Tuesday, 4 December 2018

الزرافة لا أحد هناك في أسبوع النقاد بالقاهرة 40


العمل الأول للفنان أحمد مجدي مشاركا أسبوع النقاد بالقاهرة 40
ينتمي الفيلم إلى السينما المصرية الجديدة في محاولة للانضمام لتيار سينما المؤلف الذي يكتب المخرج فيه الفيلم بنفسه ويقوم أحيانا بمهام أخرى ليصبح صانع فيلمه المسئول عن أخطائه و، المسئول عن طزاجته وجدته المحملة بأخطاء العمل الأولى التي يمكن التسامح بشأنها وسط صعوبات الإنتاج والرغبة المشروعة في التجديد.

الزرافة حيث لا أحد هناك
رؤية مستقبلية بين الواقع والخيال

 
في عمله الأول كمخرج يكتب أحمد مجدي عنوانين لفيلمه، العنوان الأول " لا أحد هناك " يحيلنا إلى المستشفى الكبير حيث لا يجد المصاب أحمد أحدا لإسعافه بعدما صدمته سيارة تقودها فتاة تصدمه وتجري مفزوعة، ويظهر طبيب واحد يحكي له سبب غياب الطبيب الكبير والآخرين في عزاء طفلة ابنة الطبيب التي ماتت في عمر 3 شهور، وسنعرف لاحقا أن هذا جزء فقط من الحقيقة فالطبيبان الكبير والصغير يجريان عملية إجهاض غير قانونية في عيادة خاصة.
هنا مستشفى كبير شبه مهجور، وعيادة تجري فيها مساومات على مبلغ يتحصل عليه الطبيب المخاطر بسمعته والمعرض للسجن لينقذ الفتاة كما يدعي. الحوار يكشف أن هذا أمر متكرر( كل مرة تقوليلي هأجيبلك الفلوس ومايحصلش) العنوان الآخر "الزرافة" يحيلنا إلى حكاية عن الزرافتين الذكر الذي مات ولحقته الأنثى، وسيتبين أنها ليست الحقيقة فقد مات الذكر الوحيد وعاشت الأنثي بعده بعام وأنجبت دونه زرافة أنثى صغيرة، ها هما الأم والوليدة في سيارة نقل يجري وراءها أحمد ويكشف عنها الغطاء ليتأكد من معلومة حمل وولادة للأنثى دون وجود ذكر . يكشف لنفسه ولنا. 
لا أحد هناك عنوان يعبر عن واقع يحدث تماما ، إهمال لمستشفى كبير وتركه خاويا لمصلحة متعارضة في عيادة خاصة، وعنوان الزرافة يعبر قصة أقرب إلى الخيال عن حمل الإناث رغم موت الذكر.
  .بنى المخرج أحمد مجدي وهو نفسه كاتب السيناريو فيلمه على التوازي بين مجموعتين، مجموعة فتيات ليلى وفرح وصديقة ثالثة، ومجموعة شباب أحمد وأشرف وصديق ثالث. ليلى تحاول مساعدة صديقتها للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، وأحمد يحول الحصول على المال اللازم لعملية الإجهاض. وحدات مشهدية تسرد بالتوازي بين سعي الشباب للحصول على مبلغ 200 جنيه، وسعي مماثل يبوء بالفشل لسعي الصديقة لرهن مصاغ لوالدتها لدى مرابية كانت أمها تعرفها ( أنا بنت مدام سميحة) تفاصيل تكشف الواقع المعيش ، سائق تاكسي تنقصه النخور يترك الفتاة في شارع مظلم فتسير خائفة من مجموعة شباب متعطلون على ناصية، رجل يظهر يحميها تعالى ورايا ما تخافيش ، تحكي المرابية حكاية طويلة وتهدهها فتعود دون الحصول على الأموال، والشباب يدخلون في خناقة تنتهي بنجاحهم في الحصول على جزء من حق قديم بعد إصابتهم في المعركة مع شرير آخر يدير مكانا للانترنت في محل شبه مشبوه.

قبل الدخول في الحكايات نجد الشخصيات كل منها يحكي حكاية أو يشرح موقفا أقرب إلى المونولوج، أقرب أن يكون حديثا للنفس وليس حوارا بين الشخصيات. الحكايات تروى على مدار الفيلم كاشفة عن حقيقة مخالفة لما يمكن تصوره منذ البداية، فالزرافات لم تنقرض رغم أن الذكر مات نتيجة العجز عن إيجاد حل لنقله من الإسكندرية إلى القاهرة ليواقع الأنثى في حديقة حيوان الجيزة، رغم موته فالزرافة تحمل وتلد. والفتاة المرتبكة ليلى التي تذهب صيدلية مهجورة وتطلب اختبارا للحمل ويتبادر إلى أذهاننا أنها حملت من علاقتها بصديقها الشاب أحمد الذي بدأ الفيلم بهما معا في السيارة ، ويتبين أن الحامل صديقتها المفزوعة والتي تشبه زرافة بعينين متسعتين ورقبة طويلة، تجري ليلى الاختبار رغم أنها ( ليست مع حد) كما تقول ردا على سؤال الصديق أحمد.

الفيلم كله صور في الليل بالاعتماد فقط على إضاءة المكان وبكاميرا صغيرة قام المخرج بإدارة تصويره بنفسه ونجح في التعبير عن حالة التوهان للفتيات والخوف من تعرضهن للأذى وحالة العجز لدى الفتيان  ومواجهة الأشرار وتعرضهم الفعلي للأذى . رسم المخرج عالما قاسيا تعانى فيه الفتيات من حمل غير مرغوب فيه وتعيش حالة من الذعر الدائم والخوف، وشباب يتم النصب عليهم ويحصلون على حقوقهم بمشقة بعد حودث إصابات . يقدم فريق الفيلم رؤية مستقبلية لمصر تعاني فيه النساء ولكنهن قادرات على الاستمرار في الحياة ، رغم ضعف الذكور وموتهم الأدبي والمعنوي.

تجربة أحمد مجدي تجربة فريدة لا يقلد فيها أحدا ، يسمح فيها لخياله بأن يشطح بعيدا مع حكاية الزرافة والخوف من انقراضها ليحذر من الخوف من انقراض البشر أنفسهم. نجح في اختيار فريقه من ممثلين وممثلات تعاطفنا مع حكاياتهم التي لا تختلف كثيرا عن معاناتنا في مصر الآن.


صفاء الليثي
نشر المقال بجريدة القاهرة الثلاثاء 4 ديسمبر 2018، رئيس التحرير عماد الغزالي


No comments:

Post a Comment