Monday, 27 November 2017

اختفاء في صحراء الغابات الثلجية



مثلث غير تقليدي 
في دراما نفسية أسرية
كثيرة هي الأفلام التي تقدم دراما المثلث التقليدي ، زوج وزوجة وعشيث- أو عشيقة-، في فيلم اختفاء مثلث من نوع آخر بين أم وابنة وأخ أصغر. العلاقة بين الابنة أو الأخت الكبرى مع الصبي الأخ الأصفر تتسم بالحميمية، هناك دفء في العلاقة، يلعبان معا بما يعكس القدرة على التواصل والتفاهم والتناغم معا. بينما العلاقة مع الأم باردة، تتحدثان كغريبتين، ودائما الكاميرا من وجهة نظر الابنة من ظهر الأم المنصرفة دائما إلى شئونها.

تبدأ الحكاية بوصول سيدة في مقتبل العمر تقود سيارتها عبر طريق تحوطة غابات حيث منزل وحيد في صحراء ثلجية، تستقبلها الكلاب في ترحاب، هي تناديهم بأسمائهم عدا كلب واحد، ثم استقبال أشد حماسة مع صبي يركب الآن ظهرها وسط نباح فرح من الكلاب بينما تلقي بكرات الثلج جريا وراء الصبي. ثم قطع إلى مشهد بإيقاع مختلف تماما، الزائرة تتأمل ظهر امرأة تعمل بهمة وتلقي أسئلة على نحو عابر. هذه الدقائق فيها تقديم للشخصيات الرئيس بالعمل وتوضح شكل العلاقة على نحو سيتأكد مع تكرار المشاهد بين الأخت الكبرى والصبي، وبيها وبين الأم. في مفتتح الفيلم وقبل العناوين مشهد لطفلة تعزف على البيانو في حفل ينتهي بتصفيق معجبين، وفي المشهد الأخير من الفيلم تنهض فيه الفتاة تحي جمهورها أو تودعه كما سيتضح لنا في النهاية. حيث ستتجه روز وهذا اسمها الى الأفق الثلجي وتختفي اختياريا.

نعود للسرد الذي بدأ بقدوم روز، لقائها مع الأخ ثم مع الأم، روز مع جيران حيث يدور حديث لطيف، ثم الأم تعزف على البيانو عزفا بديعا وسيتضح أنه احتفال صغير بعيد ميلاد الصبي الثالث عشر. وسط الاحتفال روز تتظاهر بالسعادة، ولكن لحظات سعادتها الحقيقية مع أخيها في الخارج يشكرها على هديتها. الحوار يدور بين الابنة والأم بلغة النرويج، بينما يدور مع الأخ بالإنجليزية سنعرف جانبا من حكايتهما وهما تتحاوران معا، اختارت روز أن تعيش مع والدها تاركة الأم هنا في هذا الشمال الأوربي وثلوج شتائه. المشاهد التي تجمهما معا دائما تعكس توترا وعدم انسجام، بينما مشاهدها مع أخيها بها محبة خاصة، يطلعها على سره، اختراعه بتسجيل أصوات الطبيعة في الكهف الذي كونته الثلوج، وكل الأصوات المحيطة بينها تسجيلا لمناقشة حادة مع الأم مزجها الصبي بدقات قلب، يقول لأخته دقات قلبك مع ذوبان الثلوج، يرقصان على شريط الصوت الذي كونه . مضى زمن من الفيلم ولم نعرف بعد سبب الزيارة إلا عندما تقابل جار شاب، يبدو أنها كانت تعرفه قبلا، تركب معه سيارته، تتشمم غطاء رأسه، تمارس معه الجنس بعنف تخبره وهي معه فجأة ( أنا بموت I am Dying) صدمة له ولنا وينكشف سر نظرات روز الزائغة ومراقبتها دوما لانشغال الأم كمن تتحين فرصة لإخبارها. عندما تجيء الفرصة لا تصدقها الأم حين تخبرها وهي تتقيأ أنا مريضة، حين تدور مناقشة حادة بينهما وتمضي روز بعصبية في الطريق يصطدم بها حيوان قادم من الغابة، تكون الأم قد سارعت باللحاق بها ويدور مشهد من أروع مشاهد الفيلم حيث نسمع حكاية الأم التي تركها والديها في مدرسة داخلية من سن الثامنة، وبدأت في التجوال في العواصم مع حفلات الكونسير الضخمة، يقطع المخرج بين لقطات حكيها في السيارة مع بحثهم ومعهما محترف مسئول عن الحيوان الجريح لإنهاء عذابه، صوت حكيها مستمر والقطع مستمر، نسمع صوت طلقة الرحمة وسيتبين أنها خرجت من بندقية الأم. المشهد يوضح سر صلابة الأم، سبب قوتها الداخلية ، وقدرتها على الفعل.
نعود للعلاقة مع الأم فرغم الاختلاف بينهما إلا أنها هي من ستنقذها من متاهة الغابة، وهي من ستتفهم رفبتها في عدم الاستمرار في الحياة. أما العلاقة مع الصبي معه تعود طفله تلاعبه، ويقوم هو بدور الناصح والزاجر لها، يوبخها هل ستختفين مرة أخرى بلاسبب. طوال الفيلم لايجتمع الثلاثة معا، بعد انكشاف مرض روز تجتمع الأسرة في لقاء أشبه باجتماع عائلي، الفتي غير قادر على التحكم في غضبه يحطم كهف الأسرار وتمنعه روز محتضنة إيه. سابقا يسبحان معا في حفر المياه وسط الثلوج، هي بصدرها العاري تجري معه حوارا حول علاقته بالفتيات، وحين ينظر إلى ثديها تمسك يده وتجعله يتحسسه، تنمحه خبرة وتشجعه على التعامل مع الجنس الآخر. ثقافة أخرى دون خشية الاتهام بشذوذ أو ما شابه.
ثقافة شمال أوربا وخصوصية تفاصيل الحياة، واضحة في الغابة، الثلوج المنتشرة، الحيوانات الشاردة والنزهة حيث تجر الكلاب زلاقة، عربة الجليد تقودها الأم ، مرتان تأخد الأم ابنتها، تجلسها على الزلاقة، وهي واقفة تقود بينما الكلاب تجر في سرعة في الصحراء الثلجية. مرة كطلب من الابنة قبل التفاهم. ومرة بعد تصالحهما وتأكيد الابنة على رفضها لإجراء العملية التي قد تنقذ حياتها، واضح أنها آثرت الاختفاء في الأفق الثلجي كنوع من الانتحار كمصير اختارته بدلا من انتظار موت أليم.
اختار المخرج أن يكون واضحا، ففي مشهد مع الشاب الذي مارست معه الجنس يصطاد من حفرة بالثلج ، اصطاد سمكة تطلب روز منه أن تمسك بها، هي وحيدة مع السمكة التي تعافر محاولة التنفس خارج المياه، تعيدها إلى المياة مرة أخرى وتخبره، هي أرادت العودة. التشبيه مع السمكة المقبلة على الموت التي أرادت العودة حيث بيئتها ومسقط رأسها واضح. لا يتركنا المخرج مع الحزن فها هو الشاب  يدير أغنية مرحة يرقص وروز على نغماتها، من كلماتها ، إنه يوم  صيد جيد .، ثم قطع حاد لها تتقيأ والأم توبخها معتقدة أن إسرافها في شرب الخمر السبب. تحاول روز إخبارها أنها مريضة، ولكن الأم تقول كفاك ميلودراما    
اختفاء دراما نفسية مؤثرة، نجح فيه المخرج في التعبير عن أزمة سيدة مقبلة على الموت، وجعلها تتصالح مع أسرتها ومع الحياة قبل الاختفاء. 
نشر بنشرة المهرجان العدد الثاني 23 نوفمبر 2017 تحرير خالد محمود

No comments:

Post a Comment