Monday 13 January 2020

Marriage Story عن فيلم قصة زواج


قصة زواج وأهمية الحوار في الفن والحياة
السمة الغالبة على أشهر أفلام نهاية العام 2019 عودة الحوار كعنصر هام من عناصر الفيلم السينمائي في الأيرلندي والبابوان وأيضا في قصة زواج. يلعب الحوار في مشاهد فائقة بالفيلم دورا كاشفا عن طبيعة العلاقة المركبة بين الزوج تشارلي (آدم درايف) والزوجة نيكول (سكارليت جوهانسون) ، وهما شريكان في العمل والحياة، دائما توصف علاقة الزواج بالحب والكره في آن واحد، هما متحابان تربطهما علاقة حميمة ، يصعدان فيها معا إلى درجة أعلى في مهنتهما هو كمخرج وهي كممثلة، ولكنها ترفض الوضع الأدنى وتشعر فجأة أنها الجانب الذي يضحي ويتنازل عن أحلامه بينما يحقق هو ما يريده ويرتقي ككيان منفصل، يعزز غضبها الخيانة لمرة واحدة التي قام بها الزوج مدفوعا بتركه ينام على كنبة . حين يناقش المخرج نوح باومباخ – وقد مر هو شخصيا بتجربة طلاق- يكون تركيزه على حق الطفل المحب من الطرفين في حياة يسعد فيها بأمه وأبيه ويحصل على أعلى درجات الرعاية والاهتمام، تشجع قوانين الأسرة في أمريكا على اعتبار أولية مصلحة الطفل هنري في المقام الأول حتى أن المحكمة التي تناقش قضية طلب الزوجة الطلاق توصي بوضع مراقب لكي يقدم تقريرا عن علاقة كل من الأب والأم بطفلهما. المشهد الذي تصل فيه المراقبة لمنزل الأب وتراقب بصرامة موظف خال تماما من المشاعر أحد أهم مشاهد الفيلم الذي يضعنا أمام مأساة أن يقوم شخص غريب تماما بتقييم علاقتك بأهم فرد في حياتك، علاقتك بابنك . وفي لقطة مؤثرة ينام الأب على أرضية المطبخ متألما وقد جرح يده بسلاح صغير في سلسلة مفاتيحه دون قصد وهو يشرح للمراقبة عما كان يقصده الابن من السؤال عن سلاح الأب. الابن استيقظ ليشرب يسأل والده لماذا ينام هكذا والأب كاتما ألمه يقول إنه متعب قليلا. التعب الجسدي وقد تحول بالكتمان إلى تعب نفسي يجسد حقيقة أنانية الطفل ولا مبالاة الرقيب الخارجي حتى لو كان معينا من قبل قضاة يقصدون مصلحة الطفل أولا قبل أي شيء. نأتي إلى المشهد الفائق فيه تأتي نيكول بمفردها دون الطفل الذي فضل البقاء مع أبناء خالته وتناقشه في أمر تسوية دون اللجوء للمحاميان الذي قدمهما المخرج كسمكتي قرش عملاقان كل ما يهمها الانتصار لموكله على حساب تشويه وإبراز عيوب جانب منها صحيح مع قدر من مبالغات للتأثير على المحكمة، حين يتعاتبان ينفعل كل منهما ويفقد تشارلي أعصابه ويصل إلى البكاء فتتعاطف معه نيكول تحتضنه ويعتذر ويصل الممثلان إلى أعلى درجات الأداء المعتمد كلية على الكلام المنطلق من القلب والمعبر عن مشاعر الغضب من الموقف السخيف الموضوعان به. مشهد يمكن تسميته بالمسرحي حيث صالة المنزل هي خشبة المسرح وحيث الكلمة واللقطة المتوسطة المحايدة تحافظ على وضعهما في المكان دون الاقتراب من الوجه في لقطات مكبرة تتميز بها السينما، الاعتماد على تدفق الكلام ودرجة انفعال نيكول وتشارلي يعيدنا إلى حقيقة أهمية تبادل الحوار والتعبير المباشر والصريح عن الغضب دون تركه لتتكون تراكمات لا سبيل إلى حلها إلا بتدخل الآخرين ومنهم المحامية القرش نورا (لورا ديرن) والمحامي القرش فانشو (يوهانسون) المستفيدان الأكبر من كل نزاع يهدد أسرة متحابة كأسرة تشارلي ونيكول وهنري.
المشهد الافتتاحي يقدم الشخصيات بتعليق من الأطراف الثلاث فنتهيأ لمتابعة قصة رومانسية عن أسرة متحابة وتأتي الصدمة من الانقلاب الدرامي بتغير مشاعر الزوجة وطلبها الطلاق وتعرض الطفل لمتاعب الانفصال، في نهاية الفيلم يدخل الأب صدفة فيجد الابن يتهجى قائمة كتبتها الأم تصف الزوج بكلمات كلها محبة وذكر لصفاته الجميلة يقرأالأب مع الطفل ويحبس دموعه وهو سريع البكاء كما وضح لنا المخرج في البداية حيث يبكي مع الطفل وهما يشاهدان فيلما ما ، بينما الزوجة لا تتمكن من البكاء بسهولة وخاصة على المسرح بينما تبكي ويحمر أنفها حين تنفرد بنفسها، امتلك المخرج والمشارك في الكتابة حساسية في التعبير عن تفاصيل حميمة تصف شخصيات فيلمه الذي نجح في جعلنا نحبهم بنفس القدر دون انحياز نسوي أو ذكوري ، ودون الإحساس بملائكية مطلقة للطفل، بل شعرنا بأن البشر رجلا كان أو امرأة أو طفل يمتلكون جوانب إيجابية وطيبة وأخرى سلبية وسيئة، وأننا في النهاية نحتاج أن نتسامح كأسرة وأن نتعلم تقبل الآخر والتعاون بقدر من التنازلات، سنجد تشارلي وقد وصل إلى الحصول على عمل ليبقى في لوس أنجلوس المدينة التي تفضلها زوجته حيث هناك دائما مساحة للانطلاق بعيدا عن اختناق العاصمة نيويورك.
رغم اختلاف التفاصيل بين أمريكا ومصر إلا أن المشاهد المصري يجد دروسا مستفادة من فيلم قصة زواج تدعم تماسك الأسرة وتعطي درسا لايكلف الكثير عن ضرورة الاستماع إلى الآخر وعن أهمية الحوار في الفيلم والحياة.
عرض الفيلم في إطار نشاط جمعية نقاد السينما المصريين في نهاية العام . وعرض فيلم ينتمي للنوع الاجتماعي لا يقل أهمية عن عرض فيلم يتناول قضايا كبرى، فالسينما هي فن الحياة ويكتسب كل فيلم أهميته من درجة تعبيره الخاص عن قضية تشغل البشر في أي مكان من العالم.
صفاء الليثي
نشر بجريدة القاهرة الثلاثاء 7 يناير 2020 رئيس التحرير عماد الغزالي


No comments:

Post a Comment