Saturday 22 February 2014

الدراما التسجيلية " 1995"



1995، بين قسوة النظام وعاطفية الثوار
 
"1995"  دراما تسجيلية عن التعذيب فى السجون المصرية فى ظل أنظمة مختلفة، وعن النضال ومقاومة السلطات من خلال ما يرويه باسل رمسيس المخرج والكاتب المصرى من مدريد بأسبانيا ومن حجرة مكتبه يروى لمخرج الفيلم خالد أ. يوسف عن تعذيبه وزميلين له أعوام 1990،1991، و1995 . كما يعود بذاكرته إلى الستينيات ويروى عن تعذيب صديق والده " نجاتى عبد الحميد" فى سجون عبد الناصر. استخدم خالد أ. يوسف عائلة رمسيس بمواد وثائقية من صور فوتوغرافية، ولقطة وحيدة متحركة للأب الشيوعى رمسيس لبيب عاد إليها أكثر من مرة فى توظيف درامى لعلاقة الأب بالابن وبفكرة الاستمرار فى النضال.

يقدم المخرج- وهو نفسه مدير التصوير ومونتير الفيلم- جانبا مما يحكيه باسل بإعادة أداء تمثيلى لما يحدث ، مستخدما شريط صوت مركب من مؤثرات صوتية وموسيقى مؤلفة  للتعبيرعن الحالة الشعورية للتجربة الخاصة جدا والمريرة عن التعذيب. نجح المخرج عبر توظيفه للإضاءة وإظلام الشاشة فى التعبير عن قسوة التعذيب ومدى تأثيره على شاب رضع النضال وتربى على حكايات كانت تروى بطرافه حببته فى الكفاح والتضحية من أجل الدفاع عن أفكاره وعن الناس. على مدى 22 ق هى زمن عرض الفيلم يحكى باسل رمسيس، ويقوم المونتاج بالربط والانتقال من مادة وثائقية محدودة لعدة صور لعائلة رمسيس - أبطال الفيلم- ومع مشاهد لإعادة الأداء لتجربة يشرحها باسل بصوته نخلص من الفيلم أن الأنظمة التى تعاقبت على حكم مصر اتفقت جميعها فى أساس واحد، كونها سلطة تدافع عن وجودها بكلمات جوفاء، استخدم المخرج للتعبير عنها كلمات من خطاب لوزير الداخلية اللواء زكى بدر فى مجلس الشعب " قوتنا حق، وسلطتنا عدل" تقف فى مواجهتها طليعة ثورية مستمرة فى نضالها ضد الأنظمة التى تبين عدم اختلافها فى أولوية الحفاظ على وجودها حتى لو كان من يهددها شابان فى العشرينيات بنقاء ثورى وحلم رومانسى عن تغيير النظام للأفضل لصالح جموع الناس.

ظهرت براعة خالد أ. يوسف فى المونتاج عبر الفيلم، وخاصة فى الوحدة المشهدية التى يحكى فيها عن تفاصيل تعذيبه، وتتقاطع مع حكيه لقطات من خطاب زكى بدر بصوته النحاسى الذى يذكرنى بصوت قاضى الإعدام فى فيلم " صراع فى الوادى". يصرخ الجلاد بتفاخر أمام نواب الشعب – من المفترض أنهم نواب الشعب : " فلن ترتعش أيدينا، ولن تتخاذل قراراتنا، طالما نلتزم بالقانون"، بينما الشاب فى العشرين يعذب بالكهرباء ويذوق رعشة الموت، مستحضرا صورة أبيه فيزداد قوة ويأبى الاعتراف،  صوت باسل بعد صوت كهرباء " لسعة كهرباء لا تعطيك جرعة للموت" ويكمل الجلاد خطابه: "إن كل المحاولات التى تتجه إلى الشرطة"، باسل يكمل " جسمك يتوتر"، وزكى بدر يكمل "عقيمة وفاشلة". الحوار مستمر بين باسل بصوت هادئ عن تعذيبه وبين الصوت النحاسى لوزير داخلية النظام، ريقك يبقى ناشف ومعدتك بتشتغل، " ولن ترتعش أيدينا للحفاظ على جبهتنا الداخلية ، ووحدتنا الوطنية وسلامنا الاجتماعى" ، يفاجئنا باسل بأنه كان "مبسوط"... غالبا بعد أن استعان بخيالات جنسية مختلطة مع صورة الأب المستلقى فى راحة على كنبة بغرفة المعيشة فى البيت ووجه لفتاة تغنى فى رحلة، صور وخيالات يستحضرها المناضل ليتحمل التعذيب فلا ينهار.

لا يكتفى الفيلم بذكر وقائع التعذيب بل يعرج إلى حكايات إنسانية عن الأب والأم المتسمين بالعواطف والمحبة لكل الناس، عن مثالية الأب وحزنه الشديد بعد اعتراف الابن له بأنه كان يسرق من كانتين الكنيسة الذى تطوع للعمل به ليدعو أصحابه على ساندوتش هامبورجر لم يقاوم إغراءه. تنزل دمعة من عين الأب ويعلق على اعتراف باسل: لم أكن أتصور أن ابن رمسيس لبيب الشيوعى يطلع بيسرق وحرامى. رد الفعل الهادئ منع باسل من تكرار أى خطأ يسبب حزنا للأب الحنون.

 ما يرويه باسل عن تعذيبه وعن تعذيب الزميل الناصرى الذى اضطر للاعتراف عليه بعد التعذيب، وبعد تهديده باغتصاب والدته المسنة الفقيرة، لابد أن يسجل كشهادة وبلاغ عما حدث. يقوم الفيلم بهذا الأمر على نحو يستوجب معه التحقيق فى أحداث فى سنوات مختلفة من التسعينيات، فى نوع من الجرائم لا تسقط بالتقادم كما هو مذكور فى الدستور الذى صوتنا عليه بنعم بعد عصر الكثير من الليمون. 

صنع خالد أ. يوسف فيلمه بالكامل باستثناء الموسيقى الى ألفها" توماس كونر"، دون إنكار لدور باسل رمسيس فى الأداء ونجاحه فى استحضار لحظة مر عليها ما يقارب العشرين عاما، بوجه حزين يبدو هادئا على السطح ، محاولا حبس دمعة ملوحا بيد ممسكة بسيجارة. ولم تبد ملامح العصبية إلا قبل النهاية بدقيقتين وهو يحكى عن نص كان يكتبه من مقبرة الوالد، وعن جلوسه فى مقهى الشاطبى حيث ذكرياته مع والده. تختلط مع الذكريات الأسف لأنه مات قبل أن يشهد ثورة يناير وقبل أن يشهد جزءا من أحلامه يتحقق. الفيلم إنتاج 2013 وجه فيه المخرج الشكر لعائلة رمسيس لبيب  التى تصادف أننى أعرف أفرادها ما عدا الأب الذى نجح الفيلم فى رسم صورة كامله عنه كإنسان مسيحى شيوعى مصرى نقى، ربى أبناءه على حب السياسة والنضال والكفاح.

باسل رمسيس صانع أفلام مصري يعيش بين مدريد  والقاهرة، على حافة عامه الأربعين يتذكر المرات الأربع التي تم فيها حبسه على خلفية سياسية خلال تسعينيات مبارك، أخرها عام 1995، تلك المرة الأخيرة التي أعتقد فيها أنها أيامه "الأخيرة".  بالنسبة لى هو مفكر وناشط  سياسى ألتقيه دوما فى ميادين الثورة، فى معركة الاتحادية أصيب بكسر فى قدمه، والتقيته وساقه بالجبس، ووالدته تحاول ألا يغيب عن نظرها فى الزحام. أما خالد أحمد يوسف فهو صانع أفلام مقيم ودراس في مدريد بإسبانيا، من مواليد القاهرة 1978، يعمل بالكتابة الرياضية والسينمائية منذ عام 1997 وهو كاتب سيناريو ومونتير وممثل. إلى جانب دراسته التصوير الفوتوغرافي وفن الدراما المسرحية، قام بكتابة وإخراج أربعة أفلام قصيرة وفيلمين تسجيليين قصيرين في الفترة بين 2007 و2014.

شارك فيلمه "1995" فى عدة مهرجانات دولية، منها المسابقة الرسمية مهرجان في إيسلندا و،فى المسابقة الرسمية لمهرجان اوكرانيا عام 2013، كما شارك  عام 2014 المسابقة الرسمية مهرجان جوتنجن في ألمانيا. 
نشر بجريدة البديل الأربعاء 19 فبراير 2014 صفحة فنون.




فيلا 69 وتواصل الأجيال



فيلا 69 لأيتن أمين
العطاء حتى النفس الأخير 

اعتاد مدير التصوير والناشط السينمائى الكبير محمود عبد السميع على العناية بالمهرجان السنوى لجمعية الفيلم بادئا باستفتاء النقاد والسينمائيين ليختاروا سبعة أفلام من بين الأفلام التى عرضت العام المنتهى، هذا العام وخلافا على سنوات سابقة لم أجد صعوبة فى اختيار العدد المطلوب ويزيد  مما أسعدنى وأراحنى على حال السينما المصرية فى العام 2013 . باللإضافة إلى ظهور مخرجات تتنوعت أفلامهم واختلفت فى مدارسها الفنية حتى نسينا البحث عن انتمائها لسينما المرأة أم لا ، فالمهم أن الساحة السينمائية قد كسبت نادين خان وماجى مرجان وأيتن أمين  بأفلام جديدة وجيدة.
لا يمكن تصنيف فيلم " فيلا 69" على أنه ينتمى إلى سينما المرأة كون من أخرجته امرأة بالسيناريو كتبه شابان واعدان، والبطولة لحسين المهندس المعمارى الذى شارف على الموت، والخط الأهم فى الفيلم يربط بينه وبين حفيد أخته- لبلبة- الشاب المراهق الذى دخل حياته متأخرا وشهدنا حوارات وسجالات بينهما اتسمت باخلاف أحيانا والحميمية أحيانا أخرى، تصل إلى نهايتها مع مصاحبة الحفيد لحسين فى جولة بالقاهرة وكأنها رحلة وداع حسين للقاهرة، للوطن للحياة، وتسليم الراية للحفيد الشاب القادر على التعلم واكتساب الخبرات. يتسم الفيلم ببساطة آثرة مفتوحة على كل التأويلات، بالنسبة لى أجده إعلانا عن موت طبقة محافظة وميلاد طبقة جديدة منفتحة على العالم أكثر، بالنسبة لمتلقى آخر قد يقرأه كمرثية لزمن جميل مضى، ولا يهم هنا ما الذى كانت تقصده المخرجة، المهم ما نجده نحن فى الشخصيات وفى حواديتها الكبيرة أو الصغيرة، وتواصلنا مع الفيلم أو انصرافنا عنه هو العامل الذى يحدد نجاح العمل أو فشله. شاهدت الفيلم للمرة الأولى فى إطار بانوراما السينما المصرية والأوربية، ومرة ثانية فى إطار مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية، ومع كل مشاهدة كانت تضاف أبعادا جديدة لاهتمامى ومنها – رغما عنى- تأثرى باستجابة نوع مختلف من المشاهدين فى العرضين. وهو أمر لا يمكن إغفاله حيث صممت السينما على أساس هذا الطقس الجمعى للمشاهدة، وهو أمر يختلف كثيرا عن مشاهدة الفيلم بمفردك على جهازك الشخصى بنسخة – معقولة- وليس عرضا على شاشة كبيرة بنسخة جيدة ونظام صوت عالى الجودة. المعنى هنا أننى أنتصر للمشاهدة فى صالة عرض كبيرة وحولى جمهور من المختصين ومن عموم الناس، فعندها يكون الحكم على العمل الفنى مبنيا على مراعاة مدى نجاحه فى إيصال رسالته إلى جمهوره المستهدف. فيلم " فيلا 69" جمهوره كل أفراد الأسرة المصرية المعاصرة التى يتبادل أفرادها المزاح، ويتحملون بعضهم البعض وخاصة حين يعانى أحدهم من مشكلة صحية تؤثر على أعصابه فتجعله منفلت اللسان، سريع الغضب، لا يجامل، مثلما ظهرت شخصية حسين التى أداها خالد أبو النجا بنجاح متخطيا هو ومن شاركه البطولة مأزق الميلودراما التى اعتدنا عليها عند تناول قصة من هذا النوع لمريض بالسرطان- لم يحدده الفيلم ولكن يمكن استنتاج ذلك من بعض التفاصيل- يدرك القريبين منه أن موته وشيك. وبدلا من الاستغراق فى مشاعر العطف على المريض، نجد أننا إزاء شخص يعطى بسخاء كل من حوله ما يحتاجه، طاقم صينى للممرضة المقبلة على الزواج، وعمل للخطيب لكى يتمكن من إتمامه، نصيحة وقدوة للحفيد الذكر الذى يحتاج أبا متفهما فى حياته، وصدرا حنونا متفهما أيضا لابنة الصديق التى لا تحبه كما تحب المرأة الرجل، ولكنها تحبه كإنسان مختلف تستريح فى التحدث معه. رغم ما يبدو على السطح من دفاع أيتن أمين عن الطبقة البرجوازية العليا والأصيلة من المجتمع، إلا أن خيال المريض الذى يجعله يستدعى شخصيات شعبية من زمن السبعينيات، نشعر بأنهم بلسما لروحه يؤكد المستويات العدة للفيلم والتى نكتشفها مع كل مشاهدة له. الأفلام متعة دائمة يزداد حبنا أو رفضنا لها مع تكرار المشاهدة، ويختلف تأثرنا بها تبعا للمزاج الوقتى الذى نمر به. قد يكون القارئ قد تابع ضجة حول اتهام كاتبة شابة للفيلم بأنه مسروق من سيناريو لها وأندهش من هذا الاتهام فمن المعروف أن الأفكار تتوارد، ولكن المهم تفاصيلها الصغيرة وكلها تنتمى لعالم المخرجة أيتن أمين الذى كشفت عنه فى فيلمها القصير" ربيع 89 " من إنتاج المركز القومى للسينما عام 2009.
نشر بجريدة الجمهورية الأربعاء 19 فبراير 2014  
ملحوظة: هذا قد يكون أسرع مقال كتبته على الإطلاق حيث كنت اتفقت مع حسام حافظ مشرف صفحة السينما بجريدة الجمهورية على إرساله ثم نسيت لانشغالى وعندمااتصل ليطلبه بدأت الكتابة على الفور وتداعت أفكارى بين عرض الفيلم فى إطار مهرجان جمعية الفيلم 40 وبين ما يثيره الفيلم من أفكار من داخله وحوله.        

Monday 17 February 2014

موج: الثورة فى السويس بلد الغربان والمقاومة



موج من زاوية عين الطائر
 
بمشاهدتى له فى العرض الأول بمصر بمركز الإبداع الخميس 9 يناير 2014، خرجت بانطباع جيد عن فيلم " موج" للمخرج أحمد نور وكنت تابعت عملا سابقا له بعنوان " جلابية وجزمة"، كان فيلما تسجيليا جيدا، وقبله محاولة أولى فى فيلم روائى عن زنا المحارم. الانطباع الجيد كاد يمسحه ما ذهبت إليه الباحثة نهال الجمل وهى تصف الفيلم بأنه أول فيلم سويسى... وأول فيلم عربى..وأول فيلم تسجيلى.. وهى معلومات مغلوطة تماما .. ومحاولة ادعاء السبق تطرح من رصيد الفيلم ولا تضيف إليه. كما أن هناك خلطا بين معلومات يحتاجها الصحفى والناقد وبين ما ذكر أنه ملخص للفيلم حافل بالمديح وكأنه مقال يشيد بالفيلم وصاحبه.

الصورة المفقودة

التعبير بفن التحريك كان أحد ابداعات المخرج الكمبودى "ريثى بانه" صاحب العديد من الأفلام ذات التوجه السياسى فى فيلم " الصورة المفقودة" وهو من نوع الأفلام العابرة  للنوعية يجمع ما بين الوثائقى والتحريك، حاول فيه المخرج أن يبحث عن الصورة المفقودة للقتلى من الجوع والمذلة ما بين الأعوام 1975 و1979، قتلى الشعب الكمبودى تحت حكم الخمير الحمر، والصورة التى ما زالت مفقودة استعاض عنها بالعرائس محاولا تعويض النقص فى عرض الصورة الحقيقية عن الأوضاع فى كمبوديا. نشاهده وهو يصنع عرائسه دقيقة الحجم التى تبدو بين أصابعه مثيرة للرأفة. الفيلم نافس على جوائز قسم نظرة خاصة بمهرجان كان 2013 وكاد يحصل على جائزة نقاد الفيبريسى. وقد أكمل المخرج عمله تماما باستخدام عرائس من الطين والتعليق فقط، يستخدم ريثى بانه تعليقا مستمرا على وثائق لأحداث كمبوديا مع نماذج لعرائس ساردا تجربة حكم شيوعى منتقدا ثورة الخمير الحمر ويصف إنجازاتها وما تغنت به بأنها كانت فقط فى الأفلام السينمائية، ولكن الحقيقة  كانت مرة جدا، يرويها لنا بطريقته المبتكرة بفن التحريك. الفيلم يمكن أن يكون درسا فى التاريخ لرصد ما حدث وتضمنه على وثائق هامة جدا، يحقق الغرض الرئيس من الفيلم الوثائقى وهو نقل المعرفة بالإضافة إلى تعبيره القوى عن وجهة نظر مخالفة للوثائق التى صورت فى عصر حكم الخمير الحمر. وأزعم أننى رغم تتبعى لكثير من الأعمال الوثائقية العربية لم أشاهد عملا نجح فى استخدام  شرائط مصورة بوجهة نظر ما وتطويعها لوجهة نظر مخالفة كما ظهر فى " الصورة المفقودة" . ريثى بان هو صانع أفلام شامل، مخرج، ممثل ، مونتير، مدير تصوير، ومنتج مشارك. له 11 فيلما عشرة طويلة وفيلم واحد قصير . وهو أحد ضيوف مهرجان كان العريق الدائمين نظرا لاقتحامه أساليب غير تقليدية ولقوة الموضوعات التى يتناولها فى أفلامه بشكل أبسط مما أقدم عليه المخرج أحمد نور فى الجزء الأول من فيلمه معتمدا على فن التحريك وهو يحكى عن كراسة الرسم التى عبر فيها عن طفولته فى مدينة السويس. لم تقنعنى الرسوم بفيلم موج  بأنها رسوم طفل بل بدت رسوم لشخص ناضج حاول محاكاة رسم الأطفال.

الدمج بين الأنواع الفيلمية – الروائية والتسجيلية والتحريك- يتزايد يوما بعد يوم، مما يعطى الحرية لفنان السينما ليعبر عما يريده بكل الوسائل الممكنة دون التقيد بقوالب جامدة أو ثابتة.

 بولنج من كولمباين

الفيلم الكمبودى ليس الوحيد الذى استخدم فن التحريك للتعبير عن التاريخ لا فى العالم ولا فى مصر حيث استخدم المخرج عبد الله الغالى التحريك فى فيلمه القصير " مذكرات حياة دنيوية"  إنتاج المركز القومى للسينما عام 2010 . كما أن الاستخدام الأقرب لفن التحريك داخل عمل تسجيلى قدمه مايكل مور بشكل ساخر فى عمله " بولنج من كولمباين" الذى عرض أيضا بمركز الإبداع بالقاهرة منذ عدة سنوات على هامش مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. وقد أراد مور أن يستخدم الامكانات الخيالية الهائلة لفن التحريك ليسخر من سهولة بيع السلاح وتداوله فى أكبردولة فى العالم، مما أدى لصبى مراهق أن يقدم على مذبحة دون سبب سوى توفر السلاح.

السويس بلد الغربان والمقاومة

وإذا طرحنا جانبا هذا الادعاء بالسبق يبقى "موج" عملا متميزا يمثل محاولة هامة على طريق التعبير بكل الأدوات التى أتاحها فن السينما المركب، وخلطا مقصودا لأساليب عدة من السينما المباشرة وسينما الحقيقة والسينما التعبيرية، وجد المخرج أنه يحتاج لمزجها جميعا للتعبير عن جيله الذى ولد منذ ما يقارب 30 سنة مع بداية حكم الطاغية الفاسد مبارك، وللتعبير عن مدينته – التى تعرف إعلاميا وشعبيا بالباسلة- وعن الثورة المصرية التى بدأت بحى الأربعين بالسويس وشهدت سقوط أول شهيد لثورة 25 يناير 2011 . تختلط الأساليب كما أسلفت بين استخدام التحريك للتعبير عن رؤية المخرج طفلا، ثم شهادات أهل السويس الفقراء ومعاناتهم فى البجث عن عمل وهى رؤية المخرج الوثائقى، ثم مشاهد تعبيرية للبحر للفنان الحالم الباحث عن إجابات، ورؤية أحد الحرامية كما يطلق عليهم كابتن غزال بطل المقاومة وصاحب المكتبة فى الموجة الخاتمة التى عنونها بالموجة اللا أخيرة. الفيلم حافل بتعدد أساليب فنية  لتعدد رؤى للمخرج فى مراحل طفولته وصباه وشبابه ومشاركته الثورة بتأمل ما يحدث فى مدينته.

طوال مشاهدتى للفيلم كانت الحجج النقدية لمخرج "القبطان" سيد سعيد والناقد المؤلف الموهوب وأسئلته تقف موازية لاستقبالى للفيلم،لماذا أخرجت هذا الفيلم؟،ولمن توجهه؟، واستخدامه للتعبير النقدى "التشظى" المقصود بإهمال تكوين روابط بين أجزاء الفيلم التى تبدو متباعدة، كما سيطرت على تلقى الفيلم ثنائية التشاؤم والتفاؤل،الفرحة انقباضية التى وسمت فناننا العظيم صلاح جاهين والتى يذكرنا بها دائما الناقد أحمد يوسف. الغربان علامة من طفولة أحمد نور كئيبة وموحشة لنا ولكنه صوت جميل له، تماما كرؤية بعض الفنانين لطائر البوم وعشقهم له. جميلة كما كابتن غزال الشخصية الظريفة وكتبه المسروقة وروح المقاومة التى تعود بنا إلى مدينة السويس،
 يسير المخرج فى الغروب متجها إلى العمق مع الرجل الذى نسمع صوته داعيا إلى التمسك بحب الحياة التى تنهى الفيلم نهاية سعيدة كفيلم مصرى قديم يؤجل الفرحة حتى كلمة النهاية.

حتى نعطى نهال الجمل باحثة الفيلم حقها أتوقف عند قلب الفيلم مع  الموجة التى وثقت لقسم شرطة الأربعين بداية من كونه ملجأ للأطفال ثم مقرا استماتت عنده المقاومة الشعبية حتى لا يقع فى أيدى الإسرائيليين ثم مقرا للشرطة التى مارست الظلم طوال عهد مبارك وكان حرقه تنفيسا عن غضب شعب السويس وخاصة فقراءهم سكان حى الأربعين الأفقر فى مدينة السويس قاطبة. ومع المعلومات التى يرويها لنا المخرج بصوته نشاهد لقطات أبدع المصور أحمد فتحى تصويرها وحرك الكاميرا حول بنائها لنحصل على مشهد تعبيرى يفوق مشاهد الحروب الكبرى فى روائع السينما العالمية.

الموجة الرابعة قدم فيها نور نماذج من أهل الشهداء، هاجس التجديد أشعر به يسيطر على المخرج فيصورهم فى لقطات ثابته كالكارت بوستال، كبطاقة بريدية سبقه إليها محمد ملص فى فيلم "الليل " ويجد نفسه مدفوعا بتتبع الحقيقة من أصحابها فنسمعهم يروون شهاداتهم متراوحين بين تمثل اللحظة بتفاصيلها الحميمة والمفرحة أحيانا وبين تذكر الحزن على فقد الشهيد. لا يفلت المخرج من قدر من الميلودراما فى هذه المشاهد رغم كل محاولاته بالابتعاد عنها وتجنبها.

 احتشد زملاء المخرج وجيله شباب وفتيات عاشوا جل حياتهم بفترة حكم مبارك، مدفوعين بالرغبة بالاحتفال مع زميلهم بتمكنه من إنجاز فيلمه- فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد- وعدد آخر من أجيال تضع ثقتها فى هذا الجيل الغاضب الذى يذكرها بشبابها ومنهم د.شريف حتاتة الروائى اليسارى الذى لم تمنعه سنواته التسعون من حضور العرض رغم مشقة الانتظار وبعض المضايقات فيما يخص جلوسه فى مكان يمكنه من الاستماع والمشاهدة الجيدة.       

كما حضر العرض أهل المخرج من السوايسة، وكانوا صامتين تماما مثلنا جميعا وقد أخذهم الفيلم فى دروبه، مبتعدا عن كليشيهات ارتبطت فى ذاكرتنا بالسويس، مثل أغانى السمسمية والتفاخر بشعبها. ستظهر فقط فى حفل زفاف أحد الحرامية – الشباب الذى يستعير الكتب ولا يعيدها – ويغنون فى الفرح أغنيتهم الوطنية الشهيرة "غنى يا سمسية لتراب البندقية" لنتذكر أن الفيلم يتناول سوايسة فقراء يعيشون فى أغنى منطقة بمصر بها بترول وصناعات وقناة السويس.

موج يبدأ بطفلة تأخذ حمامها الأول بينما مبارك يعلن تخليه عن حكم البلاد وينتهى بتوضيح اسم الفيلم المستمد من الاسم المستعار لوالدة المخرج فى الخطابات الغرامية التى كان يرسلها والده إليها وقد تلاعب المخرج باللفظ ليعبر عن أقسام الفيلم المختلفة مشبها إياها بموجات الحياة والبحر. ومع تترات النهاية تكون الطفلة قد كبرت وأصبحت تردد كلمات خلف خالها المخرج أحمد نور.

موج موجه بالأساس لجيل المخرج وقد تفهموه واستقبلوه كطفل لعائلتهم التى لا تكافح من أجل إنجاز فيلم فقط بل تعمل على ترويجه بالدعاية له، كما تعمل جاهدة على توزيعه وعرضه بدور العرض العامة. جيل يفكر فى المهرجانات والجوائز أثناء انشغاله بعمل الفيلم، تختلط  داخله الرغبة فى التعبير عن الذات، عن الجيل، عن الأهل، وعن المكان، بالرغبة فى النجاح السريع والحصول على الجوائز، جيل جعلته شروط الإنتاج المعاصر التى تربط  بين دعم الفيلم وبين اشتراط عرضه الأول فى المهرجان الداعم، جعلته يسعى للتميز وينتحر فنيا فى سبيل ذلك. إنه ليس جيل عطيات الأبنودى التى ولدت فنيا فى مناخ يحاول الفنانون فيه أن يسهموا فى خدمة مجتمعهم، وليس أيضا جيل داوود وخيرى الذى يجد أن نقده لمجتمعه واجب يحتمه التزامه تجاه قضايا شعبه، جيل أحمد نور يركز على ذاته، راثيا لمناخ نشأ فيه، مناخ يسوده الفساد، جيل يرى الكون والمدينة وأهلها من منظور عين الطائر المحلق عاليا وكأنه يودعهم قبل هجرته إلى بلاد الشمال.
                نشر بموقع البديل الأحد 16 فبراير 2014

http://elbadil.com/?p=685533

Saturday 8 February 2014

عبده داغر: لا كرامة لنبى فى وطنه



دعوة لتأسيس بيت الكمان المصرى

فى قصر السينما بالقاهرة أمضيت وقتا فى رحاب الموسيقى  المصرية الأصيلة مع نغمات قوس الكمان للفنان عبده داغر وهو  مؤلف موسيقي نادر اكتشفه الأجانب وعرفناه عن طريقهم، سمعت عنه للمرة الأولى فى فيلم " القاهرة الأم والابن" للمخرج المغربى التونسى المقيم فى باريس مصحفى الحسناوى ، الفيلم عرض منذ عدة سنوات فى إطار مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية والقصيرة، القاهرة الأم والابن يتناول شخصية عمر الذى أممت ثورة عبد الناصر أملاك والده، وردها إليهم أنور السادات، الابن صوفى منحاز للفقراء يرفض الثراء المورث له، أما الأم فسعيدة باسترداد ما خسرته، فى المنزل الذى كان يوما ما كقصر صغير جلب الحسناوى عبده داغر وجعله يعزف وسط أطلال البيت المتهاوى، استخدم موسيقى داغر العميقة كموسيقى الغرب، الشجية كموسيقى الشرق ليعبر عن هذه العراقة التى كانت وليبكينا عليها.
فى الفيلم المعنون فقط باسمه " عبده داغر" يجمع المخرج وحيد مخيمر موادا لحفلات شارك بها داغر، ويمزجها مع جلسات حرة فى منزله مع تلاميذه ومريديه ومنهم الفنان محمود حميده، يجرى مخيمر لقاء معه ومع الموسيقار أمير عبد المجيد الذى يتحدث عن تلمذته على يد داغر، وكيف أنه ينقل ما تعلمه منه إلى تلاميذ آخرين. فى فيلم قليل التكاليف من إنتاج المركز القومى للسينما أثناء رئاسة المخرج مجدى أحمد على له، أدخلنا مخيمر فى رحاب صوفية مع موسيقى داغر متنقلا بنا بين الأحاديث عن الفنان وبين أجزاء من حفلات عامة وخاصة، نستمتع فيها إلى عزفه الفريد وتناغم تلاميذه معه ومنهم ابنه خريج الكونسيرفتوار. لم يركز المخرج على ذكر مشوار حياة داغر ولم يقف طويلا عند شرح تميز موسيقاه إلا فى مشهد وحيد مع نصير شمة يشرح بإيجاز خصوصية وتميز موسيقى عبده داغر. فى نصف ساعة عشنا لحظات ننهل من بحر موسيقاه العظيمة وصفقنا نحن الحضور المتعطش لهذا النوع من الفن الذى يميز مصر ولا يتم التركيز عليه فى وسائل إعلامنا ولا يعرف أكثرنا عنه الكثير. ترتفع آهات البعض وكأننا فى حفل حى لأم كلثوم، وترتفع الآهات مع جزء من حفل على مسرح كبير وداغر يعزف مصاحبا إنشاد المنشد  محمد عمران بزيه التقليدى بالجبة والقفطان ومايسترو أجنبى يقود الأوركسترا البديع، يا الله أليس هذا فى جمال أوبرا عايدة إن لم يكن أفضل. هذا التوظيف الفنى البديع والنادر لعزف على الكمان لنغمات شرقية فى تناغم مع أسلوب التوزيع الموسيقى الغربى يحتفى به فى الغرب فى حفلات بألمانيا وإيطاليا، هل قدم على أوبرا القاهرة، هل تم الاحتفاء به هنا فى مصر كما حدث بالخارج؟ للأسف لم يحدث فلا كرامة لنبى فى وطنه.
ترتفع أسئلتنا وتوجه إلى الفنان: ألم تتقدم لإنشاء مدرسة للموسيقى إلى وزارة الثقافة؟ لماذا لم يؤسس " بيت الكمان المصرى" كما فعلوا مع تكوين " بيت العود العربى" وجعلوا الموسيقى العراقى نصير شمة يعلم الطلاب فيه،  إنجاز هام ولكننا فى حاجة إلى المزيد، يهمس أحد الحضور داغر لا يكتب نوتة، ومن قال إن الأستذة شرطها تعلم النوتة؟  ألا يتعلم الدارسون والعارفون للنوتة فى حضرة عبده داغر أفضل مما تعلموه على يد الأساتذة الدارسين؟ وهذا ما ذكره أحد الخريجين النابهين من الكونسيرفتوار فى لقاء معه بالفيلم. هل كان عبد الوهاب يكتب النوتة؟ أم كان يلحن ويؤلف ليكتب النوتة خلفه شخص متخصص يمتلك العلم ولكنه لا يقاربه فى الموهبة والإبداع.
اتفق الحضور على أن نرفع مطالبنا إلى وزير الثقافة ولرئيس وزراء مصر، لزعيم البلاد وللرئيس نفسه  طلبا بأن يفتح متاحف أغلقت لتكوين مدرسة بإحداها يتعلم فيها النابهون على يد فنان مصرى اسمه عبده داغر. لا أتصور أن الأوان قد فات لتأسيس " بيت الكمان المصرى" ليعُلم فيه عبده داغر للراغبين فن الموسيقى بنكهة مصرية أصيلة، وفيها نعود إلى حلقة الدرس والمريدين التى تميز طريقة التعلم فى حضارتنا الشرقية، وهى ما زالت موجوده فى بلاد كثيرة منها الصين واليابان، وتشبه الأسلوب الذى لايختلف كثيرا عن نيل الدكتوراه لدارس بإشراف أستاذ قدير فى مادته.
ترتقى الشعوب بالجمع بين تراثها الأصيل والتطورات العلمية فى مجالات الحياة المختلفة، ولو نجحنا فى هذا سيكون لدينا أوبرا محمدية تجمع بين أصالة العزف والتأليف لعبده داغر مع إبداع منشد متصوف موزعا بتوزيع هارمونى كما الموسيقى الكلاسيكية الغربية. عندما سئل داغر فى الدوائر الغربية عن أستاذه الذى تعلم على يديه قال لهم إنه القرآن، وهو نفس الأستاذ الذى تعلمت منه أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. ما أحوجنا إلى تطوير فنوننا  بأسلوب يعتمد على الجمع بين تراثنا وبين العلوم الحديثة. ما أحوجنا إلى أن ننوع بين الغناء وبين الموسيقى المتفردة الخالصة.  يتركنا الفيلم فى حالة من النشوة دون إشباع، أبحث فى الشبكة العنكوبيته فأجد مقاطع منفردة لعزف داغر وأخرى مع محمد عمران، كما أجد معلومات وفيرة عنه وهو المولود في مدينة طنطا سنة 1936 عازف الكمان المصري العملاق في عزفه ، قل أن يجود الزمان بمثله إلا كل مئات من السنين ، فهو متمكن في عزفه للموسيقى العربية هكذا بدأت صحيفة هولندية مقالها عن عبده داغر والتي تمت ترجمتها بالسفارة الهولندية . وتتابع الصحيفة الحديث عن عبده داغرفتكتب:
ولقد صنع (عبده داغر) للموسيقى المصرية طابعاً فريداً لم يصنعه كل من سبقه ، فهو يعزف الموسيقى بفطرته ، دون دراسة أكاديمية كباقي العازفين ، ولكنه فاق الجميع في عزفه ، وأسلوبه في العزف أسلوب المتمكن العبقري للجمل الموسيقية الصعبة ، وتكرارها على كل السلالم الحديث منها والقديم ، كما في السيمفونيات ويمكنه التنقل من مقام إلى آخر فهو السهل الممتنع الذي جذب أنظار بل وقلوب كل المستمعين، فكان داغر الساحر الذي خلب العقول والقلوب بعزفه، فهو جامعة أو أكاديمية للموسيقى العربية التي لم نكن نعرفها من قبل أو نتذوق حلاوتها إلا بعد سماع العازف المصري عبده داغر كان لوالده محل لبيع وتصنيع الآلات الموسيقية لهذه المدينة ، ولم يجذب انتباه الصبي الصغير من الآلات الموسيقية الموجودة بمحل والده سوى آلة الكمان ، فضمها إليه بكل حب وأعطاها كل اهتمامه ، فكانت تلازمه في كل أوقاته ولم تكن تفارقه إلا عند النوم ، لساعات قليلة ، وكان في بعض الأحيان يستيقظ في غسق الليل متلهفاً على الكمان ليعزف عليها نغمات سمعها في حلمه ، فهو إنسان عبقري علّم نفسه بنفسه ، فموسيقاه نابعة من القلب والوجدان.
ولقد سألت كثيرا من المستمعين له والذين استمتعوا بعزفه والذين كلّت أيديهم من كثرة التصفيق له فترات زمنية طويلة وهم مبهورون بهذا الإعجاز الخارق في عطاء الكمان، لهذا العازف الفريد من نوعه فقالوا : إن أرواح العمالقة العظام أمثال باخ، هاندل، موتسارت، وفردي تجسدت في هذا العازف المصري، فإن أصابعه حساسة تعرف مكانها على الأوتار، وقوسه السحري حين يتحرك على أوتار الكمان يجذب القلوب نحوه جيئة ورواحاً ، ذلك أن موسيقاه تسري في القلوب كسريان الدم في العروق، وأجمع كل من سألتهم على ضرورة استدعائه مرّات ومرات للاستماع إلى موسيقى عبده داغر، فهو كباقي أجداده الفراعنة العظام الذين بنوا الأهرام والآثار العظيمة، فداغر قد تمكن من إثراء الحفل الموسيقي بأفكاره الجديدة ووضع للموسيقى المصرية قالباً فريداً، والجميع يقولون أن عبده داغر عند عزفه لا يشعر بكل من حوله بل يكون سابحاً في بحر من الألحان سامعاً لألحان ملائكية ترتل الطقوس الدينية أو في محراب للصلاة يرتل فيه القرآن، وكم نحن في اشتياق لدعوته مرة أخرى لإمتاعنا بعزفه السحري.

. نشر بموقع جريدة البديل مساء 7 فبراير 2014