Sunday 1 October 2017

شيخ جاكسون وفوتوكوبي فيلمان مصريان بمسابقة الجونة الأول

في الجونة تنافس نوعان من السينما المصرية 

نجح مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الأولى في ضم فيلمين مصريين لمسابقته، "شيخ جاكسون" مسبوقا بدعاية كبيرة ، مميزا بأنه فيلم الافتتاح، الفيلم المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، والثاني "فوتوكوبي " لمخرج يقدم عمله الأول. في العالم وفي مصر، نوعان من السينما، سينما سائدة تعتمد على نجوم، في سرد يتخذ حكاية كبرى وحدث ساخن، يبدأ عادة بمشهد قوي. 
شيخ جاكسون النجم الشاب أحمد الفيشاوي رجلا، والنجم الصاعد أحمد مالك صبيا، حائرا بين تربية والده) قام بدوره النجم ماجد الكدواني) التقليدية على الطريقة المصرية ( عاوز أعمل منك راجل) وبين الخال الذي يوجهه على طريق إرضاء الله وتفضيل طاعته على كل مباهج الحياة. تيمة معاصرة تعبر عن ارتباك وحيرة للشباب المصري ممتدة منذ أكثر من ثلاثين عاما، يلح في مناقشتها المخرج عمرو سلامة المنشغل بنفسه بهذه الحيرة . مستعينا بكاتب سيناريو يقدم عمله الروائي الأول ، عمر خالد مخرج لأفلام قصيرة تميز منها فيلمه عن صبي الشوارع كريم ، ذكاء من المخرج عمرو سلامة البدأ بفكرة هذا المراهق بين إعجابه بموسيقى مايكل جاكسون، وبين تراتيل القرآن وصلاة التهجد. ولكن كيف تناولها؟، بادئا بمشهد لحلم مفزع ثم لجلسات مع طبيبة نفسية وعن طريق العودة للخلف يحكي لنا حكاية الشاب خالد. فيلم ليس به سوى لحظات ومواقف ساخنة على مدى زمن الفيلم كله، بإيقاع مشدود لا تترك للمشاهد لحظة تنفس. يلقى هذا الأسلوب تجاوبا من غالبية المشاهدين، بينما ينزعج منه قلة أنا منهم، حيث شعرت بكم الضغط العصبي الذي يمارس علينا لندرك مأساة خالد، شيخ جاكسون الذي لم يعد قادرا على البكاء في صلاته. 
على الجانب الآخر يقع فيلم " فوتوكوبي" حيث محل تصوير المستندات بلافتته القديمة في بناية يتم تجديد طلائها بلون وردي يسقط جزء منه على لافتة عم محمود . في رمزية سيلعب عليها المخرج بهدوء للصراع الحادث في الفيلم على الرصيف المواجه لنا ، المنظر الذي يكاد لا يختفي طوال الفيلم. تنفست في الفيلم رائحة حي من أحياء القاهرة ، حي للطبقة وسطى يجري بها تحولات ، يحضرني حي السيدة زينب جنوب ميدان لاظوغلي العريق، حيث تتجاور عراقة توشك على الانقراض، بجانب تحديث ظاهري . بين محل التصوير لصاحب مهنة الجميع، جمع المقالات، التي تم الاستغناء عنها وبين الشباب في النت كافيه بألعابهم وصخبهم.

حين اتخذ المخرج الكبير داوود عبد السيد من هضبة المقطم موقعا لفيلم " سارق الفرح" كتب النقاد أنها نقلة جديدة عن حارة العزيمة التي أصبحت مكانا لكثير من أفلامنا المصرية، حارة العزيمة الممتدة بحانوت الجزار، والحلاق، ومنازل أفراد الشعب وفاتنة الحي . بينما حارة داوود منفتحة على الجبل حيث تجري الأحداث والأبطال مطلون على السماء المفتوحة. في فوتوكوبي حارة ثالثة ، رصيف فقط به البناية مع محل التصوير، ورصيف مواجه به الأجزخانة حيث الاحتياج الرئيس لبطلة الفيلم ست صفية، والعلاقة مع الدكتورة الصيدلانية، جيل يقترب من الفناء، موتا أو مهنة، وجيل صاعد، طيبون ولكنهم يتحايلون على معيشتهم، ليرثوا المحل بما فيه ، ليس عن طريق التآمر ولكن بقدر من الظرف دون زعيق .

في السيناريو يتحدث الأساتذة عن لحظة التنوير، هنا في الفيلم مقالة عن الديناصورات المنقرضة يجمعها عم محمود تهزه من الداخل فينشغل بسؤال الفيلم، لمذا انقرضت الديناصورات، بعدها يتقدم خطوة ليتزوج السيدة التي يحبها، وليتوسع في دكانه ويُدخل تقنية النت، تدخل معها شخصية الأفريقي من النيجر الذي يتحدث مع خطيبته هناك، ويتطور الأمر فيأتي بصديقه السوداني أيضا، شباب الحي يتحولون من التندر على عم محمود وتأخره في التعامل مع الكومبيوتر إلى داعمين له ، في مشهد مر سريعا متحلقون حوله يشجعونه وهو يلعب ، هذه العلاقة بين جيل الشباب ، الطبيبة الصيدلانية، وعلي الطيب صاحب النت كافيه، وبين عم محمود والست صفية، تلخص فكرة الفيلم دون أن يتصاعد الصراع، ودون موسيقى زاعقة ولا أداء تمثيلي حاد. التركيز على لحظات عادية من الحياة اليومية أسلوبا اتخذه المخرج تامر عشري في فيلمه الأول الذي يلعب على المشاعر دون أن يدعي تناول قضايا كبرى. سيناريست شاب في عمله الطويل الأول يظهر صراعا لا تستغني عنه الدراما بين رئيس اتحاد الملاك، الغليظ بيومي فؤاد والذي يمارس ضغطه على عم محمود في مشاهد تجري أيضا على الرصيف مع مشهد واحد جرى بشقة ست صفية. الصراع موجود ولكن تم التعبير عنه بإيجاز بلافتات علقها محمود، في لحظة قرر فيها أن يواجه الحياة فيتقدم للزواج والترشيح لمجلس إدارة العمارة وبالتعبير الصارخ  بتعليق لافتات عن المجلس الباطل.
للمشاهد الحرية في أن يقرأ المشهد كتعبير مباشر عن موقفين في شأن داخلي بين ملاك وحدات في عمارة، أو يمد الأمر ليقرأه كتعبير عن موقفين من النظام ككل ومن الحياة في مصر المعاصرة، بساطة العرض وعدم إلحاح المخرج على المشاهد تترك له حرية التلقي، بما يختلف تماما مع أسلوب مخرج " شيخ جاكسون" الذي لا يترك للمشاهد فرصة للتأمل، فتتلاحق مشاهده الساخنة في اتجاه وحيد، الأب في الجاكوزي مع سيدة دون مراعاة مراهقته، يخلع الباب ليحرمه من حريته في اختيار ما يحب، يدافع عنه بشراسة ويسبه ( أنا ما خلفتش راجل) ، يدخل خالد تحت السرير كتجربة للقبر، يكرر المخرج الحركة من زاوية علوية، حركات كاميرا بالكرين، موسيقى عالية. 

بينما في فوتو كوبي تصحبنا أغنيات قديمة، ويتم تقديم الأشخاص بكاميرا هادئة تشعرك أنك تشاهدهم من على الرصيف المقابل.

انحازت لجنة تحكيم مهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الأولى لأسلوب فيلم " فوتو كوبي " اللجنة ترأستها سارة جونسون منتجة أمريكية، حاصلة على جائزة إيمي لإنتاج المستقل، ومنتجة منفذة لعدد من الأفلام البارزة منها بيردمان، والناقد دافيد دارسي، والمدير الفني للمهرجانات والمستشار للعديد من المنظمات السينمائية مارك آدامز، والممثل والمخرج الجزائري إلياس سالم، حاصل على فيبريسي عام 2008، والحصان البرونزي في فيسباكو 2009. وضمت في عضويتها المخرج المصري أسامة فوزي القدير ( عفاريت الأسفلت، جنة الشياطين، بالألوان الطبيعية ) فمنحته جائزة أفضل فيلم عربي عرض بالمهرجان، والجائزة منحت للمنتج الذي تحمس لكتابة جديدة وإخراج رصين، وأجد اللجنة وقد فضلت تحية سينما تتناول حياة بشر بعيدا عن القضايا الكبرى يختلف عن السينما الزاعقة بصوتها العالي.

بمناخ الاحتراب بين فريقين، يكتب كثيرون كيف لا يحصل "جاكسون" على الجائزة، وما هذا الفيلم ( القصير) الذي منحوه جائزتهم، فقد ساد رأي أن فوتوكوبي بالكاد يصلح كفيلم قصير، إي أنه فقير وبدائي، ومن الغريب أن غالبيتهم من شباب النقاد المفترض فيهم النفتاح على السينما الطليعية وليس التشبث بسينما النجوم ومخرجي السوق. متناسين أن كل لجنة لها معاييرها التي تنطلق منها، وهي متسقة مع كل جوائزها، حيث انحازوا لأفلام تتناول صراع إنسان ما مع الحياة من خلال سينما درست النفس البشرية وعبرت عن قلقها في " أم مخيفة" و" أرثميا " وفي " فوتوكوبي " دون اللجوء إلى أساليب السينما التجارية بالاعتماد على نجوم شباك، أوبالتركيز على انقلاب درامي بتحول صارخ في الشخصية، ولا بالتوسع في تناول أطراف عدة دون اختزال تتطلبه مرحلة الكتابة التي أجدها مرتبكة في " شيخ جاكسون" وعميقة وبسيطة في " فوتوكوبي ". تفاهم هاني عشري مع هيثم دبور فقدما معا عملا راقيا، بينما فرض عمرو سلامه رؤيته الفنية التقليدية على فكرة عمرو خالد اللامعة فعكس الفيلم ارتباكا لصانعه كارتباك بطله بين فن عالمي يمثله مايكل جاكسون، وتربية قامعة بوجهها الذكوري التقليدي أو الديني السلطوي. بدا لى المخرج نفسه مرتبكا محاولا أن يرضي جميع الأطراف، مرتبكا في سرده بالاعتماد على خط الطبيبة النفسية والفلاش باك. وهذا الخليط المربك في السرد لايقل عن ارتباك بطله الذي لم أصدق أن يلجأ مثله إلى طبيب نفسي، فما بالك بطبيبة.

غالبا سينجح " شيخ جاكسون" في سوق السينما في مصر، ولن يصمد " فوتوكوبي " في دور العرض، ولكنه سيستمر في نجاحاته بحصد جوائز في مهرجانات ينحاز حكام لجان تحكيمها الى السينما البديلة ، وإن كان نموذج " فوتوكوبي " ليس منقطعا تماما مع السينما السائدة، ولكنه كما أفلام هالة خليل يقع في منطقة وسط بين سينما النجوم وتيماتها الزاعقة، وبين السينما البديلة بالاعتماد على الممثل وليس على النجم، وهو انحياز المنتج صفي الدين محمود الذي تحمس لفيلم هالة خليل الأخير "نوارة" وللعمل الأول لتامر عشري "فوتوكوبي ". وأتمنى أن يخيب ظني وأن ينجح في سوق السينما المصرية مع جمهور لا يمكن دائما توقع ردود أفعاله، فأحيانا تكون استجابته رائعة ومساندة لفيلم يعبر عنهم دون ضجيج.        

صفاء الليثي القاهرة أول أكتوبر 2017


No comments:

Post a Comment