Monday 30 December 2013

عن فيلم " اسمى مصطفى خميس"



خميس والبقرى
بين إخوان يوليو وشيوعييها
يواصل المخرج محمد كامل القليوبى بحثه الدؤوب في ماض ليس ببعيد ليكشف ويضئ حاضرنا ومستقبلنا فى عمله الأخير " اسمى مصطفى خميس" .
قلب الفيلم هو الفصل المعنون : " خميس  والبقرى، بين إخوان يوليو وشيوعييها" وفيه تعميق لتناول حادثة إعدام اثنين من العمال فى بداية ثورة يوليو وبعد قيامها بأسابيع. سبق هذا الفصل ما لا يقل عن نصف الساعة فيها " هذا ماكان" حتى يعرف الجميع حقيقة ما حدث سواء من لديه معرفة مسبقة بالأمر أو من يجهله تماما. مثل وجود رفعت السعيد بانتمائه إلى تنظيم حديتو والحركة الشيوعية المصرية ميلا إلى النقد الذاتى للحركة وعلاقتها بتنظيم الضباط الأحرار. واتجاه لإدانة جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها المحرض على قرار الإعدام مستندا إلى وثيقة مقال لسيد قطب ، بالإضافة إلى دفعهم لإصدار قانون الغدر الذى أعدم بسببه خميس والبقرى. وهو القانون الذى أصدره سليمان حافظ الإخوانى وهو ذات القانون الذى حوكم به الإخوان بعد ذلك.
بنى القليوبى فيلمه فى فصول يحمل كل منها عنوان يجمع شهادات المؤرخين صلاح عيسى ورفعت السعيد، وعدد من مناضلى ونقابى الحركة العمالية المصرية ممن عاصروا الحدث، بالإضافة إلى فقرات من مذكرات وكتب شهود غابوا بالموت أو المرض عن الظهور أمام الكاميرا منهم الرئيس محمد نجيب وخالد محى الدين، يوسف صديق، ونجيب محفوظ، وعبد المنعم عبد الرؤوف العضو الإخوانى بمجلس قيادة الثورة فى أجزاء معنونة " استدعاء شهود غائبين". بكتابة تظهر صامتة على الشاشة. كعادته فى كل أفلامه لايترك القليوبى ثغرة فى بحثه بل يتتبع كل الخيوط والتفاصيل لتكتمل صورة معبرة عن العديد من وجهات النظر دون أن يغفل انحيازه لأحدها فى النهاية. والفيلم يجيب من داخله لماذا " خميس والبقرى الآن " عبر تحليل موقف كل من اليسار واليمين من ضباط يوليو يضيء الفكرة مقولات عدة لرفعت السعيد ومنها قوله : " عندما وصل الجيش إلى السلطة، لم يتخيل إمكانية معارضته،  فهم ليسوا مدربين على التعامل مع الجماهير، يروقهم فقط أن تؤيدهم من غير ما تقول لهم لأ ".
سمعنا كثيرا عن " خميس والبقرى" وعن إعدامهما، لماذا احتفظ القليوبى باسم الأول فقط ؟ أثناء المعاينة والتصوير تكشف للمخرج أن البطل الحقيقى منهما هو خميس، إضافة لوجود شهود من عائلة خميس يمكن الاعتماد على شهادتهم وأهمهم أخاه الأصغر محمد خميس الذى مثلت شهادته جانبا مهما من سرد الحدث. يدخل القليوبى مباشرة فى الموضوع مع صلاح عيسى الذى يذكر أنه فى 12 و13أغسطس 1952 تمت محاكمة عسكرية فى أقل من أسبوع فى حادث غامض يشبه فى غموضه حريق القاهرة. ثم فى لوحة مكتوبة يكشف المخرج عن جانب من أسباب إقدامه على عمل الفيلم " لفتح ملف غامض والغوص فيه لمعرفة هل كان حدثا عابرا بغير قيمة، أم أخذ حجما أكبر من حجمه،  ويخلص أنهما شهيدا الحركة الوطنية العمالية أطلق اسماهما على كثير من المواليد فى منطقة كفر الدوار وما حولها. يمثل حضور " سيد ندا، شحاته عبد الحليم، عبد المنعم ابراهيم وفتح الله محروس " دفئا خاصا فهم شاركوا فى النضال الإعلامى وأفلتوا من العقاب الذى ناله " خميس والبقرى" .
وننتقل من شهادة حميمة للأخ إلى شهادة حماسية للمناضل فتح الله محروس يروى أن التظاهرة التى اتهم خميس بقيادتها كانت للمطالبة بالحقوق المشروعة، ولكن بسبب عفريت الشيوعية المسيطر على مجلس قيادة الثورة تم ضرب احتجاجات العمال " كله يكش لأن العسكر قادمون"، ويؤكد هذه الرؤية الفنان أحمد متولى بشهادته أن الحكم بالإعدام على أى اثنين كان مطلوبا لتحذير الجميع من الاعتراض، فكان قرار الإعدام الذى جاء جماعيا فى أغلب الروايات، وبالأغلبية فى روايات أخرى تذكر أن يوسف صديق وخالد محى الدين وعبد الناصر عارضوا قرار الإعدام. وتأتى شهادة مكتوبة لخالد محى الدين تسجل اعترافا بجهل الجميع سواء من أيدوا الإعدام أو من عارضوه بحقوق العمال وحقهم فى الإضراب والاعتصام، بينما كان السنهورى وسليمان حافظ والبراوى يتسمون بروح برجوازية محافظة معادية لحقوق العمال، أما جماعة الإخوان فبدأت فى شن حملة عاتية ضد عمال كفر الدوار المضربين واتهمتهم بالخيانة. ثم جاء قانون الإصلاح الزراعى لاسترضاء القوى اليسارية والجماهير الشعبية بعد يومين فقط من تنفيذ حكم الإعدام.
الختام مع أحمد متولى الذى ظل لسنوات يحلم بإخراج فيلم عن خميس والبقرى، وقصتهما الموازية لساكو وفانزتى الإيطاليين، يقول متولى : " كنت أود أن أنجز فيلما دراميا عن خميس والبقرى، وكيف تم التضحية باثنين أبرياء ليكونوا عينة تهدد الجميع بأن من يفعل هكذا سيكون مصيره الإعدام" . وتكتمل خاتمة الفيلم بالفنان التشكيلى عادل السيوى وكيف دخل العاملين الفتيان ذاكرته مع حكايات والده عنهما، ويشرح بينما نشاهد اسكتشات كيف جاءته فكرة إدخال خميس والبقرى فى عمل تشكيلى ليعوضهما عن حياة لم يعشها كل منهما. ويقول أنه لابد من إعادة الاعتبار لهما لأنهما حرما من الحياة رغم أنهما كان لديهما شيء إيجابى جدا لإنجاح الحياة. شحاتة عبد الحليم يؤكد براءتهما ويطالب بإعادة محاكمتهما، فتح الله محروس يطالب بأسلوبه الحماسى برد الاعتبار لمصطفى خميس ومحمد حسن البقرى، محمد خميس الأخ الطيب يطالب بإعادة التحقيق لإثبات براءة أخيه.  
الفيلم إنتاج خاص لشركة نون وبدعم من إنجاز بمهرجان دبى زمن عرضه 110 ق ومن إنتاج العام 2013 الذى شهد مجموعة هامة وجديدة من السينما المصرية بنوعيها الروائى والتسجيلى.أضاء الفيلم أمامى حقيقة تكاد تكون ثابتة لم تتغير منذ ثورة يوليو 1952 حتى الآن عن الاتجاهات السياسية فى مصر حتى الآن، عن شرائح اليسار، والإخوان المسلمين، والبرجوازية الوطنية . فى فصل معنون " خميس لم يمت " يروى رفعت السعيد كيف أن أغسطس 1953 كان ضربة قاصمة لنتظيم حديتو الشيوعى " الحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى" الذى تحالف مع الضباط الأحرار وكان يراهم قوى ثورية ولكنها غير متمرسة، وكان يتزعم هذا الاتجاه المناضل كمال عبد الحليم، بينما كان هناك الراية والحزب الشيوعى المصرى ينظران للتنظيم باعتباره فاشية عسكرية. وكيف غدر ناصر بحلفائه من اليسار وأبادهم بإجراءات نفذها زكريا محى الدين. أما عن الإخوان المسلمون فهم من تحالفوا مع الضباط الأحرار وكانوا دائما معارضين لحقوق العمال والفلاحين عبر اعتراضهم على قانون الإصلاح الزراعى وعنفهم مع احتجاجات العمال ومعهم عدد من مجلس قيادة الثورة أنور السادات الذى صرح بأنه سيضع مشنقة على بوابة كل مصنع. 
محمد كامل القليوبى مخرج وباحث فى السينما المصرية وتاريخها، أعاد فيلمه " محمد بيومى وقائع الزمن الضائع" تأريخ السينما المصرية باثبات أن محمد بيومى هو الرائد لها وليس محمد كريم، وهنا فى عمله "اسمى مصطفى خميس" يعيد تحليل العلاقة بين ضباط يوليو والمعارضة السياسية، بينهم وبين اليسار المصرى وقوى الإسلام السياسى ويوجه نقدا قويا لشرائح اليسار التى تم خداعها واستخدمت ااقصاء على الديمقراطية وحق العمال فى التظاهر والاعتصام. 
* نشر المقال بموقع جريدة البديل رئيس التحرير على رزق الاحد 29 ديسمبر 2013 .


Monday 9 December 2013

الخروج للنهار العمل الأول لهالة لطفى

الخروج للنهار 
حتمية الموت لتولد السعادة

حرصت على مشاهدة فيلم هالة لطفى " الخروج للنهار " فى إطار عرضه ببرنامج الأفلام الأولى ببناوراما الفيلم الأوربى، كنت شاهدته فى عرض بمهرجان معهد جوته منذ عدة شهور، ولم أتفاعل معه إذ أحسست بذهنيته الشديدة، وبالانفصال بين مشاهد الخارج والداخل به. أعرف المخرجة هالة لطفى عن قرب وأتابع كل أعمالها القصيرة والتسجيلية، يمكن القول أن هناك درجة من درجات الصداقة تقترب من القرابة، وكما هو معروف فالطبيب النفسى لا يمكنه أن يعالج قريبا له، والأقارب من الدرجة الأولى لا تقبل شهادتهم بالمحاكم ، وكذا الناقد من الصعب أن يحكم على عمل لشخص تربطه به علاقة قريبة. لم أكتب عن الفيلم عند مشاهدتى الأولى له، فقط تناقشت مع صديقتى الناقدة والممثلة سهام عبد السلام، وتباينت ردود أفعالنا، سهام أعجبها الفيلم وكانت مرشحة لدور الأم، وقالت وقتها إنها لم تكن لتؤديه بهذه الكفاءة لمن قامت بالدور، وقالت لى " شوفيه تانى ".حسنا فعلت فالعرض الثانى كانت النسخة فيه على درجة عالية من الجودة توفرها ماريان خورى فى عروضها صوتا وصورة، كان خبر حصول محمود لطفى مدير تصوير الفيلم فى ذهنى وأنا أشاهد الصورة الممتازة للفيلم ودرجاتها الهادئة التى توضح اقتصادا مقصودا فى وحدات الإضاءة وأدوات التصوير. الإيقاع لو فلسفته وضرورته المتوافقة مع السرد المكثف لحالة المرأتين فى معاناة رعاية الرجل المريض. الديكور والاكسسوار يعكس حالة من التقشف وقدرا من المبالغة فى عرض الواقع بلا تجميل. واقعية أقرب إلى الطبيعية تعكس حالة من القسوة المقصودة، هذه هى حياتهم وهذه هى معاناتهم. لا تسمح هالة ببصيص من مشاعر رومانسية يمكن أن تتسلل إلى المشاهد، حين يأتى المجند قريب الأم تستقبله الابنة بضيق لا تخفيه، عبئا مضافا إلى عبء رعاية الأب، هالة تحذف لحظات إنسانية يمكن أن تكون لطيفة، مثل إعداد الطعام وتناوله، ونشاهد فقط رحيل الضيف وجمع الأطباق، الجزء الممل والمضجر من أى عزومة. وأثناء ذلك توبيخ الابنة للأم التى تعزم على المجند الغلبان، وكأن ما تعانيه لم يترك لديها مساحة لتجامل أحدا أو تود قريبا.

يحتوى الفيلم على ثلاثة مشاهد للفتاة لأماكن مفتوحة خارج البيت والمستشفى، المشهد الأول مانفستو المخرجة حول الزيف الدينى وتخاريف المجتمع، يحظى المشهد بإعجاب عدد كبير من المتلقين، يقف بينى وبينه قصديته فى السياق وكونه من وجهة نظر المخرجة وليس كرد فعل للشخصية، وكأن هالة هى التى ركبت الميكروباس وليس الفتاة بطلة الفيلم. ألم أخبركم عن صعوبة حيادى من عمل أتصور أننى أعرف مؤلفته عن قرب. المشهد الخارجى الثانى والذى مر مرور الكرام ولم يتوقف عنده أحد أتصور أنه عصب الفيلم ومفتاح تفسير دوافع الشخصية وشرح حالتها البائسة، تتصل من تليفون بالشارع فى موقع مميز بالقاهرة القديمة، الحبيب المفترض غير مهتم. نسمع فقط ردودها عليه.  اختارت المخرجة أن تصورها عن بعد، غالبا كانت الكاميرا مخفية حتى تتمكن من التصوير دون فضول معتاد من المصريين، وعلى الأرجح كان هذا اختيارها فى جميع الأحوال حتى لا يتحول المشهد إلى ميلودراما ممجوجة تحاشتها هالة لطفى على مدار العمل.  نسمع الجزء الذى يخص الفتاة من المكالمة، تردد  خلالها ربما ربما، أتذكر أغنية أجنبية " برهابس برهابس برهابس Perhaps
تلهف الفتاة لمقابلة الرجل المجهول يتناقض مع مكالمة فى مشهد آخر: ما تتصلش بى تانى احنا ما كانش بينا حاجة أصلا. لتتواصل الصدمات للمشاهد الذى ترك ثقافته فى المنزل قبل مشاهدة الفيلم وتعامل مع فيلم نوى التفاعل معه بشكل إنسانى بعيدا عن فلسفات أو قضايا كبرى. ولكن القضية الأزلية حول موت الأب فى الأدبيات النسائية تطل برأسها وتفرض نفسها واضحة جلية مع مشهد النهاية حيث الأم تقوم بنفسها بتنجيد مرتبة  سرير الأب، والابنة تسأل ببساطة هندفن بابا فين؟ فاتنى أن أذكر أن المشهد الخارجى الثالث كان محملا بكثير من وصف حالة البلد / سائق الميكروباس المطارد من الداخلية، يلقى بالفتاة فى منتصف الطريق ليلا دون أن يمارس المعتاد من تحرش متوقع بها، مرة أخرى وليست أخيرة تكسر هالة التوقعات المعتادة لمشاهد يحمل تراثا من سينما سائدة، ويكتمل توهان الفتاة فى القاهرة ليلا فى مكان نسمع منه عن بعد إنشاد صوفى وبقاءها حتى الفجر أمام بحيرة من منطقة الفخارين، صورة محايدة أيضا بلا تركيز على ملامح الفتاة الواقفة وظهرها لنا.
لماذا قدمت هالة لطفى هذا الفيلم تحديدا، وقدمته لمن ولأى شريحة من المشاهدين؟ بالطبع هى كمبدعة تمتلك حقها فى الاختيار وأنا كمتلقى أمتلك حق التعبيرعن قراءتى للفيلم دون أن أحملها مسئولية شرحه أو تأويله الذى كتبته وصرحت به فى ندوة تلت عرض الفيلم بسينما جالكسى، وكان شرحا عاطفيا وجدته شديد التناقض مع عمل ذهنى تام لا يقصد  منه التعبير عن الرثاء لموت الأب، بل بيان حتمية موته لتستمر الأم "حياة " فى حملها "  لمسئولية الابنة " سعاد"، علهما تكملان الحياة معا فى سعادة وراحة بعد موت الأب.   
     نشر بموقع جريدة الوادى الأحد 8 ديسمبر 2013

Saturday 7 December 2013

" فيلا 69 " من أفلام العمل الأول فى بانوراما الفيلم الأوربى



من أفلام العمل الأول فى بانوراما الفيلم الأوربى
" فيلا 69 " 

موت الطبقة وانتصار للحداثة
حين تشاهد فيلما أو تقرأ كتابا لا يعمل عقلك فى استقباله على لوح أبيض، فكل منا يحمل طبقات من المعرفة ومن مجسات الشعور  تبدأ على الفور فى وضع ما تشاهده فى علاقة ما مع بداخل عقلك وتقرر ما تراه على مزاجها الخاص. استقبلت فيلم أيتن أمين " فيلا 69" كمرثية لزمن مضى، ليس نهاية للعالم ولكنه فقط نهاية لحسين ابن طبقة برجوازية كبيرة، وقبل موته الفعلى يتواصل مع سيف حفيد أخته ناقلا إليه خبرته بداية من علاقته بالمرأة والفن حتى الحشيش ويكون نسخة معدلة من البرجوازية الجديدة يختلط فيها قيم شعبوية مع قيم أرستقراطية أصيلة.
يُكتب العمل ويتم إخراجه وفى ذهن صانعيه هدف ما، ورسالة ما، فى ذهن أيتن أمين وهى تقدم عملها الطوبل الأول رغبة ما فى نقل تجربة شعورية لنا نحن جموع المشاهدين، يتفاعل معها كل واحد منا حسب مرجعايته وحسب تكوينه. قرأت الفيلم وفى ذهنى  الفيلا القديمة المطلة على النيل، تعبيرا عن جمال فى طريقه إلى زوال، وانتهاء عصر حسين المبدع الحقيقى فى عمله على خلاف مع الغباء الذى يمثله شريكيه فى الشركة الهندسية التى يقدم تصميماتها لها، حسين مريض ولا يريد أن يزعج أحدا بمرضه، يحيط نفسه بأصدقاء من الطبقة الشعبية الأفقر منه، يتعامل معهم بحب ويستريح إليهم، بينما يشعر بالضجر مع عائلته ويعامل أفرادها بتحفز وضيق. قرأت الفيلم كنقد للطبقة المتوسطة العليا  من داخلها وإعلان موتها الوشيك، ليس لأن حسين مريض وسوف يموت، ولكن لأن السائد والذى يُنظر إليه على أنه طبيعى " ومفروض" هو الباقى فقط مع الأخت لبلبة وحاشيتها من الخدم، ومع شركاء العمل الغبيين. بينما يبدو سبف الحفيد قلقا ومستعد للتغير.
يقاوم حسين سيادة الغباء والذوق الرديء بشكل رومانسى محاولا وحده حل مشاكل من حوله، وتتركنا المخرجة دون يقين بنجاح هذه الحلول. فهل سينجح زواج الممرضة من خطيبها بعدما يشترى له الأرض التى يريد بيعها ليتزوج؟ هل سينجح باند الشباب فى عزف مقطوعات لفن جميل وحديث؟ هل سينجج سيف فى علاقته مع فتاته؟ هل ستتخطى سارة حزنها على قرب موته؟ هل سينجح حيرم مساعده فى أن يكون ندا قويا لشريكيه فى العمل؟ سيرحل حسين - آخر الرجال المتأصلين- تاركا مشاكل من يحبهم معلقة، فهل سينجحون فى تجاوز مشاكلهم ليتمكن هو من الرحيل فى هدوء؟ هل كان رحيل والد المخرجة أيتن أمين تاركا أسرته دون خبرة كافية لإدارة أصول ما يمتلكونه وإدارة شئون حياتهم دافعا لها للتفكير فى فيلمها " فيلا 69" ؟ سمح إيقاع الفيلم    بطرح مثل هذه التساؤلات التى فكرت فيها أثناء مشاهدة الفيلم فى عرضه الأول بمصر فى إطار بانوراما السينما الأوربية بقسم أسمته ماريان خورى الأعمال الأولى. بمناطق من الفيلم تصاعدت ضحكات المشاهدين، فهل كانت المخرجة تقصد الإضحاك؟ بالنسبة لى لم أضحك إلا على شخصية سيادة اللواء التى أداها خيرى بشارة، شخصية طريفة زادها أداء خيرى الجاد جدا للدور.

أهدت أيتن أمين فيلمها "إلى أبى" وهو نفس الإهداء لعملها القصير الثانى " ربيع 89 " مما يعكس إحساسا بأنها مازالت أسيرة للأب الذى قد تكون عبرت عنه جزئيا وهى تتناول شخصية المهندس المعمارى حسبن / خالد أبو النجا فى " فيلا 69" فى مشهد النهاية يقود الحفيد سيف السيارة العتيقة الأنيقة فى شوارع القاهرة الخديوية ويختفيان فى العمق.
أجد أن المفاضلة التى يجريها عدد من النقاد بين فيلم أيتن أمين الأول وفيلم أحمد عبد الله الثالث فى غير محلها، فمن قال إن كل الأفلام لابد لها من تناول السياسة؟ ومن قال إننا مللنا من تناول الشخصيات المهمشة -كما فى فرش وغطا- ونحن إلى أبطال الطبقة الوسطى كما فى " فيلا 69" .أتصور أن المقارنة- وليس المفاضلة أقرب بين " الخروج للنهار" وبين " فيلا 69" فالعملين لمخرجتين فى عملهما الطويل الأول، يجمعهما تناول جانب من علاقة النساء بمريض، قريب للأولى ووالد للثانية. موت الأب وتلاشيه فى العمق لدى أيتن وخروجه للنهار لدى هالة . تناول لموضوع مقارب، الخلاف فيه على شكل الطبقة وعلى المفهوم، رثاء  لا يخلو من حنين لعالم يمضى لدى أيتن، ورغبة فى توديعه لدى هالة. العملين حصلا على دعم جزئى من دولة الإمارات العربية المتحدة، وحصلا على جوائز من مهرجان أبو ظبى على التوالى لعامى 2012 و 2013استعانت أيتن أمين بعدد من فريق عمل هالة لطفى، والمخرجتان تنضمان للمخرجات الواعدات فى مصر المحروسة ليصبح لدينا فى عامين متتالين المخرجات نادين خان وماجى مرجان وهالة لطفى وأيتن أمين، تواصلن مشوار هالة خليل وكاملة أبو ذكرى مع اختلاف ظروف الصناعة ومناخ التلقى وظهور نوع آخر من المشاهدين تساهم بانوراما الفيلم الأوربى فى تفريخهم كل عام. 
* نشر بموقع جريدة الوادى السبت 6 ديسمبر 2013  رئيس التحرير خالد البلشى    
         

Thursday 5 December 2013

استفتاء أهم مائة فيلم عربى بمهرجان دبى

منذ عدة شهور وصلتنى رسالة من كلاوس إدر السكرتير العام لاتحاد الصحافة السينمائية الدولية (الفيبريسى) حول فكرة عرضها عدد من مسئولى مهرجان دبى عليه أثناء انعقاد مهرجان برلين فبراير 2013 مفادها الرغبة فى إجراء استفتاء لأفضل مائة فيلم عربى، وأنه كلف بمهمة الاتصال بنقاد السينما على مستوى العالم للمشاركة فى الاستفتاء. وجهت له عدة أسئلة أذكر أن أهمها هل ستكون هناك قائمة ترسل للمشاركين كى يختاروا منها أم سيترك الأمر لذاكرة كل مشارك؟ وبالطبع برز فى ذهنى الوسواس الشوفينى، هل تجرى هذه المسابقة لإظهار تفوق الأفلام العربية المنتجة فى بلدان من الشرق والغرب العربى على نظيرتها المصرية؟ ورغم ذلك طرحت تساؤلاتى جانبا وأرسلت بدورى الدعوة لعدد من الزملاء النقاد، اهتم بعضهم بالرد مشفوعا بأسئلة مختلفة، وكان السؤال المتكرر حول معايير الاختيار وأيضا حول توفر القائمة. مرت فترة ثم وصلتنى دعوة للمشاركة من الزميل الناقد زياد عبد الله رسميا من دبى، وجدت أن المطلوب منى اختيار عشرة أفلام فقط، وزمع إدراكى لصعوبة ذلك إلا اننى تحمست وبدأت  فى عصر الذاكرة، ووجدتنى بلا مجهود أختار المومياء ليتربع عرش القائمة بلا منازع، ثم أخذت أجرى توازنات بين المخرجين المصريين وأفلامهم، وبين البلاد العربية وعلى رأسها الجزائر وتونس والمغرب وسوريا وفلسطين، بالطبع كان على اختيار فيلم ليوسف شاهين، وفيلم للأخضر هامينا وفيلم من أفلام المرأة المخرجة، فقفز إلى الذاكرة مفيدة تلاتلى وعملها الكبير " صمت القصور" ، وبالطبع على ألا أنسى محمد ملص وتوفيق صالح خيرى وداوود وخان، وماذا عن قشيش الذى فاز بسعفة كان هذا العام ، هل يمكن اعتبار فيلمه الأخير حياة أديل فيلما عربيا، لا الأقرب أن يكون فيلم أسرار القمح عن المهاجرين العرب فى أوربا هو الفيلم الذى يعبر عن الثقافة العربية كما يجب أن يكون عليه التوصيف الدقيق للفيلم العربى. فى زحمة استدعاء الذاكرة نسيت المخرج الفلسطينى الكبير ميشيل خليفة والذى احب كل افلامه وشخصيته المرحة وقد تعددت لقاءاتنا معه فى مهرجانات مصرية كمهرجان الإسكندرية والقاهرة والإسماعيلية ولا أنسى محاضرته فى إطار بانوراما السينما الأوربية ومع ذلك نسيته فى غمار المفاضلة بينه وبين المبدعين الكثيرين فى السينما الفلسطينية ونسيت أيضا إيليا سليمان.  كم كانت مهمة صعبة عشرة افلام من بين أربعة آلاف فيلم مصرى وحده والعشرات من الأفلام العربية الهامة . عزمت أمرى ووجدتنى أرتب القائمة محاولة إجراء اختيار متوازن يراعى تنوع الأفلام العربية ومكانتها على مستوى عالمى، رياح الأوراس وأحلام مدينة وأسرار القمح، ولكن أى فيلم لداوود وكلها تستحق المنافسة، وأى فيلم لخيرى بشارة، أثق أن غالبية النقاد سيختارون الطوق والأسورة ولكنى مفتونة بفيلم " آيس كريم فى جليم" كما يحتل "عودة الابن الضال" مكانته فى قلبى، بالطبع الأرض وباب الحديد والاختيار قد تكون أسهمها أعلى، هل أتبع الأحوط وأختار من بينها حتى لا يضيع صوتى؟ استقر رأى على عدم الالتفات إلى توقعات الآخرين، ومحاولة التركيز فى اختيار الفيلم الذى ساهم فى تشكيل وجدانى وظل تأثيره على حاضرا حتى الآن. كما ترون المهمة ليست سهلة ولكنى عقدت العزم بعد وصول خطاب للتذكرة للمشاركة وبعد المداولات التى جرت وعتراض البعض على النتيجة النهائية التى أعلنت فى حفل خاص مع الكتاب الذى يوثق للحدث، وجدت أن المهمة الأساس لمثل هذه الاستفتاءات هو إستدعاء الذاكرة لأفلام منسية عبر التنقيب عنها وإعادة قراءتها من جديد. وأجد أن الجدل حول النتيجة النهائية التى شارك فيها حوالى 475 من بين ألف سينمائى وناقد تم دعوتهم للمشاركة جدل خصب افاد فى توسيع دائرة المصوتين وأن الباب لم يغلق ، بل ظل مفتوحا لمزيد من طرح عناوين لفلام تحتل مكانة مهمة عند الواحد منا.  أفضل مائة فيلم عربى أم أهم مائة فيلم عربى؟ الأعمال الفنية صعب الحكم عليها بمعايير الفضل، ولكن المهم قد تعنى عملا ساهم فى تغيير ما على المستوى الفنى او الاجتماعى. المهم غير شروط اللعبة الإنتاجية، أو غير طبيعة العلاقة بين الفيلم وجمهوره، أو ساهم فى خروج قانون اجتماعى او ساند فئة مهمشة لإلقاء الضوء عليها. الغضب الذى أصبح سريعا لدى الجميع بعد ثوراتنا العربية اشتعل فى صدور عدد ليس بالقليل من المهتمين بالشأن السينمائى لعدم وجود فيلم ما فى القائمة أو لترتيب يرونه مخالفا للمنطق، ولكن أى منطق؟، هل هو منطق من شارك أم منطق من تمت دعوته وتكاسل عن المشاركة، أو رفض اعتراضا على عدم وجود قائمة أو على عدم تحديد معايير للاختيار. أتصور أن المعايير ستكون محل خلاف أيضا. أجرى مهرجان القاهرة استفتاء لأفضل مائة فيلم مصرى، ثم جرى استفتاء لاحق بعد عدة سنوات لأهم مائة فيلم مصرى أيضا، وهذا المرة هى الأولى التى يجرى فيها الاستفتاء على الأفلام العربية مجتمعة وهى خطوة على طريق إنتاجات مشتركة عربية يعبر الفيلم منها عن ثقافة عربية تتصل بوشائج كثيرة، أفلام تعيد للفيلم العربى انتشاره فى كافة القطار العربية .
قائمة صفاء الليثى

1- المومياء  شادى عبد السلام مصر 1975


2- آيس كريم فى جليم خيرى بشارة مصر 1992

3- صمت القصور مفيدة تلاتلى تونس فرنسا 1994

4- عودة الابن الضال يوسف شاهين  مصر الجزائر 1976

5- أحلام مدينة محمد ملص سوريا  1983

6- المخدوعون توفيق صالح سوريا 1972

7- وقائع سنوات الجمر  محمد الأخضر حامينا الجزائر 1974

8- أرض الخوف داوود عبد السيد مصر 1999

9- كسكسى بالسمك  عبد اللطيف قشيش تونس إيطاليا 2007

10- محمد بيومى وقائع الزمن الضائع محمد كامل القليوبى مصر 1989
  Safaa el-Laisy List
1 - The Mummy “The Night of Counting the Years” Shady Abdel Salam Egypt 1975
2 – “Ice Cream in Glim” Khairy Beshara Egypt 1992
3 –“ Silences of the Palace” of Mofida Talatly Tunisia France 1994
4 –“ The return of the prodigal son” Youssef Chahine, Egypt, Algeria, 1976
5 – “dreams of a city” Mohammad Malas Syria 1983
6 –“ proclamations” Tawfik Saleh Syria 1972
7-  “
Chromium of years of braise” Mohamed lakhdar Hamina 1974 Algeria
8 – “Land of Fear” Daoud Abdel Sayed Egypt 1999
9 – “couscous with fish” Abdul Latif kecich Tunisia Italy 2007
10 –“ Mohamed Bayoumi Proceedings of injury time “Mohamed Kamel Kaliouby
Egypt 1989.

 


 صفاء الليثي قائمة

لقد تمّ التصويت بنجاح. نشكر لكم مشاركتكم.
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" المومياء\" , الفيلم باللغة الانكليزية : The Night of Counting the Years , إخراج : شادى عبد السلام , سنة الإنتاج : 1975 , الدولة : مصر
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" آيس كريم فى جليم \" , الفيلم باللغة الانكليزية : “Ice Cream in Glim\" , إخراج : خيرى بشارة , سنة الإنتاج : 1992 , الدولة : مصر
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" صمت القصور\" , الفيلم باللغة الانكليزية : –“ Silences of the Palace” , إخراج : مفيدة تلاتلى , سنة الإنتاج : 1994 , الدولة : تونس
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" عودة الابن الضال \" , الفيلم باللغة الانكليزية : “ The return of the prodigal son\" , إخراج : يوسف شاهين , سنة الإنتاج : 1976 , الدولة : الجزائر
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" أحلام مدينة\" , الفيلم باللغة الانكليزية : “dreams of a city” , إخراج : محمد ملص , سنة الإنتاج : 1983 , الدولة : سوريا
. الفيلم باللغة العربية : افيلم \" لمخدوعون\" , الفيلم باللغة الانكليزية : “ proclamations\" , إخراج : توفيق صالح , سنة الإنتاج : 1972 , الدولة : سوريا
. الفيلم باللغة العربية : وقائع سنوات الجمر , الفيلم باللغة الانكليزية : “Chromium of years of braise\" , إخراج : محمد الأخضر حامينه , سنة الإنتاج : 1974 , الدولة : الجزائر
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" أرض الخوف\" , الفيلم باللغة الانكليزية : “Land of Fear” , إخراج : داوود عبد السيد , سنة الإنتاج : 1999 , الدولة : مصر
. الفيلم باللغة العربية : فيلم \" كسكسى بالسمك\" , الفيلم باللغة الانكليزية : “couscous with fish” , إخراج : عبد اللطيف قشيش , سنة الإنتاج : 2007 , الدولة : تونس
. الفيلم باللغة العربية : فيلم تسجيلى \" محمد بيومى وقائع الزمن الضائع \" , الفيلم باللغة الانكليزية : Mohamed Bayoumi Proceedings of injury time , إخراج : محمد كامل القليوبى , سنة الإنتاج : 1989 , الدولة : مصر
  



©2013 Dubai International Film Festival. All rights reserved.



Tuesday 19 November 2013

فرش وغطا : فيلم يشبه لوحة لفان جوخ

               فرش وغطا: فيلم يشبه لوحة لفان جوخ
                  لوحة جميلة معبرة عن قبح حياتنا
كما نعشق لوحة فان جوخ للكرسى من القش وغليونه بجوار السرير المتواضع، تلك اللوحة الرائعة التى نعجز أحيانا عن الابتعاد عن الحملقة بها لدقائق طوال، تلقيت العمل الثالث للمبدع السينمائى أحمد عبد الله السيد، لوحات رائعة لأماكن عشوائية فى القاهرة القديمة، ولوحة ساحرة للقمامة فى حى الزبالين، صورة تجبرك على تأملها وتستدعى لديك الرغبة فى أن تدخل فى نفس الحالة الوجدانية التى يعيشها البطل آسر يس بعد أن فهمنا من لوحة مكتوبة على الشاشة أن السجون فتحت 28 يناير وبعد مشهد افتتاحى يبدو كمشهد مصور بكاميرا محمول، نمضى مع آسر يس وقد ترك زميل السجن المصاب بشده لكى يوصل رسالته ويعود إليه بنجدة. يصل لمنزل أسرته تستقبله أمه بابتسامة وبدون حوار، الصوت المسموع فقط صوت الأخبار من قناة الجزيرة، هو المهمين ولا نسمع حوارا غيره إلا فيما ندر، يعمل الناقد المحلل بداخلى وأفسر لنفسى، اختار المخرج أن يستغنى عن المعتاد والعادى من أحاديثنا اليومية وأن يضعنا فى حالة المتابع للأخبار التى استحوذت علينا جميعا منذ 25 يناير وما زالت مستمرة معنا حتى الآن، المخرج لا يتركنا دون أن يقدم لنا مفتاح التلقى هذا، فنرى آسر يتابع الأخبار وعندما يلوح عن بعد مشهد لشجار بين أخته وزوجها يخفض صوت الأخبار، فلا نسمع شيئا مهما فيعود ليرفع صوت الأخبار. هل وصلتنا الرسالة؟، وصلتنى وارتحت ولم يعد يؤرقنى اختفاء الصوت فى العادى والحياتى، بل أستوعب جيدا أنه لاشيء يعلو فوق ما تبثه الأخبار حاليا على حياة الناس.
من أين أتى اسم الفيلم؟ آسر وهو كهربائى ماهر يأخذه عمرو عابد ليوصل معدات الصوت لسهرة إنشاد فى المقابر، آسر الذى خرج من السجن وبحث عن حبيبة أظهر لنا صورتها ثم شاهدها تركب موتوسيكل خلف ملتحى، لقطة عابرة تحتاج انتباهنا لدلالتها، مثل هذا هم رجال العصر. نشاهد آسر الآن يمزق الصورة ويراقب فتاة من سكان المقابر بإعجاب، ستمنحه الفتاة " فرش وغطا" لينام ليلته بعدما أنهى عملا فى توصيل السماعات. يرقد فى إحساس بالأمان رغم كل شيء.
موقع المقابر هوأحد المواقع القليلة التى يدور الفيلم بها، وسيكون هناك حى الزبالين وكنيسة المقطم، ومسجد فى وضعية الترميم، منزل الأسرة فى حارة وشباكه يطل على مئذنة مسجد صغير. وشارع راق ومقر جريدة المصرى اليوم. وبالطبع موقع أحد السجون وطريق صحراوى يؤدى له.
قاهرة الفيلم هى مجموع هذه المواقع، تختزل وتكثف لتعبر عن المصريين المسلمين والمسيحيين، الفقراء والنخبة المثقفة. اختار المخرج مهنة كهربائى عامل ماهر كان مسجونا لسبب ما لا يهمنا معرفته،  مرة أخرى مثل هذه الحكايات المعتاده لاتهمنا. آسر ينقل لمبات الإنارة ليتمكن الطبيب من إجراء جراحة لثائر أخفوه فى الجامع تحت الترميم. مشهد الجامع أحد المشاهد الفائقة بالفيلم ، مشهد بديع يبدأ بصوت منشد صوفى يترنم وحيدا، يـدخل آسر ويجلس مستمعا، تطول اللقطات وندخل فى حالة صوفية يشوبها قلق وتساؤل، وقبل أن نفترض أنه جاء للتوبة فى الجامع كما عودتنا الأعمال التقليدية، يقطع المشهد دخول شخص حاملا شومة، لا أذكر سوى أن دخوله جعلنى أشعر وكأن هناك حركة قوس كمان قوية قد أوقفت نشوة الإنشاد الصوفى. وبعده آخر بفرش وغطا - بطاطين- يسقط إحداها فيناولها له آسر، فيأمره بحزم : هاتها ورايا، مع دخولهما نصل لمصاب ومعه طبيب، يعمل آسر على نقل لمبات من مكان آخر بالجامع إلى حيث المريض والطبيب ليتمكن من علاجه. الإضاءة وتفاصيل المشهد بعيدة تماما عن الواقعية وأقرب إلى التأثيرية فى الفن التشكيلى. يدخل أحد رجال - ما سمى باللجان الشعبية كما نعرف من خارج الفيلم- تدور معركة صامتة أيضا- هل اتفقنا أنه لا حاجة إلى الكلام؟ - بعدها نرى الشرطة العسكرية فى الخارج يدخلون ويقبض على المصاب ويحاول الطبيب منعهم. نعود إلى الكهربائى آسر ومعه الوسيط عمرو عابد يجلسان، يدخل المنشد ويعرض عليهما أن يشربا الشاى. . أثق أن وراء هذه الوحدة المشهدية فهما ودراسة لطبيعة المسجد الجامع ودوره فى الحياة اليومية للمصريين .  وحده مشهدية فائقة الجمال ترسم أطراف الصراع، الشعب بعماله المهره، مهنييه من أطباء، رجال صوفية يحملون تراث الشعب ويتناقلوه عبر الأجيال، وسلطة مسلحة وخدامها من البلطجية. شرائح كاملة لطبقات الشعب، المقهورين وقاهريهم. نقطة ارتكاز المشهد لحظة دخول الرجل حامل الشومة، ممثل اللجنة الشعبية، المواطن الشريف/ هذا النوع من الناس الذين استقبلوا السجين العائد  فى بداية الفيلم- وقلبوه- وصادروا المال الذى حمله السجين المريض أمانة وتركوا له فقط الخطاب، ورقة مكرمشة بائسة تعنى الكثير.
  نأتى إلى وحدة مشهدية أخرى مع وصول آسر والمنشد - من رجال الموالد والليالى الصوفية- حيث حى الزبالين الذى يعمل فيه فقراء مسيحى مصر، وبالة كبيرة تسحبها ماكينة لترفعها على السطح، تقديم من عين متأمل للمكان، آسر يس هو أحمد عبد الله المتأمل والمحب لشعبه وتفاصيل الأماكن وحكايات الحياة، فواصل وثائقية مباشرة لنماذج من المصريين تحكى لآسر الذى أصبح عبد الله فى بعض أجزاء الفيلم، هل نذكر العوامة 70 وأحمد زكى مخرج تسجيلى يكتشف جرائم فساد فى مصنع القطن، أحمد زكى هو خيرى بشارة، وآسر يس  هو أحمد عبد الله.
الفيلم يأخذنا من مصر الإسلامية إلى مصر المسيحية، إلى مصر المعاصرة بوضعها المركب زمن ثورة 25 يناير لا ليوثق الثورة المستمرة بالتأكيد حيث القمع مستمر، والفقر مستمر، والتعصب مستمر. يأخذنا إلى عدم جدوى صوت المواطن الغاضب الذى عبر عنه المخرج فى مشهد فائق آخر، وشاب عائد من تظاهرة بإصابة يحكى لأهله ويدعوهم للتظاهر معه، يرتفع صوت دوران دراجة بخارية، عامدا متعمدا يشوش المخرج على الصوت الذى يحاول آسر التركيز ليسمعه، تصله - طراطيش كلام- كما نقول بالعامية- والذى يهمه أن الفتاة التى أعجبته ومنحته الفرش والغطا قد مضت مع المصاب الثائر حيث الميدان، الذى ندركه من معايشتنا لأحداث ثورة مصر، ندركه بوعينا من خارج الفيلم، ولا يرسينا المخرج على بر، ولا يجيب على أسئلتنا، من نوعية: همه كانوا بيقولوا إيه؟ همه رايحين فين؟ كده مفيش قصة جديدة؟ همه مش هيحبوا بعض؟
فرش وغطا العمل الثالث للمخرج أحمد عبد الله السيد بعد هليوبوليس وميكرفون، يمزج فيه التسجيلى بالمتخيل، يدخل فيه عالما جديدا للتعبير السينمائى، أسلوبا جديدا علينا نحن المشاهدين المصريين وأغلبنا من المتعجلين للفهم المباشر، وأغلبنا نشاهد الأفلام مكبلين بميراث من تقاليد تعودنا عليها،  فى الحياة والفن على السواء. الفيلم دعوة من صانعيه لنتحرر من قيودنا، محترمين جهد المخرج وجهد كل من شارك فيه، وباذلين الجهد للتواصل معه على أرضية جديدة وفى طريق طرقه قبله مبدع كخيرى بشارة، وفيلسوف كداوود عبد السيد، ومحب للبشر والحياة كما محمد خان. فيلم فرش وغطا وصلت فيه السينما المستقلة إلى  محطة رئيسية وطريق معبد جاهز لاستقبال نماذج أخرى على نفس الطريق.
أكتب هذا بعد مشاهدة واحدة للفيلم، وأرغب فى الكتابة بعد مشاهدة أخرى متأنية يستحقها عمل يجمع بين عمق الفكرة وجمال الأسلوب وتفرده.
                                                   صفاء الليثى القاهرة

نشرت مباشرة على المدونة الثلاثاء 19 نوفمبر 2013           

  

Friday 25 October 2013

عن الأعمال غير المكتملة لشادى عبد السلام

الطريق إلى الله
بمناسبة مرور 27 عاما على وفاة فنان السينما الكبير شادى عبد السلام عرضت بمركز الإبداع االفنى بالقاهرة ليلة 8 أكتوبر 2013  ثلاثية " الطريق إلى الله" التى حققها أحد تلاميذه وهو المخرج مجدى عبد الرحمن، أستعير تعبير أخوتنا الشوام وأكتب حققها ولا أقول أخرجها، فالعمل المكون من ثلاثة أجزاء قام شادى عبد السلام بإنجاز تصوير العمل الأول والثانى منها وتركه مادة خام دون أن يعمل على مونتاجه، وسواء كان السبب مرضه الذى أدى إلى وفاته عام 1987 أو كان لسبب آخر يتعلق بالإنتاج مثلا ففد ترك مجرد مادة خام لا يمكن اعتبارها فيلما له مثل أفلامه المعروفة جميعها. أعماله الكاملة هى ست أعمال وهذه الثلاثية هى عن الأعمال غير الكاملة له. الأول عنوانه الحصن والثانى الدندراوية والثالث تحت مسمى مأساة البيت الكبير وهوفيلم وثائقى مكتمل الأركان كتب له السيناريو مجدى عبد الرحمن وقام مهندس الديكور الفنان أنسى أبو سيف بالشرح والتعليق عليه وهو عمل لم يكتمل عن فرعون التوحيد إخناتون زما أسماه شادى بمأساة البيت الكبير . " الطريق إلى الله" رؤية لمجدى عبد الرحمن عن أعمال شادى عبد السلام التى لم تكتمل، ولا تعبر بالضرورة عن سينما شادى عبد السلام التى وضحت فى العمل البديع " المومياء" وفى العمل القصير " شكاوى الفلاح الفصيح، وأعماله المكتملة التسجيلية "جيوش الشمس1974 كرسي توت عنخ آمون الذهبي "." الأهرامات وما قبلها" 1984  " رعرمسيس الثاني 1986  وفيلم عن إنجازات ووزارة الثقافة بعنوان "آفاق". 
أتفق مع الناقد الكبير سمير فريد فى ضرورة أن يغير مجدى عبد الرحمن عناوين الفيلم فلا يكتب على الحصن والدندراوية سيناريو وإخراج شادى عبد السلام، فالإخراج عملية فنية مركبة تبدأ بمشروع العمل المكتوب فى سيناريو، ثم التحضير للتنفيذ واختيار فريق العمل الفنى للفيلم ثم إخراجه فى مواقع التصوير، وأخيرا العمل على مونتاجه، وبدون أى من هذه المراحل لا يكون العمل موقعا من صاحبه تحت مسمى إخراج. يدافع مجدى عبد الرحمن عن عمله فيقول أنه كان ملاصقا لشادى فى فترة تصوير الأعمال وخاصة فى العشر سنوات الأخيرة وأنه توحد مع روحه وتلبس إيقاعه ليخرج العمل وكأن شادى قد أنجزه بنفسه، وهو أمر فى غاية الصعوبة وخاصة مع فنان شديد الخصوصية يجرب فى كل عمل أسلوبا مختلفا وإن القول ببطء الإيقاع ليس السمة الوحيدة لشادى ولا يمكن بحجة المحافظة عليها أن تترك لقطات دون تزامن دقيق كما فى مشهد الدفوف بالعمل الأول، أو أن توضع لقطة مغبشة خارج البؤرة بينما يوجد لقطات أخرى شبيهة لها ، والأهم أن ما يذهب إليه المخرج ويكون معبرا عن رؤيته  والذى لا يمكن معرفته عن طريق الكلمات التى يشرح بها عمله، بل نعرفها من قراءتنا للفيلم بعد مشاهدة متأنية له. الفن السينمائى فن شديد التعقيد والتركيب ولا نشعر بنتائجه إلا بعد اكتماله تماما ويكون مخرجه مشرفا بنفسه على كل مراحله. فى السينما التجارية الأمريكية يقوم المنتج بعمل المونتاج لتخرج نسخة تحقق أعلى إيرادات، ولكن فى نظام سينما المؤلف يتم المونتاج فى وجود المخرج وتحت إشرافه التام.
الجزء الثالث من ثلاثية " الطريق إلى الله" يبدأ بلقطات لشادى موثقة أثناء تحضيره لفيلم إخناتون، ومعه فنان الديكور الراحل الكبير صلاح مرعى وهذه المشاهد بمثابة كنز ثمين احتفظ به مجدى عبد الرحمن ووظفه فى عمله التسجيلى عن الفيلم الذى لم يصوره شادى . هناك صوت يشبه صوت شادى عبد السلام يشرح وكأنها فى مقابلة صحفية_ قائلا: اخناتون كان أحد الفراعنة الذين حكموا مصر من حوالى 3400 سنة، من بين أكثر من 180 فرعونا، وهو الفرعون الوحيد الذى امتلك الجرأة على المناداة بالتوحيد وكان التيار ضده قويا جدا، مختصر القصة أننى فى هذا الفيلم أعالج مأساة رجل مفكر كان سابقا لعصره، ومأساة فشله هى محور الفيلم الذى شغلنى التفكير فيه طويلا"
الجملة التى استوقفتنى أن شادى يعتبر إخناتون مفكر سابق لعصره جورب من الكهنة المسيطرين على مقاليد الأمور فى مصر لعقود، وهو رأى أقرب لما عرفناه عن شادى المثقف العصرى . وليس احتفاء بمن سار على " الطريق إلى الله" كما صوره مجدى عبد الرحمن، وأغلب الظن أن الفنان شادى عبد السلام لم يكمل عمليه الحصن والدندراوية لما وجده من أن ما صوره لا يحقق أفكاره التى انحاز عليها فى أعماله الكاملة والتى تنتصر للحكمة والعدل وضرورة الأخذ بأسباب المدنية كما فى المومياء الذى انتقض فيه اعتماد المصريين على تراث الأجداد للتعيش منه رافعا السؤال الاستنكارى : " هل هذا عيشنا ؟ " وكما تجلت فى شكاوى الفلاح الفصيح الذى صور فيه الفرعون العادل الذى يطبق القانون بعدالة ويعيد للفلاح ما اغتصبه منه اللصين. ونعود لصوت شادى فى فيلم " مأساة البيت الكبير ونسمعه بؤكد أن فيلم إخناتون فيلم قومى ولابد أن يكون إنتاجه مصريا وأنه لا يفهم أن يدخل الإنتاج الأجنبى فيه، نسمع صوته وهو يختار الممثلين فى مشاهد تشبه ما نسميه حاليا بالميكنج الذى أصبح له اهتمام كبير فى صناعة السينما المصرية المعاصرة. كلمات شادى قدمت العمل التسجيلى الذى كتب السيناريو له مجدى عبد الرحمن بعد أن بدأه بوثيقة هامة لشادى وهو يختار ممثلى العمل تظهر بينهم سوسن بدر زجها مصريا بارع الجمال بين أخريات ، وقبل ذلك مشهد استهلالى لمجموعة العمل فى الديكورات مع صلاح مرعى ولقطات نادرة له يضع حلية التاج لرأس اخناتون وينتهى منه لنشاهد شادى متأملا نتيجة العمل بسعادة بالغة. الثلاثية لها تتر واحد فى النهاية لم يسجل عليه مجدى عبد الرحمن أنه أكمل ما صوره شادى ولم يضع لوحة مكتوبة توضح هذا الأمر الهام والضرورى لكى يتعامل الناقد والمتلقى مع العمل منسوبا لصانعه بدلا من خطأ الاعتقاد أنه فيلم لشادى عبد السلام بينما الدقة أنه فيلم عن أعمال شادى عبد السلام غير المكتملة. يعبر عن رؤية مجدى عبد الرحمن عن " الطريق إلى الله" وهذا الامتداد الإيمانى للمصريين منذ الفراعنة وحتى الآن. 
                                                 نشر بجريدة الجمهورية الأربعاء 23 أكتوبر 2013 

Wednesday 16 October 2013

الاستثناء والقاعدة


قراءة جديدة            
 

مسرحية برخت والفن الخالد

فى عام 1930 كتب الشاعر والكاتب المسرحى الألمانى  برتولد بريخت مسرحية " الاستثناء والقاعدة" أثناء إقامته فى المصيف الفرنسى " لولا فاندو" على شاطئ البحر الأبيض المتوسط . وتبين المسرحية التى مثلها مسرح الجيب بالقاهرة فى فبراير 1964 كيف أن فعل الخير يصبح هو الاستثناء من القاعدة فى مجتمع يسوده الشر ويحتدم فيه صراع المصالح والطبقات، حتى إذا قدم الضعفاء والفقراء الخير أسئ فهمه من جانب المستغلين والأقوياء، وراح القانون أيضا يبرر سلوك هؤلاء .
شخصيات المسرحية محدودة هى التاجر المستغل ، الأجير الضعيف، الدليل الفقير، القاضى  القوى، و3 أشخاص ثانويين. تبدأ بالجوقة تنبه المشاهدين وتناشدهم بألا يقولوا " هذا أمر طبيعى" بل تدعوهم لتبين وجه الغموض والتفتيش عن وجه الضرورة فيما يعرض عليهم.
المسرحية التى أعيد قراءتها حاليا من سلسلة مسرحيات عالمية بدأت إصداراتها فى 15 مايو 1965 – الستينيات المجيدة ثقافيا ووطنيا- ترجمها د. عبد الغفار مكاوى . وتروى المسرحية عن التاجر الذى اصطحب أجيرا يحمل عنه حقائبه، ودليلا يرشده إلى طريق الوصول حيث بئر البترول ليجنى ثروة. بمنتصف الطريق يطرد التاجر الدليل عندما عامل الأجير معاملة حسنة فخاف من تقاربهما، وبقى مع الأجير الذى ضل الطريق وكان الدليل أعطاه زمزمية ماء لأنهما سيمران بصحراء قاحلة، وطلب منه إخفاءها عن التاجر الذى كان معه زمزميتان فرغا من المياه، وحين عن للأجير أن يمد يده ليعطيه الماء من زمزميته، ظن التاجر ونظرا لمعاملته السيئة للأجير أنه سيلقى عليه حجرا، فأرداه قتيلا. وفى المحاكمة شهد الدليل لصالح الأجير ولكن هيهات فالقاضى وهو القوى المساند للمستغل التاجر حكم ببراءة التاجر رافضيا الاستثناء من القاعدة . القاعدة هى علو الشر والاستثناء هو فعل الخير.
الرحمة هى الاستثناء
وتأتى حكمة المسرحية وفكرتها الأساس على لسان القاضى ينشد: القاعدة هى أن العين بالعين/ مجنون من يطلب الاستثناء/ إن مد عدوك يده ليسقيك/ فلا تأمنه إن كنت عاقلا. ويعارضه الدليل منشدا بدوره : فى النظام الذى رسمتوه لنا تصبح الرحمة هى الشذوذ والاستثناء/ لا تكن انسانا فتدفع ثمن إنسايتك غاليا/ الويل لأهل السماح/ الويل لمن كان محياه محبوبا/ إن أراد أن يساعد جاره/ فقف فى طريقه/ وإذا تأوه أحد بجانبك/ فضع أصبعك فى أذنيك/ وإذا استغاث بك أحد/ فامسك خطاك عنه/ الويل لمن ينساق وراء عواطفه/ ويمد يده ليسقى إنسانا/ والذئب فى الحقيقة هو الذى يشرب.
السيد والعبد ... تلك سنة الحياة
فبعد أن أنشد التاجر : كتب الموت على الضعيف /كما كتب القتال على القوى/تلك سنة الحياة/ ضربة يد للقوى/ وضربة قدم للضعيف/ تلك سنة الحياة/من سقط فدعه يسقط/واضربه أيضا بيدك وقدميك/ تلك سنة الحياة/من ينتصر فى المعركة يتبوأ مكانه فى المأدبة/وهذا هو جزاؤه/والطاهى لم يحص عدد الموتى/ وحسنا ما فعل/ والله الذى خلق كل شيء / قد خلق السيد والعبد/ والحكمة فيما رآه/ حين يسير كل شيء على ما يرام/ يمدحك الناس/ وعندما يفسد كل شئ / يسخرون منك/تلك سنة الحياة.
رعب الجلاد يجعله يفتك بالضحية
بالمسرحية توصيف عبر مقطع يعبر عن الحالة التى تعيشها الشعوب المقموعة فى مواجهة النظم الدكتاتورية التى تستعين بجهاز الشرطة ، يقول القاضى : ..مثل هذا يحدث فى دوائر البوليس ، فأنت ترى عساكر البوليس يطلقون الرصاص على جمهور من المتظاهرين.. على قوم لا شك أنهم مسالمون ، فما الذى يجعلهم يطلقون عليهم الرصاص؟ لماذا يفتكون بهم؟ الجواب بسيط، ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يفهموا عدم مبادرة هؤلاء المتظاهرين لاقتلاعهم من فوق ظهور خيولهم والفتك بهم لساعتهم. فإذا أطلقوا عليهم الرصاص فذلك لأنهم خائفون.   
هكذا الفن الحقيقى يستشرف المستقبل، ويكون قادرا على البقاء بما وصل إليه من حكمة لأزمان آتية تتخطى اللحظة التى صدر فيها. مسرحية كتبت فى الثلاثينيات، وترجمت ومثلت بالستينيات بمصر وتشرح كثيرا من الأحداث التى نعيشها هنا والآن.
وهكذا تتم قراءة العمل الفنى وأنت مشبع بأحداث اليوم، فتسقط عليه هواجسك الآنية، ومخاوفك الحالية دون قصد من المؤلف الذى كتب بوحى من ماضيه وحاضره، غير مدرك لكيفية تأثر مستقبلك به. وحده الثورى يعى أن ما كتبه قد ينبهك لما يمكن أن يحدث لك. وحده الفنان الملتزم الذى يقدم فنه هادفا لتوعية المتلقى وتحذيره مما يمكن أن يحدث له.
صفاء الليثى
القاهرة 2013