Monday, 15 October 2018

رسالة مهرجان جفنا السينمائي الرابع بسيري لانكا 3-8 أكتوبر 210


رسالة مهرجان جفنا السينمائي الرابع بسيري لانكا
سينما مستقلة تعبر عن قضايا ملحة
حين تتلقى دعوة للمشاركة في مهرجان للفيلم في أي مكان في العالم فإنك تكون مستعدا للتعرف عن قرب على مدينة المهرجان وخاصة عندما تقرأ أن المنطقة شهدت حربا أهلية انتهت عام 2009، وأن المهرجان في إطار التطلع إلى سلام بين الناس والتغلب بالثقافة وبالسينما على أجواء الصراع، المهرجان بمدينة جفنا عاصمة الإقليم الشمالي من سيريلانكا التي عرفناها قديما باسم جزيرة سيلان.
تدير المهرجان السيدة أنوما راج خورانا ويرأسه الأستاذ الجامعي د. راجورام. يقام المهرجان بدعم من المركز الثقافي البريطاني ومن الاتحاد الأوربي وداعمين آخرين، أقيمت الضيافة في فندق أقرب إلى منتجع ، ذا تيناي ، وتيناي أورجانك حيث حقول ذرة ومناخ طبيعي يناسب جزيرة مناخها استوائي حيث حرارة شبه منتظمة وأمطار في أي وقت من العام. على طول الطريق من العاصمة كولومبو إلى جفنا بالقطار حقول متسعة، الخضرة غالبة مع بيوت كأكواخ على الطراز الإنجليزي بسطح القرميد الأحمر. حين وصلت جفنا كانت الدراجات والدراجات البخارية تقودها سيدات بالساري الهندي، أو ملابس أقرب إلى ما ترتديه السيدات العاملات في مصر، بنطلون متسع وجزء علوي محتشم، التكاتك بألوان مبهجة تعمل بالعداد دون الاحتقار الذي نتعامل به هنا في مصر مع هذه الوسيلة المناسبة للنقل الداخلي.

حاولت تقريب الصورة العامة إليكم قبل تناول جوائز دورة مهرجان جفنة الرابع حيث تسابقت سبعة أفلام طويلة أغلبها من سيرلانكا والهند، بثقافة التاميل حيث المهرجان أقرب أن يكون مهرجانا إقليميا وليس مهرجانا دوليا يضم مختلف بلاد العالم.
لا يخلو أي فيلم من الأفلام السبعة من تناول قضية كبرى عبر سينما تحاول الفكاك من الأسلوب التقليدي للسينما البوليودية التي يقبل عليها جمهور سيرلانكا ، البداية كانت مع فيلم " ممرات الحياة " إنتاج مشترك ياباني ميانمار يتناول أزمة أسرة بورمية تعمل بهجرة غير شرعية في اليابان، الأب يعمل في مطعم والأم في مصنع حياكة ولد طفلاهما وعاشا في اليابان، ولكن السلطات تطردهم وتختار الأم الرحيل ويبقى الأب مجاهدا لعيش أفضل باليابان، اتخذ المخرج أسلوبا أقرب إلى سينما الحقيقة باستعمال حركة كاميرا حرة وقيادة للممثلين يبدون معها وكأنهم شخصيات أتوا من العالم الحقيقي دون أداء تمثيلي، لم يتوافق زميلاي في لجنة التحكيم الممثلة الهندية آرشنا، والناقد السيرلانكي مارون ذوقهما في التلقي فاستبعدنا الفيلم في النقاش على الجوائز، كذا تم استبعاد الفيلم الهندي " سيدة البحيرة" الذي قام مخرجه بتطوير عمل وثائقي له عن سكان الأهوار في نهر عريض يواجهون صعوبة العيش ومطاردة السطات المحلية، التطوير اعتمد على إضافة عنصر فانتازي بظهور شبح امرأة للصياد الفقير الذي يعاني من هوس بعدم الأمان، تم استبعاده أيضا،
وبقي للنقاش فيلم " منفى شخصي " الذي أثر فينا بفكرته اللامعة لجمع أربع قصص لنساء مضحيات من أجل الرجال ، القصص معنونة الابنة، الأخت، الصديقة والزوجة، جعل المخرج الممثلة الرئيس واحدة في الأجزاء الأربعة التي ينتهي كل جزء منها بأغنية على الطريقة الهندية، الفيلم قليل التكاليف يتحرك من خلال عناصر السينما الهندية في محاولة للفكاك منها، ولكن يبقى تأثيرها قويا وكلاسيكية الطرح مسيطرة. المخرج أرنوب ميديا شخص مبتسم طوال الوقت يقدم هنا عمله الطويل الأول الذي لاقى نجاحات محلية وحصل من لجنة تحكيم مهرجان جفنا الربع على تنويه خاص، كما حصل فيلم " ابني شاذ "
على تنويه مماثل وذلك لتطرقه لمناقشة محظور الجنس وحرية اختيار نوع الميل الجنسي، لا يخرج الفيلم عن التوقع بمناقشة القضية بطرح كثير من المعلومات العلمية التي يبدو أنها تحاول إيصال رسالة للمتلقي بتقبل اختلاف الميل الجنسي واعتباره مرض خلق صاحبه به. تراوح أسلوب المخرج بين سينما حرة تتطبق قواعد الدوجما وسينما النجم بأداء قوي للنجمة الأم وكاميرا ثابتة تنتظر نهاية تقمصها. المخرج لوكيش كومار دمث الخلق تساءلت النجمة الهندية آرشنا زميلة التحكيم، هل المخرج نفسه شاذ، ثم عقبت بأنها لا تعتقد ذلك، وهذا يوضح كيف أن اقتراب صانع سينما من هذا المحظور يثير الدهشة حتى بين المتخصصين فما بالنا بالجمهور الذي وجدته ناضجا مثقفا قادرا على متابعة الفيلم نتيجة وحدة اللغة ، البعض كان يضحك حيث يجب أن يكون الأمر جادا مما اعتبره زميلي مارون السيرلانكي نقطة ضعف في فيلم من المفترض أنه يثير التعاطف لا السخرية. وهكذا رغم الجرأة اكتفينا بمنحه تنويها خاصا. أما الفيلم الذي حصد الجائزة فمن بنجلاديش للمخرج نور عمران، بدأ فيلمه " سفينة برتقالية " برحلة مع مركب ضخم جمع فيها بين تابوت لضحية حريق مصنع، وزوج الضحية الباكي الذي يخشى رد فعل ابنه الصغير، ورجل الأعمال المجرم الذي حرق المصنع ليحصل على التأمين، وشخصية مركبة لرجل يقوم بأدوار عدة، يقود مجموعة في ألعاب السيرك لتسلية المسافرين، يمارس أعمال قوادة ويدفع بعاهرة متنكرة في نقاب لتريح بعض الزبائن، وأسرة متوسطة تقيم بجوار رجل الأعمار في مقصورات الأغنياء وحشد كبير من الفقراء على سطح المركب قادهم المخرج ببراعة شديدة ونقل بين القصص والشخصيات. نجح في التعبير عن المجتمع كله من خلال مركبه البرتقالي – طبقا للون المدهون به- الجثة تتعفن ورجل الأعمال مهدد بالسجن بعد أن تخلى عنه شركاء الجريمة، والأسرة المتوسطة في تفسخها البرجوازي، وهذا النصاب متعدد الوظائف أقرب إلى كونه يمارس هذه الأعمال للتحايل على المعايش ومنها القوادة والوعظ الديني إذا لزم الأمر . المخرج نور إمران مسلم في مجتمع يتقاسمه آخرون مع المسلمين لا يجد حرجا من انتقاد النصب الديني من خلال هذا الشخص أو من خلال خطورة استخدام النقاب للتخفي وممارسة الرزيلة. استخدام النقاب أيضا استخدمه أرنوب في قصته الرابعة عن الزوجين الزوج عاطل عن العمل والزوجة تقبل ممارسة الدعارة بعد التخفي في النقاب بينما يقوم الزوج بدور الزوج العربي في سيارة جمعتهما معا. أرنوب هندوسي ونور مسلم والمخرجان ينتقدان المظهر الشائع للمسلمين ويرويان قصصا على الأرجح مستمدة من الحياة الواقعية.
أعود إلى فيلم " السفينة البرتقالية " واستخدام نور للموسيقى والغناء الشجي الناقد للأحوال ومنها أغنية ذات مضمون سياسي كأغاني الشيخ إمام ونجم على ضرورة تعايش البوذي مع الهندوسي مع المسيحي مع المسلم. قيادة نور إمران للممثلين قيادة رائعة. ورغم التطلع إلى عروض لأفلام مستقلة بمهرجان جفنا الرابع إلا أن السينما في أغلب الأفلام كانت أقرب إلى سينما تقليدية تعبر بطريقة واقعية عن قضايا هامة بعضها شائك. مشاركتي التحكيم مع زميلتي الهندية وزميلي السيرلانكي لم تمكني من متابعة المسابقة القصيرة وإن كانت طبقا لبيان التحكيم الذي ألقته المخرجة الألمانية كارلا ماريا كانت أكثر طموحا في أساليبها الفنية وانطلقت دون القيود  التي تكبل الأفلام الطويلة، شارك الفيلم المصري " زي الشمس " للمخرجة هنا محمود مسابقة القصير وجدته اللجنة في حاجة لضبط الإيقاع وتقصيره قليلا لينافس على الجوائز. كما أقيمت ندوة محورها كيف تخطت النساء صعوبات العمل في مهنة يسيطر عليها الرجال، عرضت المشاركات فيها تجاربهن، وكانت شهادتي مع مقدمة تاريخية عن السينما المصرية التي قامت على أكتاف ثلاث نساء منهن عزيزة أمير، وكيف احتلت السينما مساحة مهمة في وجدان المصريين، وكيف وافق والدي على التحاقي للدراسة بمعهد السينما في مصرتاركا لي حرية الاختيار، حكيت كيف مارست العمل كمونتيرة بأجر مساو للرجال خلاف لأوربا وأمريكا التي تميز بين الرجال والنساء وأيدتني الألمانية الشابة في صحة هذا التمييز. تحدثت الهندية والسيرلانكية على جهدهما الفردي لفرض وجودهما، ختمت حديثي بأن إدارة النساء لمهرجانات السينما أو إخراجهن للأفلام أصبح أمرا اعتياديا لا يتوقف عنده أحد.
مهرجان جفنة السينمائي الرابع شاركت فيه مصر بفيلم في مسابقة القصير وبعضوية لجنة تحكيم الطويل لكاتبة هذه السطور، ونتطلع بالتعاون مع السفارة المصرية في سيريلانكا بالتوسع في مساحة التعاون مع شعب جاد يحترم المرأة ويضعها في مكانها الذي تستحقه.

 فاسنتي، صفاء وكارلا في الختام
مهرجان جفنا تقيم على تنظيمه الناشطة المجتمعية أنوما راج خارونا تساعدها كانكا وفاسنتي وفريق من المتطوعين تم تكريمهم جميعا في الختام .
صفاء الليثي
القاهرة أكتوبر 2018
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 16 أكتوبر 2018  رئيس التحرير عماد الغزالي

No comments:

Post a Comment