السينما مرجعية معرفية للواقع
كنت أقرأ رواية
هيرمان هيسة ( لعبة الكريات الزجاجية) الحاصل على نوبل عام 1946 ، محاولة التركيز
في القراءة وإبعاد شبح تفاصيل الحياة اليومية التي تملأ رأسي ولم أستطع أن أمنع
نفسي من توارد صورة أحد الأفلام التي شاهدتها يوما ما ، الفيلم يدور حول دير في
بولندا وعدد من الشخصيات النادرة به ، كان الفيلم يبدو وكأنه واقع عشته يقرب لي
صورة المؤلف الألماني الذي يروي عن أشياء لم أعرفها مسبقا ولا يمكنني تصورها بشكل
كامل. وتوقفت عند هذا الأمر فبدا لي أن الأفلام قد دخلت إلى ثنايا عقلي ليس كخيال
، أو شطحات خيال بل كحقائق مادية وجدت في زمن ما ، وفي مكان ما، ومن هنا تنبهت
إلى خطورة الصورة ومدى تأثيرها علينا وخاصة إذا لم يكن في ثنايا عقولنا معارف أخرى
موثقة أكثر، أو مؤكدة بشواهد مادية ، الحياة ليست كالأفلام ، بل إن كل فيلم حياة
قائمة بذاتها ، نرتبط بشخصيات الفيلم وتصبح واقعا موجودا نتصوره في مكان ما وزمان
ما.
حين رحلت الممثلة زيزي مصطفى ونشر الخبر بالتلفزيون سألتني ابنتي عنها - من هي يا أمي لا أعرفها- فقلت لها إنها ذات الغمزة في الخد، الضحية في فيلم البوسطجي، وفيلم المراهقات، آه يا حرام أنا أحبها جدا. لوتأملنا رد ابنتي سنجد أنها أشفقت على الممثلة وقد توحدت مع الشخصيات التي مثلتها، واستخدمت ابنتي الفعل المضارع – أنا بحبها جدا – نعم فالفن يخلد الشخصية والمكان ويجعلها واقعا دائما مهما بعدت السنون. في وجداننا شخصية الفيلم أزاحت واقع الشخصية وأصبحت هي الأقوى، ولم نتعامل مع الفيلم وشخصياته كخيال للمؤلف أو كصنيعة لمخرجه، بل أصبح جزءا من واقعنا وتكويننا الثقافي، لا يختلف الناقد – حين يخلع ثوب قاضي الفن- عن مشاهد غير محترف. آه يا زيزي كم أحببتك وكم بكيت مصيرك وختم البوسطة ينطبع على الكتاب من الداخل في " البوسطجي" ، كم بكيتك وأنت تنزوين خوفا من زوج الأم ومن حملك من زواج غير معلن في "المراهقات".
أوباما وبشاي وبومبا
يخلق السينمائيون واقعا بديلا يؤثر في الأبرياء والبسطاء وعلينا جميعا فعليهم أن يهتموا بما يقدمون ، وأن يدرسوا شخصياتهم ولا يتعجلون. كما فعل أبو بكر شوقي في " يوم الدين " منذ أن أخرج فيلمه القصير " المستعمرة" واقترب من هؤلاء المنبوذين وسكنته شخصيات وجد أن من حقها العيش ومن حقها الترحال.قدم له الجونة من خلال منصته للتطوير فرصة ليطور عمله ليصبح جاهزا للتصوير، فيخرج قويا ومقنعا للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان العريق. يفوز الجونة 2 به ويشارك في مسابقة الروائي الطويل هذه العام وقبل أن أشاهد الفيلم تغلغلت شخصياته في عقلي وأزاداد شوقي للتعرف على أبطاله الواقعيين بعدما أكسبهم الفنان واقعا فنيا جديدا سيخلد في أذهاننا ويصبح "أحمد عبد الحافظ" و"راضي جمال " ، و"عادل عبد السلام " باقون حتى نهاية الزمان. سنعرفهم بأدوارهم في الفيلم أوباما وبشاي وبومبا. لا يهمني إن كان الجونة مهرجانا بدأت فكرته رغبة في تنشيط السياحة كمشروع مشترك بين أخين يمثلان قطبين من الرأسمالية الوطنية المصرية، أحدهما يركز في مجال السياحة والثاني في الاتصالات والسينما ، ما يهمني أنهما بمهرجانهما قد وجدا حالمين آخرين بدعم السينما العربية فاجتمعا على هدف إقامة مهرجان سينمائي راهن البعض أنها ستكون دورة واحدة فقط، وتمنى آخرون أن يستمر دعما لصناعة السينما المصرية والعربية وتأكيدا على رفعة فن السينما واحتياجها لمهرجان قوي يدعم الأفلام ولا يقتات عليها.
صفاء الليثي
القاهرة أغسطس 2018
مقال لم ينشر كنت كتبته لنشرة مهرجان الجونة السينمائي2
No comments:
Post a Comment