Saturday 5 June 2010

"حكايات عادية"


"حكايات عادية"

نهى المعداوى ترصد

غربة بلا ثمن للمصريين فى بلاد الخليج

لقطات من السيارة لصحراء جرداء مع موسيقى لعزف عود منفرد، و مع ظهور صور فوتوغرافية عائلية نسمع صوت من شريط مسجل (أنا ابراهيم حنفى محمد بتكلم مع أسرتى، زوجتى العزيزة كوثر،وحشتونى، نفسى أشوفكم كلكم.. ربنا يقرب البعيد... على كل حال هى تجربة صعبة) علم مصر يرفرف بحركة بطيئة يحمله مشجعى الكرة، ثم مظاهرة حاشدة وكلاسكات السيارات "تيت تيت مصر " تقابل المخرجة بين حال الشوارع فى القاهرة وسخونتها، وبين الصحراء الجرداء مع العود الحزين، وجه جانبى لسيدة مسنة تطل من شرفة منزل متواضع، تتقاطع وجوه شخصيات الفيلم مع فرحة مظاهرة الكرة، ونعود لصوت المسجل (فات 6 شهور حاسس إنى فى سجن لأنى بعيد عنكم) وينزل التتر عنوان الفيلم "حكايات عادية" .

وسيمضى الفيلم التسجيلى الطويل على مدى زمن تجاوز الساعتين وربع الساعة متراوحا بين أسرة اغتربت فى السعودية، وأخرى اغتربت فى الكويت،الأولى عاد أفرادها بأسى شديد يحكون عن اختلاف الثقافة، وتعرضهم للمهانة كونهم مصريون. والثانية سعداء بكونهم عاشوا فى الكويت ورغبوا أن يقبلوا ترابها كما يفعل الكوايتة. تجرى نهى لقاءات مع أكثر من أسرة ولكن بالتركيز على الأسرتين السابقتين الكل يحكى عن تفاصيل حياة يومية وصعوبات معيشة تكتفى نهى المعداوى بعرض أصحاب التجربة دون أن تلجأ للاستعانة بوثائق، أو استضافة محللين يتفلسفون عن مسألة الهجرة للعمل فى الخليج، اختارت نهى أن تسمعنا فقط أصحاب التجربة الحقيقية، من سعدوا بها، ومن رفضوها، بأدبها الجم واحترامها لمشاعرهم، حتى لو خالفت مشاعرها هى ، تقدم فى عملها الأول مجموعة مؤيدة لتجربة الاغتراب للعمل فى الخارج-دول الخليج تحديدا- ومجموعة معارضة وكارهة، والجميع خسروا كل شيء وكان اغترابهم بلا ثمن.

حصلت نهى المعداوى على جائزة سعد نديم للعمل الأول فى المهرجان القومى للسينما المصرية، رأس لجنة التحكيم المخرج محمد كامل القليوبى صاحب الفيلم التسجيلى الطويل " محمد بيومى" الذى أعاد كتابة تاريخ السينما المصرية بشكل صحيح، وبخبرته مع الفيلم التسجيلى ومعه أيضا المخرج والسيناريست ابراهيم الموجى لمسا مواطن الجمال فى فيلم " حياة عادية " الذى اقترب بشكل إنسانى من العاملين المصريين بالخارج، انفعل القليوبى مع الفتاة التى تحكى عما صادفته فى السعودية وسبها لأنها مصرية غبية " خلطت بين محمد عبد الوهاب فنان التلحين والغناء المصرى وبين محمد عبد الوهاب صاحب الحركة الوهابية" ولم تكن سوى طفلة أتت من ثقافة مختلفة. لا يسع المشاهد لفيلم نهى المعداوى سوى احترام صدق الشخصيات وتعبيرها عن شرائح من البشر العاديين، وهم وإن لم يحققوا بطولات خارج وطنهم، إلا أن تجربتهم وتحملهم لتحسين ظروف المعيشة محل تقديرمنها نجحت فى نقله إلينا وفى إثارة تعاطفنا حول غربتهم القاسية.

توالت الجوائز لفيلم نهى المعداوى فتحصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلى من مهرجان ساقية الصاوى ، هذه المرة عضو لجنة التحكيم من جيلها المخرج محمود سليمان صاحب تجربة ثرية مع الفيلم التسجيلى والقصير. شاركت المخرجة كشخصية فى فيلم " عن الشعور بالبرودة" لهالة لطفى فكانت صادقة أيضا أمام الكاميرا، تحكى تجربتها لصديقتها التى تخرجت من معهد السينما وتشاركها حلم المشاركة فى مهنة السينما، تتشاركان فى السعى للتعبير بصدق عن الإنسان المعاصر. تخرجت نهى من كلية الإعلام وعملت فى التلفزيون تجاهد لتقدم رؤيتها فى أعمال تعبر عنها، يقف حائلا بينها وبين تحقيق مشروعاتها حراس البوابات ممن يخنقون المواهب فى مصر، ولكنها لم تغترب لتعمل بل جاهدت وصورت الفيلم على نفقتها، ثم تقدمت لمسابقة المورد الثقافى فحصلت على منحة مكنتها من عمل المونتاج لفيلمها وإنهاء مراحله الأخيرة. الآن هى تحضر لعمل كبير آخر، سنبقيه سرا حتى تظهر لبنته الأولى ، فقط أذكر أنه عمل بحثى كبير أتمنى أن تتمكن من تقديمه بنفس الروح الصادقة المحبة التى قدمت بها أهلنا المصريين الطيبين فى " حكايات عادية " .

1 comment:

  1. بالاتفاق مع الكاتب السورى محمد عبيدو تم نشر هذا المقال فى مدونته سينما الشعر.

    ReplyDelete