Monday 29 October 2018

في الدورة الثانية من ملتقى رؤية للشباب


بين الواقعية والرمزية تنوعت أساليب الأفلام

افتتحت الدورة الثانية من ملتقى رؤية لسينما الشباب الثلاثاء 23 أكتوبر2018 بسينما الهناجر، عرض منها في اليوم الأول تسعة أفلام ما بين تسجيلية وروائية قصيرة، تنوعت فيها الأفكار والأساليب الفنية بشكل كبير ، بين التقليدي شكلا وموضوعا كما في " عاليا " للمخرج محمد سعدون، أو المحلق إلى آفاق لا نهائية كما في "صمت سرمدي" لريهام إمام. وبين التقليدي والتجريبي أبحر الشباب في بحور السينما بعضهم أجاد السباحة، وبعضهم الآخر سبح ضد التيار وقاوم الأشكال التقليدية لسرد الفيلم القصير.
البداية كانت مع مشروع الطالب بمعهد السينما سمير البري بعنوان " جيل التسعين" في 19 ق لم يخرج فيها المخرج عن أقوال سائدة تسود على مواقع التواصل حول "ذكريات من عمر فات" يطلق المخرج لمن جمعهم من أقرنه العنان ليحكوا عن أعمال تلفزيونية وهم صغار، وعن ألعاب مارسوها، بينهم فتاة واحدة كان حديثها يذكر الاختلاف بين زمن طفولتها حين كانت تلعب في الشارع مع الأولاد، وحاليا حيث اختلفت قيم المجتمع وأصبح من النادر لعب الفتيات بحرية في الشوارع. كانت لحنا منفردا في الفيلم الذي كرر فيه كل من تحدث نفس التعليقات عن البرامج التي يجزمون أنها كانت أفضل. يطول الفيلم وكان من الممكن أن يستمر لساعات دون أي تطور ودون أن يبذل المخرج جهدا في بناء فيلم ليبقى مجرد ثرثرة لا معنى لها. 
 بينما نجحت المخرجتان ايلاف خالد سليم، ليلى شاهين في عملهما المشترك "جوه الصندوق" في التعبير عن فكرة الهجرة الداخلية في ربوع مصر، بعد تقصي وبحث اختارتا ثلاثة نماذج ارتحلت إلى أسوان وسيوة ودهب، شخصيات فضلت عدم البقاء في القاهرة وتجربة حياة مختلفة كل محمل بمشروع يؤمن به ووجد له بيئة مناسبة لتنفيذه. على جانب آخر من الفيلم تبدو مصر بلدا بجغرافية متنوعة، صورتها الفتاتان بجمال بين سيوة وأسوان ودهب. تفكير إيجابي أسماه "جوه الصندوق" دونما الحاجة إلى الهجرة خارج البلاد. جعلتا تحقيق الذات وخدمة المجتمعع هدفا يمكن تحقيقه، الفيلم في عشر دقائق فقط مشروع تخرجهما من كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 2017. ومن نفس الجامعة حلقت ريهام إمام في فيلمها الروائي "صمت سرمدي" الذي عرض في نهاية مجموعة الأفلام وشعر الغالبية ببطء إيقاعه ومع ذلك نال الإعجاب لتعبيره عن موضوع من ينتظر بجوار الأب المريض بألوان رمادية دون جملة حوار واحدة، طال الفيلم حتى 29 ق باعتماد تام على الموسيقى ولحظات الصمت ، بعض المشاهد محيرة، هل كانت تخيل؟ أم أن هذا حدث بالفعل. دون أن تدرس ريهام تقنيات صناعة الفيلم امتلكت موهبة لصناعة فيلم يعتمد على الصورة ويمتلك أسلوبه. أسلوب آخر في فيلم  استخدم أيضا الأسود والأبيض وفي ثمان دقيقة فقط نجح عبد الرحمن سالم في التعبير عن ضغوط المجتمع على فتاة، تواصلت معنا عبر كتابات على لوحات سوداء، بدت الكتابة تعبيرا صامتا عما يجيش في نفسها، " قد يموت الأب في النهاية" يحقق المخرج في فيلمه الفكرة الفلسفية عن موت الأب في عمل يعتمد على صورة بعيدة عن الواقع محملة برموز تبعدها عن المعنى المباشر سواء لقتل الأب ، أو ارتداء الحجاب وخلعه، أسلوب يفترض أن يكون المتلقى على مستوى الوعي لاستقبال رسالة الفيلم عن التوق للحرية بعيدا عما يسمى بالثوابت.

المخرج حسن صالح وني اقترب بواقعية من مشكلات تواجه الفتيات والشباب مع المجتمع المصري، في فيلمه " كل الطرق تؤدي إلى روما " اعتمادا على قصة لهبة الحسيني التي مثلت ببراعة دور الفتاة التي حملت خارج مؤسسة الزواج وتجد أن الحل الوحيد أن تهاجر إلى روما. لجأ حسن صالح إلى بناء سرد غير خطي ينتقل بين الأماكن، الفتاة في التاكسي، تتخيل حوارا مع خطيبها، عودة مع حوارات أخرى، في زمن نعرف أنها ساعات قبل اللحاق بالطائرة، ومن حجرة نومها مع الأخت التي تساعدها في تجهيز شنطة السفر نعرف أن الأخت أيضا منفصلة عن زوجها ويطلب منها العودة ( ليربوا ابنتهما في حضنهما) مشهد مكثف يخرج بالمشكلة من الخاص إلى العام ليلقي بظلال كثيفة على مشاكل تكبل حياة الشباب في مجتمعنا.
لجأ عبد الله عادل في فيلمه " منوع التصوير" إلى التعليق الذاتي المعبر عنه كصانع أفلام لم يجد أدوات مناسبة ليصور فيلمه ولم يتمكن من الحصول على تصاريح، يلجأ إلى تقسيم فيلمه إلى فصول الأول عن عم بحر صياد الجندوفلي الوحيد على شاطيء الإسكندرية، ثم صالح الكاتب الوحيد والشخصيتان تدركان أنهما يصوران فيلما فلجآ إلى أداء تمثيلي يحدث أحيانا من شخصيات مهمشة ولكنها محبة للظهور وتراعي وجود الكاميرا، ختم المخرج فيلمه بشابين من عمره أحدهما يلحن والآخر يرقص . أجمع الحضور واؤيدهم في ذلك أن كل شخصية كانت تستحق فيلما منفردا يأخذ حقه من عرض كل جوانب الشخصية. عبد الله هلال كان سمحا في تقبل ما وجه إليه من نقد، وشارك في التعبير عن رأيه في أفلام أخرى عرضت وبدا شابا مستعدا للتفاعل مما يؤكد أنه سيخرج أعمالا جيدة لو تمكن من الحصول على تصاريح وأدوات احترافية.
كل هذه الأعمال التراجيدية يختلف عنها العمل الكوميدي " المزين" للمخرج أندرو مسعد في سبع دقائق فقط، عن الحلاق الذي يجبر زبائنه على ما يرغبون فيه، باتفاق مع المجتمع متمثلا في ثلاثة أشخاص جالسين بالمحل فقط لقهر الزبون وتنفيذ ما يرغبه " المزين" نوع من التعبير عن القهر في قالب من الكوميديا السوداء مع أداء تمثيلي جيد للبطل المستسلم والحلاق ونماذج المجتمع.
دارت ندوة بعد العروض أدارها " أحمد نبوي" وعلقت على الأفلام الناقدة الكبيرة ماجدة موريس . كما حضرت الكاتبة العراقية بثينة الناصري وكانت متحمسة للتعقيب على كل فيلم ، كما حضر عدد من المثقفين تفاعلوا بالنقاش المثمر وطرح الأسئلة التي أجاب عنها صناع الأفلام.
لا شك أن العمل على زيادة رقعة عروض الفيلم القصير فرصة كي لا تبقى الأفلام حبيسة العلب وفرصة لكي يختبر صناع الأفلام مستوى عملهم ويدركوا مناطق تميزه أو ضعفه.  


صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 30 أكتوبر 2018 رئيس التحرير عماد الغزالي  

No comments:

Post a Comment