Tuesday 23 April 2019

عن الفيلم الفائز بأفضل تسجيلي طويل باسماعيلية 21


رمسيس راح فين؟
مقال تأليف : سهام بنت سنية وعبد السلام
يقدم لنا عمرو بيومي في فيلمه "رمسيس راح فين؟" الفائز بجائزة الأفلام التسجيلية الطويلة في الدورة الحادية والعشرين من مهرجان الاسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة فيلما مزج ببراعة بين الخاص والعام، مزجا بلغ حد التماهي بين عمرو بيومي و رمسيس؛ التمثال لا الملك، وبالذات التمثال الذي وقف لعشرات السنين في ميدان باب الحديد.  فكلاهما (المخرج والتمثال) كان خاضعا لسلطة استبدادية (الأب في حالة عمرو بيومي والسلطة السياسية الحاكمة في حالة التمثال).  فقد حرص عمرو بيومي على تأكيد استبداد والده بالسلطة الذكورية في الأسرة وكاريزمته العالية التي جعلته يتحكم في مجاله خارج الأسرة، يؤكدها في حالة عمرو المقتطفات التي يتلوها من خطاب أرسله له والده معترضا على اختياره لشريكة حياته.  أما التمثال، فقد تعرض مرتين للنقل من مكان استقر فيه إلى مكان آخر بناء على قرارات لصالح الحاكم.  فقد كان التمثال مستقرا في ميت رهينة لآلاف السنين، حتى قرر قائد حركة الجيش في 1952 جلبه إلى ميدان باب الحديد بديلا لتمثال نهضة مصر الممثل لروح ثورة 1919، حتى ينسى الناس رموز الثورة القديمة ويتذكروا الثورة الجديدة.  ولما سميت محطة مترو الأنفاق التي تقع تحت الأرض باسم الحاكم المصري وقت إنشائها "مبارك" رؤي أنه لا يصح أن يكون التمثال بالأعلى ويسمى الميدان باسمه بين اسم الحاكم بالأسفل، فتقرر نقله توطئة لتغيير اسم الميدان.  لكن لسخرية الأقدار، تغير اسم المحطة إلى "الشهداء" بعد ثورة 25 يناير 2011، وظل الميدان يحمل إلى هذه اللحظة اسم رمسيس.

لكن، "رمسيس راح فين"؟ سؤال لا يدور في ذهن المخرج وحده، بل دار ويدور في أذهان جميع المصريين الذين ارتبطوا بتمثال رمسيس على مر الزمان، منذ أن كان ملقى على الأرض في ميت رهينة، يألفه الأطفال والأهالي ويحيطون به في حب، حتى صدر الأمر في 1955 بنقله في فترة 5 أيام، ونقل راقدا على ظهره بعد إنشاء جسر خاص يتحمل ثقله، وأقيم في ميدان باب الحديد حتى نقل في موكب ملكي فخم في 2006، هذه المرة واقفا بكل جلاله، كما قال المهندس الذي صمم خطة نقله، فقد أراد أن يجعل من رحلته موكبا ملكيا لا جنازة ملكية، لذلك رفض نقله في وضع أفقي وصمم خطة تنتفي فيها المخاطرة تماما، وهو نفسه تعامل مع التمثال بحميمية، إذ يقول أنه ربت على كتفه، وهمس في أذنه "خليك كويس وبلاش حركات الملوك القرعة"، وكان التمثال عند حسن ظنه، إذ سار موكبه المهيب يحفه مواطنوه المصريون وهم يلوحون له بالأعلام ويهتفون باسمه، موكب يحسده عليه أي حاكم حتى وصل بسلام إلى مقره في الهرم، وربما يعقد المشاهد مقارنة بينه وبين موكب وداع جمال عبد الناصر الذي قدمه المخرج من لقطات أرشيفية.
استخدم المخرج العديد من العناصر في سرده الفيلمي، فاستخدم شهادته الخاصة، مصورا نفسه في إطاره الخاص في المنزل وفي حي السكاكيني، كما استخدم لقاءات مع شخصيات لها علاقة وثيقة بنقل التمثال أو بالتاريخ عموما، وأسهب في شرح حي السكاكيني من خلال رسم تخطيطي يوضح قلب الميدان الذي يحتله قصر السكاكيني وتتفرع منه الشوارع، وأحدها الشارع الذي نشا فيه على مقربة من ميدان رمسيس، رابطا بين محل نشأته ومستقر تمثال رمسيس الذي احتل موقعا مركزيا في ذاكرته البصرية.  واستخدم أيضا مواد أرشيفية ما بين صور فوتوغرافية ولقطات سينمائية لأحداث هامة مثل النقل الأول للتمثال من ميت رهينة إلى باب الحديد، مع لقطة أراها تحية ليوسف شاهين من فيلم "باب الحديد"، وكانت لقطات جنازة عبد الناصر مهمة سواء للتذكرة بكيف يودع الشعب المصري زعيما أحبه أو للمقارنة بينها وبين توديعه لزعيم آخر هو رمز لتاريخ مصري مجيد.
واستخدم المخرج قصاصات صحفية لرسوم كاريكاتورية توضح مدى الحميمية التي كانت بين الناس وبين التمثال، بحيث "يهزر" معه جورج البهجوري دون إخلال بقامته التي تظل دائما سامقة عالية أعلى من أي مما يحيط بها.  أما اسم الفيلم فمشتق من إعلان لمهيب عن شركة مصر للألبان في الستينيات او السبعينيات بعنوان "رمسيس راح فين؟" وقد أورده المخرج بأكمله قرب نهاية فيلمه، وهو إعلان يوضح أيضا الحميمية التي كان الشعب المصري يتعامل بها مع تمثال رمسيس، الذي خلا موقعه الآن في باب الحديد، كما اختفت شركة مصر للألبان، وغيرها الكثير. 
سألت المخرج في لقاء بجمعية النقاد، ألم يفكر في تصوير حدث تغيير اسم محطة مترو الأنفاق من "مبارك" إلى "الشهداء"؟ فكان رأيه أن هذا تقرير مباشر، ويكفي أنه صور ملصقا لمبارك لا يضاهي فيه أبدا قامة رمسيس، كما صور أفيش فيلم "ظاظا" وهو عن شخص يفشل في ان يصير رئيسا.  أتفق معه في أن هذه العلامات دالة، لكن أفيش الفيلم بالذات لن يفهمه إلا من شاهد الفيلم.  وعموما، سواء صور تغيير اسم المحطة أم لم يصوره، لا يملك المشاهد إلا ان يعقد هذه المقارنة بين مصير التمثال الذي نقل حتى لا يعلو اسم "مبارك"، ومصير مبارك الذي محي اسمه من على المحطة.

تستضيف المدونة مقال الزميلة سهام عبد السلام والمدونة مفتوحة لغيرها من الزميلات والزملاء 

No comments:

Post a Comment