"ليل خارجي " والحيرة بين الشعبوي والنخبوي
قابلت صاحب فيلم
" ليل داخلي " قبل الانتهاء من
نسخة الفيلم وكان مشغولا بإجراء اتصالات ليشارك الفيلم في تورنتو، حماسي للقاء رغم
ضيق الوقت كان بسبب أن هالة لطفي منتجة الفيلم من خلال "حصالة " لقائهما
كان ينفي الاتهام بأن كل منهم يفضل العمل بمفرده، هل ستكون بداية لتجمع ما ؟ خلافا
للتعبير المرفوض " سينما مستقلة". لدي مشروع كتاب " محاولة اقتراب
" أتتبع فيه مخرجي السينما المصرية الجديدة
ومنهم المخرج أحمد عبد الله.
يقول أحمد عبد
الله ، غسلت يدي من تهمة مستقل، عرض على شريف الألفي سيناريو فيلم تقليدي، قرأته
ووجدته متماس مع أفكاري، هو شاب عمره 33 سنة ووجدت بيننا أرض مشتركة. واحتاج النص
تطويعا أو تطويرا عملنا عليه معا. وهالة لطفي شريك فني في المقام الأول. فيلمي
الجديد مختلف تماما، لا أحب أن أكرر نفسي . حين سألته أنني أجد تشابها بين
ميكروفون وآيس كريم في جليم ابتسم وقال كتير قالولي كده ولكنه لم يكن ببالي، لا شك
أن أفكارنا بنات أشياء تأثرنا بها في حياتنا ومنها أفلام الثمانينيات. هنا في
" ليل خارجي " التقط المشاهدون للفيلم بمهرجان القاهرة علاقة مع "
ليلة ساخنة" . نعم هناك تقارب مع اختلاف المدخل والشخصية . بقصد أو بدونه
تدخل الأفلام في وعينا كأنها واقع معيش، تضيف لتجارب مر بها الكاتب فعليا في حياته
الخاصة، وعند الكتابة يمتزج الخاص بالعام، ونجد أنفسنا أمام عمل ممتع رغم تشابهه
مع أعمال كثيرة مصرية وعالمية، وخاصة أن نوع فيلم الطريق نوع شائع وله قالبه الذي
لا يخرج عنه من تحول البطل في نهاية الرحلة إلى شخص آخر إذ يعود من الرحلة وقد
اكتسب معرفة جديدة، يوضحها الحوار في " ليل خارجي" يقول المأمور – ويقوم به المخرج مجدي أحمد
علي لمو- كريم قاسم- المخرج، اعتبر انك عرفت حاجة هتعمل عنها فيلم
بعد كده. لم يخلو فيلم لأحمد عبد الله من وجود مخرج لسينما جديدة يحاول التواجد في
سوق السينما، مرة أخرى كخيري بشارة في " العوامة 70" حيث يقوم أحمد زكي
بدور مخرج يصور فيلما تسجيليا، وفي مقدمة ديكور يظهر فيها ابراهيم بطوط وقد قرر أن
ينجز فيلما بشروط السوق، يقول أحمد عبد الله ، ابراهيم بطوط غرس فينا احترام
تكنولوجيا الديجيتال لكل المخرجين الكادحين، وكان الميل لتأطير أفلامنا ( مبادرة
السينمائيين المستقلين) حتى وجدنا أنفسنا غير مدرجين بشكل صحيح ( دول غير دول) كان
هناك نوع من الذل رغم تقاطع الطريقين، يقصد سينامهم والسينما السائدة . حدثني أحمد
عبد الله أنه بدأ مونتيرا مع ابراهيم بطوط، وبعض أعمال أمير رمسيس ، حدثني عن
لقائه بخالد أبو النجا أثناء مونتاج فيلمه مع أمير رمسيس " كشف حساب"
وقتها كان لخالد أربعة أفلام بالسوق وتحمس لينتج له العمل الأول
"هليوبوليس" وبعده ميكرفون الذي نجح نقديا وجماهيريا. بعدها أخرج فرش
وغطا الذي هوجم بشكل جمعي ( رغم إعجاب كاتبة هذه السطور الشديد به) ثم فكر في ديكور، الرغبة في عمل فيلم
تجاري كانت تتملكني، ومع ذلك لم ينجح فيلم ديكور جماهيريا، يمكن علشان أبيض وأسود ،
مع فيلمي الخامس هذه المرة الفيلم بتاعنا، أقدمه بحرية كاملة في الاختيار، حتى لو
لم أنجح، هو فيلم طريق البطل كريم قاسم مع الممثل السكندري الموهوب شريف الدسوقي (
تعرفت عليه من أعمال قصيرة لمخرجي الإسكندرية وكان لافتا بأداء خاص ومختلف) .
يحصل شريف دسوقي
على جائزة أفضل ممثل من دورة مهرجان القاهرة 40، من لجنة تحكيم رأسها المخرج
الكندي بيل أوجست، وسبقه جموع المشاهدين للفيلم في توقعهم لحصوله على الجائزة
وكانت جائزة وحيدة حصل عليها الفيلم وسط تنافسه مع أفلام قوية شهدتها أفلام
المسابقة في حدث نادر افتقدناه لعدة سنوات، فهذا العام كانت أفلام المسابقة
الرسمية من القوة بحيث أشادت بها اللجنة وعبر رئيسها عن سعادته بذلك للمدير الفني
القدير الناقد يوسف شريف رزق الله.
ليل خارجي يبدأ
بالمخرج يصور إعلانا بينما الممثل أحمد مجدي صديقه معلقا بشكل كاريكاتوري بحبال
وتحدث أزمة ويتأخر الونش لينزل الممثل فيغضب ويدور حوار نفهم منه أن الممثل صاحب
فضل على المخرج لترشيحه لإخراج هذا الإعلان ( لأنه خالي شغل) الذل الذي ذكره أحمد
عبد الله الذي عانى منه مخرجو السينما الجديدة مطروحا في الفيلم كحقيقة، ونعرف
مشاكلهم في وحدة مشهدية أجدها قد طالت قبل الدخول إلى الخط الرئيس للفيلم برحلة
السائق مصطفى والمخرج مو بالتاكسي واللقاء مع تهاني فتاة الليل في رحلة استدعت عند
الجميع فيلم " ليلة ساخنة " لعاطف الطيب. يبدو أحمد عبد الله متشبسا
بنماذج قوية من أفلام نجحت لمخرجين يحسبون على السينما الجديدة غالبا مقترنا بلفظ
الواقعية دون أن ينسى حماسه لفيلم مختلف يمثله، وهو ما يقدمه عبر خط مواز لفيلم عن
شاب من الصعيد قرر الهجرة ويمضي في طريق الهجرة غير الشرعية مودعا عروسه وآملا في
الوصول إلى شواطيء الغرب. تتقاطع مشاهد فيلم الهجرة مع مشاهد فيلم الطريق مربوطة
بخبرة أحمد عبد الله في المونتاج، وهذا التوازي يفرقه بشدة شريط الصوت الصاخب جدا
في فيلم الطريق على الطريقة الشعبية، مع صمت تغلفه موسيقى لفيلم السينما الخاصة المنحاز
لها مو ومخرجنا.
حين قدم حسين كمال
فيلم أبي فوق الشجرة وعاتبه محبوه ، فكيف لصاحب المستحيل والبوسطجي أن يقدم فيلما خفيفا
كهذ كان الجمهور يعدد فيه قبلات البطل مغني الجماهير عبد الحليم حافظ للفاتنة
نادية لطفي، ودقوا الشماسي على البلاج يتراقص فيه حليم بالمايوه . كان رد حسين
كمال أنه أراد أن يسلم على الجمهور، فهل أراد أحمد عبد الله أن يسلم على الجمهور
في ليل خارجي فلجأ إلى نكات لفظية وتيمة شائعة عن لقاء رجلين مع عاهرة؟
حين تحمس محمد
حفظي لضم فيلم " ليل خارجي" لمسابقة مهرجان القاهرة في دورته التي رأسها
أثيرت شائعات أنه المنتج للفيلم، ثم عندما وضح أن الفيلم من إنتاج حصالة هالة لطفي،
تغيرت الشائعة إلى أنه الموزع، وكيف يشارك فيلم من توزيع منتج لمهرجان هو رئيسه،
مما اضطر حصالة إلى إصدار بيان تحكي فيه حكاية التوزيع والتراجع عنه . كنت عبرت
لأحمد عبد الله عن عدم تفهمي للمنتج محمد حفظي واندهاشي من اختلاف نوعيات ما
ينتجه، وسألته عن علاقته به فقال تقدم لي حفظي بعد هليوبوليس وقال إنه يريد أن
ينتج لي فيلما، أخبرني أنه حابب التجربة وكان سمير فريد حاضرا ، فكان فيلم ميكرفون الذي أنتجه بالكامل . شجع تجربة
المزج بين الروائي والتسجيلي، فيه خضنا تجربة مختلفة، عايشت شباب الإسكندرية، أقمت
مع فريقي تسعة أشهر ما بين تحضير وتصوير، وجدت حفظي منتجا يثق بالناس، شارك الفيلم
في تورنتو ثم قرطاج حيث حصد التانيت الذهبي 2010 . ثم دخلت معه تجربة فيلم "
فرش وغطا " بالشراكة مع مشروع " تكتل " آسر يس، هاني قصير منتج
فني، ومدير تصوير طارق حفني، عمر شامة سيناريست بعد الموقعة، اتبعت نفس أسلوب
ميكرفون في المزج بين التسجيلي والروائي، فخور بأني لم أحصل على دعم خارجي فكان الفيلم
إنتاج رجل بيزنس واعي يثق في حدسه. أما ليل خارجي فهو من إنتاج هالة لطفي بشركتها
الصغيرة حصالة وكانت أنتجت فيلم تسجيلي " النسور الصغيرة" ، كتبنا بيان
" نحن قادرون على عمل أفلام في حالة لإثبات مكانة ) معنا هشام صقر الذي عمل
معي مساعد مونتير ثم أصبح مونتيرا، وأخيرا يجهز لفيلمه الأول بدعم محمد حفظي، حفظي
يدخل في المشروع غالبا في مرحلة ما بعد التصوير في منطقة التوزيع والمهرجانات، حقق
سمعة عالمية وأصبح مصدر ثقة على مستوى العالم كله. لديه مهارة تشبه مهارة التوانسة
في دعم الإنتاج والتوزيع. وقد تنازل عن
توزيع فيلمنا هذا ليتمكن من مشاركته بمهرجان القاهرة حيث كان يواجه تحدي عدم وجود
أفلام مصرية مشاركة في المسابقة الدولية لأكبر مهرجان في مصر، وخاصة أن الفرصة
أصبحت متاحة بعد توقف مهرجان دبي الذي كان يدعم الأفلام المصرية والعربية بشرط حجز
عرضها الأول هناك.
وأخيرا فإنني
أتمنى النجاح الجماهيري لفيلم تعاون فيه ثلاثة من صناع السينما المصرية الجديدة
أولهم هالة لطفي صاحبة " الخروج للنهار " وثانيهم نجم السينما المهمشة
شريف الدسوقي المشارك كل التجارب الجديدة على اختلاف أنواعها. وثالثهم أحمد عبد
الله صاحب هليوبوليس وميكرفون وفرش وغطا وديكوروليل خارجي، الذي سألته عن النقاد
وموقفهم من أفلامه؟ قال إن الصحافة كانت المحرك الأساسي وقت الواقعية، المصري يعطي
الواقعية بهاء . تراجع دور الصحافة، لم تعد الجموع تصدق ما يكتب، أصبح النقد مهنة
من لا مهنة له. لم تعد الكتابة في الصحف مهمة، المحرك الأساسي حاليا السوشيال
ميديا ، تأثيرها أصبح الأقوى.
في جلسة
الأسئلة والأجوبة التي تلت عرض الفيلم في تورنتو، تحدث عبد الله عن اهتمامه الراسخ
بإنشاء فيلم من منظور امرأة. وقال إن المهمة أثبتت أنها أكثر تعقيدا بقليل مما كان
يتخيلها في الأصل. " لا أعتقد أنني أستطيع أبداً ، أكثر من أي وقت مضى، أن
أضع وجهة النظر الحقيقية لامرأة في القاهرة في أفلامي. لن أشعر أبدا بالضغط نفسه،
ولن أشعر أبدا بما تمر به النساء كل يوم. لكن ما أستطيع فعله ، وما قررت فعله هو
تكريس أفلامي القادمة لقول قصص النساء. ويستشهد بالمخرج السينمائي المصري المخضرم يسري
نصرالله كمصدر إلهام ، الذي صرح، حسب عبد الله ، بأن السينما المصرية كائن ميتً
عندما " تتخلّي عن رواية قصص النساء".
هذا
الحديث يوضح لنا لماذا بدا الدور الأهم في فيلم " ليل خارجي" للسائق مصطفى
وليس لتهاني توتو، ومع إجادة منى هلا لدورها ومعها بسمة إلا أنهما تظلان في مرتبة
تالية لدور السائق والمخرج ومروج المخدرات ( كريم قاسم وشريف الدسوقي وأحمد
مالك) في عمل يفترض أن البطولة فيه للمرأة
ضحية المجتمع الذكوري.
صفاء الليثي
نشر بجريدة
القاهرة الثلاثاء 11 ديسمبر 2018 رئيس التحرير عماد الغزالي
No comments:
Post a Comment