فى طريقة لزيارة صديقه الحاج صابر فى مسكنه الجميل على شاطيء الترعة، بيت من بابه، هكذا كنا نسمى الفيلات الصغيرة، أما بيتنا فكان فى عمارة سكنية تفضل أمى سكنى الدور الأرضى لكى تستفيد بالمنور، حديقة خلفية لتربية الطيور، والأرانب، والديكة الرومية، نلبس ملابس حمراء ونقف لنستفز الديك، الذى ينتفخ وينفش ريشه ويزعق : كعر عر عر. ونصفق طربا. فى الأعياد نخرج بفساتيننا الجميلة، يفتح باب وتخطفنا يد أبلة نرجس التى تسكن شقة جميلة، تجلس وزوجها فى انتظار ظهورنا، تفتح لنا علبة شوكولاته ينبعث منها موسيقى، نتردد فى أخد الشوكولاته وهى تهز رأسها لى ولأختى ولصديقتى، تغلق العلبة فتنقطع الموسيقى، نحن لا نمتلك علبة مثلها ونحب سماع الموسيقى أكثر من التهام البون بون. تجلسنى أبلة نرجس على حجرها، تساوى أطراف الفستان تساعدنى على فض غلاف البون بون وتمسك بورقة البخت، تديرها لى وتقرأ " من جد وجد"، من جد وجد، أرددها فى ذهنى وأعرفها هذه الكلمة نسمعها فى البيت وفى المدرسة. نبدأ فى التململ فمهما كانت اغراءات الشوكولاته وعلبة البونبون والموسيقى، نريد أن نصل إلى بيت زميلتنا وأسرتها الريفية، حيث يكون النورج يدور لهرس القمح، نجلس مع ناهد على النورج ونطبل ونغنى، النورج تجره بقرة مغماة العينين تلف الدائرة ونحن نغنى، حتى نتعب أو ندوخ، فنجرى عائدين إلى بيتنا فى شارع المحطة، نقرأ ونحن سائرين شاى الشيخ الشريب، والإعلان على الحائط بشيخ مثل شيوخ الكوتشينة، ندخل البيت فتهمس لنا أختانا الأكبر خشوا على الحمام واقلعوا هدومكم دى اتوسخت خالص. لو كان اليوم جمعة فيكون الغداء من السمك، انا وأختى نلتقط لقيمات عليها قطع السمك خالية من الشوك، يفصصها لنا الكبار بابا وماما والأخ الأكبر، هناك تنافس فى تقديم لقيمات السمك لنا ونحن فى غُنج نأكل على مهل مستمتعتين بمائدة الطعام الوفير أمامنا. يذهب الكبار الى قيلولتهم ونبقى نحن نلعب بالعرائس، نوشوش بعضنا حتى لا نقلق نوم الكبار.
فى المدرسة أقرأ خطبة الصباح وقد كتبها لى أبى، رغم أننى صغيرة القد وما زلت فى الرابعة الابتدائية، أنا من تحى العلم ومن تقرأ خطبة الصباح بصوتى الجهورى، وتمكنى من القراءة الصحيحة التى دربنى عليها أبى. تنتهى الخطبة بحكمة: " قل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا" بالطبع لا أفهم معنى الكلمات هذه ولكننى أشعر بحماسة شديدة وأنا ألقيها، أشعر أن أمرا جللا سيحدث بعدها. فى العيد الكبير أمرض بالسخونية، مغص وقيء فأُمنع من مصاحبة الأطفال ممن هم فى سنى وأخرج بصحبة أخى وابن خالى سامى، يقطفون التوت من على الشجر ويضعونه فى يدى الممدودة لهما، هما يتناقشان فى الأدب والشعرـ ألتقط بعضا من كلامهما وأخزنه، وحين أعيده فى وقت لاحق، يصفقون فرحين بعبقرية الطفلة ضعيفة البنية التى تمرض كثيرا وتقضى العيد فيما يشبه العزل الصحى مع الكبار.
انبهار الكبار وفرحتهم بى سببت لى اعتزازا بالنفس ورغبة دائمة فى أن يرضوا عنى، فأحفظ الدرس وأحسن الخط، فى الفصل تشيد بى الأبلة وتقول لزميلاتى أننى سأجلس كمديرة عظيمة على المكتب بينما هم.. أخجل من ترديد وصفها لهن ولا أحب أن أتذكره. يبقى دائما أننى كنت محبوبة الجميع والمدللة فى البيت والمدرسة. كان هذا فى المرحلة الابتدائية والتى عشتها فى مدينة قويسنا بالمنوفية قبل أن أنتقل مع أخوتى لنعيش فى القاهرة حيث يدرس فخرى فى الفنون الجميلة وتحية موظفة فى الشركة العربية للتجارة الخارجية بميدان التحرير، ووفاء فى كلية الطب جامعة عين شمس، فكان على أن أدخل مدرسة اعدادية فى القاهرة، والتحقت بالمعادى الإعدادية للبنات، كان ورقى قد وصل المدرسة قبل وصولى وكانت إحدى الإداريات تأتى الفصل وتسأل عن صفاء الليثى حجاج الآتية من قويسنا منوفية، ومن هنا انتظرت زميلات الفصل وصول القروية ليسخروا منها ومن طريقتها فى الحديث كما تصوروا. فى الفصل وضح تفوقى وسألننى لماذا لا أتكلم مثل الفلاحات، قلت لهن، دول فلاحين الراديو نحن نتكلم مثلكم. لم أكن قادرة على شرح الفارق بين الريفيات القح بأسرهن ممن يعملون فى الحقول ويربون الماشية، وبين أسرتى البرجوازية الريفية، فأمى المتعلمة التى تربت فى القاهرة تملك كبرياء لا نظير له فتتأنق فى حديثها، ووالدى مدرس اللغة العربية ويكتب أزجالا كان يتحدث بعامية مختلفة عن لهجة فلاحى الدلتا. فى الشهور الأولى كنت الأولى على الفصل، ثم تراجعت وأصبحت فى المركز الثالث، كان اهتمامى بالرسم وتشكيل طين الصلصال وقراءة الأدب تشغلنى عن المذاكرة وتمدنى بخبرات جعلتنى أصبح مستشارة نفسية لزميلاتى فى الأورمان الثانوية بنات التى التحقت بها بعد ذلك .  كان الغرور يصور لى أن الفتاة الجميلة على علب الشوكولاته هى رسمة لى، رغم تعدد المرايا فى بيتنا، مرآة دولاب أمى التى تظهرنى كاملة، ومرايا أخرى، كانت صورتى  عن نفسي فى ذهنى أقرب لهذه الطفلة الإنجليزية بخدودها التى تشبه التفاح وشعرها الذهبي، هكذا صور لى خيالى نتيجة اهتمام الأسرة بى وتدليلهم لى، أنا مغرورة ولا أكره هذه الصفة بل أجد " الغرور صفة محببة " لأنه يصبح سلاحا دفاعيا ضد الفقر وضد الشعور بالفارق الطبقى بينى وبين زميلات تربين فى بيوت أغنى، ولديهن كماليات ليست عندى، متنعمات بحنان الأم التى فقدتها بعد عام واحد من انتقالى الى القاهرة، ساعدتنى قراءاتى الأدبية المبكرة على تجاوز محنة فقد الأم، ولم أشعر بقسوة زوجة الأب، ولم أصب بالعُقد لأنى أسكن فى المساكن الشعبية فى امبابة بينما تسكن زميلاتى فى الدقى والعجوزة. ومن شدة غرورى واعتزازى بنفسي كنت أسعد بسماعى لزميلات الحي تجبن على سؤال الأخريات " انت ساكنة فين؟" فتقلن بثقة عند صفاء، وتتركننى لأصف أننا فى حى امبابة المنقسم إلى مدينة العمال ومدينة التحرير، وأننى فى المساكن الشعبية بين المدينتين، وأننا نعيش سعداء  حيث يغنى أخى وهو يرسم، وتحفظ وفاء دروس الطب بالإنجليزية، وأحفظ نصوص القرآن وأسأل عن معانيها فأجد شرحا يدخل العقل. كل هذا فى حجرة واحدة دون أن ينزعج أحدنا من الزحام. نتحلق حول تمثيلية الخامسة والربع بالبرنامج العام من راديو الترانزستور الذى اشترته تحية أختى الكبيرة الموظفة من راتبها، نقلب صفحات مجلة حواء ونتأمل جمال العارضات. وحين تحضر ابنة خالى القاهرية لزيارتنا وتسأل متعجبة " ما عندكمش فريجيدير" فنجيبها عندنا القلة، نشرب من القلة بعدما نرفع غطاءها النحاسي الذى اجتهدنا فى دعكه بالليمون ليصبح ذهبيا لامعا، نمسح فمنا بكف يدنا حامدين الله على نعمة العيش فى الرضا، مغرورين بتماسكنا كأسرة لا نمتلك أرضا ولا ذهبا ولكننا نمتلك معارف تجعلنا قادرين على الاستمتاع بحياتنا ونحن نقرأ قصصا مترجمة عن مسرحيات عالمية، نقرأ أولاد حارتنا مسلسلة فى أهرام الجمعة أو نحضر فيلما فى دار عرض كبيرة بوسط البلد فى القاهرة. يأخذنا أخى الى حفلة سينما مترو الصباحية، وعندما نكبر تأخذنى تحية إلى سينما ميامى فأحضر معها ليلة الزفاف لسعاد حسنى وأحمد مظهر.
أكبر أكثر فأصطحب أنا صديقاتى إلى سينما ريفولى ونشاهد معا الأخوة كارامازوف. نشعر بجمال الحياة وبالرضا لأننا قادرين على المقارنة بين هاملت الروسى وهاملت الانجليزى بعدما نكون قد تناولنا أيس كريم من قويدر وعدنا بأتوبيس 177 عتبة امبابة من أول الخط حتى نهايته.

الآن ولو ضبطنى أحدكم سارحة ومبتسمة وسأل نفسه " هى فرحانة بنفسها كده ليه " فليعرف أن عناية أمى وأبى، ورضاهم عنى هما السبب، وأن محبة الأهل والأصدقاء كافية لجعلى أمتليء فرحا وأقول لنفسي "  ده ربنا جميل بشكل ".

نشر بمدونة +18 وانت حر تحرير دعاء سلطان الأحد 19 أبريل 2015
http://www.za2ed18.com/%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%AB%D9%8A-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%A7-%D9%85%D8%BA%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9%D8%9F/