Monday 21 June 2010

إضاءة على جيل الديجيتال . تامر عزت

إضاءة تامر عزت
مكان اسمه الوطن
الوطن الذى يمكن للمرء العيش فيه

" مكان اسمه الوطن" تسجيلى طويل للمخرج تامر عزت من إنتاج الأسطورة للإنتاج والتوزيع بالتعاون مع منظمة اليونسكو، يصحبنا تعليق تامر منذ البداية، وألعابه مع الصورة في تقسيم الكادر في محاولة لجذب الشباب لمشاهدة الفيلم التسجيلي- الممل عادة كما قال - ، لا يبالغ في ألعابه حتى لا يفقد جمهوره الأوسع من كبار السن والناضجين الذين تجذبهم دراما الحياة، وينحازون لسينما الحقيقة. يدخل في الموضوع مباشرة بتعلقه الموفق " مكان اسمه الوطن " . عشاق تامر عزت وسينماه من جيل الستينيات،وأجيال لاحقة ومن جيل الرواد أيضا، معجبوه كثيرون لأنه يعيد للفيلم التسجيلي دوره في الكشف عن الحقيقة بصبر وبحث دءوب .
ولأنه يختار موضوعات تؤرقه، يمضي باحثا عن إجابات، طارحا تساؤلات تقض مضجعه.
يضع نفسه في قلب الأماكن وسط أقران له ليس لديهم يقين تام ، بل تأتي إجاباتهم التي وضعها في نهاية فيلمه وكأن شخصا يقول" أعتقد " دون أن يذكرها (حلم حياتي،مكان بيحسسني إني عايشة وليه فيه ذكريات، مكان أمشي فيه براحتى، دولة حد بيحترمني فيها " ) يصور خمسين ساعة، بعد بحث على شبكة المعلومات،يصور نفسه وهو يعمل على الكومبيوتر ويشرح لنا ما يفعله، يبحث عن نماذجه ويُجري معهم ما يشبه البحث النفسي، يختار من بينهم أربعة نماذج بالاتفاق مع السيناريست "نادين شمس"، كل نموذج يختاراه يعبر عن عشرات بل مئات غيره، باستثناء" ماريا" التي لم يصادفا نموذجا يشبهها ،

مسيحية أحبت مسلما والأهل من الطرفين يرفضون هذه الزيجة، وهي تستسلم ، تفكر في الهجرة من وطن لا تسمح علاقاته الاجتماعية لها بحرية الاختيار، بينما تجد " همس" التي تهوى الترحال، في مصر وطنا تحب العيش فيه، وإن كانت ستتركه مؤقتا لترحال جديد. تتنوع النماذج وتختلف استجابات المتلقين، محمد سباعي –الأكثر جاذبية- سلم نفسه لتامر عزت وكاميراتيه- صور تامر مشاهده بكاميرتين- وكأنه يؤدي دورا على مسرح الحياة، تدفعه إحباطاته للبحث عن وطن آخر يحقق فيه أحلامه، تبدو طلباته مستفزة لبعض المشاهدين، لديه شقة باتساع سبع حجرات، ويناقش مع والدته أمورا حياتية- رفاهية بالنسبة للكثيرين- ولكن ما يتضح من المشاهد أنها كلها أعذار لمداراة المشكلة الحقيقية عن عدم الثقة في تحقيق الأحلام. سبعاوي مضطر للبقاء في مصر بعد تمثيلية مثلها عليه والديه- فيلم ميلودرامي منا يقول- يعود ولكنه يفكر في الهجرة ثانية، معنى الوطن بالنسبة له المكان الذي يمكنه من تحقيق أحلامه.
يكشف الفيلم عن حقيقة تثبت الأيام صحتها، " السعادة في الرضا" فالنموذج الرابع معتز عبد الوهاب لديه طموحات بسيطة، ويعمل على تحقيقها في بلده، متأسيا بدفء العلاقات الاجتماعية التي يؤكد على وجودها بنفسه حين يصطحبه تامر لسكنه القديم فُيقبل عليه –أهل الحتة- ويحيونه ويذكرون والده رحمة الله عليه. أثناء البحث عن معنى الوطن ، يكشف تامر عن إحباطات الشباب وتنوع مشاكلهم ، واختلاف درجات رضاهم.
الطريقة التي يعمل بها تامر لم تكن ممكنة قبل ظهور الديجيتال، فهو واحد ممن أجاب على سؤال د. صبحي شفيق في مقاله " السينما الآن " في عالم السينما العدد الأول حين تساءل: " من يقدر على تحقيق سينما الغد الرقمية؟ " مستوعبا خصائصها في التصوير والمونتاج ومحققا صورة جيدة، تختلف عن الصورة السينمائية ولا يشغله التشبه بها، كان السينمائي القديم يصور في الغالب نسبة 3-1 ليحصل على شريط فيلمه التسجيلي المصور سينمائيا، ولهذا كانت مراحل التحضير والمعاينة أهم من التصوير نفسه، لم يكن لديه ترف اختيار ساعة من خمسين ساعة، ولم تكن لديه أيضا نفس الصعوبة، فتصفية ساعات بهذا الطول للوصول لفيلم تجمعه وحدة مضمون أمر في غاية الصعوبة، وغالبا يمكن أن يبنى الفيلم بتوافيق وتباديل لا حصر لها قبل اتخاذ القرار النهائي والثبات على البناء الأخير للفيلم . تامر عزت كون خبرته في المونتاج بعمله مع عطيات الأبنودي في القاهرة 1000 القانرة 2000، ومع يسري نصر الله في الروائى المدينة و التسجيلى "صبيان وبنات". في فيلمية "كل شيء هيبقى تمام " و" مكان اسمه الوطن " شكل السيناريو في مرحلة المونتاج بمفرده أو مع زميل. ورغم تمكنه التقني من التصوير والمونتاج إلا أنه استعان بزملاء وشكل معهم فريقا يكونون جيلا جديدا بما يمكن تسميته " الموجة الجديدة الثانية في السينما المصرية " وإن كانت قوتها ظهرت في السينما التسجيلية بشكل أقوى، إلا أنها تشمل أعمالا روائية قصيرة تتنوع في أساليبها ولكنها كلها تتعامل مع وسيط الديجتال بحب وتفهم وليس باضطراركالذى لجأت إليه أجيال سابقة حاولت أن تصل منه لمستوى السينما ولم تنجح .
جمهور أفلام الديجتال مختلف أيضا كصناعه، تجده في ساقية الصاوي، أو قاعات التاون هاوس جاليري. يتجمعون أحيانا في منزل أحدهم ويشاهدون العمل في مراحله المختلفة، قبل الانتهاء من نسخة العرض النهائية، جمهور لديه حد معقول من المستوى المعيشي، قليل منهم يشبهون معتز عبد الوهاب مدير الإنتاج أحد نماذج فيلم " مكان اسمه الوطن " الذي يسكن حيا متوسطا في منطقة الهرم، حيث يظهر في الصورة كحارات شعبية، منازلها غير مكتملة الطلاء بالطوب الأحمر- .وكثيرون من هذا الجمهور يعيشون في مناطق راقية أو متوسطة – وليست شعبية- سؤال الطبقة مستفز للطرفين، صناع الفيلم ومتلقيه، لا يشعر تامر عزت وفريقه بأن هذه النماذج من المترفين، ويؤكدون أنهم كأي بشر لآخرون لهم معاناتهم أيضا. بعض المشاهدين لا يتعاطفون مع شخص يحتار في فرش أرض شقته المتسعة بالسيراميك أم باركيه، أو هل ينجح في إنتاج شريطه الغنائي أم يعمل في مهنة والده. ولأن تامر لا تشغله الحسابات ولا ردود الأفعال فإنه لا يراعي الطبقات المختلفة وهو يتناول موضوعاته، ولا يختصر فيلمه ليناسب شروط العرض في المحطات التلفزيونية، وإن كان يعد نسخة للعرض التلفزيوني أقصر عادة من أفلامه التي تتخطى الساعة متناولا فيها ما يعرفه بكل الإخلاص الممكن .
برغم حصيلة جوائزه فإنه يشعر بالخجل الشديد، ويبتسم في تواضع ويحني قامته المديدة، عندما يذكر ناقد أنه صاحب أسلوب خاص ، أو أن تسمي أفلامه " سينما تامر عزت". ويطلب بدماثة أن نوجه التحية لغيره من المبدعين حوله : " في إسلام ونادين و..... " نعم هناك الكثيرون ولكننا اخترنا أن تكون إضاءة العدد على " تامر عزت "أحد صناع سينما الغد الرقمية.
صفاء الليثي


نشر بالعدد الثانى من مطبوعة النقاد "عالم السينما " والتى صدر منها خمسة أعداد حتى الآن.
تحت عنوان " سينما الحقيقة على مسرح الحياة" .

No comments:

Post a Comment