Thursday 30 April 2015

فيلم وثائقى عن عمال المحاجر


بسام مرتضى  ومحمود لطفى
فى انتظار العائد من الجبل
 فى صياغة درامية قدم المخرج بسام مرتضى فيلمه عن عمال المحاجر بإحدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر، مكنته المعاينة والبحث من التقاط الفكرة التى بدأ بها الفيلم عن مخاطر العمل فى المحاجر حيث تأكل ماكينة تقطيع الحجر أذرع وأقدام العمال الذين يعملون فى ظروف غير مسموح بها عالميا، يتحركون وسط غبار الأحجار الذى يتصاعد ليحجب الرؤية عن مشغل الماكينة وعن زملاءه من العمال أثناء عملهم. يركز بسام على أسرة بعينها يلتقى مع الأم التى تنتظر يوميا عودة أبناءها بعد أن أكلت الماكينة قدم وذراع ابنها الأوسط. تحكى كيف أن الابن رغب أن يكون معه مصروف وأن يجد نقودا فى جيبه كما أقرانه ممن يعملون فى المحجر ويكسبون رزقهم. وعندما يعود من الحادث المحتمل يكتب بسام على الشاشة عامل سابق ، حيث يصعب على من فقد جزءا من جسده العمل مرة أخرى وخاصة فى المحاجر.
لم يغال بسام مرتضى ومعه مدير التصوير محمود لطفى فى جماليات الصورة التى لو حدثت لأفقدت المعنى من وراء الفكرة عن صعوبة المناخ الذى يعمل فيه أهل القرية ، الجمال يظهر فى الحميمية التى صور بها العمال وفى إظهار وجوههم فى إضاءة المكان كلوحة شخصية لصبية ورجال يرغبون فى تحسين معيشتهم وأسرهم مهما كانت المخاطر المتوقعة.
بسام مرتضى ليس مخرجا يقدم الأفلام التسجيلية كطريقة لكسب عيشه بل تشعر أنه يناضل من خلال عرضه لمشاكل ناسه فيهتم بالبحث ويضمن أفلامه وثاثق ومعلومات لا يصيغها بشكل مباشر مصادرا على حرية المتلقى، بل يعرضها بأسلوب فنى يسمح للمتلقى بالمشاركة عبر أسئلة يثيرها شخصوص الفيلم وحوادثه. لا يذكر مثلا أن هذه قرية كذا وتعداد سكانها كذا يعيشون هكذا بالتعليق، بل يترك لنا مساحة للتفاعل واستنتاج بعض المعلومات عن سكان هذه القرية من مسيحي مصر، وعما يمكن أن يحدث من اتفاق أو خلاف مع سكان آخرين من المسلمين. يركز بسام على فكرته الأولى " العائدون من الجبل وانتظارهم " ويترك باقى الأفكار مفتوحا لفهم كل مشاهد طبقا لمرجعيته.
الفن وظيفة مجتمعية هكذا ترى عطيات الأبنودى وهكذا يسير بسام مرتضى ومحمود لطفى على الطريق، يخدمان المجتمع ويحققان أيضا طموحهما الفنى من خلال صورة جمالية مؤثرة، وصياغة درامية مستمدة من الواقع ليحققا نموذجا جيد امن نماذج سينما الحقيقة . لماذا بسام ومحمود ، لأن تعاونهما معا كمخرج صاحب رؤية فنية وسياسية ، وكمدير تصوير صاحب رؤية جمالية وإنسانية أثمر عملا أشد تشويقا من كثير من الأعمال الروائية المعتمدة على التأليف والخيال حتى لو كان خيالا مستندا إلى الواقع.
يدفع الفيلم بالمتلقى إلى محاولة التزود بالمعرفة حول عمال مصر وعلاقتهم بأصحاب رأس المال، عن القوانين المنظمة للعمل وحقوق العمال، عن حجم الظلم الذى يعانيه فقراء مصر . كما يدفعنا إلى التفكير فى الأساليب الفنية الأمثل للتعبير عن كل هذا، وكلها أفكار وضحت فى النقاش الذى دار مع المخرج عقب عرض فيلمه ببرنامج رؤى بالجامعة الأمريكية، دفع الخط الدرامى البعض إلى التعامل مع الفيلم كعمل روائى، ولم يتدخل المخرج لتصحيح الأمر بل تجاوب مع السائل وكأنه أيضا يعتمد تصنيف عمله كدراما مؤلفة، والأقرب أنها دراما تسجيلية تعتمد بالكامل على أشخاص طبيعيين يؤدون دورهم فى الفيلم كما فى الحياة حتى لو لجأ المخرج إلى توجيههم لتصوير لقطة وجدها مناسبة ليربط بين ما صوره بنفسه وبين وثائق وجدها عند أهل البلد ووقد وثقوا ثورتهم قبل ثورة 25 يناير للمطالبة بضم نسبة من الأرباح لصالح نقابتهم المستقلة. الإيمان بالاستقلال عقيدة عن المخرج الذى يكتب أيضا فى مدونات مستقلة معبرا عن أفكاره ومواقفه، متضامنا مع زملاء له يشاركون فى العمل العام أملا بالتغيير.
ينجح الفيلم التسجيلى حين يقدم صناعه شخصياته بحب وحين يقتربون من أحلامهم ويؤمنون بعدالة قضيتهم، وهو ما وضح مع المخرج المستوعب لمشاكل شعبه والحالم معهم بالتغيير. وبهذا ينضم بسام إلى مخرجى الواقعية الجديدة فى مصر، ينضم إلى خيرى بشارة الذى بدأ مشواره بالعمل البديع صائد الدبابات وطبيب فى الأرياف ومع داوود عبد السيد الذى بدأ بوصية رجل حكيم فى القرية والتعليم وبالعمل فى الحقل، جامعا مثلهما بين الرؤية الناضجة وتفهم مشاكل أهل مصر، وبين التناول الفنى الذى يدفع المتلقى إلى عدم الاكتفاء بالمشاهدة، بل بالمشاركة فى طريق المعرفة التى تخدم المجتمع وتسلط الضوء على مشاكله بنظرة نقدية ثورية تعزز دور الفنان مثقفا ثوريا مهتم بقضايا وطنه وشعبه.
درس صناعة الأفلام بمعهد الجيزويت بالقاهرة أخرج أول أفلامه " بيت حلوان " عام 2007 ، وفى عام 2012 شارك فيلمه الثورة خبر بمهرجان برلين ومهرجان سيول ، وفيلمه هذا فى انتظار العائد من الجبل تسجيلى قصير 2015 . يعمل حاليا مدير تحرير لوحدة المالتي ميديا بالمصري اليوم. كما أنه شريك مؤسس لشركة سي ميديا للإنتاج الفنى والوثائقى.

 نشر بجريدة البوابة الأربعاء 29 ابريل 2015


No comments:

Post a Comment