Monday 6 December 2021

أبو صدام رجل مهزوم في البيت والشارع شارك القاهرة 43 في المسابقة الرسمية

نادين خان مخرجة على الطريق

قرأت فيلم  " أبو صدام" على أنه نظرة نسوية للفحولة الزائفة عند الرجال، أبو صدام رجل مهزوم في بيته مع زوجته، وأخيها، ومعلمه وحتى من المغنية الشعبية التي كان مشهدها أحد مشاهد الفيلم الفائقة بل المشهد الفائق الأهم الذي طرح رؤيته بقوة على لسان المرأة التي لم نتأكد من كونها عاهرة بمقابل مادي، أم أنها فقط تتعامل بحرية (جيت معاك بمزاجي) وهي تلقنه درسا، تبعثر كرامته، وتسخر من اعتقاده القوي بفحولته ( ما تعرفوش تعملوا حاجة وانتم ساكتين، لازم هيصة) الحوار الذي سبق هذه اللحظة لا يكتبه إلا رجل، الحديث عن الليونة والحديد الصلب، كان خلفي أثناء العرض متفرج يمثل غالبية جمهور السينما المصرية، تنفجر ضحكاته ويبدو جاهزا للاستجابة لمثل هذه الكلمات، بل أجزم أنه يتوقعها، كلمات موحية  تصدم مشاهدين آخرين وتشعرهم بالنفور من صاحبها ومن الموقف ككل. بينما يتوح معها متفرج السينما المصرية التقليدية التي تعتمد على اللزمات والأيفيهات. استفزاز الرجال من امرأة تقود سيارة وتتفوق عليه في الطريق شائع في كل الطبقات، يكتسب في فيلم نادين بعدا طبقيا عن المرأة المسافرة بشورت في سيارة فاخرة. تضاف لهزائم أبو صدام مع زوجته التي تستجير بأخيها فينصفها على زوجها، وتضاف إلى هزيمته من المعلم الذي يطلب منه الاعتذار وهو حرنان، يتعرق من الضغط على أعصابه ورفضه التسليم بضعف موقفه، أبو صدام ، كنيته هذه تجعلنا نتساءل هل هناك قصدية عن ذكر دكتاتور العراق الذي أصبح مثلا على التعرض للإهانة القصوى ؟ أبو صدام  رجل غير قادر على الكسب ويبيع مصاغ زوجته، وتأتي المرأة وتجهز عليه قبل أن يتسلمه ضابط المرور الذي يحجزه فقط لأن مزاجه كده.  كم منا يمر في حياته بمواقف ضاغطة كالتي يمر بها أبو صدام مع اختلاف التفاصيل؟ كم منا يتظاهر بالقوة وفي داخله إحساس كبير بالمهانة وأنه ( رجل مش قادر يحكم بيته ) قد يكون أبو صدام شخصية واضحة الملامح للتعبير عن هذا التناقض ولكن مثله كثيرون على الطريق.

بدأ حفل افتتاح مهرجان القاهرة 43  بالسخرية من أفلام المهرجانات، وقال رئيس المهرجان أنه لن ينتج أفلام مهرجانات مرة أخرى، وتأتي نادين خان لتصرح في الندوة أن فيلمها يحقق المعادلة بين فيلم مهرجانات وفيلم للجمهور. لم يعرض الفيلم جماهيريا بعد ولكن رد فعل الحضور في العرض الأول لمهرجان القاهرة، والتهليل الشديد من جانب البعض أثناء العرض، والصمت من أغلب النقاد الحاضرين، هذه الحالة لا يمكننا الجزم معها أن الفيلم قد حقق المعادل الصعبة.

كتب محمود عزت السيناريو عن قصة لنادين هان التي تعرضت لموقف مشابه مع سائق للنقل كما صرحت في ندوة أعقبت عرض الفيلم، شارك محمود عزت في كتابة فيلم " فيلا 69 " لأيتن أمين عام 2013، باستناء لغة الحوار فالفيلم نسوي يعبر عن مخرجته التي اختارت موضوعا صعبا عن تريلا على الطريق، واختارت نجما محبوبا لم يتحرج من شخصية أتصور أن نجمي السبعينيات نور الشريف أو محمود عبد العزيز كانا سيرفضان القيام بها، ولا أستطيع أن أبعد عن تفكيري فيلم " ثلاثة عل الطريق " تأليف وإخراج محمد كامل القليوبي وتمثيل محمود عبد العزيز، كان النقد السياسي للقليوبي موازيا لتناول شخصية سائق النقل غير المتعلم وكان طوال الطريق يتلقى دروسا من الصبي المتعلم الهارب من أبيه وزوجته، ، هناك المرأة الراقصة وهناك مشهدهما معا بأسلوب كوميدي توافق مع فهم محمود عبد العزيز لشخصية السائق، وضعه المخرج في أجواء ضاحكة انتهت بقتله على الطريق من مروجي مخدرات قابلهم صدفة. سائق وطريق وامرأة ولكن في تناول مختلف تماما، وأسلوب سينمائي مختلف تماما، ملاحظة أسوقها للبعض ممن يسارعون باتهام آخرين بسرقة أفكارهم، تسيطر عليهم أوهام أن ما فكروا به ابتكار لم يسبقهم إليه أحد. لم يحقق أبو صدام الغاية من أفلام الطريق التي عادة ما تنتهي بتغير البطل تغيرا كبيرا وتغير مصيره فلا يعود نفس الشخص الذي بدأنا معه الرحلة، تنتهي رحلة فيلم نادين خان بلا أي تغيير في حياة بطليها، فلم ينجح حسن التباع/ أحمد داش في سرقة نقود العهدة، ولم تتغير هزائم أبو صدام / محمد ممدوح لا مع زوجته أو معلمه أو ضباط المرور المسئولين عن الطريق. يشعر المشاهد المعتاد على الحكايات التي يخرج منها بعبرة ما بالإحباط، فلا شيء تحقق ولم ينتصر أحد في معركة الطريق. المنتصر الوحيد في رأي نادين خان وفريق فيلمها الذي عبر زمنا صعبا تواجه فيه السينما المصرية مأزق الاختيار بين البقاء كصناعة مربحة يقبل عليها الجمهور وبين بقائها محاصرة في قاعات لا يتابعها سوى ضيوف المهرجان. نادين خان على طريق قطعه الوالد بأفلام يحبها الجمهور العام  وتحظى بقبول النقاد دون تحقظات كبيرة من جانبهم. 

 

ملحوظة: كتبت المقال قبل إعلان نتائج المسابقة الدولية، حصل الممثل محمد ممدوح على جائزة أفضل ممثل من لجنة التحكيم الدولية التي رأسها المخرج الكبير المحبوب أمير كوستوريتسا وضمت في عضويتها نجمتنا المحبوبة نيللي كريم .وقام بتسليمه الجائزة الممثل المخضرم رشوان توفيق . 

                                                                                                 صفاء الليثي

نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 8 ديسمبر 2021 رئيس التحرير عماد الغزالي   

 

No comments:

Post a Comment