"الضيف"
ومحاكمة ابراهيم عيسى
أعترف بتقصيري في متابعة الأفلام المصرية التي يتم عرضها تجاريا، أكتفي فقط
بمتابعة مشاركات المهرجانات أو العروض الخاصة، لسبب ما ذهبت لحضور فيلم الضيف بعد
أن قرأت عناوين لكتابات تهاجم الفيلم وتطلب من كاتب السيناريو أن يتعلم أولا حرفية
الكتابة، هذا الأسلوب المتعالي من البعض بدا لي بعيدا عنأدبيات النقد وكأنهم نصبوا
محاكمة لابرهيم عيسى شخصيا وليس للعمل الذي كتبه. دار العرض كانت تنتظر زبونا آخر لأنه لا يوجد
غيري ليحجز التذكرة، أتي مراهق سألته عن عمره، أجاب 16 عاما، لماذا أنت بمفردك،
قال ما ليش أصحاب. غالبا هو مثقف ولا يجد من يتوافق معه فكريا، حضر شاب وفتاة، حبيبين
أرادا الاختلاء في القاعة، عرض الفيلم الأجنبي خطأ، فطلبنا ايقاف العرض، اعرضوا
" الضيف" بدأ العرض وكان المشهد الأول قد شاهدناه بالكامل في المقدمة
الإعلانية، خالد الصاوي بصوت أجش يردد رسالة انتحار قبل أن ينطلق المسدس، لم أسمع
صوت رصاصة، ومضى الفيلم، ومع ظهور أحمد
مالك في الفيلم وجدت تمثيلا جيدا ففكرت حتى في أسوأ الأعمال تجد عنصرا جيدا أو
مشهدا مهما، لماذا أتحدث عن السوء،؟ كانت البداية وخاصة مشهد جرى مع حارسين
للأستاذ الجامعي شديد المباشرة ورديئا ولكن مهلا ها هي تطل علينا الابنة التي لا
يرد لها والدها الأستاذ طلبا فتاة بطلة محببة ، ويأتي الضيف الذي سيفجر الدراما
ويبدأ الفيلم فعليا. إعجابي بأداء أحمد مالك يزداد ، كيف له أن يمسك بالشخصية هكذا
، سارقا الكاميرا من خالد الصاوي الذي اعتمد طريقة أداء الكاركتر بالدكتور المثير
للجدل لابد أنه شخص له تصرفات غريبة منها هوسه المجنون بمباريات كرة القدم. شرين
رضا الزوجة الناعمة مناسبة في دورها. هدية الضيف آية قرآنية ، هل هو من شباب التدين
الجديد؟
يتم الدفع في وجوهنا بقضية الحجاب التي جعلت الأب يستشيط غضبا فابنته التي
لم تقرأ حرفا من كتبه ستستجيب ببساطة لطلب الضيف بل بشرطه كرجل سيتزوجها بأن تتحجب.
مشهد يطول يصاغ فيه حجج أنه ليس فريضة وأنه ليس من أركان الإسلام الخمسة، انفعال
الأب يضعف موقفه كمدعي حرية فيعود ليجلس الضيف وتتحول الزيارة إلى محاكمة يجريها
هذا الضيف الأرعن للأستاذ الجامعي. أثناء المشاهدة تذكرت سهرة تلفزيونية شاهدتها
في السبعينيات وأعجبتنا، فبعد انتهاء العناوين قرأنا أن السهرة عن مسرحية
لدورنمات، فصرخنا أخي وأختي وأنا في نفس واحد دورنمات فقال رابعنا مين اللي مات؟
نعم ازداد اهتمامنا بالعمل حين قرأنا أنه عن مسرحية للكاتب الطليعى دورنمات "
استعنت بصديق فتذكر أنها قدمت في مصر بعنوان " ليلة القتل الأبيض "
مصرها الكاتب يسري الجندي. كانت مجموعة تتجمع عند المفكر الكبير عماد حمدي ويأتي
يوسف شعبان ضيفا لم يجد مكانا يمضي فيه ليلته فيتم استضافته وكنوع من التسلية
يقررون محاكمته فيتبين أنه مذنب في أشياء كثيرة ، يتركهم ويشنق نفسه فيتحولون
جميعا الى مذنبين تسببوا في انتحار الزائر أو الضيف. قد لا تكون هناك علاقة مباشرة
أو تفصيلية بين موقف ضيف ابراهيم عيسى وزائر دورنمات، نعم تحول الضيف الى قاضي
يحاكم الأستاذ صاحب المؤلفات ثم الى ارهابي يهددهم جميعا بالقتل ما لم يسجل
الاستاذ اعترافا بأنه تخلى عن كل أفكاره واعترف بخطأ كل ما ذهب اليه، وهي الجملة
التي سبقت عناوين الفيلم في مشهد ما قبل العناوين بالفيلم. تقريبا يدور الفيلم في
مكان واحد هو شقة الأسرة، ويدور الصراع بين الأطراف الأربعة مكان واحد وأربع
ممثلين مع مشاهد عرضية لا تمثل أهمية في متن الفيلم الذي وجدته – باستثناء بعض جمل
الحوار المباشرة- عملا مهما ولابد أولا من
مشاهدته، ثم تفنيده ثانيا ثم الحكم عليه ثالثا. وأغلب الظن أنني مستعدة للخروج من
زمرة النقاد الذي يشار إليهم بالبنان لأنني أجد أن السيناريو محكم والعمل مؤثر
وأننا نحتاج إلى مثل هذه الأعمال التي تطرح بقوة وبشكل مباشر معارضة لكثير من
أفكار مغلوطة عن الدين الحق.
أحيانا يمثل المكان الواحد للمخرج تحديا كبيرا حتى لا يظهر الفيلم كمسرحية
مصورة، ثلاث حوائط يشاهدها الجمهور الذي يمثل الحائط الرابع. هنا المكان مغلق
والأحداث تدور في الليل مع الإضاءة الصناعية، جو قاتم لم يخفف منه ماتش الكرة ولا
صياح الأستاذ . حبسنا المخرج مع أبطاله نتابع الجدل الدائر فهل سينحاز كل منا الى
الطرف الذي يردد أفكارا مثل أفكاره الثابتة عن الحياة والدين؟
سألت الشاب صاحب 16 عاما عن رأيه فقال (فيلم حلو عجبني) لم أسال الحبيبن
فأغلب الظن أن انتباههما كان بعيدا عن متابعة الفيلم . كنت أعصر تفكيري لأتذكر
محاكمة كافكا أم محاكمة دورنمات وان كنت أجدها قريبة من محاكمة دورنمات، إنها
محاكمة مشروعة للكاتب ابراهيم عيسى لأفكار أستاذ كان متشددا ثم تراجع عن أفكاره،
أستاذ يمارس ما يعتقده فيتزوج من مسيحية، ويترك الحرية لابنته المراهقة فيكون
تصرفها صدمة له ، هل يطرح عيسى فكرة الحرية المسئولة ؟ هل يدعو الى عدم ترك الحبل
على الغارب لأولادنا وأن نمارس عليهم قدرا من القيد والتوجيه؟ ينسب الفيلم القوي
سينمائيا إلى مخرجه، ولكن العمل الدرامي الذي تسيطر عليه الأفكار ينسب إلى كاتبه،
وخاصة عندما يكون في شهرة وانتشار ابراهيم عيسى المنتشر ككاتب ومقدم برامج تتنوع
بين " الفرجة" كبرنامج متخصص في السينما وبين برامج تعرض للتاريخ
الإسلامي وتناقش أفكار السلف، توارى المخرج هادي الباجوري الذي وجدت عمله السابق
" هيبتا " مميزا ويلفت الانتباه لموهبته، توارى هنا في الضيف فلم يعمل
مع الكاتب على السيناريو، ولم يتدخل بحذف المباشرة من الحوار، قام جزئيا بعمل هام
في الكاستنج بتسكين الممثلين كل في دور يلائمه ويلمع فيه، أحمد مالك ، جميلة عوض،
شيرين رضا، وضيوف الفيلم ماجد الكدواني ومحمد ممدوح. وخرج عن سيطرته خالد الصاوي
الذي تقمص الكاتب ابراهيم عيسى وقلد طريقة حديثه وبقي فقط أن يلبس حمالات في
البنطلون لتكتمل الصورة التي كانت ستؤكد كاريكاتورية الأداء الذي انتقص كثيرا من أهمية
طرح جدل بين أستاذ دارس لما يكتبه ويفهمه جيدا، وبين شاب جرى له عملية غسيل مخ،
وفتاة منقادة تريد فقط أن تحقق حريتها من خلال الاختلاف الفج مع أفكار والدها.
خرجت من العرض راضية عن خطوتي بمشاهدة الفيلم قبل رفعه من دور العرض، عازمة
على الكتابة للأصدقاء عما وجدته ناقصا في الفيلم، وعما وجدته لامعا في فيلم كان
يحتاج عملا أدق على السيناريو ودورا أكبر للمخرج ليتدخل لصالح العمل بالحذف
والتوجيه، أي أن يقوم بدوره كمخرج فنان دون الاكتفاء بتنفيذ السيناريو الذي وصله
حتى لو كان من تأليف كاتب يشار له بالبنان.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 5 فبراير 2019 رئيس التحرير عماد الغزالي
No comments:
Post a Comment