Saturday 30 September 2023

السورية الرائعة أنطوانيت عازرية

 

جمال الروح والعقل معا

صديقتى السورية الرائعة أنطوانيت عازرية التي أصبحت مونتيرة كبيرة في سوريا، تزاملنا في المعهد العالي للسينما قسم المونتاج وتخرجنا عام 1975. سافرت أنطوانيت على سوريا، وبدأت العمل في المؤسسة العامة للسينما وشاركت عددا من أهم أفلام جيل يمكن أن أقارنه بجيل الواقعية الجديدة في مصر. انقطع بيننا الاتصال لسنوات، ثم جاءنى اتصال منها وأخبرتني عن تواجدها بالقاهرة  مع فيلم "ليالى ابن آوى" بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، كان العام 1989، ما أذكره جيداً أنه كانت قد مرت 17 عاما بين آخر لقاء لى مع أنطوانيت قبل تخرجنا بعام واحد، كانت هناك فترة توقف بين انتهاء الدراسة النظرية ومشروعات التخرج التي تأخرت عاماً كاملاً. لذا تفرّقَتْ بنا السبل. تواصل الحديث بيننا وكأننا كنا معا طوال هذه السنوات. وكانت عينا أنطوانيت النجلاوتان تبرقان بنفس الحماسة وكنتُ أنا اتهديت، مجهدة برعاية ثلاثة أبناء مع العمل في المونتاج.

 سرنا في الطريق إلى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر حيث كان يقام المهرجان وقتها، كانت المرة الأولى لى بعد انقطاع أن أحضر عرضاً يجمعنى مع الزملاء. يحكي فيلم "ليال بن آوي" عن أسرة تعيش في بيت وسط الجبال، تعمل في زراعة الأرض، الأب مسيطر، يعيش ابنه الأكبر في المدينة من أجل الدراسة، وهو في الحقيقة هارب من جبروت الأب، ويلجأ الإبن الأوسط إلى جيرانه في الحقل وإلى الهروب بين أحضان جارته، بينما الابن الثالث الأصغر بلا طموح، أمّا الزوجة فهى قليلة الكلام. أسلوب المخرج يعتمد على اللقطات الطويلة بحركة كاميرا بانورامية، يلجأ إلى القطع عندما يتوتر الحدث وتصبح اللقطات القريبة معبّرة في صمت عن العلاقة بين الأب المتسلّط وباقي أفراد العائلة، تتدخل المونتيرة أنطوانيت عازرية لضبط الإيقاع بالقطع في اللحظة المناسبة، في الربع ساعة الأولى تم تقديم الأسرة حتى مشهد العرس وزواج الابنة. التفاصيل مدروسة بعناية فمثلاً يركب الأب القوي الحمار قائداً موكب العمل وباقي أفراد الأسرة يسيرون خلفه مقهورين، كان قراءة اسم صديقتي التي أحبّها وأقدّرها على عناوين الفيلم أمراً محفّزاً ومُفرِحاً لي.

 وجدتْ أنطوانيت مناخاً لتميّزها في سوريا فور تخرجها معنا من المعهد العالي للسينما دفعة 1975 محققة المرتبة الأولى علينا، في السنة الثالثة  سنة ما قبل التخرج قُمنا فيها بالثورة على الأساتذة والمناهج، بادئين برفض الانتظام في محاضرات الفنان التشكيلى يوسف فرنسيس وكنا نجده غير كفء، كانت عميدة الأكاديمية الكاتبة التقدمية لطيفة الزيات، والأديب يوسف السباعى وزيراً للثقافة، وقد تقابلنا معهما نحن المحتجّين من المعهد أنا وأنطوانيت في الصف الأول من المسيرة، تحدثتْ أنطوانيت بلكنتها المحببة وكانت نوعاً خاصا من الفصحى، قاطعها يوسف السباعى: "إنت منين؟" قالت: من حلب، قال: "وأنا بقول العيون الحلوة دى منين"، ضحكنا جميعاً وتفرّقتْ المظاهرة على وعد بالاستجابة لمطالبنا، وفعلاً أُلغيت مادة لا أذكر اسمها الآن، كل ما أذكره أن يوسف فرنسيس قد خرج باكياً، وكنا كوحوش صغار تأخذنا الحماسة في هذه الفترة ونحن نقاوم السادات وسياساته، ولم تكن مجموعة "دكاترة موسكو" قد وصلت المعهد بعد تخرجنا مباشرة قبل أن يتولوا مسئولية معهد السينما في مصر.

 عملتْ أنطوانيت مع دكاترة موسكو السوريين، وطبقاً لموقع المؤسسة العامة للسينما السورية فهى من مواليد حلب 1948، درستْ في المعهد العالي للسينما في القاهرة وتخرجتْ من قسم المونتاج سنة 1976 بعد أن قدمتْ ثلاثة أفلام عملية كمشاريع تخرج، وفاز فيلمها "حكاية ما جرى في مدينة نعم" الذي أخرجه المخرج محمد كامل القليوبي بجائزة مونتاج وإخراج بمهرجان السينما التسجيلية..
أول الأفلام التي عملتْ فيها بعد عودتها إلى سورية كان فيلم (الدجاج) للمخرج عمر إميرلاي، وفي عام 1977تم تعيينها في المؤسسة العامة للسينما ولا تزال تعمل فيها، قامتْ بمونتاج عدد كبير من الأفلام السورية الهامة منها: "نجوم النهار" لأسامة محمد، "ليالي ابن أوى" لعبد اللطيف عبد الحميد، "الطحالب" لريمون بطرس، "اللجاة" لرياض شيا وغيرها، كما قامتْ بعمل مونتاج فيلم "المنام" التسجيلي للمخرج الكبير محمد ملص . وقد نالتْ جائزتي مونتاج عن فيلم "نجوم النهار" في مهرجان قرطاج السينمائي وعن فيلم "اللجاة" في مهرجان الإسكندرية، وكرّمها مهرجان دمشق السينمائي عام 1995 عن مجمل أعمالها.

(المونتيرة أنطوانيت عازرية ولدت في حلب عام 1948 ودرست فيها، ثم درست في القاهرة وتخرجت من المعهد العالي للسينما عام 1975، باختصاص مونتاج. عادت إلى دمشق لتعمل في مجال تخصصها السينمائي في المؤسسة العامة للسينما بدمشق منذ عام 1977. حصلت خلال عملها على ثلاثة جوائز تخصصية في مهرجانات دولية. جائزة عام 1976 عن الفيلم المصري "حكاية ماجرى في مدينة نعم"، حصلت على جائزة عام 1988 عن الفيلم السوري "نجوم النهار" من مهرجان قرطاج الدولي، وحصلت على جائزة عام 1996 عن الفيلم السوري "اللجاة" من مهرجان الإسكندرية الدولي. كُرّمت في مهرجان دمشق السينمائي الدولي عام 1995 عن مجمل أعمالها. وكرمتها نقابة الفنانين في عيد الفنانين عام 1999. من أبرز الأفلام التي قامت عازرية بمونتاجها: "حادثة النصف متر" لـ سمير ذكرى بالاشتراك مع زهير داية، و"نجوم النهار" لـ أسامة محمد، و"ليالي ابن آوى"، و"الطحالب"، و"صهيل الجهات"، و"اللجاة". وقامت بإخراج الفيلم القصير "الأطفال ليسو دائماً حمقى" و"أبيض".)

لم يتاح لي زيارة سوريا ولكن أنطوانيت زارت مصر منذ عدة سنوات وقضت بعض أيام في بيتي ، أنطوانيت شخصية محببة، خفيفة الظل وفنانة في عملها، ساهم الفيسبوك في تدعيم تواصلنا في الفترت الأخيرة، وأصبحنا نتواصل عبر الواتساب. كما قلت سابقا قد نغيب عن بعضنا ولا نلتقي وجها لوجه، ويبقى تفهمنا وتواصلنا قويا كما كان دائما. أجرت أنطوانيت جراحة في القلب واستردت صحتها، مؤخرا عاودها التعب ودخلت في أزمة أتمنى ألا تطول ويعود وجهها مشرقا كما عرفتها دائما ، ذكية دافئة وصديقة حميمة.

No comments:

Post a Comment