Sunday 6 October 2019

الفصل الأخير من فيلم أبناء الصمت


عشقت المونتاج بسبب الفصل الأخير 
للفيلم الدرامي الحربي "أبناء الصمت"
كنت طالبة في السنة الثالثة قسم مونتاج، أستاذي المونتير الكبير سعيد الشيخ، حيث كان يعمل في حجرة المونتاج باستديو نحاس(النيل) كنت ككل القرويين أحضر باكرا قبل أن يحضر أغلب العاملين وكان ا.محمد راضي يحضر باكرا أيضا، كنا نتحدث يسألني عما أدرسه ويحكي لي ذكرياته مع المعهد والأساتذة، وفي يوم كان متحمسا وطلب منى الصعود، كانت الحجرة التي يعمل بها فيلمه " أبناء الصمت " في الطابق الثاني وفيها التقيت المونتير أحمد متولي ومساعدته النابهة نفيسة نصر. علمت أن الفيلم كان يقوم على مونتاجه المونتير عادل منير، ولكنه أصيب بمرض الصفراء ولزم الفراش ، فلجأ محمد راضي إلى أحمد متولي الذي كان مونتيره المفضل وكانا اختلفا لأمر ما فأسند " أبناء الصمت إلى عادل منير. كان قد انتهى من مونتاج كل المشاهد الدرامية وبقى المشهد الأخير ، العبور . كان القدر يلعب لعبته فأحمد متولي قام بمونتاج العديد من الأفلام الوثائقية الخاصة بالحرب، ويتميز أسلوبة بقوة الإيقاع وتناغم الانتقالات مع الموسيقى، بدأ العمل وكنت أقوم بدورالمساعد الثاني ، أبحث في الديشيهات عن لقطة مطلوبة ، أحضر لفة صوت مطلوبة ، كانت المادة المصورة غزيرة جدا، حكي محمد راضي أنه استعان بجنود جيش حقيقين كانوا قد حوصروا في الثغرة فقاموا بمشاهد العبور بحماسة من حرم في المشاركة بهذا النصر العظيم، من يشاهد الفصل الأخير الذي أبدعه المونتير أحمد متولي يعتقد أنه تصوير حي للمعركة الحقيقية التي دارت. كانت كنية المخرج الكبير محمد راضي المخرج الحربي فقد أظهر براعة فائقة في تصوير إعادة للمعارك وللتحضيرات التي تسبق طلعات الطيران ، وكانت مشاهد اقتحام خط بارليف ورفع العلم عليها مشاهد قوية أداها الجنود وكلهم حماسة، يصعدون التلال الرملية وهم يصرخون" الله أكبر " كانت العلب الكبيرة من نسخة العمل بحجم 600 متر، مليئة بمختلف أنواع اللقطات علب كاملة يسميها راضي " طلعات الطيران" وأخرى خراطيم المياة وثالثة لإقامة الجسور التي عبرت عليها الدبابات .  يبني متولي المشاهد في تتابع كقائد حربي يدرك معنى وتفاصيل معركة النصر بعد الهزيمة وبعد الاستنزاف. الموسيقار بليغ حمدي كان واضع موسيقى الفيلم، وكان ملحن كل أغاني الحرب وأشهرها " اللله أكبر بسم الله بسم الله" لا أنسى مشهدا جرى حين حضر ووجد أن المونتير أحمد متولي هو من يجلس على كرسي الموفيولا حتى اطمئن على موسيقاه ، ربت على كتفه معبرا عن اعتزازه وتقديره. قام أحمد متولي بتركيب الموسيقى على فصول الفيلم الدرامية التي كان قد قام عادل منير بمونتاجها كاملا، نفيسة تركب المؤثرات مع مساعد عادل منير عزت فهمي، والمتدربة التي مازالت تدرس تتحرك بتشجيع كبير من محمد راضي لمساعدة نفيسة وعزت. أياما لا تنسى قضيتها في حجرتي الموفيولا و التقطيع، في تلك الورشة العملية لتعلم فنون المونتاج وكيفية بناء المشاهد طبقا لتتابع سير المعارك الكبرى.
جاءت مرحلة صياغة المقدمة ( التريلر) تعليق المقدمة، أبناء الصمت، نصآنبي ،الموفيولا إلى الأمام وإلى الخلف وصوت التعليق يشغلني ، حياة المرء منا مكتوبة على قفاه، جملة يلتقطها المونتير ويبني عليهاالمقدمة التي كانت مسئولية فريق المونتاج في ذلك الوقت، وليس كما يحدث الآن من إسنادها لشركة دعاية. الفيلم كان يمنتج صوت وصورة ثم يتم تحديد قياسات الموسيقى وبعد تأليفها تعود ليتم تركيبها مع المشاهد ثم تضاف باقي شرائط الصوت من مؤثرات صوتية وحية. عمل المساعدة نفيسة نصر كان رائعا ومنها تعلمت بشكل عملي كيفية تركيب شرائط الصوت ومن المونتير أحمد متولي فنية علاقات عناصر الصوت بعضها البعض. يصبح الفيلم معدا للعرض بفصوله 11 الدرامية ويختمها الفصل الأخير الذي يمثل العبور والنصر. عمل رائع لأنه صور من مخرج متخصص في أفلام الحركة والمعارك- دون الاستعانة بخبير أجنبي- ومونتير أستاذ في بناء المشاهد، أستاذ في الإيقاع، وفريق مساعدين يقدمون شرائط غنية لكي يصبح شريط الصوت مناسبا لقوة الصورة. صيحات الجنود، جنازير دبابات، انفجارات، طلعات طيران، كانت نفيسة تطلب المزيد وأذهب إلى جليلة بقسم الصوت معي " باند أنفني " أطلب نقله، تتبرم جليلة ادينالك طيارات ودبابات وبروي .. ولكنها تركب اللوب في الماكينة وتقوم بعملية النقل. حين يعرض الفيلم تمضي الدراما كأي فيلم مصري عادي حتى يأتي الفصل الأخير فتحدث النقلة الكبيرة في الإيقاع وتتلاحق اللقطات متنوعة غنية معبرة عن النصر الكبير . طا طا طا الللللله بسم الله، الله أكبر باسم الله. ثلاثة مبدعين ، مخرج ومؤلف موسيقي ومونتير أبدعوا نسخة طبق الأصل من معركة نصر أكتوبر 1973. كانت الأيام قد دارت ليوافق 6 أكتوبر عيد الفطر وتكون دور العرض فاغرة فاها في انتظار وجبتها المنتظرة فيلم يبدأ بإحباط أبطاله من النكسة، مرورا بمعارك الاستنزاف، وصولا إلى العبور العظيم.
لم تصور المعارك واستغل الفصل الأخير من فيلم المخرج محمد راضي " أبناء الصمت" كأنه توثيق للمعارك التي حققت النصر.
بعد تجربتي مع الفصل الأخير من أبناء الصمت التحقت بورشة أحمد متولي في استديو الأهرام ومع نفيسة ساعدناه في أعمال هامة مع علي عبد الخالق ومحمد راضي الذي عاد للعمل معه ولم يفارقه إلا بعد انشغال أحمد متولي مع المخرج عاطف الطيب فاختارني لمونتاج فيلمه" الحجر الداير" وفيلم المخرج محمد كامل القليوبي " ثلاثة على الطريق" الذي قام فيه بدور المنتج الفني.
" أبناء الصوت" فيلم مهم في  مسيرة السينما المصرية، عمل على مونتاجه مونتيران كبيران، ساعدهما المادة المصورة الغزيرة للمخرج محمد راضي الذي كان يتبع أسلوبا أمريكيا في تصوير المشهد مرة واحدة بكامله في لقطة عامة ثم يقوم بتقطيعة لعدة زوايا فيكون لدى المونتير حرية القطع بالاختيار بين الزوايا واللقطات متنوعة الأحجام. محمد راضي الذي قاد جيشا من جنود حقيقيين فحقق معجزة فيلمية تعادل معجزة العبور التي حققت نصر أكتوبر 73.
صفاء الليثي
أكتوبر 2018
نشر بمجلة تلي سينما رئيس التحرير أيمن الحكيم 



No comments:

Post a Comment