Tuesday 8 June 2010




الميدالية تصميم صلاح مرعى



من أقدم المشروعات فيلم "المخبأ" للدارس-وقتها – مجيد طوبيا، وهو فيلم تعبيرى استخدم فيه صانعه الأطفال وألعابهم للتعبير عن موقفه الرافض للحروب. يلعب الأطفال فوق سطح منزل، يتحول اللعب الواقعى إلى حلم لطفلة تغنى فى براءة. ويقطع المخرج على لقطات أرشيفية لبشاعة الحرب، توازى بين بشاعة الحرب وبين الجمال والبراءة التى يجب أن تسود. مع خيال الطفلة يستعرض مجيد طوبيا معالم مصر الحضارية، قبة الجامعة وتمثال نهضة مصر ومناظر نيل القاهرة، يصور "المخبأ" الحرب فى مقابل الحياة التى حتما ستنتصر. مجيد طوبيا هو صاحب سيناريو فيلم " أبناء الصمت " الذى يحكى عن فترة حرب الاستنزاف مع مجموعة جنود يتوقون للثأر من هزيمة 1967 وينتهى الفيلم بنصر أكتوبر 1973 . وكان أجمل ما فى الفيلم رسم الشخصيات التى تنوعت بين الحالم والرومانسى والساخر يجمعهم حب الوطن والرغبة فى تعويض الهزيمة بالنصر. فى السينما التجارية اكتفى مجيد طوبيا بكتابة السيناريو، وأخرج الفيلم محمد راضى خريج الدفعة الثانية للمعهد1964 والتى شارك خريجيها بأعمالهم فى سوق السينما حتى الآن.
من أفلام المعهد المميزة أيضا فيلم " شتاء " إنتاج 1971 إخراج على الشوباشى، تناول فيه أزمة المثقف فى بلد لا يسمح بالحرية. قام بالأداء التمثيلى الفنان صلاح السعدنى، وأدار تصوير الفيلم مجدى عبد الرحمن الذى نعرفه الآن مهموما بالتراث السينمائى ، ونشاهده يبكى متأثرا عند الحديث عن تراثنا –المفقود أغلبه والمهمل- مطالبا بمعاملته كأثر، بنفس الاهتمام الذى نعامل به آثارنا الفرعونية والقبطية والإسلامية. وفيلم " شتاء " مصور بالأبيض والأسود ، انتقل فيه المخرج ببطله فى مواقع داخلية وخارجية ليتتبع بطله الشاعر المطارد من السلطات. وأثناء رحلة الهروب يستعرض مشاهد من لقاءاته مع الحبيبة التى أدت دورها المخرجة نادية علام زميلة الدفعة. اعتمد الفيلم على قصيدة هامة للشاعر الفلسطينى محمود درويش تبدأ بمقطع (يحكون فى بلادنا- يحكون فى شجن- عن صاحبى الذى غادر- وعاد فى كفن ) وينتهى الفيلم بعد أن ثبت الكادر على البطل لحظة القبض عليه، ويكمل على الشوباشى القصيدة (لاتسألوا متى يعود-لا تسألوا كثيرا-بل اسألوا متى يستيقظ الرجال ) ثم اختفاء تدريجى عن الشتاء الروحى الذى أراده المخرج أن يتلاشى. بلغت العناصر الفنية لفيلم "شتاء " درجة من الاكتمال يجعلنا نتساءل فى دهشة أين على الشوباشى ؟ولماذا لم نشاهد له أعمالا احترافية فى سوق السينما المصرية، ولماذا لم يكمل مجدى عبد الرحمن مشواره فى التصوير؟ هذه التساؤلات وغيرها تعكس أن هناك أسبابا للاستمرار والتواجد فى سوق العمل تتوافر أحيانا وتمتنع أحيانا أخرى ، بعضها يتعلق بالمناخ العام وشروط السوق، وبعضها خاص يتعلق بقدرات الأفراد على التكيف والتواءم مع الظروف.
" حكاية ما جرى فى مدينة نعم" أحد الأفلام الأسلوبية وهو مشروع تخرج محمد كامل القليوبى من دراسات عليا عام 1974،استخدم فيه يدا كبيرة كرمز للسلطة ، مع مشهد لاجتماع يخطب فيه "اليد" أمام المطالبين بالحرية والديمقراطية والمساواة، مع توازى لمشاهد أرشيفية من مظاهرات واضرابات لشعوب ومصادمات مع السلطات، وبمرور الوقت يختفى الشعب وتبقى فقط كلمة نعم كبيرة، كما تبقى اهتزازات صاحب السلطة وضحكته الساخرة وهو يلطخ كل شيء برمز العلم، اليد وحوله خطان، أراه يشبه علم دولة العدو. كتب المخرج تعليقات من أشعار برتولد برخشت كما ذكر فى العناوين. والفيلم بهذا يجمع بين عدة أساليب من الرمزية إلى التعبيرية وفنون السينما الصامتة التى اعتمدت على العناوين المكتوبة.وينهى فيلمه بكتابة (ولكن هل انتهت حكاية مدينة نعم) وكأنه يريد التأكيد على رغبته فى إسقاط الماضى على الحاضر.
أدى يحى الفخرانى دور منفذ السلطة، وأسماه فى العناوين بالمترهل، وأدى أحمد راتب دور المواطن المقهور، وأسماه النقاش وهو من يرسم العلم مُقهرا ومنفذا لأوامر المترهل. وأدى طلاب دفعتى المعهد النظامية بعد الثانوية العامة ودفعة دراسات حرة الأدوار، أمام الشاشة وخلفها. كان بين الممثلين مختار حسين يوسف، وهو خريج قسم مونتاج 1975 وله سيناريوهات تم تنفيذها مثل فيلم " أشيك واد فى روكسى" وساعد فى الإخراج سيد سعيد ، وهو صاحب الفيلم المميز "القبطان" 1997، والناقد الذى ترأس مجلس إدارة جمعية نقاد السينما المصريين ما يقرب من عشر سنوات. ساهمت فى المونتاج المونتيرة السورية أنطوانيت عازرية التى درست بمصر وتخرجت مع دفعة 1975، سافرت بعدها لسوريا وقامت بمونتاج عدد كبير من الأفلام السورية المميزة وخاصة مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد. اختار محمد كامل القليوبى الشكل التجريبى فى مشروعه، ولكنه فى السوق العملى بدأ بالسينما التسجيلية وقدم عمله المميز" عن رائد السينما المصرية محمد بيومى فى فيلم " وقائع الزمن الضائع " تسجيلى طويل 120ق اكتشف فيه أفلام محمد بيومى وبسبب الفيلم أعيد كتابة تاريخ السينما المصرية، وتم تصحيح كثير من المعلومات الخاطئة. بعدها قدم أفلامه الروائية وآخرها-حتى الآن- خريف آدم الحاصل على جوائز عديدة.
المشاريع الثلاثة السابقة" المخبأ" لمجيد طوبيا، و"شتاء " لعلى الشوباشى، و" حكاية ما جرى فى مدينة نعم" كلها مصورة بالأبيض والأسود وكلها لمخرجين التحقوا بدراسة السينما بعد دراساتهم فى كليات أخرى، الهم العام يشغلهم واختاروا التعبير عن قضايا كبرى يجمعهم الاهتمام بها مع كثيرين. وسوف نشهد مشروعات أخرى متميزة اختار أصحابها أفكارا بسيطة ونجحوا فى خلق فيلم قصير جيد مكتمل فى عناصره الفنية وكأنهم اقتنعوا برأى الأساتذة الذين يفضلون أن يتعامل الطالب مع المشروع ليختبر قدراته الفنية ويتأكد من تمكنه من استخدام لغة السينما للتعبير عن رسائله للناس
.

No comments:

Post a Comment