Monday, 27 November 2017

محاولة لتتبع بذور العنف




مذلون مهانون في المجتمع الكوري الحديث

فى عمله الأول يتتبع المخرج الكوري تاجيو ليم بطله يونج الجندي الشاب وتعرضه للاستغلال من قبل رئيسه الضابط، حين تعوق شكوى مجهولة الضابط من ترقية محتملة يضغط أكثر على يونج الذي يضغط بدوره على مروؤسه فيليب ليعترف بأنه من قدم الشكوى. مشهد البداية يقدم  فيه المخرج الجنود بكامل زيهم والضابط بفانلة داخلية يحاول التبسط معهم ومع فيليب المجند الأصغر في المجموعة، وحين نعرف موضوع الشكوى سنعرف سر تبسطه غير المخلص وضغطه المستمر على يونج وإذلاله. يعنف ضابط أعلى يونج ويحقق معه بعنف، يضربه ويهينه ويأمره بمعاملة فيليب بالمثل حتى يصل الأمر إلى كسر إحدى أسنان فيليب ويتورط يونج في محاولة إصلاح الأمر . يحدث كل هذا في يوم واحد يكون منتظرا فيه زيارة من أخته حاملة معها ملابس وبعض النقود. الأخت لا تحضر ولا ترد على التليفون، ويصبح على يونج  المهموم بأمر أخته، وبالجندي فاقد سنته أن يحل المشكلتين معا، فيذهب إلى زوج الأخت- صادف أنه طبيب أسنان - طالبا مساعدته، وتصبح هذه المساعدة ورقة يقايضه عليها زوج الأخت الذي يضرب الأخت ويفشل يونج في إقناعها بترك هذا الزوج العنيف، هنا يربط المخرج بين الجلاد والضحية فلا يمكن أن يستمر العنف إذا لم يرض الطرف المعنف ويتنازل عن حقه. من الواضح أن عيشة مرفهة في بناية حديثة تجعل الأخت تتغاضى عن ضرب زوجها لها. عنف سادي من الضابط رئيس يونج في المؤسسة العسكرية المعروفة بتراتبية بين كل فرد وآخر وطبقية بين الأعلى والأدنى، وعنف في مؤسسة الأسرة من الزوج الذي يبدو هادئا على السطح وعنيفا وقاسيا في الحقيقة، ينتقد المخرج الشاب هذا العنف في المؤسستين ولا يعفي الضحية المستسلمة للذل، والتي تتحول بدورها إلى شخصية عنيفة تمارس عنفا على الأضعف كما حدث من يونج تجاه فيليب ومن الأخت تجاه أخيها يونج. 
يحكي المخرج تاجيو ليم من خلال رحلة يونج لإجلاء الحقيقة، لايتركه نهائيا، متتبعا إياه بكاميرا محمولة يدويا، غالبا من ظهره كشخص مهزوم، وسيبقى مهزوما بل سيفقد مثاليته وبراءته حين يضطر لتعنيف فيليب وتعنيف أخته، بعد فشله في إقناع الأول بالاعتراف بأنه من قدم الشكوى في الضابط، وفشله في أخذ الأخت بعيدا عن زوجها الذي يهينها ولا يكف عن ضربها. يكشف الفيلم عن طبقية المجتمع الكوري وعن فساد الطبقة الوسطى التي لا يكف أفرادها عن إذلال من يقع تحت سيطرتهم، ويصبح المنطق ( يا قاتل يا مقتول) رغم التظاهر بأن هناك تحسنا وتطورا في قوانين المؤسسة العسكرية بما يسمح بتلقى شكاوى عن كبار الضباط بل ومحاكمتهم. ونعرف هذا من حوار بين زوج الأخت وصديقه طالب البوليس الذي يوشك على التخرج. التوتر في العلاقة بين يونج وزوج أخته من ناحية، وبين يونج ومجموعة فرقة الجيش سواء الضابط رئيسه أو المجند مروؤسه تعكس هذه الفوارق الطبقية في المجتمع الرأسمالي الكوري الحديث. 

لجأ المخرج إلى تفاصيل صغيرة لرسم شخصيات عمله، في مشهد البداية الجنود بكامل زيهم الرسمي، بينما الضابط يتحرك بفانلة داخلية وشورت وشبشب – عفوا مداس مفتوح- والجنود بحذائهم العسكري ورباطه الذي يستغرق وقتا في ربطه وحله، ويقدم كتمرين- سخيف-  على سرعة استجابة الجندي ومهارته في سرعة فك رباط حذائه. الجنود يفضلون عدم الاستمرار بالبقاء في الجيش، ولكن الضابط يفضل البقاء، ولم لا، ما دام متمتعا بحريته، ممارسا ساديته في إهانة وتعنيف كل من يقع تحت رئاسته.
لم يكتب ليم السيناريو بنفسه، ويبدو أنه فضل الاعتماد على سيناريو احترافي محكم البناء. رغم أن الفيلم قائم على تجربة شخصية له، لم يلتحق المخرج بالجيش ولكنه شارك معسكر تدريب مكثف لم يعامل فيه بشكل سيئ ولكنه يتذكر أيضا بعض الحوادث غير السارة التي أظهرت له كيف يمكن للجيش الكوري الجنوبي أن يكون قاسيا وحشيا على الشباب في نظامه القمعي. في حالة وجود خدعة رفيعة المستوى جعلت الحياة بائسة بالنسبة لنا، وكذلك مدربينا، لم يكن سوى متسلل متعجرف سادي في رأيي، وما زلت أتذكر جيدا عندما هددنا هذا الوغد الممتليء بالكراهية بعقوبة تأديبية فقط بسبب خطأ طفيف لمجند واحد. يكمل في لقائه بعد عرض فيلمه بمهرجان كوريا 18، وهذا هو السبب الذي دفعني إلى الرد بقوة على عدد من المشاهد الوحشية العاطفية في فيلم كوريا الجنوبية المستقل "بذور العنف" الذي يلاحظ العنف البارد ليس فقط من الجيش الكوري الجنوبي بل أيضا المجتمع الكوري الجنوبي. من المثير أيضا أن نرى كيف يتساوى العنف في العالم الخارجي في الواقع، والفيلم يترك لنا في نهاية المطاف لحظة قاتمة للتفكير في هذه الحالة الاجتماعية غير القابلة للتجزئة في كافة مؤسسات المجتمع.
قي فيلمه المستقل ومع كاميرا صغيرة محمولة يدويا، وبأسلوب يبتعد عن الإبهار التقني للسينما الكورية السائدة، والمختلف أيضا عن فطاحل السينما الكورية رفيعة المستوى كأفلام (كيم كي دوك) يقدم جياو ليم عملا بسيطا صاغه في يوم واحد ملئ بالأحداث التي تبدو اعتيادية ، كاشفا عن خلل كبير في مجتمعه بحس نقدي ينبه إلى خطورته.  
      نشر بنشرة المهرجان الاثنين 27 نوفمبر 2017 ( العدد السادس) تحرير خالد محمود 

No comments:

Post a Comment